المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ورأيه في التاريخ والمؤرخين، ومواقفه من العصر وأهله، فلا نريد - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٢

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الأولالعلوم الشرعية

- ‌حول التقليد والتجديد

- ‌ التفسير

- ‌القراءات

- ‌الحديث

- ‌ الأثبات

- ‌الإجازات

- ‌عيسى الثعالبي

- ‌أحمد البوني

- ‌ الفقه

- ‌الأثار الفقهية:

- ‌عبد العزيز الثميني:

- ‌خليفة بن حسن القماري:

- ‌النوازل والفتاوى والفرائض

- ‌الفصل الثانيعلم الكلام - التصوف - المنطق

- ‌ علم الكلام

- ‌ يحيى الشاوي

- ‌ التصوف

- ‌المناقب الصوفية:

- ‌شروح في التصوف:

- ‌المواعظ والردود:

- ‌المنطق

- ‌الفصل الثالثعلوم اللغة - النثر الفني

- ‌علوم اللغة ونحوها

- ‌البيان والمعاني (البلاغة) والعروض

- ‌فنون النثر

- ‌الشروح الأدبية:

- ‌التقاريظ والإجازات والعقود:

- ‌الرسائل:

- ‌الوصف:

- ‌الخطابة:

- ‌القصص والمقامات:

- ‌ أحمد المقري

- ‌أحمد بن عمار

- ‌الفصل الرابعالشعر

- ‌مدخل

- ‌الشعر الديني

- ‌الشعر السياسي

- ‌الشعر الاجتماعي

- ‌المجون والمزاح:

- ‌المدح والفخر:

- ‌الرثاء:

- ‌وصف المنشآت العمرانية:

- ‌الألغاز:

- ‌الشعر الذاتي

- ‌الشعر والمرأة:

- ‌الوصف:

- ‌الحنين والشكوى:

- ‌ ابن علي)

- ‌الشعر الشعبي

- ‌الفصل الخامسالتاريخ - التراجم - الرحلات

- ‌ مفهوم التاريخ

- ‌في السيرة النبوية

- ‌تواريخ عامة وتواريخ محلية

- ‌تراجم عامة

- ‌تراجم خاصة

- ‌ابن المفتي وتقييده

- ‌أبو راس الناصر

- ‌الرحلات

- ‌الورتلاني ورحلته

- ‌الفصل السادسالعلوم - الفنون

- ‌مقدمة

- ‌الحساب والفلك

- ‌الطب والجراحة والصيدلة

- ‌عبد الرزاق بن حمادوش

- ‌كتابه كشف الرموز:

- ‌كتابه تعديل المزاج:

- ‌الفنون

- ‌رأي العلماء والمتصوفة في الموسيقى:

- ‌ممارسة الموسيقى والغناء:

- ‌العمارة والخط والرسم:

- ‌المحتوى

الفصل: ورأيه في التاريخ والمؤرخين، ومواقفه من العصر وأهله، فلا نريد

ورأيه في التاريخ والمؤرخين، ومواقفه من العصر وأهله، فلا نريد أن نعود إلى ذلك هنا، وحسبنا الإشارة في آخر هذه الترجمة القصيرة له أن نذكر أن أبا راس انتقد علماء الوهابية الذين لقيهم بمكة سنة 1226، ومن جهة أخرى كان يحن لعودة الأندلس إلى أحضان الأمة الإسلامية، واعتبر فتح وهران بداية لتحقيق تلك الغاية، ولعل ذلك الفتح هو الذي حمله على أن ينظر إلى آل عثمان على أنهم ما يزالون يواصلون رسالتهم التي جاؤوا إلى شمال إفريقية من أجلها أوائل القرن العاشر (16 م)، ولا ندري ما إذا كان أبو راس قد غير رأيه فيهم بعد ثورة الطريقة الدرقاوية وبعد ما شاهد الولاة العثمانيين ينقلبون على العلماء أمثاله، ثم إن حديثه عن نابليون وعن الفرنسيين وعن الإنكليز والهولانديين يدل على أنه كان يعيش بعض أحداث العصر، ولا سيما ما تركته الثورة الفرنسية من آثار على أوروبا والعالم الإسلامي حتى إلى ذلك الحين (1)، وهكذا يتضح أن مساهمة أبي راس في تاريخ الجزائر والتاريخ العام مساهمة عظيمة وأن آثاره جديرة بالدرس والنشر وأن شخصيته تحتاج إلى إظهار واعتبار يليقان به (2).

