المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الأولالعلوم الشرعية

- ‌حول التقليد والتجديد

- ‌ التفسير

- ‌القراءات

- ‌الحديث

- ‌ الأثبات

- ‌الإجازات

- ‌عيسى الثعالبي

- ‌أحمد البوني

- ‌ الفقه

- ‌الأثار الفقهية:

- ‌عبد العزيز الثميني:

- ‌خليفة بن حسن القماري:

- ‌النوازل والفتاوى والفرائض

- ‌الفصل الثانيعلم الكلام - التصوف - المنطق

- ‌ علم الكلام

- ‌ يحيى الشاوي

- ‌ التصوف

- ‌المناقب الصوفية:

- ‌شروح في التصوف:

- ‌المواعظ والردود:

- ‌المنطق

- ‌الفصل الثالثعلوم اللغة - النثر الفني

- ‌علوم اللغة ونحوها

- ‌البيان والمعاني (البلاغة) والعروض

- ‌فنون النثر

- ‌الشروح الأدبية:

- ‌التقاريظ والإجازات والعقود:

- ‌الرسائل:

- ‌الوصف:

- ‌الخطابة:

- ‌القصص والمقامات:

- ‌ أحمد المقري

- ‌أحمد بن عمار

- ‌الفصل الرابعالشعر

- ‌مدخل

- ‌الشعر الديني

- ‌الشعر السياسي

- ‌الشعر الاجتماعي

- ‌المجون والمزاح:

- ‌المدح والفخر:

- ‌الرثاء:

- ‌وصف المنشآت العمرانية:

- ‌الألغاز:

- ‌الشعر الذاتي

- ‌الشعر والمرأة:

- ‌الوصف:

- ‌الحنين والشكوى:

- ‌ ابن علي)

- ‌الشعر الشعبي

- ‌الفصل الخامسالتاريخ - التراجم - الرحلات

- ‌ مفهوم التاريخ

- ‌في السيرة النبوية

- ‌تواريخ عامة وتواريخ محلية

- ‌تراجم عامة

- ‌تراجم خاصة

- ‌ابن المفتي وتقييده

- ‌أبو راس الناصر

- ‌الرحلات

- ‌الورتلاني ورحلته

- ‌الفصل السادسالعلوم - الفنون

- ‌مقدمة

- ‌الحساب والفلك

- ‌الطب والجراحة والصيدلة

- ‌عبد الرزاق بن حمادوش

- ‌كتابه كشف الرموز:

- ‌كتابه تعديل المزاج:

- ‌الفنون

- ‌رأي العلماء والمتصوفة في الموسيقى:

- ‌ممارسة الموسيقى والغناء:

- ‌العمارة والخط والرسم:

- ‌المحتوى

الفصل: ‌علوم اللغة ونحوها

نتناول في هذا الفصل ثلاثة أقسام، الأول علوم اللغة من نحو وصرف وفقه لغة، ثم العروض والبلاغة ونحو ذلك، وفي القسم الثاني منه ندرس فنون النثر الأدبي من رسائل ومقامات وخطب وتآليف أدبية، أما القسم الأخير فسنترجم فيه لأحمد المقري وأحمد بن عمار.

‌علوم اللغة ونحوها

رغم أن الجزائريين لم يؤلفوا كثيرا في علوم اللغة فإنهم اهتموا بالنحو خصوصا وتركوا لنا إنتاجا طيبا فيه، ومنذ يحيى بن معطي الزواوي تركزت العيون على زواوة باعتبارها مدرسة هامة لعلم النحو (1). ثم جاء أبو جميل زيان بن فائد الزواوي القسنطيني فتقدم بالدراسات النحويه أشواطا عريضة، كما عرفنا (2). وبالإضافة إلى زواوة اشتهرت زاوية خنقة سيدي ناجي بالنحو حتى أن الورتلاني روى في رحلته أن النحو كان يعتني به هناك الكبير والصغير واشتهروا به (اشتهارا بينا)(3)، وقد حاول الورتلاني أن يردهم إلى دراسة التوحيد وينصحهم بعدم التركيز على النحو، ولكنهم ناقشوه وحاجوه في ذلك، وعرف علماء الجزائر بحفظ متون النحو وبعض الشروح وإدراك

(1) انظر عن يحيى بن معطي بغية الوعاة للسيوطي، وابن خلكان، وقد توفي ابن معطي في القاهرة سنة 628. ومن أشهر آثاره (الألفية في علم العربية)، وفي سنة 1972 وضع الطاهر الطاهي المغربي رسالة ماجستير عن ابن معطي مع تحقيق كتابه (الفصول الخمسة) وناقشها في معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة.

