المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الأولالعلوم الشرعية

- ‌حول التقليد والتجديد

- ‌ التفسير

- ‌القراءات

- ‌الحديث

- ‌ الأثبات

- ‌الإجازات

- ‌عيسى الثعالبي

- ‌أحمد البوني

- ‌ الفقه

- ‌الأثار الفقهية:

- ‌عبد العزيز الثميني:

- ‌خليفة بن حسن القماري:

- ‌النوازل والفتاوى والفرائض

- ‌الفصل الثانيعلم الكلام - التصوف - المنطق

- ‌ علم الكلام

- ‌ يحيى الشاوي

- ‌ التصوف

- ‌المناقب الصوفية:

- ‌شروح في التصوف:

- ‌المواعظ والردود:

- ‌المنطق

- ‌الفصل الثالثعلوم اللغة - النثر الفني

- ‌علوم اللغة ونحوها

- ‌البيان والمعاني (البلاغة) والعروض

- ‌فنون النثر

- ‌الشروح الأدبية:

- ‌التقاريظ والإجازات والعقود:

- ‌الرسائل:

- ‌الوصف:

- ‌الخطابة:

- ‌القصص والمقامات:

- ‌ أحمد المقري

- ‌أحمد بن عمار

- ‌الفصل الرابعالشعر

- ‌مدخل

- ‌الشعر الديني

- ‌الشعر السياسي

- ‌الشعر الاجتماعي

- ‌المجون والمزاح:

- ‌المدح والفخر:

- ‌الرثاء:

- ‌وصف المنشآت العمرانية:

- ‌الألغاز:

- ‌الشعر الذاتي

- ‌الشعر والمرأة:

- ‌الوصف:

- ‌الحنين والشكوى:

- ‌ ابن علي)

- ‌الشعر الشعبي

- ‌الفصل الخامسالتاريخ - التراجم - الرحلات

- ‌ مفهوم التاريخ

- ‌في السيرة النبوية

- ‌تواريخ عامة وتواريخ محلية

- ‌تراجم عامة

- ‌تراجم خاصة

- ‌ابن المفتي وتقييده

- ‌أبو راس الناصر

- ‌الرحلات

- ‌الورتلاني ورحلته

- ‌الفصل السادسالعلوم - الفنون

- ‌مقدمة

- ‌الحساب والفلك

- ‌الطب والجراحة والصيدلة

- ‌عبد الرزاق بن حمادوش

- ‌كتابه كشف الرموز:

- ‌كتابه تعديل المزاج:

- ‌الفنون

- ‌رأي العلماء والمتصوفة في الموسيقى:

- ‌ممارسة الموسيقى والغناء:

- ‌العمارة والخط والرسم:

- ‌المحتوى

الفصل: ‌أحمد بن عمار

‌أحمد بن عمار

إذا كان المقري قد وجد بعض من ترجم له وعرف به، ولا سيما بين المشارقة، فإن أحمد بن عمار لم يجد هذا الفارس بعد. فقد اكتفى بعض معاصريه وتلاميذه بوصفه بأوصاف التجلة والاحترام، كما فعل الورتلاني وابن حمادوش وأبو راس، وتلميذاه إبراهيم السيالة التونسي وأحمد الغزال المغربي. وكان ابن عمار حريصا على الترجمة لغيره سواء في كتابه المفقود (لواء النصر في فضلاء العصر) الذي قيل إنه ترجم فيه لعلماء قرنين، أو في رحلته (نحلة اللبيب بأخبار الرحلة إلى الحبيب) التي تعتبر في حكم المفقودة أيضا لولا نبذة منها سلمت من الصياع، ولكنه بقدر ما كان حريصا على الترجمة لغيره بقدر ما أهمل نفسه فلم يفعل على الأقل ما فعل زميلاه الورتلاني وابن حمادوش اللذان ساقا حياتهما في رحلتهما بما يلقي أضواء هامة تساعد الدارسين لهما اليوم، فابن عمار إذن ما يزال، رغم مكانته الأدبية والفقهية، مجهولا، ويكفي لتوضيح جهلنا به أننا إلى الآن لا نعرف حتى متى ولد ولا متى وأين توفي، وكل ما نعرفه عنه أنه من أهل القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر الهجري.