‌الرحلات

أسهم الجزائريون مساهمة واضحة في كتابة الرحلات ولا سيما خلال القرن الثاني عشر (18 م)، وكانت بعض رحلاتهم نتيجة للحج، وبذلك تكون رحلات حجازية، وبعضها نتيجة لطلب العلم وبذلك تكون رحلات علمية، ولكن الجزائريين، بالقياس إلى كتاب الرحلات المغاربة، كانوا قليلي

(1) نسخنا له نصا من كتابه (الحلل السندسية) تناول فيه أثر الحملة الفرنسية على مصر والشام، وقد نشرناه في (المجلة التاريخية المغربية) عدد 21 - 22، 1881. انظر علاقة بعض مؤلفات أبي راس بمؤلفات منسوبة إلى محمد بن يوسف الزياني. في فصل التاريخ خلال الاحتلال الفرنسي، لاحقا.

(2)

بالإضافة إلى المصادر المذكورة في دراستنا عنه، نشير إلى دراسة فور بيقي (المجلة الاسيوية) 1899، وقد قارنه بيقي بابن خلدون في بعض النواحي.

ص: 381

الإنتاج. ولعل ذلك راجع إلى أن عددا من العلماء الذين توزعوا في العالم الإسلامي لم يعودوا إلى الجزائر ليكتبوا ملاحظاتهم إلى مواطنيهم، فلو رجع عيسى الثعالبي ويحيى الشاوي وأحمد المقري وأحمد بن عمار وأضرابهم لكتبوا رحلاتهم، ولكنهم لم يفعلوا، ومن جهة أخرى نود أن نلاحظ أن بعض هذه الرحلات كان مختصرا وبعضها مطولا، كما أن بعضها قد كتب شعرا فصيحا أو ملحونا وبعضها قد كتب نثرا مسجوعا أو مرسلا، على أن بعض الرحلات لا نعرف إلا أسماءها وبعضها لم يصل إلينا منها إلا القليل، غير أن بعضها وصل إلينا كاملا.

ومن الملاحظ أن كتب الجغرافية المحضة لا تكاد توجد عندنا، باستثناء رحلة ابن الدين وبعض إشارات الورتلاني وابن حمادوش، ويبدو أن الجزائريين لم يحفلوا كثيرا بالرحلات حتى خلال العهد السابق للعثمانيين، ومن أقدم الرحلات التي تنسب إلى ذلك العهد (رحلة التوجيبي) التلمساني التي قال عنها عبد الحي الكتاني إنها في عدة مجلدات وأنه قد اطلع عليها بتونس واعتبر الكتاني مؤلفها (مفخرة تلمسان)(1)، كما أن أحمد المقري قد ساق في (أزهار الرياض) رحلة لجده محمد المقري التلمساني أستاذ ابن خلدون (2)، وتنسب إلى أحمد القسنطيني المعروف بابن القنفذ رحلة تعتبر في حكم الضائعة، ولعلها موجودة في تونس (3).

أما الرحلات خلال العهد العثماني فمن الممكن تقسيمها إلى علمية وحجازية، ولنبدأ بالعلمية، والمقصود بها تلك الرحلات التي قام بها

(1)(دليل الحج والسياحة) لأحمد الهواري، 293، وصاحب الرحلة هو أبو القاسم بن يوسف التوجيبي الأندلسي التلمساني، وهي التي حقق منها الأستاذ عبد الحفيظ منصور الجزء الثاني ونشره بعنوان (مستفاد الرحلة والاغتراب) تونس، 1975.

(2)

نفس المصدر، 294.

(3)

بروكلمان 2/ 711، الظاهر أن هناك خلطا في اسم ابن الخطيب الذي تنسب إليه الرحلة، ما زلنا لم نتوصل إلى توضيحه، ويكفي التنبيه عليه. انظر ترجمة حياة ابن القنفذ، وكذلك ما نشره له محمد الفاسي وما نشره عنه عادل نويهض.

