الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاريخه قائما على عدد من المقامات كما أسلفنا.
والتواريخ التي تحدثنا عنها، بجميع أقسامها وأنواعها، ليست كلها متوفرة كما أنها ليست جميعا أعمالا كبيرة. ذلك أن بعضها قد ضلع مثل العديد من تآليف أبي راس وأجزاء من رحلة ابن حمادوش ومعظم مؤلفات أحمد بن عمار، غير أن الجزء الباقي من هذه الأعمال يعطينا فكرة عن نشاط الجزائريين في مجال التاريخ. ثم إن بعض هذه الأعمال صغيرة الحجم لا يتعدى عدة ورقات، وبعضها ضخم حجمها حتى عد بالأجزاء، والظاهر أن معظم الكتاب الذين تناولوا حوادث تاريخية أو تناولوا التراجم لم يكونوا واعين أنهم يكتبون (تاريخا) أو (تراجم) بالمعنى الذي نستعمله اليوم للعبارتين، فالذين ترجموا لعدد من الرجال كانوا في الغالب يقصدون وجه الأدب. كما فعل ابن عمار في (لواء النصر) أو يتبركون بالمترجمين كما فعل ابن مريم، أو يقصدون إلى نقد أوضاعهم ويحاربون الفساد الاجتماعي والديني كما فعل عبد الكريم الفكون في (منشور الهداية). ففكرة التاريخ كانت بعيدة من أذهان الأغلبية منهم، كما أن فكرة الترجمة الحقيقية التي تعطيك حياة ونشاط وأفكار ومواقف المترجم له بعيدا عن المدح والتبرك أو النقد والتجريح كانت أيضا بعيدة من أذهان معظم المترجمين، ومع ذلك فإننا سنتناول الجميع، مما عثرنا عليه، على أنه تراث تاريخي تجب العناية به وليس على أنه يلبي المقاييس التاريخية التي نقيس بها اليوم.
في السيرة النبوية
ألف الجزائريون في السيرة النبوية عدة أعمال ونظموا فيها الأشعار والأراجيز، ومن الممكن أن نعد كل ما قيل من شعر في المدائح النبوية جزءا من تاريخ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (1)، كما أننا نعتبر ما كتب أو نظم في الرحلات
(1) انظر المدخل الذي كتبناه للرحلات الحجازية الجزائرية في كتابنا (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر).
الحجازية على أنه من صميم السيرة، فمجال السيرة إذن واسع. فإذا ذهبنا مع الورتلاني على أن علم السير هو (سير الأنبياء وشمائلهم ووقائعهم وبعوثهم وسراياهم وصحبهم وخصائصهم وقصصهم) أمكننا أن ندرك أن كثيرا مما ألفه أحمد المقري وأبو راس وأحمد البوني وأمثالهم يدخل في قسم السيرة النبوية.
ومن أقدم الأعمال التي نشير إليها في العهد العثماني شرح أحمد بن محمد البجائي التلمساني على (الشقراطسية)، وهي القصيدة التي نظمها
محمد بن علي بن شباط التوزري في السيرة، ونحن نعرف أن التوزري قد
وضع هو نفسه شرحا على قصيدته سماه (صلة السمط وسمة الربط) ضمنه أدبا وتاريخا أيضا (1)، ويبدو أن شرح التلمساني عمل مهم، فقد وصفه ابن عسكر بأنه (شرح عجيب)(2)، وكان محمد المغوفل قد اشتهر بقرض الشعر الذي تناول فيه حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد اعتبره أبو راس (أحد أعجوبات الدهر في علمه وورعه وكراماته، يشهد لعلمه قصيدة مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها سبعون بيتا، وليس فيها حرف يستحق النقط، بل كلها عواطل من النقط، وكفى به حجة)(3)، ورغم شهرة هذه القصيدة وأهميتها وشيوع الشروح في ذلك العصر فإننا لا نعرف أن أحدا قد تناولها بالشرح، وقد أشرنا من قبل إلى موقف العثمانيين من الشيخ المغوفل (4)، كما أشرنا إلى أشعاره في المدائح النبوية في فصل الشعر. والظاهر أن لغة المغوفل إما ضعيفة أصلا وإما أضر بها نساخ أشعاره.
وحتى لا نكرر هنا ما تناولناه في شعر المدائح النبوية نكتفي بالإشارة
إلى بعض الأعمال التي تدخل من جهة في شعر المدح ومن جهة أخرى في
السيرة النبوية، ونعنى بذلك ديوان عبد الكريم الفكون الذي خصصه
(1) الإعلام 7/ 172، وقد توفي التوزري سنة 681.
(2)
(دوحة الناشر)، 219 - 221.
(3)
أبو راس (عجائب الأسفار) ورقة 26 مخطوط الجزائر.
(4)
انظر الفصل الثاني من الجزء الأول.
لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ديوان كبير، والمعروف أن الفكون كان أمير ركب الحج الجزائري مدة طويلة وكان مؤلفا وشاعرا ومدرسا، فصلته بالحجاز وبالحرمين صلة وطيدة.
وكان أحمد المقري قد ألف، كما أشرنا، في السيرة النبوية عدة تآليف، وكان أيضا يكثر من الحج حتى بلغت حجاته حوالي سبع مرات، وألف كتبه في السيرة وهو في الحرمين، وخصوصا عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أهم أعماله في ذلك (فتح المتعال) في نعال الرسول، و (أزهار الكمامة) في عمامته، و (الدر الثمين) في أسمائه، وله أيضا كتاب سماه (الأنوار وكنز الأسرار فى نسب آل النبي المختار)، ولا شك أن له غير ذلك فى السيرة أيضا.
ويأتي بعد المقري في كثرة التأليف في السيرة النبوية أحمد بن قاسم البوني، ولا غرابة في ذلك فقد جمع البوني بين الصلاح والدين والعلم، وقد حج أيضا، وله رحلة حجازية سنعرض لها، وكان كثير التأليف حتى عدت كتبه أكثر من مائة، كما ذكرنا في ترجمته، ويلاحظ أن بعض تآليف البوني في السيرة كان نظما وبعضها كان نثرا، ومن ذلك (نظم الخصائص النبوية)، ومن نثره (تنوير السريرة بذكر أعظم سيرة)(1)، ولأحمد البوني تآليف أخرى في الحديث وغيره مما يتصل بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما أبو راس فقد عرفت عنه العناية بالتاريخ والنسب والسيرة (2) ومن جهة أخرى ألف محمد بن علي الشلاطي المعروف بابن علي الشريف كتابا في السيرة سماه (سيرة المصطفى وسيرة الخلفاء ومن بعدهم من الملوك والعرفاء)، ويعتبر جزء كبير من الرحلات الحجازية في تاريخ السيرة النبوية أيضا، وسنعرض إلى ذلك في قسم الرحلات من هذا الفصل.
وهكذا نجد تاريخ السيرة النبوية قد اختلط عند الكثير من الجزائريين
(1) الكتاني (فهرس الفهارس) 1/ 170.
(2)
انظر ترجمته بعد قليل.