المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الطب والجراحة والصيدلة - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٢

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الأولالعلوم الشرعية

- ‌حول التقليد والتجديد

- ‌ التفسير

- ‌القراءات

- ‌الحديث

- ‌ الأثبات

- ‌الإجازات

- ‌عيسى الثعالبي

- ‌أحمد البوني

- ‌ الفقه

- ‌الأثار الفقهية:

- ‌عبد العزيز الثميني:

- ‌خليفة بن حسن القماري:

- ‌النوازل والفتاوى والفرائض

- ‌الفصل الثانيعلم الكلام - التصوف - المنطق

- ‌ علم الكلام

- ‌ يحيى الشاوي

- ‌ التصوف

- ‌المناقب الصوفية:

- ‌شروح في التصوف:

- ‌المواعظ والردود:

- ‌المنطق

- ‌الفصل الثالثعلوم اللغة - النثر الفني

- ‌علوم اللغة ونحوها

- ‌البيان والمعاني (البلاغة) والعروض

- ‌فنون النثر

- ‌الشروح الأدبية:

- ‌التقاريظ والإجازات والعقود:

- ‌الرسائل:

- ‌الوصف:

- ‌الخطابة:

- ‌القصص والمقامات:

- ‌ أحمد المقري

- ‌أحمد بن عمار

- ‌الفصل الرابعالشعر

- ‌مدخل

- ‌الشعر الديني

- ‌الشعر السياسي

- ‌الشعر الاجتماعي

- ‌المجون والمزاح:

- ‌المدح والفخر:

- ‌الرثاء:

- ‌وصف المنشآت العمرانية:

- ‌الألغاز:

- ‌الشعر الذاتي

- ‌الشعر والمرأة:

- ‌الوصف:

- ‌الحنين والشكوى:

- ‌ ابن علي)

- ‌الشعر الشعبي

- ‌الفصل الخامسالتاريخ - التراجم - الرحلات

- ‌ مفهوم التاريخ

- ‌في السيرة النبوية

- ‌تواريخ عامة وتواريخ محلية

- ‌تراجم عامة

- ‌تراجم خاصة

- ‌ابن المفتي وتقييده

- ‌أبو راس الناصر

- ‌الرحلات

- ‌الورتلاني ورحلته

- ‌الفصل السادسالعلوم - الفنون

- ‌مقدمة

- ‌الحساب والفلك

- ‌الطب والجراحة والصيدلة

- ‌عبد الرزاق بن حمادوش

- ‌كتابه كشف الرموز:

- ‌كتابه تعديل المزاج:

- ‌الفنون

- ‌رأي العلماء والمتصوفة في الموسيقى:

- ‌ممارسة الموسيقى والغناء:

- ‌العمارة والخط والرسم:

- ‌المحتوى

الفصل: ‌الطب والجراحة والصيدلة

ومن جهة أخرى ألف أحد الجزائريين رسالة في الفلك أيضا سماها (الحاشية الاختصارية الرملية الفلكية)، وهو علي بن حسن الجزائري. والظاهر أن المؤلف كان من أتراك أو كراغلة الجزائر ثم استوطن مصر وبها ألف الكتاب لأنه يذكر في بدايتها عبارات تدل على ذلك مثل (الجزائرلي بلدة، الحنفي مذهبا) وأخبر أنه تلقى علم الفلك والحروف على بعض الصالحين فأراد أن يسهم في هذا الفن في وقت لحق فيه الناس، كما يقول، (التمدين واتخذوا البلاغة معدنه) ومما يدل على نسبته المذكورة أيضا ضعف لغته وعجمتها. ومهما كان الأمر فقد ألف عمله، كما قلنا، في مصر، وليس في عمله إلا إشارة واحدة إلى تاريخ وهو 11 ربيع الآخر سنة 85 (والظاهر أنه يعني سنة 1185). وقد اطلعنا على هذا التأليف فوجدناه أقرب إلى خطوط الرمل منه إلى العلم. ومما جاء فيه هذه العبارات ذات الدلالات الخاصة مثل (النار بيت السلطان والهواء بيت الوزير والماء بيت العمال والتراب بيت الرعايا والعساكر والدراويش .. النار تركي اللسان والهواء عربي اللسان والتراب هندي اللسان والماء فارسي اللسان. النار درهم والهواء نصف درهم والماء ربع درهم والتراب ثمن درهم. النار أبيض والهواء أحمر والماء أخضر والتراب أسود الخ)(1).