ص: 382

أصحابها بغرض طلب العلم والزيارة والاطلاع على البلدان عموما والأخذ عن علمائها وممارسة التجارة فيها أحيانا، ومن أقدم من فعل ذلك عاشور بن موسى القسنطيني المعروف بالفكيرين (بضم الفاء وفتح الكاف - وهو لقب والده)، فقد نشأ في قسنطينة وأخذ العلم عن والده وغيره، ولاحظ عنه عبد الكريم الفكون أنه كان ذكيا، وتوفي والده سنة 1054، فشد الرحال لطلب العلم في عدة بلدان وطالت غيبته عن بلاده نحو العشرين سنة، وهي مدة طويلة بالطبع، سمحت له بالاطلاع والملاحظة وحذق لهجات ومعرفة قبائل وشعوب وبلدان، ومن هذه البلدان التي قصدها تلمسان التي لقي فيها سنة 1055 محمد بن سليمان مؤلف (كعبة الطائفين)، وكذلك زار المغرب الأقصى، ثم (جال في ملك الله إلى أن توغل في أرض السودان ولقى بها أجلة من علماء)، وعندما رجع إلى بلاده (أخبر بغرائب ما شاهد وعجائب ما رأى وما أخذ عن أولئك العلماء وأرباب الأسرار، وحصل منهم فن القراءات وجانبا عظيما من (فن) الأدب)، وبعد أن مكث بقسنطينة فترة لا نعرفها بالضبط ارتحل عنها من جديد (لظلمة أصابته منها) فذهب إلى تونس واستقر بها مدة وانتصب للتدريس بالزيتونة، وقد كان يحكي لتلاميذه غرائب ما رأى (من غريب البلاد وأهلها ويذكر عجائب المسموعات من زي أهلها لباسا وحكما وفوتا ويصف أنواع القوت)، وكان عاشور بن موسى (يكثر الحكايات واستحضار قطع الشعر). ومن تونس توجه بأهله إلى الحجاز لأداء فريضة الحج فأدركه الموت بعد سنة 1074 (1).

هذه هي المعلومات التي استقيناها من هنا وهناك عن عاشور

(1) أخذنا هذه المعلومات من محمد بن محمد الوزير السراج (الحلل السندسية) 2/ قسم 2، 1973، 248 - و 24. انظر كذلك (بشائر أهل الإيمان) لحسين خوجة، مخطوط الجزائر، فقد وصف عاشور بأنه (علم الأعلام) وقال عنه إن أمراء البلدان التي زارها كرموه، وأنه قد لقي شخصا يملك ثمانية عشر شرحا على (مقامات الحريري) الخ. انظر عنه أيضا كتاب (كعبة الطائفين) لابن سليمان 3/ 99، 94، 111، وكذلك العياشي 2/ 382. و (شجرة النور) لمحمد مخلوف، 310.

ص: 383

القسنطيني، فهو أديب جم المعارف، وهو ذكي شديد الفطنة والحفظ، وهو رحالة دامت رحلته عشرين سنة، وهو مدرس بارع له تلاميذ ومعجبون، ومنهم تلميذه محمد الحجيج الأندلسي المتوفي سنة 1108، ومحمد بن سليمان مؤلف (كعبلا الطائفين) والعياشي صاحب الرحلة، ومحمد قويسم، وعبد العزيز الفراتي. وكان كريما يطعم من عنده حتى اشتهر ذلك عنه كما كان يرفض العطايا التي كانت ترد عليه، ووصفه من يعرفه بأنه كان حسن الحديث والمجالسة والخلق، ذلق اللسان، لا يتكلم إلا إذا أتى بشاهد من القرآن والحديث والشعر، واشتهر خاصة بعلم النحو والصرف، وأخبر عنه محمد بن سليمان أنه كان أيضا عالما بالفلك، ومع ذلك هاجر من بلاده مرتين: مرة حين قصد الرحلة لطلب العلم وغاب مدة طويلة، ومرة حين أصابته أذاية، فاختار تونس ثم الحجاز، ورغم هذه القدرة على الدرس والتأليف فإننا لا نعرف أن عاشور قد ترك رحلة مكتوبة، فهل كتب رحلته أو اكتفى بقصها شفويا على تلاميذه وغيرهم؟ ذلك ما لا نعلمه أيضا، فإذا كان قد كتبها فهي لم تصل إلينا، وإذا كان لم يكتبها فالغالب أنها قد أمليت على بعض التلاميذ الذين كانوا يعجبون بأخباره وغرائبه، ومهما كان الأمر فإن رحلة عاشور رحلة (مسموعة) وغير مقروءة حتى الآن، فهل يتمكن الباحثون من معرفة آثاره في مستقبل الأيام (1)؟.