(2)

انظر عنه الفصل الأول من الجزء الأول.

(3)

الورتلاني (الرحلة)119.

ص: 157

مسائلها عن ظهر قلب حنى أصبحوا لا يعانون في ذلك رهقا ولا مشقة، فهذا ابن مريم يخبر عن محمد الحاج المناوي (ت 955) انه كان يقول (ألفية ابن مالك عندنا كخبر الجلوس) فهي عنده محفوظة معروفة يتحدثون بها في المجالس ويتنادرون، لذلك طلب المناوي من تلاميذه أن يكون اهتمامهم بما هو أرفع من ذلك، لأن المعلومات التي يمنحها لهم في النحو إنما جاءت نتيجة جهود أخرى مضنية ومطالعات مستقصية، فكان يقول لهم (هذا الذي نملي عليكم مطالعة أربعين سنة)(1)، وضرب ابن حمادوش في رحلته مثلا لبعض الطلبة، محاولا إقناعهم بضرورة تعلم الحساب والنحو، بأن أهل تونس وأهل الأندلس كانوا يبدأون أولادهم بتعليم هذين العلمين (ليذوقوا لذة العلم)، فالنحو والحساب عند ابن حمادوش من العلوم التي تفتح شهية التلاميذ لأنها من العلوم العقلية.

وقد اشتهر بعض الجزائريين بالدراسات النحوية، ومن هؤلاء يحيى الشاوي وعبد الكريم الفكون ومحمد بن راشد الزواوي وعاشور الفكيرين القسنطيني (2)، فقد ترك يحيى الشاوي أربعة تآليف على الأقل في النحو، كما سترى، وترك الفكون نحو ذلك، أما ابن راشد والفكيرين فلا نعرف لهما تأليفا فيه ولكنهما اشتهرا بتدريسه، ومن أبرز الأساتذة الواردين على الجزائر من المغرب والذين تركوا بصمات قوية في الاهتمام بعلم النحو. محمد التواتي. فقد حل هذا الشيخ بقسنطينة أوائل القرن الحادي عشر (17 م)، وكان قد تخرج من فاس واشتهر بها في النحو حتى كان يلقب بسيبويه زمانه. وجلس في قسنطينة للتدريس فترة طويلة وورد عليه الطلاب من زواوة وعنابة والزيبان ونقاوس ونحوها، ومن أبرز تلاميذه محمد بن راشد الذي جاء من زواوة ليدرس عليه، فقرأ عليه كتاب (المرادي) حتى أتقنه، وبعد التخرج جلس ابن راشد للتدريس أيضا في قسنطينة فكان يدرس لطلابه كتاب

(1)(البستان)266.

(2)

اشتهر الفكيرين في النحو والصرف والرحلات، وسندرسه في فصل التاريخ والرحلات.

ص: 158

(التوضيح) الذي كان مشهورا في زواوة شهرة واسعة ويعتنون به قراءة وإقراء، كما يقول الفكون، وقد جمع ابن راشد (تقاييد) على الشيخ التواتي من تقريره أثناء الدرس وربما زاد عليها بعض المسائل من ابن بابشاذ وغيره من النحاة، ولكننا لا ندري إن كان ابن راشد قد نسق كل ذلك ووضعه في شكل كتاب. وعاد ابن راشد إلى زواوة وأخذ يدرس هناك النحو على الأجرومية وعلى المكودي (1).