‌الطب والجراحة والصيدلة

ولكن العناية بالعلوم الطبية كانت أكبر من العناية بالعلوم الأخرى (ما عدا الفلك) خلال العهد العثماني. ذلك أن الإنسان كان في حاجة إلى

(1) صورنا نسخة منه من مكتبة جامعة برنستون الأمريكية (قسم يهودا)، رقم 954، في حوالي 38 ورقة، خطها جيد وكاملة. انظر أيضا بروكلمان 2/ 1038، ونشير أيضا إلى عملين في هذا الموضوع لا ندري بالضبط عصرهما ولا نسبتهما، وهما (كاشفات المحيط والمحاط لانضباط أحواله من سمو والتواء وانحطاط) لأحمد بن يوسف بن عبد القادر الجزائري (؟)، بروكلمان 2/ 1019 و (مرآة الإعلام) في الفلك للحافظ أحمد بن الشيخ التلمساني (؟) بروكلمان 2/ 1019.

ص: 416

المعالجة، سواء كان في أعلى مكان أو أدناه. حقا أن الإيمان بالقضاء والقدر في هذا الميدان كان مسيطرا على العقول بصفة عامة ولكن بعض الناس كانوا يؤمنون بالعلاج والتداوي واتخاذ الوسائل والأسباب للمحافظة على الصحة، وهم أولئك المؤمنون بالحديث المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم:(العلم علمان، علم الأديان وعلم الأبدان). ولذلك وجدنا بعض التآليف والرسائل والأراجيز في علم الطب وفروعه، ووجدنا عددا من المتطببين أيضا. ومع ذلك فإن الخرافة قد اختلطت بالطب في معظم الأحيان. فالعامة كانت تؤمن بالتداوي بالشرب من بئر معينة أو بتعليق تميمة، أو بزيارة ولي، كما أن النسوة خصوصا كن يؤمن ببعض الأسباب غير الطبية للبرء من العقم وحفظ الولاء بين الزوجين، ونحو ذلك.

ومعظم الأدوية الشائعة كانت تتناول الجانب الخارجي من جسم الإنسان. فالجراحة ونحوها كانت شبه معدومة. وكلمة حكيم كانت هي الشائعة عند الناس، وكان الطبيب محل احترام وتبجيل. وكان بعض العلماء وأشباههم يركبون الأدوية من النباتات المتوفرة في البلاد ويصنعون المعاجين والأشربة ويستعملون وسائل الكي والحجامة، ونحو ذلك. وقد وضعوا مجموعة من الوصفات للتغلب على بعض الأمراض الشائعة كوجع الرأس والمعدة والحروق والإصابات الجلدية وضعف الأعضاء التناسلية ووجع المفاصل وغيرها. كما نجدهم قد عينوا أدوية خاصة للتغلب على السموم والتأثيرات الخارجية الأخرى كالإصابة من حرارة الشمس. ونحن نجد في (كشف الرموز) لابن حمادوش وبعض مؤلفات أحمد البوني نماذج حية عن ذلك. والغريب أنه بالرغم من تقدم علم الطب في تاريخ الحضارة الإسلامية واشتغال علماء المسلمين بالجراحة والصيدلة، فإن أهل الجزائر، بمن في ذلك علماؤهم، كانوا يؤمنون بأن الطب مقصور على الأوروبيين (1).

(1) لاحظ بانانتي الإيطالي، 260 - 261 أن أهل الجزائر يعتقدون أن كل أوروبي طبيب كما يعتقد الأوروبيون أن كل إيطالي مغن، ومن جهة أخرى نجد هذه العقيدة في قصر =

ص: 417

وقد لاحظ الأوروبيون العناية بأنواع العلاج الخارجي في الجزائر. فقد كاذ الجزائريون يتغلبون على الحمى بنبات الشندقورة ونحوه، والرضوض بالكي، والجروح بصب الزبدة الساخنة، والجدري بحفظ المريض في حالة دفء وإعطائه حبات من الكرميس في العسل. كما يعالجون للتورم والالتهاب بأوراق بعض النباتات. وكانت الحناء وسيلة لعارج الحروق والجروح البسيطة (1) وقد فصل ابن حمادوش في معجمه (كشف الرموز) القول في أنواع النباتات والعقاقير وكمياتها وطريقة استعمالها. وكانوا يتغلبون على لدغة العقرب والأفعى بوضع البصل والثوم على مكان اللدغة. كما كان العسل وسيلة كبيرة للعلاج. وكانت للنساء قوابل معروفات بالمهارة. أما على المستوى العام فإن الحكومة كانت تلجأ لحفظ الصحة إلى الحجر الصحي عندما تعلم بانتشار الطاعون والأمراض المعدية في إحدى السفن الداخلة إلى الجزائر.