ولكن الرحلة غير الحجازية المكتوبة هي رحلة عبد الرزاق بن حمادوش الذي عاش في القرن الثاني عشر، فهي رحلة قام بها المؤلف لطلب العلم والتجارة من مدينة الجزائر إلى تطوان ومكناس وفاس، ثم عاد إلى الجزائر من تطوان، وقد وصف ابن حمادوش الحياة العلمية وجوانب من الحياة السياسية والاقتصادية في المغرب الذي زاره مرتين على الأقل، مرة

(1) عاش محمد بن عبد الرحمن الأزهري (مؤسس الطريقة الرحمانية) حوالي ربع قرن في المشرق العربي والسودان خلال القرن 12 هـ (18 م). وقد ذكر شخصيا أنه عاش في دارفور ست سنوات يعلم سلطانها. ومع ذلك لا نعرف أنه ترك رحلة مكتوبة شبيهة برحلة معاصره الورتلاني.

ص: 384

سنة 1145 وأخرى سنة 1156، وسجل ملاحظاته وإجازاته وأحكامه في مذكراته أو رحلته التي تعرف أيضاب بـ (لسان المقال)(1)، ويجب التنبيه إلى أنه ليس كل الكتاب، الذي يحمل عبارة الجزء الثاني، خاصا بالمغرب، إذ فيه أخبار أيضا عن تونس والجزائر وغيرهما، ولكن جانب الرحلة منه يتعلق بالمغرب، ولعله قد سجل في الجزء الثاني أمورا أخرى عن المغرب لم نطلع عليها، ولا شك أن رحلة ابن حمادوش المغربية تعتبر مصدرا هاما عن المغرب في ذلك العهد لأهمية النصوص التي أوردها فيها ومشاهداته عيانا ما حدث من ثورات وتقاليد اجتماعية ونشاط العلماء ونحو ذلك.

ولم يكن ابن حمادوش هو وحده الذي رحل إلى المغرب الأقصى وسجل ملاحظاته عنه وأخباره، فقد كان العلماء الجزائريون كثيرا ما يذهبون إلى هناك للدرس والإقامة والتجارة ونحو ذلك من الأغراض، ولكن القليل منهم فقط هو الذي كتب عن ذلك في رحلة لمواطنيه وللتاريخ، ومن هؤلاء القلة محمد الزجاي الذي ذكرناه في هذا الكتاب عدة مرات، وكان معاصرا للباي محمد الكبير، ومن أبرز علماء تلمسان. فقد قيل عنه إنه صاحب (الرحلة الفاسية)(2) التي لم نطلع عليها، كما أننا لم نعرف أن أحدا تحدث عنها أو وصفها، ويقال إن لعبد القادر المشرفي، أستاذ أبي راس، (رحلة) مخطوطة بزاوية الهامل بالجزائر، ولكننا لم نطلع عليها ولم نعرف عنها أكثر من ذلك (3)، فقد تكون أيضا رحلة فاسية أو مغربية وقد تكون حجازية مشرقية.

(1) درسنا هذه الرحلة في البحث الذي قدمناه للمؤتمر الأول لتاريخ المغرب العربي وحضارته، تونس 1974 - 1975، ونشر البحث في (مجلة مجمع اللغة العربية) بدمشق، أبريل 1975، وغيرها، كما نشر في كتابي (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر). انظر ترجمة ابن حمادوش أيضا في فصل العلوم والفنون من هذا الكتاب.

(2)

انظر محمد بن علي التلمساني (إتمام الوطر) مخطوط باريس. كما كان لأبي القاسم بن سلطان القسنطيني رحلة حجازية وأخرى نحو تطوان لا ندري مكانها.

(3)

أشار إلى ذلك عبد الله ركيبي (تطور النثر الجزائري)، القاهرة 1976، 47، هامش 3.