وقد أصبح من الضروري حينئذ أن نبحث عن حياته في مختلف المصادر وأن نلتقط أخباره من هنا وهناك لعلنا نستطيع أن نقدم صورة واضحة نوعا ما عن مساهمته في مدرسة النثر الفني، فأقدم مصدر يحدثنا عن ابن عمار في الجزائر هو صديقه عبد الرزاق بن حمادوش في الجزء الثاني من رحلته. فقد أخبر أن ابن عمار قد قرظ له كتابا بعنوان (الدرر على المختصر) سنة 1159 (1)، واعتبره ابن حمادوش من العلماء المنصفين الذين لا يحملون

= والنشأة) أو (عرف النشق في أخبار دمشق)، الخ، ولو اكتشفت لأضافت جديدا عن معلوماتنا عنه وعن أدبه، هذا وسندرس كتابه (أزهار الرياض) في فصل التاريخ والتراجم.

(1)

رحلة ابن حمادوش، طبع الجزائر 1983.

ص: 224

حسدا ولا ضغينة، وقد عاش ابن عمار إلى ما بعد سنة 1205 كما نعرف من إجازته في هذا التاريخ لمحمد خليل المرادي الشامي، وبذلك يكون عمره سنة 1150 حوالي أربعين سنة، وبذلك أيضا يكون ابن عمار قد ولد في الجزائر حوالي سنة 1119.

وعلى كل حال فقد تولى ابن عمار وظيفة الفتوى على المذهب المالكي سنة 1180، ولم يدم ذلك إلا بعض الشهور، ثم تولى مرة أخرى سنة 1180 أيضا وظل في الوظيفة إلى سنة 1184 (1)، وفي (نحلة اللبيب) ذكر ابن عمار أنه تبادل الشعر ونحوه مع شيخه محمد بن محمد المعروف بابن علي سنة 1163، ومن جهة أخرى نجده قد أدى فريضة الحج سنة 1166، وقد أكد ذلك أيضا زميله الحسين الورتلاني الذي حج معه وقرآ معا في القاهرة، فقد قال عنه الورتلاني (الفاضل بالاتفاق والعلامة على الإطلاق) وقال إنه قد أخذ معه العلم على الشيخ خليل المغربي في مسجد الحسين بالقاهرة (2)، وهناك تواريخ أخرى تساعدنا على تنقلات ابن عمار، فعبد الحي الكتاني يذكر أن ابن عمار كان سنة 1172 مجاورا بمكة، فهل بقي ابن عمار من سنة 1166 إلى ذلك التاريخ مجاورا أو أنه رجع إلى الجزائر ثم حج من جديد؟ هذه نقطة غامضة، ذلك أننا نعرف من مصادر أخرى أن أحمد الغزال المغربي قد جاء إلى الجزائر سنة 1182 في شأن صلح بين الجزائر والمغرب وحضر درسا لابن عمار في الجامع الكبير، وهو يومئذ متولي الفتوى المالكية، وأعجب بعلمه فمدحه بقصيدته التي منها: هلموا إلى مأوى المفاخر والعلا

هلموا إلى الأسمى ابن عمار أحمد ويبدو أن ابن عمار لم يطب به المقام في بلاده بعد أن رجع إليها من المجاورة، لأسباب لا نعرفها أيضا، فقد جاء في كتاب لتلميذه إبراهيم

(1) ديفوكس (المؤسسات الدينية)، 117. وقد خلفه في منصب الفتوى في المرة الأولى عبد الرحمن المرتضي وفي الثانية محمد بن جعدون.

(2)

الورتلاني (الرحلة) 286، ومن الذين تحدثوا عن أحمد بن عمار ودرسوا عليه أيضا أبو راس الناصر في (فتح الإله)، كما سنرى.

ص: 225

السيالة (1) أن شيخه ابن عمار قد جاء إلى تونس من الجزائر سنة 1195 (بقصد الاستيطان بها)، وأن ابن عمار كان عندئذ كبير السن، ومع ذلك نجده يناظر علماء تونس، كما سنرى، ويؤلف عملين في تونس الأول رسالة في التفسير والأدب، والثاني تاريخ في سيرة وآثار باي تونس عندئذ، علي باشا بن حسن، ولا ندري ما الأسباب التي جعلت ابن عمار يغادر أيضا تونس رغم مجيئه لها (بقصد الاستيطان)، ولعل منافسة العلماء له وموت الباي، ووفاة صديقه حمودة بن عبد العزيز سنة 1202، قد حمله على الهجرة من جديد إلى المشرق ومجاورة الحرم، ذلك أننا نجده سنة 1205 يجيز محمد خليل المرادي الشامي من مكان لم نتأكد منه بعد، ولعله مكة المكرمة أو الشام، ومن ذلك التاريخ تنقطع عنا أخباره، وقد أكد تلميذه أبو راس في (فتح الإله) أن ابن عمار قد توفي بالحرمين الشريفين. ولكننا إلى الآن لا نعرف بالضبط تاريخ ذلك.