وكان كبار المسؤولين في الدولة يهتمون بشؤون صحتهم الخاصة ويصطنعون لهم الأطباء كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا. حقا إنهم لم يشجعوا دراسة الطب في المدارس ولم ينشئوا أكاديميات طبية للبحث، لكنهم كانوا مهتمين فقط بالأسباب العاجلة. لذلك نقرأ في الوثائق أن بعض الباشوات والبايات قد جلبوا أطباء أوروبيين بالشراء ونحوه. ومعظم هؤلاء الأطباء كانوا يأتون أسرى عند النزاع البحري، ولكن بعضهم كان قد استجلب من بلاده أو كان مقيما في الجزائر لأغراض تجارية أو سياسية. فقد روى لوجي دى تاسي أنه كان للباشا بابا علي طبيب جراح فرنسي كان قد وقع أسيرا (2). كما قيل إن الطبيب الإنكليزي بودوين كان طبيبا للباشا حسين (3). وقد عرف

= الطب على الأوروبيين موجودة أيضا عند ابن العنابي وحمدان خوجة. انظر كتابنا (المفتي الجزائري ابن العنابي)، الجزائر 1977، ط 2، 1990.

(1)

شو، 357 - 362.

(2)

لوجي دي تاسي (تاريخ)، 225.

(3)

انظر (قصة وصول الباخرة لابروفانس إلى مرسى الجزائر) باريس 1830، 69 تعليق 1.

ص: 418

عن صالح باي أنه اشترى طبيبا إيطاليا يدعى باسكال قاميزو بألف محبوب عندما وقع هذا الطبيب في أسر الرئيس محمد الإسلامي (1). كما أن الباي حسين بوكمية، باي قسنطينة، كان له طبيب هولاندي يدعى سانسون، وكان سانسون هذا على صلة بالطبيب الانكليزي الرحالة توماس شو وهو الذي قدم له معلومات جغرافية وغيرها عن قسنطينة عندما زار شو هذه المدينة (2)، ويظهر أنه بينما كان الباشوات والبايات يجلبون الأطباء لأنفسهم ويؤمنون بقيمة الطب (الأوروبي)، كانوا لا يهتمون بصحة السكان عموما، تاركين العامة للطب التقليدي الذي تحدثنا عنه.

ومن أخبار الباي محمد الكبير أنه كان يعتني بالطب ويشجع العلماء على التأليف فيه واختصار المطولات منه. فكاتبه أحمد بن سحنون يقول عنه إنه كانت للباي في الطب اليد الطولى، وإنه كان يصف للناس الدواء ويدفع لهم ما حضر منه، حتى أن المساكين كانوا يفزعون إليه كما يفزعون إلى طبيب ماهر. ويدل هذا على عناية الباي بالطب عموما واهتمامه بصحة الناس. كما يدل على أن الناس كانوا يعتقدون في الدواء إذا توفر لهم. وبفضل عناية هذا الباي بالطب قام بعض العلماء بالتأليف فيه واختصار المطولات الطبية منه. فهو الذي أوحى إلى أحد الشيوخ، ويدعى عبد اللطيف (؟)، بوضع كتاب سماه (المنهل الروي والمنهج السوي في الطب النبوي). كما أمر كاتبه ابن سحنون بجمع طب القاموس، فجمعه له وزاد عليه من كلام الأطباء حتى صار تأليفا هاما. وكان الباي يجيز من يفعل ذلك بالمال الجزيل (3). ويظهر من هذا الخبر أن الباي كان يؤمن بالطب عموما والطب النبوي خصوصا، وأنه كان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في طبه، وأنه كان (يصف الدواء لأصحابه ويتداوى في نفسه من عوارض الأمراض) كما يقول ابن سحنون. وقد قيل عن الباي محمد الكبير بأنه كان يفخر بوصف

(1) دايفوكس (التشريفات)90.

(2)

فايساث (روكاي) 1868، 367.