ص: 385

ولعل آخر هذه الرحلات غير الحجازية هي رحلة الحاج ابن الدين الأغواطي إلى الصحراء، والواقع أن عمل ابن الدين هذا ما زال غامضا، ذلك أن معلوماته هامة، ولكننا ما زلنا في حاجة إلى معلومات إضافية عنه. فقد جمع بين الأخبار عن الصحراء وقراها وواحاتها وعاداتها وبين الحديث عن جزء من الجزيرة العربية وجربة وقابس وشنقيط ونحوها، ثم إنه ليس من الواضح أنه قد زار الأماكن التي وصفها، ولعله سمع عنها فقط باعتباره من سكان الأغواط إحدى مدن الصحراء التي تحدث عنها. حقا إنه قد حج، وهذا يؤهله للحديث عن الجزيرة العربية ولا سيما الحجاز وبعض أخبار تونس التي قد يكون مر بها، ولكن يكاد يكون من المؤكد أنه لم يزر الدرعية السعودية عندئذ، كما أنه من غير المؤكد أنه زار أيضا شنقيط وغدامس وغيرهما من المناطق النائية التي تحدث عنها.

فإذا أخذنا في الاعتبار هذه الملاحظات وجدنا أن رحلة ابن الدين الأغواطي على غاية من الأهمية. فهي مكتوبة سنة 1242 رغم أن بعضهم قد ذكر أن هناك خطأ في هذا التاريخ، وأنه قد كتبها بطلب من قنصل أمريكا عندئذ بالجزائر، السيد وليام هودسون، وهي تقع في كراسة تحتوي على أربع عشرة صفحة، وكان القنصل قد طلب منه المزيد والتفصيل ولكن ابن الدين اكتفى بذلك القدر، ونحن نتصور أن ابن الدين قد كتب أكثر من ذلك لنفسه ولكنه لخص للقنصل ما رآه كافيا، وقد ترجم القنصل هذه الصفحات إلى الإنكليزية ونشرها (1). كما ترجمها السيد دافيزاك إلى الفرنسية عن النص الإنكليزي ونشرها أيضا مع تعاليق وتصحيحات هامة (2)، وأهم المناطق التي ذكرها ابن الدين في رحلته: الأغواط، وتاقدامت، وعين ماضي، وجبل

(1) طبعت في لندن، بدون تاريخ، ثم لخصت ذلك تلخيصا وافيا (مجلة أمريكا الشمالية) يوليو 1832، وقد ترجمت هذه الخلاصة إلى الفرنسية في (حوليات الرحلات الجديدة) نوفمبر 1832 أيضا.

(2)

نشر ذلك في مجلة (الجمعية الجغرافية الباريسية) سنة 1836. عن هذه الرحلة انظر ترجمتنا لها في (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر)، ج 2.

ص: 386

عمور، ومتليلي، ووادي ميزاب، والقليعة (المنيعة) وورقلة، وتقرت، وتوات، وتميمون، وعين صالح، وشنقيط، وغدامس، والدرعية، وقابس، وجزيرة جربة، وقد استفاد الأوروبيون والأمريكيون، أثناء اهتمامهم بالصحراء ومحاولة اكتشافها، من هذه المعلومات التي كتبها الحاج ابن الدين عن قراها وعادات أهلها ومسالكها، وإذا كان ما نشر من هذه الرحلة حتى الآن مهما، فإن أهم منه هو العثور على الرحلة كاملة، إذا كان ابن الدين قد تابع الكتابة عن مغامراته واطلاعاته في المشرق والصحراء (1).

أما الرحلات الحجازية فهي أكثر وفرة نسبيا (2)، وسنقسمها إلى قسمين شعرية ونثرية، وقبل الحديث عن القسمين نقول إن توجه الجزائريين إلى الحجاز كان عادة نتيجة توق روحي نحو الحرمين وزيارة البقاع التي وطئتها أقدام الرسول صلوات الله عليه وسلم وصحابته، فالحجاز في نظرهم ليس مجرد بقعة جغرافية تزار للسياحة والعلم ونحو ذلك، ولكنها كانت قطعة أرض طاهرة تضم تاريخ الوحي والدعوة والأمة الإسلامية، ولذلك فهم يسجلون عواطفهم المتأججة لرؤية الحجاز وأهله والتبرك بترابه وهوائه، والذي يقرأ مقدمة رحلة ابن عمار يدرك هذه الحقيقة. كما أن الرحلات الشعرية تشترك في ذلك إن لم تفق الرحلات النثرية في وصف الأحاسيس الدينية والروحية، ألم يقل عبد الله بن عمر البسكري في مطلع قصيدته:

دار الحبيب أحق أن تهواها

وتحن من طرب إلى ذكراها

(1) أخبرني محمد السويدي الأغواطي أن رحلة الحاج بن الدين كانت، على ما يظن، توجد كاملة عند رئيس بلدية الجزائر في أوائل الاحتلال، وقد استقى السويدي ذلك من أحد أقرباء ابن الدين.