والغالب على الظن أن أسرة ابن عمار عريقة في الجزائر، فنحن نعلم أن عالما باسم أحمد زروق بن عمار كان متوليا الفتيا سنة 1028، كما يحدثنا الفكون في (منشور الهداية) أن أحد علماء مدينة الجزائر باسم أحمد بن سيدي عمار بن داود قد ورد عليهم في قسنطينة حوالي نفس العهد (2)، فهل كان هذا أحد أجداد أحمد بن عمار الذي نتحدث عنه؟ ليس هناك ما يعزز أو

(1)(مباسم أو مباهج الأزهار) مخطوط تونس رقم 260، ومما يؤكد وجوده في تونس عندئذ تقريظ ابن عمار سنة 1196 لكتاب ألفه صديقه الوزير حمودة بن عبد العزيز في التوحيد، انظر فقرات من هذا التقريظ في (الكتاب الباشي) تحقيق محمد ماضور، تونس 1970، 19. وقد تعرضنا له في فقرة التقاريظ من هذا الفصل.

(2)

(منشور الهداية)242. ويقول الفكون عن أحمد بن سيدي عمار أنه كان خطيب الجامع الأعظم بالجزائر وأنه زار في قسنطينة الشيخ التواتي والفكون رفقة بعض العلماء، ومعروف أن التواتي قد توفي سنة 1031، كما أنه من المعروف أن سعيد قدورة قد تولى الفتيا مكان أحمد زروق بن عمار سنة 1028، وبذلك تكون زيارة ابن عمار إلى قسنطينة بين التاريخين، وممن رثي أحمد بن داود عند وفاته تلميذه محمد القوجيلي الذي سيأتي ذكره في فصل الشعر.

ص: 226

يبعد ذلك، وكان والد ابن عمار أيضا من أهل العلم في مدينة الجزائر ولكننا لا ندري ماذا كان يعمل (1)، وقد أشار الشاعر المغربي أحمد الغزال إلى ذلك في قوله يمدح أحمد بن عمار بأنه اقتدى بوالده في العلم والدين: بوالده دينا وعلما قد اقتدى

لقد جل نجل كان بالأب يقتدي ومن جهة أخرى كان خاله، محمد بن سيدي الهادي أحد العلماء البارزين في مدينة الجزائر في القرن الثاني عشر، وقد ذكره ابن حمادوش في رحلته، ولكن إذا صحت هذه الصلة فإن ابن عمار يكون من العائلات التليدة في مدينة الجزائر، التي كانت تتمتع بصيت واحترام والتي كانت غالبا من أصل أندلسي ومرتبطة، كما عرفنا، بالوظائف الدينية (2)، وليس هناك ما يوضح اتباع ابن عمار الطريقة الأندلسية في الكتابة إلا هذه الصلة الوطيدة بالأندلس، ذلك أننا لا نجد ابن عمار يتوجه إلى المغرب للدراسة في فاس، على نحو ما فعل الكثيرون من علماء الجزائر، ويغلب على الظن أن ثقافته الأولى، قبل حجه سنة 1166، كانت جزائرية محضة، ولكنه لا يذكر من شيوخه في الرحلة سوى ابن علي الذي يشير إليه بعبارة (شيخنا)، ونحن نجده في شهادته على كتاب ابن حمادوش المذكور متميزا بأسلوبه المعهود، وكان ذلك سنة 1159 كما لاحظنا، وقد ذكر هناك أنه كان يتردد على مجلس أحمد الورززي المغربي الذي زارهم في الجزائر واقرأ في الجاح الكبير (3).

(1) ذكر لي الشيخ المهدي البوعبدلي في رسالة بتاريخ 7 يناير 1982 أن والد أحمد بن عمار هو عمار المستغانمي، وأن من المرجح أن ابن عمار كان من تلمسان.