(3)

(الثغر الجماني) مخطوط باريس، ورقة 15 - 16.

ص: 419

نفسه بأنه (طبيب الفقراء)(1).

وقد كانت مصادر الطب العربي متوفرة في الجزائر، وكنا لاحظنا من دراستنا للمكتبات وفرة الكتب الطبية ولا سيما تآليف ابن رشد وابن سينا وداود الأنطاكي وابن البيطار. وفي رحلة ابن حمادوش أسماء مؤلفات طبية بالعربية وأخرى مترجمة كان يرجع إليها هو وأمثاله، كما أن مدرسة تلمسان الطبية لم تأفل تماما، ولا شك أن كتابات إبراهيم بن أحمد التلمساني ومحمد بن يوسف السنوسي في الطب كانت معروفة ومتداولة (2)، ورغم أننا لا نعرف تأليفا في الطب لسعيد المقري فإن تلاميذه ومعاصريه يقولون عنه إنه كان يجمع بين العلوم النقلية والعقلية، ولا سيما الطب والتشريح والهندسة والفلاحة والتنجيم (3).

والجمع بين التأليف في التصوف والطب لم يكن مقصورا على السنوسي. فهذا محمد بن سليمان الذي وضع موسوعة ضخمة في التصوف، وكان ممن جمع بين العلم والتصوف، قد نظم رجزا في الموازين والمكاييل الطبية والشرعية جاء فيه:

ودانق حبوبه ثمان

من أوسط الشعير لانقصان

ورطلهم في الطب بالبغدادي

والوزن في الزكاة قال الهادي

يكون بالمكي والمكيال

بالمدني مدمن ماء قالوا

كما نقل عن محمد السنوسي في شرحه لحديث المعدة، وعن بعض

(1) أحمد توفيق المدني (محمد عثمان باشا)160.

(2)

انظر الفصل الأول من الجزء الأول من هذا الكتاب، فقرة الطب والعلوم الأخرى.

(3)

ابن مريم (البستان)، 105. يبدو أن ابن مريم قد اشتهر بين معاصريه بكتاب (فتح الجليل في أدوية العليل) أكثر من اشتهاره بكتاب (البستان). ذلك أن ابن سليمان في (كعبة الطائفين) 2/ 222 حين أراد تعريف ابن مريم قال عنه (مؤلف الشيخ الرقعي)،

ولم يقل عنه صاحب كتاب (البستان) مثلا. وبعد اطلاعنا على (فتح الجليل) وجدناه كتابا في العقائد والتصوف، انظر نسخة المكتبة الوطنية - تونس رقم 4412، أوراقها 178.

ص: 420

المعاصرين له أمورا سحرية كتعليق المصاب بالحمى اسمي فرعون وهامان. والطب والسحر في هذا العصر كانا مختلطين، ومن جهة أخرى نقل ابن سليمان عن محمد البوني كلاما طويلا في الرياضة البدنية والصوفية (1)، وقد عرفنا أن ابن سليمان عاش في منتصف القرن الحادي عشر.

ورغم اشتهار محمد بن أحمد الشريف بكتب المناقب والتصوف فإنه قد ألف أيضا رسالة في الطب النبوي سماها (المن والسلوى في تحقيق معنى حديث لا عدوى). وهي رسالة صغيرة تقع في ثلاث عشرة ورقة حلل فيها معنى الحديث المذكور وانتصر فيها للطب النبوي، وقد أهداها بنفسه إلى السلطان العثماني أحمد باشا سنة 1149 (2)، كما أن عبد الله بن عزوز المراكشي التلمساني قد جمع في كتابه:(ذهاب الكسوف ونفي الظلمة في علم الطلب والطبائع والحكمة)(3) بين التصوف والفلسفة والطب، كما ذكرنا سابقا.

ولكن أبرز من ألف في الطب، بعد ابن حمادوش، هو أحمد بن قاسم البوني (4). وقد خلط البوني أيضا بين الطب المعروف والطب الروحاني، وله عدة أعمال في هذا المعنى. من ذلك تأليفه المسمى (إعلام أهل القريحة في الأدوية الصحيحة) الذي ألفه سنة 1116، والجزء الذي عثرنا عليه من هذا التأليف ناقص من أوله، لأن أوله هو نهاية الحديث عن أمراض العين، ويأتي بعد ذلك الحديث عن أمراض الأذن والأنف والأسنان والفم والسعال والسل، وقد تحدث البوني فيه أيضا عن أمراض الرحم والذكر وأدوية الجماع وحفظ الأجنة، وتكلم عن الأدوية المسمنة، وعن الحمى، ولدغة الحيات، وأشهى أنواع اللحم، ونحو ذلك، وهو يصف الداء والدواء، ولكنه يأتي بالخرافة وبالعلم معا. فعن سقوط الأجنة نصح المرأة بشرب كمون أو تعليقه، وكذلك

(1)(كعبة الطائفين) 2/ 46.