(2)

تناولنا (الرحلات الحجازية الجزائرية) في بحث مطول قدمناه إلى الندوة العالمية لتاريخ الجزئر العربية التي انعقدت بالرياض في المملكة العربية السعودية، خلال شهر أبريل 1977، وقد ترجم البحث إلى الإنكليزية أيضا لنشره في وقائع الندوة المذكورة، وهو منشور في كتابي (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر). ج 1. وكذلك في وقائع الندوة.

ص: 387

وعندما حل محمد بن عبد الكريم المغيلي بالحرم اهتزت نفسه ونطق بقصيد مؤثر افتتحه بقوله:

بشراك يا قلب هذا سيد الأمم

وهذه حضرة المختار في الحرم

أما في العهد العثماني فقد كانت الموشحات والقصائد تسبق الزيارة الواقعية. ولكن روح الشعر عندهم قد حلت محلها براعة النثر، كما فعل ابن عمار والورتلاني.

والملاحظ أن الرحلات الشعرية معظمها من الغرب الجزائري. وكان بعضها مكتوبا بشعر فصيح وبعضها بشعر ملحون. ومما كتب بالفصيح قصيدة محمد بن محمد بن منصور العامري التلمساني التي فرغ منها سنة 1152 وهي قصيدة همزية متوسطة الجودة وصف فيها مراحل رحلته من تازة، حيث كان يقيم، إلى الحرمين الشريفين ثم منهما إلى الشام. والقصيدة تبدأ هكذا:

أزمع السير إن دهت أدواء

لشفيع الأنام فهو الدواء (1)

كما نظم عبد الرحمن بن محمد بن الخروب المجاجي رحلته من مجاجة إلى مكة المكرمة في قصيدة مطولة فصيحة سنة 1063 (2). وهي تبدأ على النحو التالي:

نشق الفيافي فدفدا بعد فدفد

جبالا وأوعارا وأرضا وطية

وقد أخبر المجاجي فيها أنه التقى بالشيخ علي الأجهوري بمصر، وزار في الإسكندرية قبر أبي العباس أحمد المرسي وقبر ابن الحاجب. ومن الذين حجوا معه أبو الحسن بن ناجي، صاحب الخنقة، الذي كانت له قرابة مع أمير ركب الحجاج الجزائريين. وأخبر أن ابن ناجي قد فارقهم عند بلدة ليانة ووصف مكانته في قومه ومكانة أمير الركب وأملاكه في الزيبان وعلاقته

(1)(دليل مؤرخ المغرب) 2/ 433.

(2)

المكتبة الوطنية - الجزائر، رقم 1564 ورقم 1565، وهي في حوالي أحد عشرة ورقة، ولكن مبتورة الأول.

ص: 388

بالسلطة (1). وفي القصيدة أخبار أخرى عن الجزائر وتونس ومصر وطرابلس.

ولنذكر من الشعر الملحون قصيدة محمد بن مسائب التلمساني في القرن الثاني عشر. فقد نظم قصيدة قص فيها رحلته من تلمسان إلى مكة المكرمة عبر مدن وقرى الجزائر من غربها إلى شرقها مارا بالطريق التقليدي الذي كان يسلكه حجاج الغرب (مليانه فالبليدة فمدينة الجزائر فمجانة فقصر الطير فقسنطينة فالكاف، ثم تونس) وقد قام ابن مسائب برحلة برية مر فيها بعد المدن المذكورة بطرابلس ثم مصر، بينما كان الذين يأخذون طريق البحر يركبون من تونس وينزلون في الإسكندرية (2). وتبدأ رحلة ابن مسائب الشعرية بهذا الطالع:

يا الورشان أقصد طيبه

وسلم على الساكن فيها

وكان لابن مسائب رفيقان في هذا الفن هما: ابن التريكي والزناقي، فكلاهما رحل مثله من تلمسان إلى مكة، وكلاهما كتب مثله رحلته شعرا ملحونا (3). ومن الممكن أن نعد (عقيقة) المنداسي من هذا اللون. فهي أيضا قصيدة ملحونة وفي مدح الرسول صلى الله عليه وسلم كما عرفنا، ولكنها لا تسجل رحلة وإنما تصف الأشواق الشخصية والأماكن الأثرية في الحجاز بتفصيل وبراعة (4).