(2)

يروي أبو راس أن ابن عمار، رغم صغر سنه عند لقائهما، كانت على خاتمه هذه العبارة (سليل الأشراف الصالحين وخلاصة مجد التقى والدين). انظر (فتح الإله) مخطوط الخزانة العامة بالرباط، ك 2263، ص 40، وقد وجدنا نحن على ختم آخر له هذه العبارة (الواثق بالجبار، عبده أحمد بن عمار). انظر إجازته لمحمد خليل المرادي.

(3)

في إجازته لمحمد خليل المرادي ذكر ابن عمار بعض شيوخه في مصر والحرمين في علم الحديث، ولكنه لم يذكر أيا من الجزائريين.

ص: 227

عاش ابن عمار إذن فترة حياته الأولى في مدينة الجزائر دارسا وموظفا في الدولة، وكان من معاصريه هناك الأديب محمد بن ميمون، وعبد الرزاق بن حمادوش، والمفتي الشاعر محمد بن محمد المعروف بابن علي، ومحمد بن نيكرو، والمفتي عبد الرحمن المرتضي، والمفتي أحمد الزروق بن عبد اللطيف، (ابن عم صاحب القصر الذي وصفه ابن عمار)، والمفتي محمد بن جعدون، والمفتي علي عبد القادر بن الأمين، والمفتي محمد بن الشاهد، والقاضي محمد بن مالك، أما في الأقاليم الأخرى فمن أشهر العلماء الذين عاصرهم ابن عمار أبو راس الناصر الذي جاء من مدينة معسكر إلى الجزائر واجتمع بعدد من هؤلاء العلماء وناقشهم وأكرموه، وهو الذي تتلمذ على ابن عمار وأشاد به كما سنرى، ومنهم عبد القادر الراشدي الذي اشتهر بالتأليف والإفتاء والتدريس في قسنطينة، والمفتي أحمد العباسي وعلي الونيسي بقسنطينة أيضا. والحسين الورتلاني صاحب الرحلة، أما من الولاة فقد عاصر ابن عمار، أيام نضجه، علي باشا بوصبع (1168 - 1179)، ومحمد عثمان باشا (1179 - 1205)، الذي ظل في الحكم أطول مدة عرفها الولاة العثمانيون في الجزائر والذي توفي، خلافا لأغلب التقاليد، على فراشه، وقد تولى ابن عمار وظيفة الإفتاء أثناء عهده.

فهل حدث لابن عمار أثناء أو بعد توليه الفتوى ما جعله يزهد في الإقامة في الجزائر التي عاش في أكنافها صبيا وشابا وكهلا؟ لا ندري الجواب الآن، ومن المؤكد أن ابن عمار كان محسودا لعلمه وقلمه واستقلاله، فنحن نعلم من عدة إشارات في الرحلة وفي جوابه على مسألة الوقف التي عرضت له مدى استقلاله الفكري ومدى غمزاته لمعاصريه على جمودهم العقلي وضعف عارضتهم وتخليهم عن الاجتهاد والنظر (1). كما نعلم أن بعض

(1) ذكر محمد ماضور في مقدمة (الكتاب الباشي) 19: أن ابن عمار كان صديقا لإسماعيل التميمي الذي كتب ردا قويا على الوهابية وأنه كان صديقا أيضا للوزير حمودة بن عبد العزيز، وكانت بين الرجال الثلاثة تحريرات وآراء، وقد نشر جواب أحمد بن عمار عن مسألة الوقف مع ردود التميمي المذكورة، في تونس.

ص: 228

العلماء المغاربة الواردين على الجزائر، مثل أحمد الورززي وأحمد الغزال، قد أشادوا به، ولا سيما الأخير. وهذا بدون شك يسبب حسدا بين العلماء، وقد رفع أبو راس من قيمة ابن عمار كثيرا فوصفه بأنه شيخنا (الذي ارتدى بالنزاهة يافعا وكهلا، وكان للتلقيب بشيخ الإسلام أهلا). ومدحه أيضا بتخريج (الأساتيذ من التلاميذ والفقهاء النحارير والعلماء الجماهير). كما مدحه بالنبوغ في علوم الفقه والحديث والسند والأصول والبيان، بالإضافة إلى الزهد والنزاهة، وقد درس عليه أبو راس بعض العلوم، من بينها فقه الإمام أبي حنيفة (1). والجديد في رواية أبي راس عن شيخه ابن عمار أن هذا قد عزفت نفسه عن الإقامة بالجزائر بعد أن تولى فيها بعض الوقت الخطابة والإمامة والفتوى، لذلك رحل إلى الحرمين الشريفين، ورغم أن أبا راس لا يذكر تاريخ ذلك، فالذي لا شك فيه أنه كان يتحدث عن رحلة ابن عمار الثانية للحرمين. أما رحلته الأولى، سنة 1166، فقد كانت قبل توليه تلك الوظائف.