وتظهر أهمية التواتي وابن راشد في تخريج أحد كبار النحاة الجزائريين، وهو عبد الكريم الفكون، فقد درس الفكون أيضا على التواتي علم النحو وتأثر به كثيرا، وهو يظهر إعجابه به عند ترجمته لشيخه، وكان التواتي قد خرج من قسنطينة خائفا من الظلمة، واستقر به المقام في باجة بتونس حيث توفي بالطاعون سنة 1031. ويبدو أن تأثير ابن راشد على الفكون كان قويا أيضا، فقد ذكر الفكون أنه كان حديث العهد وصغير السن عندما بدأ يتعلم النحو على التواتي فرأى إجادة ابن راشد للنحو ومناظرته لتلاميذ التواتي فيه وتفوقه عليهم فانقاد إليه وأصبح من الراغبين في التعمق في هذا العلم، ويحدثنا الفكون عن أن ابن راشد هو الذي شجعه على ذلك وأقرأه وقدمه على التلاميذ الآخرين حين أعطاه في الدرس كتاب (التوضيح) الذي كان يقرئه ليسمعه، وذلك لفصاحة لسانه وحسن صوته. وهناك شخصية أخرى كان لها أثر في تعلق قلب الفكون بعلم النحو، وهو إبراهيم الفلاري التونسي، وإذا كان تأثير ابن راشد والتواتي عن طريق التلمذة والاحترام فإن تأثير الفلاري كان بطريق المنافسة والتعجيز. فقد زار الفلاري قسنطينة ذات مرة، وكان علماؤها يجلونه ويستقبلونه على أنه من كبار النحاة ويعقدون معه المجالس العلمية (مثل نادي يحيى بن محجوبة)، وكان الفكون يتردد على هذا النادي رغم حداثة سنه. وأمام العلماء طرح الفلاري مسألة على الفكون فعجز عنها فحز ذلك في نفسه، وهو ما يزال، كما يقول، في سن الكتاب، وفكر في الأمر بعد عودة الفلاري إلى تونس وتمتعه هناك بصيت كبير في علم

(1)(منشور الهداية) 95 - 101.

ص: 159

النحو فإن (الحرب كانت سجالا) بينه وبين الفكوبة (1).

ألف الفكون عدة كتب في النحو والصرف نعرف بعضها فقط، من ذلك كتابه الكبير (فتح المولى بشواهد ابن يعلى)(2)، و (شرح على أرجوزة المكودي في التصريف) وقد ذكر العياشي الذي رأى هذا الكتاب واستفاد منه أن الفكون قد أجاد الشرح والبحث وأن شرحه يفضل شرح أبي عبد الله المرابط الدلائي على نفس الأرجوزة، وقد فرغ الفكون من هذا الكتاب سنة 1048 أي أثناء نضجه الفكري (ولد سنة 988). وأخبر العياشي أن الفكون افتتح شرحه بهذه العبارة (الحمد لله الذي أجرى تصاريف المقادير بواسطة أمثلة الأفعال، وأوضح بيان افتقارها إليه بتغيير حالاتها من حركة وصحة واعتلال)(3)، وللفكون أيضا (شرح على شواهد الشريف على الأجرومية)(4). وله أيضا شرح على نظم محمد المجرادي في النحو وهو (فتح الهادي بشرح المجرادي)(5)، ومن ثمة يظهر أن الفكون لم يكن مجرد مدرس للنحو على الطريقة التقليدية، شأن كثير من علماء الوقت، ولكنه كان، بالإضافة إلى التدريس، مؤلفا ماهرا في علم النحو والصرف، وكلاهما من العلوم العقلية، وهذا يتماشى، مع اتحاهه العقلاني الذي كشف عنه في

(1) نفس المصدر، 101 - 105، وقد توفي الفلاري سنة 1039 بتونس، وكان قد تولى فتوى المالكية بها. انظر عنه الوزير السراج (الحلل السندسية) 2/ 1، 181.

(2)

مخطوطات المكتبة العباسية في البصرة (العراق) رقم ج - 64 مذكور في قسم الأدب والشعر. إعداد علي الخاقاني، طبع المجمع العلمي العراقي، 1961 - القسم الأول. ورغم أن كتاب الفكون مبتور الآخر فإن الموجود منه يبلغ 324 صفحة، ولعله يقصد به شرح الشواهد الواردة في (الدرة النحوية في شرح معاني الأجرومية) لمحمد بن أحمد الحسني الفاسي المعروف بابن يعلى والمتوفى سنة 723.