(1) أمير ركب الحج عندئذ هو عبد الكريم الفكون، ولكن الاسم غير واضح في النص. انظر حياة الفكون، سابقا.

(2)

محمد بن أبي شنب (المجلة الإفريقية) 1955، 259 - 282، في هذا المصدر نص القصيدة بالعربية والفرنسية.

(3)

يرى ابن أبي شنب في نفس المصدر أن شعر محمد بن التريكي أقل قيمة من شعر ابن مسايب، ولكنه قال عن شعر الزناقي (وهو في النص الزقاقي) أنه يمتاز بالوضوح والدقة.

(4)

المكتبة الوطنية - الجزائر، رقم 4564، تحدثنا في فصل اللغة والنثر من هذا الجزء عن شرح (العقيقة) من قبل أبي راس وابن سحنون، انظر أيضا فصل الشعر، فقرة الشعر الشعبي.

ص: 389

ولكن الرحلات المصطلح عليها عادة هي الرحلات النثرية لا الشعرية:

ذلك أن الأولى هي التي يسجل فيها أصحابها انطباعاتهم عما شاهدوه وسمعوه ليس فقط في الحجاز ولكن في مختلف المدن والأقطار التي مروا بها من الجزائر إلى بغداد، مرورا بتونس وطرابلس ومصر والجزيرة العربية وسورية والقدس وهلم جرا. ولا ندري أن أحدا من الجزائريين قد سجل انطباعاته في كل هذه الأماكن، غير أن أقرب الرحلات في ذلك هي رحلة الورتلاني ورحلة أبي راس. وقد قلنا إن معظم هذه الرحلات من إنتاج القرن الثاني عشر (18 م). ذلك أننا لا نعلم أن أحد العلماء قد سجل رحلة حجازية نثرية خلال القرن العاشر أو الحادي عشر. وهذا مثلا عبد الكريم الفكون الذي ظل طول حياته تقريبا يقود ركب الحج من قسنطينة إلى الحرمين لا نعرف أنه كتب رحلة رغم أنه كتب في النحو والصرف والتراجم والشعر الديني وغيره.

وأول رحلة حجازية مذكورة في المصادر هي رحلة البوني المسماة (الروضة الشهية في الرحلة الحجازية). ومؤلفها هو أحمد بن قاسم بن محمد ساسي البوني الذي تحدثنا عنه في هذا الكتاب عدة مرات. فقد عاش البوني في المشرق، لا سيما مصر والحرمين، كما عاش طويلا في تونس. وقرأ على عدد من الأساتذة هنا وهناك وأجاز وأجيز. وقد ذكر الجبرتي أن البوني قد ورد مدينة رشيد وأجاز بها الشيخ حسن بن سلامة الطيبي المالكي المتوفى سنة 1176 (1). وذكر أحمد الزروق، نجل البوني، الذي أصبح بعد والده من العلماء البارزين في عنابة، أن والده قد تحدث عن شيوخه في رحلته الحجازية، وعددهم يزيد عن العشرين شيخا. وقد نصح أحمد الزروق القارئ بقراءة هذه الرحلة بقوله (فعليك به (أي التأليف) فإن فيه طرفا وظرفا) (2). ولكن رحلة البوني تعتبر اليوم ضائعة، فلا ندري بالضبط ما كتب

(1) الجبرتي (عجائب الآثار) 1/ 266.

(2)

مخطوط المكتبة الوطنية - الجزائر، رقم 2160 من تعليق له على فتوى لوالده، انظر سابقا.

ص: 390

فيها. هل هي مثل رحلة أبي راس يعدد فيها تنقلاته وشيوخه والمسائل العلمية التي عرضت له، أو هل هي مثل رحلة الورتلاني يسجل فيها مسالكه ومنازله ودراساته وأخباره والمرافقين له والحوادث التي جرت له ومشاهداته ونحو ذلك. غير أن قول ولده بأن فيها طرفا وظرفا يدل على أن الرحلة لم تكن كلها عن المسائل العلمية والشيوخ.