ومهما كان الأمر فابن عمار قد رحل إلى المشرق مرتين على الأقل.

الأولى سنة 1166 والتي جاور أثناءها بالحرمين حوالي اثني عشر سنة كما تذكر بعض المصادر، وبذلك يكون قد رجع إلى الجزائر بعد سنة 1176، فنحن نجده كما عرفنا متوليا خطة الفتوى في الجزائر سنة 1160، وخلال هذه المجاورة أو الرحلة الطويلة كتب ابن عمار رحلته التي سنتحدث عنها، أما رحلته الثانيه فهي التي يتحدث عنها أبو راس ويشير إليها إبراهيم السيالة، وهي على أية حال كانت بعد توليه وظيفة الفتوى وعزله أو انعزاله عنها، فمتى كانت هذه الرحلة الثانية؟ بناء على كل الاحتمالات فإننا نرجح أن تكون بعد 1195، فالسيالة يذكر أن شيخه ابن عمار قد جاءهم إلى تونس في هذا التاريخ بقصد الاستيطان بها، والظاهر أن ابن عمار بعد إقامة قصيرة ودخوله في مناقشات ومناظرات مع علماء تونس وتغيير الظروف السياسية (2) قد تابع

(1) أبو راس (فتح الإله)، الخزانة العامة بالرباط، ك 2263. 38 - 30، 63 - 67، 93.

(2)

من ذلك وفاة علي باي نفسه الذي ألف فيه ابن عمار كتابه، سنة 1196. وكان علي =

ص: 229

رحلته من تونس إلى المشرق حيث وجدناه سنة 1205 في الحجاز على أكثر الاحتمالات، والغالب أنه لم يعد إلى الجزائر بل ظل مجاورا إلى وفاته، والغريب أن جميع المصادر، وهي قليلة، لا تتحدث عن شؤون ابن عمار العائلية، فنحن نجهل كل شيء تقريبا عنه في هذا الميدان.

ألف ابن عمار عددا من الكتب التي لم تكن تتماشى مع ما كان يفعله علماء وقته من عدم الخروج عن الحواشي والشروح، ونحن نذكر ما اطلعنا عليه منها أو ما وجدناه منسوبا إليه:

1) لواء النصر في فضلاء العصر (في التراجم) وقد ألفه على ما يظهر في الجزائر، وسنتحدث عنه في التراجم وفي الشعر.

2) نحلة اللبيب بأخبار الرحلة إلى الحبيب، رحلة أتمها على ما يظهر في الحجاز أثناء مجاورته الأولى.

3) حاشية على الخفاجي في شرح الشفاء للقاصي عياض، ذكرها له تلميذه أبو راس الناصر في (فتح الإله) وقال عنها إنها (عاطرة الأنسام).

4) رسالة في تفسير قوله تعالى: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك} حلاها بأدبه المعهود وذكرها له تلميذاه السيالة وأبو راس.

5) تاريخ الباي علي باشا بن حسن (تونس)، ذكره له أيضا تلميذه السيالة (1).

6) رسالة في الطريقة الخلوتية نسبها له الكتاني وقال عنها إنها: (عمل نادر)(2).

= باي وأخوه محمد باي قد عاشا في الجزائر أثناء هروبهما من تونس، ولعل ابن عمار قد تعرف على الباي في الجزائر أثناء ذلك.

(1)

رقم 4 و 5 أشار إليهما السيالة في كتاب له مخطوط عنوانه (مباهج الأزهار ودوحة الأفكار)، المكتبة الوطنية، تونس، رقم 260، ورقات 67 - 69، وما يتعلق بابن عمار في هذا الكتاب مفقود للأسف، ما عدا الورقات المذكورة.

(2)

الحاج صادق (المولد عند ابن عمار)، 290 من رسالة له من الكتاني.

ص: 230

7) رسالة في مسألة وقف، مطبوعة ضمن أجوبة وفتارى صديقه إسماعيل التميمي (1).

