المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ممارسة الموسيقى والغناء: - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٢

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الأولالعلوم الشرعية

- ‌حول التقليد والتجديد

- ‌ التفسير

- ‌القراءات

- ‌الحديث

- ‌ الأثبات

- ‌الإجازات

- ‌عيسى الثعالبي

- ‌أحمد البوني

- ‌ الفقه

- ‌الأثار الفقهية:

- ‌عبد العزيز الثميني:

- ‌خليفة بن حسن القماري:

- ‌النوازل والفتاوى والفرائض

- ‌الفصل الثانيعلم الكلام - التصوف - المنطق

- ‌ علم الكلام

- ‌ يحيى الشاوي

- ‌ التصوف

- ‌المناقب الصوفية:

- ‌شروح في التصوف:

- ‌المواعظ والردود:

- ‌المنطق

- ‌الفصل الثالثعلوم اللغة - النثر الفني

- ‌علوم اللغة ونحوها

- ‌البيان والمعاني (البلاغة) والعروض

- ‌فنون النثر

- ‌الشروح الأدبية:

- ‌التقاريظ والإجازات والعقود:

- ‌الرسائل:

- ‌الوصف:

- ‌الخطابة:

- ‌القصص والمقامات:

- ‌ أحمد المقري

- ‌أحمد بن عمار

- ‌الفصل الرابعالشعر

- ‌مدخل

- ‌الشعر الديني

- ‌الشعر السياسي

- ‌الشعر الاجتماعي

- ‌المجون والمزاح:

- ‌المدح والفخر:

- ‌الرثاء:

- ‌وصف المنشآت العمرانية:

- ‌الألغاز:

- ‌الشعر الذاتي

- ‌الشعر والمرأة:

- ‌الوصف:

- ‌الحنين والشكوى:

- ‌ ابن علي)

- ‌الشعر الشعبي

- ‌الفصل الخامسالتاريخ - التراجم - الرحلات

- ‌ مفهوم التاريخ

- ‌في السيرة النبوية

- ‌تواريخ عامة وتواريخ محلية

- ‌تراجم عامة

- ‌تراجم خاصة

- ‌ابن المفتي وتقييده

- ‌أبو راس الناصر

- ‌الرحلات

- ‌الورتلاني ورحلته

- ‌الفصل السادسالعلوم - الفنون

- ‌مقدمة

- ‌الحساب والفلك

- ‌الطب والجراحة والصيدلة

- ‌عبد الرزاق بن حمادوش

- ‌كتابه كشف الرموز:

- ‌كتابه تعديل المزاج:

- ‌الفنون

- ‌رأي العلماء والمتصوفة في الموسيقى:

- ‌ممارسة الموسيقى والغناء:

- ‌العمارة والخط والرسم:

- ‌المحتوى

الفصل: ‌ممارسة الموسيقى والغناء:

حمادوش في رحلته عن نفسه أنه يعلم علوما شتى من بينها علم الموسيقى الذي قال إنه تعلمه بطريق الإجازة (1) وفي (الرحلة القمرية) لابن زرفة أنه قد ورد على الباي محمد الكبير عالمان حنفيان من مليانة، أحدهما مفتي البلدة والثاني فقيهها، وإن كليهما كان من الموسيقيين المهرة (2)، وقد عرفنا من حياة المفتي أحمد بن عمار أن بعض علماء مدينة الجزائر، وهو منهم، كانوا يصوغون الموشحات المولدية ونحوها وينشدونها في المولد النبوي بالألحان المطربة، وتذكر المصادر أن العالم محمد القوجيلي قد استأذنه أحد علماء تونس في سماع الموسيقى فأجابه القوجيلي:

فالقلب فيه اشتياق للسماع توى

إذكل ذي كرم من شأنه الطرب (3)

‌ممارسة الموسيقى والغناء:

ويظهر أنه رغم اختلاف وجهة نظر العلماء حول الموسيقى والغناء، فإن المجتمع كان لا يستغني عنهما، وهناك ثلاث مناسبات على الأقل تشيع فيها الموسيقى والغناء والرقص: المناسبات الاجتماعية كحفلات الزواج ولقاء السيدات في الحمام والختان، والمناسبات الدينية كالمولد النبوي وتجمع ركب الحج وليلة القدر، والمناسبات الرسمية كتولي الباشا الجديد وحفلة الدنوش والاحتفال بانتصار كبير على الأعداء.