(3)

العياشي (الرحلة) 2/ 391، ولعله هو (فتح اللطيف في شرح أرجوزة المكودي في التصريف) الذي أطلعني علي امقران السحنوني على نسخة منه.

(4)

عبد الرحمن الجيلالي، 2/ 391 - 393، ولعل هذا الكتاب هو نفسه (فتح المولى).

(5)

مجاميع تيمور، رقم 263، والنسخة تعود إلى سنة 1264، وقد توفي محمد المجرادي السلاوي سنة 1036.

ص: 160

كتابيه: (منشور الهداية) و (محدد السان)(1).

وكان يحيى الشاوي من المعاصرين للفكون، وربما أخذ عنه، لأن الفكون أكبر منه سنا وكان في الجزائر موضع شهرة واحترام عندما كان الشاوي ما يزال طالبا يبحث عن الشيوخ الذين يشبعون نهمه العلمي، وإذا كنا قد عرفنا جانبا من توجيه الفكون نحو علم النحو فإننا ما زلنا لا نعرف من الذي دفع الشاوي إلى هذا العلم. وقد أخبر عنه العياشي بأنه كان من الأذكياء وأن له معرفة حسنة بالنحو ومشاركة في غيره، وأنه كان مواظبا على التعلم والتعليم. حقا إن مزاجه كان، كما أشرنا، يشبه مزاج المقري المعاصر له أيضا، كلاهما كان يجانب أهل الباطن ويطمح إلى الاتصال بالأمراء وأصحاب الجاه، وكلاهما استعمل علمه سلما للدنيا، فهذا الشاوي قد ألف كتابا في أصول النحو جعله على أسلوب (الاقتراح) للسيوطي وكتبه برسم السلطان العثماني، محمد خان، وقدمه للعلماء العثمانيين فقرظوه، ولم يذكر المحبي الذي أورد هذه القصة اسم الكتاب ولكنه قال عنه إنه تأليف صغير. ومن كتب الشاوي الأخرى في النحو: نظم لامية في إعراب اسم الجلالة جمع فيه أقوال النحاة وشرحها شرحا طيبا، وله شرح على التسهيل لابن مالك، وحاشية كبيرة على شرح المرادي (2).

وممن وضعوا حاشية على شرح الخلاصة للمرادي أيضا سعيد قدورة،

الذي عرفنا أنه قد اشتهر، كمدرس، بوضع حواشي وشروح على الكتب التي كان يدرسها لتلاميذه، وقد سمي حاشيته القصيرة (رقم الأيادي على تصنيف المرادي)(3).

(1) انطر ترجمة الفكون في الفصل السادس من الجزء الأول. وذكر في (فتح اللطيف) أن له كتابا آخر سماه (فتح المالك). والظاهر أنه شرح على لامية ابن مالك.

(2)

نسخة من هذه الحاشية في المكتبة السليمانية (إسطانبول). انظر محمد بن عبد الكريم (مخطوطات)157. انظر أيضا المحبي (خلاصة الأثر) 4/ 486. وقد ترجمنا ليحيى الشاوي في الفصل الثاني من هذا الجزء.

(3)

الخزانة العامة، الرباط، 2692 د. انظر ترجمة سيد قدورة في فصل التعليم من الجزء الأول.

ص: 161

وقد أخذت الأجرومية وألفية ابن مالك حظا وافرا من عناية الجزائريين، فألف محمد الصباغ القلعي (الدرة الصباغية في شرح الجرومية)(1)، وهو عمل يدل على سعة معلومات صاحبه في علم النحو، رغم أنه كان، كما عرفنا، من المهتمين بعلم التصوف، إذ هو أول من كتب طويلا عن أحمد بن يوسف الملياني في (بستان الأزهار). وقد أشار الصباغ إلى ظروف تأليف (الدرة) وطريقته فقال إنه ألفها (في زمان كثير شره، وقليل نفعه وخيره .. ومع شغل البال، وتراكم الهموم والأهوال)، كما ذكر أنه قرأها على شيخه محمد بن منصور المستغانمي فأجازه بها، أما عن طريقته فقال إنه كان يهدف إلى وضع تقييد على الأجرومية (لنفسي، ولمن هو مبتدي مثلي من أبناء جنسي .. وتكلمت على إعرابها، ولم أر أحمدا أعربها قبلي)، ومن المفيد أنه ذكر اسمه فيها هكذا: محمد بن محمد بن أحمد بن علي الصباغ الهواري.