8) رسائل وإجازات وتقاريظ وقطع في الوصف ونحوه، ذكرناها له في بابها من هذا الكتاب (2).

9) ديوان شعر في المدائح النبوية والوصف وغير ذلك أشار إليه بنفسه في الرحلة.

10) ثبته المسمى (مقاليد الأسانيد).

11) شرح على البخاري، ذكره له محمد بن أبي شنب في مقاله الذي تقدم به لمؤتمر المستشرقين الرابع عشر (الجزائر، 1905).

ويهمنا هنا أن نعرض لرحلته ولطريقته الأدبية وتأثره بغيره، أما أعماله الأخرى فبعضها قد عرضنا له (3) وبعضها سنعرض إليه في التراجم والتاريخ والشعر، يقول أبو راس في وصف أستاذه، ابن عمار، إنه (صاحب الرحلة الجمة الفوائد، حلوة الموائد، عذبة الموارد، الجليلة القدر، المستودع لما يفوت الحصر)(4). ورغم غموض عبارات أبي راس فإنها لا تدع مجالا للشك في أن ابن عمار قد كتب رحلته وانتهى منها أثناء حياته وأنها قد أصبحت معروفة عند الأدباء وأصحاب الأخبار، وأنه (ابن عمار) قد أصبح مشهورا بها حتى أصبح يدعى (صاحب الرحلة). ومع ذلك فإن هذه الرحلة، ونحن هنا نتحدث عن (نحلة اللبيب)، مفقودة الآن إلا جزءا يسيرا منها، سماه ناشره (نبذة) من المقدمة التى وضعها ابن عمار لها، فما ظروف تأليف هذ 5 الرحلة؟ وما محتواها وطريقته فيها؟ كان ابن عمار كثير الشوق إلى البقاع

(1) مطبوعة ضمن رسالة الرد على الوهابية لإسماعيل التميمي، تونس.

(2)

نشرنا إجازته لمحمد خليل المرادي في مجلة (الثقافة) عدد 45، 1978.

(3)

تعرضنا لأعماله في الحديث والإجازات في الفصل الأول من هذا الجزء، وأعماله في الرسائل والتقاريظ والوصف في هذا الفصل.

(4)

أبو راس (فتح الإله)، مخطوط.

ص: 231

المقدسة وكثيرا ما نظم الشعر والموشحات في ذلك، وحين حانت الفرصة للحج اغتنمها، وبدأ تأليفه بمقدمة (تناول فيها ما جادت به قريحته قبل التوجه للحج)، و (غرض مقصود) تناول فيه (ما يحدثه السفر إلى الإياب وحط الرحال)، وبمعنى آخر أن هذا هو أساس الرحلة، ثم (خاتمة) خصصها للحديث عما (نشأ عن ذلك بعد السكون وانضم إليه)(1).

ولكن الموجود من الرحلة حتى الآن هو نبذة من المقدمة فقط، ومع ذلك فقد بلغت صفحاتها عند طبعها 254 صفحة، وهذه النبذة ليست كاملة أيضا لأن ناسخها الذي يبدو أنه أحد تلاميذ ابن عمار، كان يترك بياضات في الوسط كما أنها غير منتهية نهاية منطقية، فالحديث في نهايتها مبتور، ومعنى ذلك أن ما لدينا من الرحلة لا يشكل حتى مقدمتها، وكان ابن عمار عند وعده فيما كتب، فقد بدأ بذكر دواعي تأليف الرحلة وتسميتها، وبيان ضرورة الحج شرعا مع استشهاد بالقرآن والأحاديث والأشعار، والتعبير عن شوقه إلى ساكن الحجاز وتأزمه الروحي، ولكنه استطرد كثيرا في ذلك بإيراد الأشعار له ولغيره، ثم بالغ في الاستطراد فذكر عادة أهل مدينة الجزائر في المولد النبوي وموقف الفقهاء من ذلك واحتفال ملوك بني زيان في تلمسان وملوك بني الأحمر بالأندلس في المولد أيضا، وأطال في ترجمة أحمد المانجلاتي، والشاعر ابن علي والشريف التلمساني وذكر الموشحات الطويلة له ولهم ولغيرهم في المولد أيضا، ثم جاء بأشعار من مختلف شعراء المشرق والمغرب في الأزهار والخمر روفي أغراض أخرى، وهو لا يسوق كل ذلك مرتبا كما ذكرناه، بل كان يذكر الشيء ثم يقطعه ويعود إليه، وهكذا. وهذه الطريقة، وإن كانت شائعة بل مطلوبة في عصر ابن عمار، فهي عندنا الآن ممقوتة لأنها تشتت الذهن وتوزع الجهد وتضيع الوقت، أما في وقته فقد كانت من علامات المهارة في التأليف، والهدف منها التخفيف على القارئ والترويح عنه، أو (استجلابا للأنس واستجلاء للهموم) كما يقول ابن عمار نفسه.