وتذكر بعض المصادر أن السلطة كانت تجازي العازفين بهدايا وعطايا مناسبة. فقد كان رئيس الموسيقيين (أو الباشزرناجي) يتقاضى بمناسبة المولد النبوي عشرة بوجات، وكانت هدية الموسيقيين في هذه المناسب ترقى إلى خمسة وأربعين سلطانيا. أما حين يلبس الباشا الجديد القفطان الرسمي فعطية الموسيقيين تبلغ أحيانا مائة دورو فضية، وذلك بعد ثلاث ليال من

(1) ابن حمادوش (الرحلة) مخطوطة، ولنلاحظ أنه قد اهتم في نقله عن تاريخ الكردبوس بأخبار الموسيقيين والمغنين.

(2)

خلاصة (الرحلة القمرية) كما لخصها هوداس في (المجموعة الشرقية) الجزائر 1905، 53.

(3)

(ديوان ابن علي)، مخطوط.

ص: 440

الاحتفالات (1)، وروى الزهار أن النساء أيضا كن يعزفن الموسيقى أثناء حفلات الدنوش، بالإضافة إلى عازفين من الرجال، أتراك وجزائريين. وهذا بالطبع خارج نطاق الموسيقى العسكرية المعروفة بالنوبة، وأثناء ذلك كانت تعزف الألحان الجزائرية والتركية. كما كان البايات يجازون هؤلاء الموسيقيين والموسيقيات بالمكافآت السخية (2).

وتثبت بعض الوثائق أن هناك عازفين كانوا يتنقلون من بلد إلى بلد حتى على المستوى الرسمي، وأن الحفلات الموسيقية الرسمية كانت تقام أيضا في الأقاليم إذا دعت المناسبة. وأن بعض هؤلاء العازفين قد بلغوا درجة من الشهرة والتقدير بين المعاصرين، حتى أصبحوا يلقبون (بالأساتذة). فقد روى المؤرخ المغربي أبو القاسم الزياني أنه عندما حل بقسنطينة دعاه الباي حسن هناك إلى حفلة سمر وموسيقى جاءه عازفوها من مدينة الجزائر، وقد وصف الزياني عندئذ قصر الباي بأنه كان مزينا بالفرش والتحف الفضية والذهبية والساعات والأثاث الفاخر والأواني. ولاحظ أيضا أن الباي كان يخرج من وقت لآخر من الحفلة ثم يعود إليها، وأنه في كل مرة كانت تقوى عنده رائحة الخمر حتى عرفها الحاضرون جميعا (3)، ولا شك أن هذا النوع من الموسيقى هو الذي نهى عنه أهل التصوف، أمثال الورتلاني، لأنه في نظرهم يؤدي إلى المجون وتعاطي الخمر والتبذير والاختلاط.

وكان المغنون والعازفون والراقصون يجازون أيضا في الحفلات الخاصة مجازاة سخية، ذلك أن الأهالي كانوا شديدي الحرص على سماع الموسيقى والتمتع بالإنشاد، وكان كثير منهم، ولا سيما أهل الحضر، يحتفظ بآلات موسيقية عنده يعزفها عندما ينفرد بنفسه كنوع من أنواع التسلية والهواية، وكان بعضهم يصطحب الموسيقيين معه إلى الريف حيث منازل

(1)(التشريفات)39.

(2)

الزهار (مذكرات) 37 - 38.

(3)

الزياني (الترجمانة الكبرى)156. انظر ما قلناه عن أحوال الترك في الجزائر في الفصل الثاني من الجزء الأول.