ومن جهة أخرى، نظم خليفة بن حسن القماري الأجرومية في قصيدة (لذيذة يطرب لها الناشئ ويرقص لها المبتدئ لسلاسة نظمها وعذوبة موسيقاها)(2) وسماها (اللامية في نظم الأجرومية)، وكانت الأجرومية هي ملح الطعام عند مدرسي وطلاب الجزائر.

أما ألفية ابن مالك فمن أوائل من ألف فيها في العهد العثماني محمد بن عامر الأخضري البسكري (وهو والد عبد الرحمن الأخضري). فقد أراد أن يوضح في شرحه عليها ما غمض منها، ولكن شرحه قد طال. فهو لم يكن يعلق ليوضح ولكنه كان يشرح شرحا تقليديا لأبواب النحو المعهودة في الألفية، ثم أضاف إلى ذلك طبعا بعض معارفه الخاصة التي تظهر من الإعراب والتنبيهات واللطائف، ويبدو أن الناسخ قد وجد تحريفا في الأصل فأثبته كما هو، وليس لهذا الشرح عنوان وإنما اكتفى الناسخ أو المالك له

(1) المكتبة الوطنية - الجزائر، 2325 في 156 ورقة، عن الصباغ انظر الفصل الثاني من هذا الجزء.

(2)

التليلي (إتحاف القاري) مخطوط.

ص: 162

بوضع عبارة (تقييد) فقط (1)، كما أن أحمد بن العباس الوهراني قد وضع شرحا على لامية الأفعال في التصريف لابن مالك (2). وكذلك شرح محمد بن يحيى البجائي لامية الأفعال (3) وناقش الناظم وجاء بآراء النحاة، كما استعمل الإعراب وذكر الشواهد، واللامية المشار إليها هي التي تبدأ هكذا.

الحمد لله لا أبغي به بدلا

حمدا يبلغ من رضوانه أملا

ثم الصلاة على خير الورى وعلى

ساداتنا آله وصحبه الفضلا

وبعد فالفعل من يحكم تصرفه

يحز من اللغة الأبواب والسبلا

ويبدو أن أبا القاسم بن محمد البجائي كان من النحاة التقليديين في القرن الحادي عشر، فقد عاش على الأقل جزءا من حياته في تونس وأخذ بها العلم على علمائها وعلى الوافدين عليها من العثمانيين وغيرهم. ويذكر حسين خوجة صاحب (بشائر أهل الإيمان) أن البجائي قد تولى الخطابة في جامع الخطبة خارج باب الجزيرة بتونس وأنه كان أيضا فقيها ورعا (4)، والعبارة الأخيرة كانت تطلق على كل العلماء المرضي عنهم في ذلك الوقت، ولو كانوا من النحاة والأطباء، لأن مقياس الإنسان الصالح عندئذ هو الورع والفقه والزهد، ومهما كان الأمر فإن حسين خوجة قد ذكر أن البجائي ألف كتبا، منها شرح شواهد أربعة كتب هي القطر والشذور والمقدمة.

وقد اطلعنا نحن على شرحه على شواهد القواعد الصغرى في النحو لابن هشام الأنصاري، وذكر البجائي في تبريره تأليف هذا الكتاب أنه لم ير من شرح هذه الشواهد فأراد هو أن يشرحها (شرحا يرفع عنها حجابها، ويكشف نقابها، ويذلل صعابها، ويزيل عنها إغرابها، متجافيا فيه عن

(1) المكتبة الملكية - الرباط، 8315، ويقع في خمس وستين ورقة.

(2)

نفس المصدر، 4268، 8849، وتوجد قطعة منه أيضا في المكتبة الوطنية. الجزائر، رقم 2231 مجموع، وفيه أن اسمه محمد بن العباس.