(1) انظر عن هذه الرحلة وغيرها (الرحلات الجزائرية الحجازية) في كتابنا (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر)، الجزائر، 1978.

ص: 232

وبالإضافة إلى الاستطراد والتكرار أكثر ابن عمار من عبارات شائعة في تأليف عصره مثل فائدة وتتمة ولطيف وكان إذا ذكر قصة أو قصيدة أو خبرا يعلق بما يعن له على ذلك من محفوظاته، وقد يكمل الناقص ويصحح الخطأ، ولم يهتم بالمغاربه فقط بل أورد الشعر والأخبار لهم وللمشارقة أيضا من متقدمين ومتأخرين. فقد أورد للتنسي والمقري والتمبكتي وابن الخطيب ومحمدن يوسف الثغري القيسي وابن زمرك وابن خلدون وابن علي والمانجلاتي وابن خاقان، بالإضافة إلى أبي تمام والبحتري وابن الرومي والمتنبي وبشار بن برد وأبي نواس، وقد أحصى له بعض الباجثين الشخصيات التي جاءت في النبذة المطبوعة من الرحلة فوجدها على هذا النحو: 18 شخصية روى عنها، 30 شاعرا استشهد بشعره، وحوالي عشرة من الناثرين، وحوالي 11 امرأة استشهد لها، وحوالي 14 أميرا وحاكما، وخمسة من الفلاسفة والحكماء غير المسلمين (1).

فإذا حكمنا من المنشور من الرحلة ومن بعض رسائله وتقاريظه فإن ابن عمار كان معجبا بابن الخطيب والفتح بن خاقان. ولا سيما الأخير. وقد قيل إن طريقة تراجمه في (لواء النصر) تشبه طريقة ابن خاقان في (قلائد العقيان) و (مطمح الأنفس)(2). وكان ابن عمار يهتم بالجملة ومقاطعها واللجوء إلى السجع في أغلب الأحيان وتنميق العبارة، ولكن لقوة بيانه لا يظهر أنه كان يتكلف ذلك، فقد شاعت طريقته بين معاصريه حتى وصفه أبو راس بأنه (سلس اللسان والعبارة، مليح التصريح والإشارة)(3)، وكان ابن عمار لا يسجع في تناوله القضايا الدينية وتوضيح المواقف وعند الاستشهاد ونحو ذلك. وكان السجع عنده جزءا من الشعر يلجأ إليه عند وصف أحوال النفس والحديث عن الأدب والعاطفة، كما أن السجع عنده كان مدخلا للتأليف وميدانا للرسائل والتقاريظ ونحو ذلك، وقد بدأ عبارته في (النحلة) هكذا

(1) الحاج صادق (المولد عند ابن عمار)، 272 - 273.

(2)

نفس المصدر، عن عبد الحي الكتاني، 274 - 275.

(3)

أبو راس (فتح الإله)، 63 - 67.

ص: 233

(وبعد فيقول العبد الفقير، المضطر لرحمة رب المولى القدير، مثقل الظهر بالأوزار، الراجي عفوه سبحانه أحمد بن عمار، ألحفه الله رضاه، وأتحفه القرب من مرتضاه، لما دعتني الأشواق، النافقة الأسواق، إلى مشاهدة الآثار، والأخذ من الراحة بالثأر، وأن أهجر الأهل والوطن، وأضرب في عراض البيد بعطن ..)(1).