(2)

مخطوطة مكتبة كوبروللو (إسطانبول)، رقم 69.

(3)

بروكلمان 2/ 704، 713. انظر أيضا فقرة الفلك وغيره في هذا الفصل.

(4)

عن حياته انظر الفصل الأول من هذا الجزء.

ص: 421

تعليق لؤلؤ أو مرجان أو زبد حر وأضاف بأن العقرب الميتة إذا علق على حامل بعد جعلها في خرقة لا تسقط أبدا، ولو كان من عادتها الإسقاط، وقال انه جرب فكتب كتابا وعلق في رقبة المحموم جوزة الطيب فزالت عنه الحمى. كما ذكر أنه عند إقامته بتونس، وهي كثيرة العقارب صيفا، كان يردد عبارة ذكرها تمنع العقارب من دخول البيت، ونحو ذلك. وقد نقل عن جده، محمد ساسي، بيتين فى الطب الروحاني، وعلق البوني على ذلك بقوله:(وهذا بحر واسع تكفي منه رشفة)(1)، ولعل هذا الخلط بين الطب والخرافة هو الذي جعل بروكلمان يذكر تأليف البوني هذا في باب التصوف والأسرار.

وللبوني تأليف آخر في الطب سماه (مبين المسارب في الأكل والطب مع المشارب). وكان قد وضعه نظما في آخر حياته (سنة 1172). وهو تأليف أكبر من الأول حجما ولكنه جمع فيه بين عدة مصادر كالأول وخلط فيه أيضا بين العلم والخرافة. فهو في الواقع قد نقل عن غيره ما كتبوه في أسماء الأدوية وطريقة التدوي، وأنواع المأكولات والمشروبات، أمثال ابن البيطار والسيوطي وعلي الأجهوري وابن العماد والسنوسي والشعراني والأنطاكي، وأحمد زروق، وغيرهم، وقد بلغ نظمه هذا أكثر من ألفي بيت (2)، وجمع فيه نظم غيره أيضا، مثل نظم الأجهوري وصاحب المستطرف والخراطي، قائلا:

وقد أكرر كأهل الفن

زيادة في النفع دون من

وقد بدأ نظمه بداية تقليدية مبينا أن دافعه هو الحديث القائل بأن الطب نصف العلم وأنه أراد أن ينفع بعلمه في هذا الباب:

يقول أحمد الفقير البوني

هو ابن قاسم الرضى المصون

الحمد لله الذي أباحا

الطيبات زادنا أرباحا

جاعل علم الطب نصف العلم

كما أتى عن النبي ذي الحلم

وقد تحدث فيه عن المأكولات المستطابة والمفضلة وعن أدب الضيف

(1) المكتبة الوطنية، الجزائر، رقم 1759 مجموع.

(2)

نفس المصدر، رقم 1775. انظر أيضا بروكلمان 2/ 715.

ص: 422

مع المضيف، وما أكله النبي صلى الله عليه وسلم، وما فيه منفعة طبية. وقسمه إلى فصول لها عناوين، مثل: أنواع المأكولات والمشروبات، آداب الضيف، مأكولات الرسول صلى الله عليه وسلم ومشروباته، شرب القهوة والدخان، ونحو ذلك. ومن أخباره الطبية أن أكل التين يذهب مرض القولنج، وشرب العسل على الريق أمان من الفالج، وأكل السفرجل مفيد للأطفال، وأن الرمان ينفع الكبد، وأكل الزبيب مذهب للوصب، وأكل الكرميس يقوي المعدة، وأن أطيب اللحم لحم الظهر وأفضله المشوي لا المطبوخ، وأن أكل الأرز يزيد في العمر، ولا سيما الأرز الأبيض بالزبدة والسكر. وأشار إلى أن شر الطعام الباذنجان، كما تحدث في تأليفه عن الأمراض المعنوية كالنسيان.