(3)

المكتبة الوطنية. الجزائر، 2231 مجموع، النسخة التي اطلعنا عليها منسوخة سنة 1055 وهي في 20 ورقة، وخطها جيد.

(4)

(بشائر أهل الإيمان)، المكتبة الوطنية - الجزائر مخطوط رقم 2192.

ص: 163

الإطالة، خشية السآمة والملالة) (1)، ومن الجدير بالذكر أنه بدأ شرحه بتعريف الشعر نقلا عن ابن رشيق، كما رأينا له (شرح شواهد كتاب شذور الذهب) لابن هشام الأنصاري أيضا (2).

وعبارة البجائي في مقدمته لا تختلف كثيرا عن عبارته في الشرح السابق، فقد افتتحه بهذه العبارات (وبعد، فإن كتاب شذور الذهب في معرفة كلام العرب من أنفس ما ألف في علم النحو، غير أن شواهده لم أر من تعرض لشرحها، فأردت أن أجعل عليها شرحا يذلل صعابها .. ناقلا ذلك من شرح العيني على شواهد الكتب الأربعة، ومن وشي الحلل في شرح أبيات

الجمل للشيخ الفهري ومن شرح شواهد المغني للشيخ السيوطي، ومن شواهد الشيخ ابن هشام اللخمي، ومن الدماميني الكبير على المغني، ومن غيرها ما تدعو إليه الحاجة)، والنسخة التي اطلعنا عليها ليس لها عنوان وإنما أضاف إليها السيد عمار البطالبي عبارة كتاب شواهد السرور (الشذور؟).

وممن اعتنى بالتأليف في النحو أيضا محمد الزجاي، فقد ذكر في ترجمته أن له شرحا على ألفية السيوطي، وعلى التسهيل لابن مالك وعلى لامية الأفعال في التصريف وعلى نونية صاحب الشذور، الخ. والزجاي، مثل سعيد قدورة والأنصاري، كان يعلق على الكتب التي كان يتناولها في درسه فيوضحها لطلابه، وقد يزيد على ذلك شواهد وتبسيطا وأخبارا، ولا نظن هذه التآليف إلا موجهة للطلبة فقط (3)، أما أبو راس الذي قيل إنه كان يلحن في درسه، رغم علمه الواسع، فقد ألف أيضا في النحو واللغة، وهو

(1) المكتبة الوطنية - تونس، 1598، انتهى البجائي من هذا الشرح سنة 1029، وهو في 18 ورقة فقط.

(2)

المكتبة الوطنية - الجزائر، 2265 مجموع، وهو في 94 ورقة، وهذه النسخة بقلم محمد بن مراد الحنفي سنة 1188. ورأينا نسخة من هذا الشرح عند علي أمقران السحنوني بخط محمد بن أحمد بن فتح الله الصنهاجي سنة 1033.

(3)

(إتمام الوطر) مخطوط باريس.

ص: 164

قد اعترف أن أحدا لم يفته في كثرة التآليف سوى السيوطي، ومما ذكره لنفسه من التآليف في باب النحو (الدرة اليتيمة التي لا يبلغ لها قيمة)(1).

ولم يؤلف في تراجم النحاة، على ما نعلم، سوى بركات بن باديس وتلميذه أحمد بن قاسم البوني، أما ابن باديس فقد ألف كتابا سماه (التنقيح في التعريف ببعض أحوال رجال طالعة التصريح على التوضيح)، قال عنه (وبعد فهذا تقييد مفيد .. لمعرفة طبقات بعض أئمة النحويين وأخبار الجهابذة المشهورين (يشتمل) على طرف من ألفاظ طالعة التصريح للشيخ أبي البقاء خالد الأزهري)، والظاهر أنه جمع فيه تراجم مختصرة لعلماء النحو الذين يتعرض لهم أثناء تدريسه لهذه المادة في قسنطينة، ومنهمحوالي ثمانية وعشرين ترجمة مثل المازني وابن الحاجب، والسيرفي، وابن مالك، والخليل بن أحمد، وأبو الأسود، وسيبويه، وابن هشام، والكسائي، وابن جني، والأخفش، الخ .. وقد قلنا إنها تراجم مختصرة لأن تأليف ابن باديس لا يعدو ثماني وعشرين ورقة من النسخة التي اطلعنا عليها (2).