ص: 441

الحضر الأغنياء، وكان الركب يتوقف من وقت لآخر فيعزف الموسيقيون ألحانهم، بينما الحضريون جالسين على مصطبة عالية غارقين تحت تأثير الموسيقى اللذيذ. وقد ذكر أحد الأوروبيين أن عازف الموسيقى في الجزائر يربح من عزفه أكثر مما يربحه عشرة من الأدباء (1). وكان هناك كثير من الهواة المشتغلين بالموسيقى، ولكن الذين كانوا يعزفون أمام العامة هم الذين يكسبون قوت يومهم من هذه الحرفة. أما الآخرون فيعزفونها في أوقات فراغهم ولأنفسهم، كما أشرنا، وذكر الورتلاني أن الشيخ علي المهاجري كان زمارا مشهورا بلغ الغاية في صنعته حتى أصبح الناس يشترطونه في الأعراس، ولا شك أنه كان يأخذ أموالا طائلة على ذلك، رغم أن الورتلاني قد حكم بحرمة صنعته لأن (زمارته تلهى كل اللهو)، لانضمام (النساء والشبان والرقص وذكر الخدود والقدود) إليها (2)، وبالإضافة إلى (الموبقات) التي فصلها الورتلاني، نشير إلى ما ذكره الدكتور شو من أن الشبان كانوا يقضون أوقاتهم في المقاهي يلعبون الشطرنج أو يأخذون خليلاتهم إلى الحقول حاملين معهم الخمر والآلات الموسيقية، بينما كان بعضهم يظلون في الحانات أو في دكان الحلاقين يشربون ويتجاذبون أطراف الحديث (3).

ومهما كان الأمر فقد كان هناك على الأقل ثلاثة أنواع من الموسيقى، موسيقى الحضر أو الأندلسية، وموسيقى البدو، وموسيقى العثمانيين، ويمتاز كل نوع ببعض الخصائص وبعض الآلات الموسيقية. وتعتبر الموسيقى الحضرية أكثر تنوعا وتنغيما من موسيقى البدو، حسب الذين درسوها، ذلك أن معظم أنغامها حية ولذيذة، وهي أيضا تعزف بعدد من الآلات يفوق عدد آلات النوعين الآخرين، ومن جهة أخرى كان العزف يتم من الذاكرة وليس من نوطة يتعلمها العازفون، كما أنها قد بلغت من التعدد والتنوع أن أصبحت

(1) بانانتي، 266.

(2)

الورتلاني، 70.

(3)

شو 1/ 421. انظر أيضا ما قلناه عن الحياة الاجتماعية في الفصل الثاني من الجزء الأول.

ص: 442

لها الفرق الضخمة البالغة العشرين أو الثلاثين عازفا، وكان العزف يطول ولكن السامعين يظلون طول الليل يستمتعون دون أن تحدث خلال ذلك ضجة أو هرج. أما آلاتها فالرباب ذو الوترين والذي يلامس بقوس، ثم العود الذي يحتوي على أوتار أكثر من عدد أوتار الرباب. وهناك أيضا أحجام مختلفة من القيثار الذي يعطي لكل حجم منه نغما أعلى من الآخر. وقد أدخل الحضر أيضا الصنج على الطار البدوي فتنوعت نغماته بتعدد ضرباته (1).