وكان ابن عمار يكتب للخاصة لا للعامة، بل لخاصة الخاصة، فأسلوبه راق، ومعانيه بعيدة. فقد جاء في وصف رسالته في التفسير قوله يخاطب الباي علي باشا التونسي (نظمت في سلك دولة هذا الملك السعيد

عقد لبة وتاج مفرق، مما فتح الفتاح العليم، من هذه الرسالة الغريبة المبني، الوثيقة المعنى، البعيدة المرمى، القريبة المجنى .. فلينظرها المولى، بعين القبول والرضى، وليعرضها على الخواص من أدباء دولته الميمونة وعلمائها وفقهائها وزعمائها، وأما العوام فكالهوام، وليس هم المقصودون بهذه الرسالة، بل بهذا الكتاب كله ..) (2)، فقد أوضح ابن عمار في هذه العبارات القصيرة أسلوبه الفني ومراميه، وجمهوره من القراء والمطالعين، كما أوضح محتوى كتابه في الباي والرسالة التي ضمها.

ويظهر إعجاب ابن عمار بابن الخطيب من عدة وجوه، فقد أكثر من النقل عنه في الرحلة، ولا سيما قصائد ابن الخطيب الثلاث الميمية والسينية والنونية التي قالها في السلطان أبي حمو، وقال عن شعر ابن الخطيب (شعره كله .. ما بعده مطمع لطالع)، ووعد بأنه سيلم (بشيء من أخباره، ونتف من أشعاره، وشذرات من نثره المزري بالروض وأزهاره)، وقد رد ابن عمار على

التنسي الذي قال إن ابن الخطيب قد قلد أبا تمام في سينيته وأنه اختلس منها الكثير من ألفاظها ومعانيها، فقال ابن عمار مدافعا (والحق أن ابن الخطيب غني بما رزقه الله من قوة العارضة عن الاختلاس من ألفاظ أبي تمام ومعانيه،

(1)(نحلة اللبيب) المقدمة، 3.

(2)

إبراهيم السيالة (مباهج الأزهار ودوحة الأفكار) مخطوط تونس، رقم 260.

ص: 234

وإن كان أبو تمام، رئيس هذه الصناعة، والألفاظ إنما هي للعرب والمعاني مركوزة في أذهان العقلاء، فليس أحد أولى بها من الآخر) (1)، ولنلاحظ أنه في مثل هذه الردود لا يلجأ إلى السجع، ولعل ابن عمار كان يطمح إلى أن يكون كابن الخطيب في النثر والشعر، كما طمح أحمد المقري قبله لذلك، وإذا كانت صناعة الأدب قد واتت ابن الخطيب في عصره وكان لذلك مبررات كثيرة تساعده، فإن ظهور ابن عمار في القرن الثاني عشر وفي مدينة الجزائر، التي لا يستعمل ولاتها اللغة العربية أصلا، فما بالك بفهم أساليبها وبيانها، هو أمر في حد ذاته يثير الغرابة والإعجاب معا (2).

والواقع أننا مهما أفضنا في الحديث عن دور ابن عمار الأدبي فلن نوفيه حقه في هذا المجال المحدود، ومن عوائقنا في ذلك عدم اطلاعنا على معظم آثاره التي ما تزال على ما يبدو موزعة بين الجزائر وتونس والقاهرة والحرمين، ورغم مكانته الأدبية وفكره المستقل فإن ابن عمار كان، إذا حكمنا من آراء معاصريه فيه، مثالا للاستقامة والتواضع والأخلاق الكريمة، وقد ترك تلاميذ في كل مكان حل به (3). وكان ابن عمار موسوعيا أيضا ولكن الأدب ظل ميزته الأصيلة رغم براعته وتقدمه في غيره، ولعله من المفيد أن نكرر ما سبق أن قلناه في موضع آخر من أن هجرة ابن عمار والمقري والثعالبي والشاوي وابن حمادوش وأضرابهم قد أفرغت الجزائر من قواعدها العلمية وركائزها الأدبية، وهذا درس قاس جدير بنا أن نتعلمه

اليوم.

(1)(نحلة اللبيب)، 188.

(2)

عبر الحاج صادق أيضا على رأي شبيه بهذا، انظره في بحثه (المولد عند ابن عمار)289.

(3)

من تلاميذه أيضا في الحرمين، عمر بن عبد الكريم المعروف بابن عبد الرسول المكي الحنفي (توفي بمكة سنة 1247) الذي أصبح يدعى (شيخ الإسلام)، انظر (فيض الملك المتعالي) 2/ 93، مكتبة الحرم المكي، مخطوط. انظر أيضا كحالة (معجم المؤلفين) 7/ 293، والكتاني (فهرس) 2/ 182.

ص: 235