ورغم أننا تحدثنا عن رحلة ابن حمادوش في المغرب فإننا نود أن نشير هنا إلى ما يمكن أن يكون قد كتب عن الحجاز وغيره أيضا. حقا إن ما وصل إلينا من رحلته هو قطعة من الجزء الثاني، وهو كما أشرنا يضم أخباره في المغرب والجزائر، ولكن ابن حمادوش كان قد حج سنة 1125، أي قبل ذهابه إلى المغرب، ثم توجه إلى المشرق من جديد سنة 1161 حيث وجدناه في هذا التاريخ في مدينة رشيد أيضا، ولعله قد تجول في مصر وعاود الحج وتنقل في أرض الله، كما أننا لا ندري. هل رجع إلى الجزائر أو ظل في المشرق. ثم إنه كتب الجزء الأول من رحلته وهو ضائع، ولعله واصل كتابة الرحلة في الجزء الثالث أيضا لأن التاريخ الذي كتب فيه الجزء الثانى هو 1156 - 1161. ويغلب على الظن أن لابن حمادوش أيضا رحلة حجازية أو مشرقية سجلها إما في الجزء الأول من (لسان المقال في النبا عن الحسب والنسب والآل) أو في الجزء الثالث. فقد عاش عمرا طويلا بعد الجزء الذي كتبه، بلغ عند البعض ثلاثين سنة (1).

أما رحلة ابن عمار المسماة (نحلة اللبيب في أخبار الرحلة إلى الحبيب) فأمرها يختلف. فابن عمار قد حج لأول مرة سنة 1166 وقد جاور بالحرمين حوالي اثني عشر سنة. وتنقل بين الجزائر والمشرق عدة مرات. فقد وجدناه بتونس سنة 1195 التي جاءها بقصد الإقامة، كما ذكرنا. ووجدناه سنة 1205 يجيز محمد خليل المرادي في مكان لا نعرفه ولعله مكة

(1) ولد ابن حمادوش سنة 1107 كما ذكر ذلك عن نفسه وعاش حوالي تسعين سنة فيكون قد عاش إلى حوالي سنة 1197، انظر ترجمتنا له في فصل العلوم والفنون من

هذا الجزء.

ص: 391

المكرمة. كما تحدث زميله حسين الورتلاني صاحب الرحلة أنه كان رفيقه في مصر سنة 1166. هذا ما نعرفه عنه من تواريخ، ولكن ما لا نعرفه أكثر من ذلك.

قسم ابن عمار رحلته إلى ثلاثة أقسام: مقدمة وغرض مقصود (وهو الرحلة) وخاتمة. وفي المقدمة، التي هي القسم الوحيد الموجود، والمطبوع أيضا، من هذه الرحلة، وصف ابن عمار أشواقه إلى الحرمين وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحدث بالمناسبة عن شعر الموشحات المولدية والمدائح النبوية وعادات أهل الجزائر أثناء الاحتفال بالمولد النبوي. وقد تناول ابن عمار في القسم الثاني، أي الغرض المقصود، (ما يحدثه السفر إلى الإياب وحط الرحال). ومعنى هذا أنه تحدث في هذا القسم عن رحلته من الجزائر عبر تونس وطرابلس ومصر إلى الحجاز والعودة، كما فعل زميله ورفيقه الورتلاني. ولكن هذا القسم الهام مفقود الآن. كما أن الخاتمة التي جعلها فيما (نشأ عن ذلك (يعني السفر) بعد السكون وانضم إليه) ضائعة بدورها. ومن المرجح أن ابن عمار قد أكمل الرحلة لسببين: الأول أن تلميذه أبا راس وصفه بما يدل على أنه أكملها وأصبح معروفا بها وذلك في قوله عند الحديث عنه (مؤلف الرحلة)(1). فلو لم يكن ابن عمار قد أكملها لما قال أبو راس تلك العبارة عنه. والثاني أن ابن عمار قد عاش حوالي أربعين سنة بعد حجته سنة 1166. فلا يمكن نظريا أن لا يكمل رحلته خلال هذه المدة كلها (2). ولعل بقية رحلته توجد في الحرمين أو القاهرة أو تونس، لأنه عاش في هذه الديار وأطال الإقامة بها.

وكان أبو راس من الذين أكثروا الترحال في بلاده وخارجها. فقد حج

(1) أبو راس (فتح الإله) مخطوط. وعبارة أبي راس هي (صاحب الرحلة، الجمة الفوائد، حلوة الموائد، عذبة الموارد).

(2)

وجدنا له إجازة لمحمد خيل المرادي مؤرخة بـ 1205، وبذلك يكون ابن عمار قد عاش على الأقل 39 سنة بعد الحجة، انظر ترجمتنا له في فصل اللغة والنثر من هذا الجزء.

ص: 392