ويستعمل عازفو البدو أيضا آلات موسيقية تناسب عقليتهم ووسائلهم المعيشية. وهم أيضا لا يكتبون موسيقاهم، وآلاتهم هي الربابة ذات الوتر الواحد والقصبة، وكذلك الطار أو البندار، ولا تختلف أنغامهم كثيرا بل هي متواصلة بالقصبة ورتيبة، أما الربابة فهي التي تبدأ بها النغمة وتنتهي، ويشترك في هذه الطريقة من العزف المداحون وبعض الدراويش أيضا، وكان هؤلاء وأمثالهم يجتمعون في حلقة في مكان قريب من السوق ونحوه ثم يشرعون في الغناء والعزف على الآلات المذكورة، ومعظم إنشادهم خلال ذلك يعتمد على المدائح النبوية وسيرة الصحابة والسلف والقصص العربي البطولي. أما العزف على الطار أو البندار المتكون من جلد ناعم وخشب رقيق فيستعملونه في الحفلات العامة، وهو بالإضافة إلى القصبة والربابة، يعطي أنغاما لطيفة ناعمة أحيانا وعالية أحيانا أخرى، حسب المناسبة (2).

أما موسيقى الأتراك التي جاؤوا بها معهم إلى الجزائر بعد استقرارهم بها فقد شاعت أيضا ولكن في حدود ضيقة، وهي لا ترقى إلى موسيقى الحضر أو الأندلسية، وتمتاز موسيقى الترك، غير العسكرية، بحزن نغمتها، ومن آلاتهم الفضل وهو آلة طويلة العنق تشبه الربابة، وهناك آلة أخرى ذات أوتار تلامس بأصابع اليد أو بعصى رقيقة. وبالإضافة إلى ذلك شاعت عند

(1) نفس المصدر، ص 368، انظر مقالة لعمر راسم (الموسيقى الأندلسية، بالجزائر)، مجلة المباحث التونسية 13، أبريل 1945، وبانانتي، ص 267، وقد ذكر الزهار (مذكرات) 38 من أنواع الآلة الموسيقية الحضرية الربابة والكامنجة والعيدان.

(2)

شو 1/ 367.

ص: 443

ذوي السلطة كالباشوات والبايات آلات محلية كالقصبة والطنبور والمزمار (1). ولهم أيضا فرق موسيقية تعزف لهم في المناسبات السياسية والحربية والاجتماعية، وكانوا كما أشرنا، يكافئون الموسيقيين على عزفهم مكافآت جيدة، ولعل ذلك يدل على تأثر العثمانيين بالبيئة المحلية التي وجدوا أنفسهم يتعايشون معها.

وقد أشرنا إلى أن مصدر الأغنية هو التاريخ الإسلامي، ولا سيما سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف الصالح، بالإضافة إلى القصص البطولي الذي يمجد تاريخ العرب والمسلمين. وكثير من القصص الغرامي - الملحمي كان مستمدا من ألف ليلة وليلة وأمثالها من القصص الشعبي (2). وكان المغنون يبدأون قصتهم بفاصل ناعم يعزف على الربابة المرفقة بالقصبة ثم تعلو النغمة وتتواصل القصة في بساطة ونعومة، بينما السامعون مندمجون في سحر الموسيقى وتيار القصة.

ولم يكن الرقص شائعا بين الرجال اللهم إلا رجال البادية. أما في المدن فالرقص مقصور على النساء غير الحرائر، وقد جرت العادة أن يمارس الرقص بنات الهوى والوصيفات، وكن يستدعين للحفلات ويعطين أجورا عالية. كما كن يرقصن في خيام خاصة خلال النهار تحدث عنها بعض الأوروبيين، وقال إن قضاء ساعة فيها كان يعد من أفضل المتع عند السكان. وكان الرجال أثناء ذلك يدخنون أوراق الورد أو يشربون القهوة اليمنية القوية. وقد لاحظ هذا الأوروبي أن الحفلة كانت تجري في هدوء تام فلا صخب ولا صياح، وقد تنتهي الحفلة ويفترق الجمع دون أن ينبس الحاضرون ببنت شفة (3). ولعل عادة الصمت هذه هي التي ورثها الجزائريون إلى اليوم.

(1) نفس المصدر، 370.

(2)

بانانتي، 267، شبه بانانتي الأغاني الشعبية الجزائرية بالأناشيد الوطنية لسكان ويلز وموسيقى الرعاة عند أهل اسكتلاندا.

(3)

نفس المصدر، 222.

ص: 444