أما البوني فقد ألف، كما عرفنا، في علوم مختلفة، ومنها النحو واللغة، ويشهد لذلك كتابه المسمى (فتح المتين في تراجم بعض مشاهير النحاة واللغويين)، ويبدو من عنوانه أنه قد اقتصر فيه على (بعض المشاهير) فهو إذن ليس كتابا شاملا للنحاة واللغويين، ولكن غير مقتصر على زمانمعين، ومن الذين ترجم لهم، ابن خالويه، وقد جاء في كتابه أيضا ببعض الأخبار الأدبية واللغوية التي يسميها بالفوائد، ومن ذلك القصة التي رواها عن ابن العديم صاحب (تاريخ حلب) من أن سيف الدولة قد طلب من

(1)(فتح الإله ومنته) مخطوط الخزانة العامة بالرباط.

(2)

نسخة في مكتبة المرحوم المولود بن الموهوب (عند السيد ماضوي) من نسخ سالم بن محمد من أولاد سيدي عيسى بن الأكحل، نسخها لشعبان بن جلول سنة 1146. ولبركات بن باديس كتب أخرى في النحو منها شرح على ألفية ابن مالك في ثلاثة أجزاء، وآخر في شرح الشواهد للمكودي على الألفية.

ص: 165

العلماء أن يذكروا له بعض الأسماء الممدودة وجموعها مقصورة .. وأن ابن خالويه قد ذكر من ذلك صحراء وصحارى وعذراء وعذارى، وقد نظم أحمد البوني هذه الأسماء في قوله:

صحراء عذراء ولفاء وخبراء

ممدودة كلها وزيد سبتاء

وجمعها جاء مقصورا فكن فطنا

واحفظ فديتك ما بالحفظ بأساء (1)

وقليل هم العلماء الذين ألفوا في علم اللغة المحض، ومن هؤلاء أحمد بن محمد بن علي بن ويغلان البجائي الذي نسب إليه بروكلمان (الروض النظيم (المنظم؟) في معاني حروف المعجم (2)، ومحمد بن بدوي الجزائري المعسكري. صاحب كتاب (الارتضاء في الفرق بين الضاد والظاء)، فقد لخص فيه كتاب (الاعتضاد في الفرق بين الظاء والضاد) لأبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي، وقال ابن بدوي الذي كتب عمله سنة 1127، (هذا كتاب لخصته من كتاب الاعتضاد .. ورتبته على ما فيه ظاء من حروف المعجم، وعددت في كل حرف ما فيه من المواد، وبدأت بالصحيح ثم المضاعف ثم المعتل بالثلاثي ثم بغيره، وما وضح لي من المقصور انقلاب ألفه عن ياء أو واو، وذكرته بما وضح، وما لا ذكرته مقصورا، على حاله .. وسميته الارتضاء)(3)، أما أبو راس فقد ذكر أن من تآليفه كتابا سماه (ضياء القابوس على كتاب القاموس) الذي يبدو أنه حذا فيه حذو (الجاسوس على القاموس)، وقد وضع المفتي علي بن عبد القادر بن الأمين رسالة سماها (إتحاف الألباب بفصل الخطاب)، وعبارة الخطاب التي يقصدها هي (أما بعد)، لذلك افتتح تأليفه بقوله:(حمدا لك يا من علم آدم الأسماء)، وهي

(1) ورد هذا الخبر بقلم ابنه أحمد الزروق، في ذيل (فتوى في الحضانة) لوالده، المكتبة الوطنية. الجزائر، رقم 2160.

(2)

بروكلمان 2/ 917، ورغم اهتمامنا فإننا لم نعرف شيئا كثيرا عن حياة أحمد بن ويغلان.

(3)

مخطوطات المكتبة العباسية بالبصرة، علي الخاقاني، طبع مجمع اللغة العربية - العراق، 1961، ص 62 القسم الأول رقم المخطوط 105، وهو في 30 صفحة.

ص: 166