ومن الموضوعات التي حظيت بالتأليف، الطاعون ومضاره والتغلب عليه. فقد ألف فيه ابن حمادوش رسالة سنعرض إليها. وذكر أحمد بن سحنون أنه نظم قصيدة في الطاعون الذي هاجمهم سنة 1202، واضطره هو للجلاء عن معسكر تاركا أوراقه ورقاعه (1)، وألف أبو راس الناصر كذلك كتابا سماه (ما رواه الواعون في أخبار الطاعون) ويبدو أنه جمع فيه ما قيل عن الطاعون وأضراره، ولعله قد استوحاه أيضا من طاعون سنة 1202، لأنه كان عندئذ بمعسكر، وكثيرا ما أصاب الطاعون الجزائر، شرقا وغربا، وتسبب لها في جوائع ووفيات كثيرة، والذي يقرأ (البستان) لابن مريم و (منشور الهداية) للفكون سيجد أن كثيرا من العلماء قد أودى بحياتهم الطاعون. وقد عانت منه تلمسان ومدينة الجزائر وقسنطينة حيث يزدحم السكان وتنتشر الأوبئة بسرعة.

ومن الذين ألفوا في الوباء الذي أصاب مدينة الجزائر بالخصوص، محمد بن رجب الجزائري الذي لا نعرف الآن أن له مؤلفات أخرى. فقد جمع سنة 1200 رسالة سماها (الدر المصون في تدبر الوباء والطاعون)(2)، ولا ندري الآن حجم هذه الرسالة ولكن يبدو أنها مهمة. فقد طالع صاحبها

(1) ذكرها في كتابه (الأزهار الشقيقة) ورقة 277 - 278.

(2)

(تعريف الخلف) 2/ 467.

ص: 423

كتبا عديدة في الطب مثل قانون ابن سينا وتذكرة الإنطاكي ومفردات ابن البيطار حول الوباء والطاعون، وقد رآها صاحب (تعريف الخلف) فوجد أن محمود بن علي بن الأمين قد أضاف إليها مقدمة من سبعة فصول وخاتمة. ومهما كان الأمر فإن رسالة ابن رجب عبارة عن جمع وتلخيص لأقوال الحكماء السابقين حول الطاعون، ولا ندري هل المقدمة التي كتبها لها محمود بن الأمين تعتبر هي أيضا جمعا وتلخيصا لما فات ابن رجب أو أنها كانت تضم تجاربه ومشاهداته الخاصة في الموضوع (1).

وفي آخر هذه النقطة نشير إلى أن محمد بن علي بن باديس الصنهاجي قد ألف كتابا في الأدوية ومنافعها سماه (المنافع البينة وما يصلح بالأربعة أزمنة). وقد بنى عمله أيضا على قول الرسول صلى الله عليه وسلم (العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان). وجمع فيه ما اختصره من كتب الطب المختلفة والأحاديث المسندة، واعتمد على كتب الأقدمين في الأدوية كالرقا والخواتم ووقوع المرض في الشهور العجمية، ومعرفة النبض والبول، وما يستدل به على الأمزجة من الأحلام والفصد والحجامة والإنذار بالحوادث الرديئة. ومن مصادره في ذلك الرازي والطبري وابن زكريا والمنصوري وحنين بن إسحاق وأفلاطون وهرموس، ودقيوس وجالينوس. وقسمه إلى ثمانية أبواب على النحو التالي: في الأربعة أزمنة وما يستعمل فيها من حفظ الصحة، في علاج الرأس، في علاج العينين والوجه، في علاج الأذنين والأضراس والحلق، في علاج القلب والصدر والرئة والطحال، في علاج البطن والسرة والمعدة والكبد، في علاج الكلى والخاصرة، والحصا وحرقة البول، ومن يقعد بالدم ومن وجع الظهر، وعلل أرحام النساء ومقويات الجماع، ثم علاج الوركين والفخذين والركبتين والساقين والقدمين (2)، ولا شك أنه من التآليف المفيدة لو عرفنا عصر صاحبه.

(1) عن هذا الموضوع انظر فصل العلوم التجريبية لاحقا.

(2)

رأيت منه نسختين في المكتبة الملكية بالرباط رقم 9250 ورقم 8544 وهو صغير الحجم في حوالي ثلاثين صفحة. انظر أيضا مقالة لعبد الله كنون عن مخطوطات تطوان في (مجلة المخطوطات العربية).

ص: 424