المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كثيرا فيه عبارات الدنان والحان وغيرها مما كان يستعمله أهل - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٢

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الأولالعلوم الشرعية

- ‌حول التقليد والتجديد

- ‌ التفسير

- ‌القراءات

- ‌الحديث

- ‌ الأثبات

- ‌الإجازات

- ‌عيسى الثعالبي

- ‌أحمد البوني

- ‌ الفقه

- ‌الأثار الفقهية:

- ‌عبد العزيز الثميني:

- ‌خليفة بن حسن القماري:

- ‌النوازل والفتاوى والفرائض

- ‌الفصل الثانيعلم الكلام - التصوف - المنطق

- ‌ علم الكلام

- ‌ يحيى الشاوي

- ‌ التصوف

- ‌المناقب الصوفية:

- ‌شروح في التصوف:

- ‌المواعظ والردود:

- ‌المنطق

- ‌الفصل الثالثعلوم اللغة - النثر الفني

- ‌علوم اللغة ونحوها

- ‌البيان والمعاني (البلاغة) والعروض

- ‌فنون النثر

- ‌الشروح الأدبية:

- ‌التقاريظ والإجازات والعقود:

- ‌الرسائل:

- ‌الوصف:

- ‌الخطابة:

- ‌القصص والمقامات:

- ‌ أحمد المقري

- ‌أحمد بن عمار

- ‌الفصل الرابعالشعر

- ‌مدخل

- ‌الشعر الديني

- ‌الشعر السياسي

- ‌الشعر الاجتماعي

- ‌المجون والمزاح:

- ‌المدح والفخر:

- ‌الرثاء:

- ‌وصف المنشآت العمرانية:

- ‌الألغاز:

- ‌الشعر الذاتي

- ‌الشعر والمرأة:

- ‌الوصف:

- ‌الحنين والشكوى:

- ‌ ابن علي)

- ‌الشعر الشعبي

- ‌الفصل الخامسالتاريخ - التراجم - الرحلات

- ‌ مفهوم التاريخ

- ‌في السيرة النبوية

- ‌تواريخ عامة وتواريخ محلية

- ‌تراجم عامة

- ‌تراجم خاصة

- ‌ابن المفتي وتقييده

- ‌أبو راس الناصر

- ‌الرحلات

- ‌الورتلاني ورحلته

- ‌الفصل السادسالعلوم - الفنون

- ‌مقدمة

- ‌الحساب والفلك

- ‌الطب والجراحة والصيدلة

- ‌عبد الرزاق بن حمادوش

- ‌كتابه كشف الرموز:

- ‌كتابه تعديل المزاج:

- ‌الفنون

- ‌رأي العلماء والمتصوفة في الموسيقى:

- ‌ممارسة الموسيقى والغناء:

- ‌العمارة والخط والرسم:

- ‌المحتوى

الفصل: كثيرا فيه عبارات الدنان والحان وغيرها مما كان يستعمله أهل

كثيرا فيه عبارات الدنان والحان وغيرها مما كان يستعمله أهل التصوف، كابن الفارض، ويقصدون به السكر بالخمرة الإلهية، وكان محمد ساسي ينشد الأشعار والأزجال في الحضرة الصوفية والمواكب الدينية (1).

والغالب أن تكون قصيدة محمد بن محمد الموفق المشهور بابن حوا المسماة (الريحانة المروحة على القلوب المقترحة) من هذا النوع أيضا. فقد كان هو من أهل الخير والصلاح، وتشهد أرجوزته (سبيكة العقيان) على أنه كان مهتما بحياة الأولياء والصلحاء كما فعل ابن مريم

والمغوفل والمازوني (2) ومن جهة أخرى روى ابن مريم أن محمد بن عبد الجبار المسعودي الفجيجي الذي بلغ درجة القطابة في التصوف والذي كانت له زاوية بوطنه (حدوش)، كان أيضا (شاعرا ماهرا في الشعر) وكانت له منظومات في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم حتى (كتب عنه مجلد كبير في مدح النبي (3))، وقد كان محمد الفجيجي صديقا حميما لأحمد بن يوسف الملياني المتصوف.

ولا شك أن الشعر الديني بجميع أغراضه كثير في العهد الذي ندرسه،

ولم نأت منه هنا إلا على نماذج للتعرف على غرضه، وقوة أو ضعف الوسيلة التي قدم بها. ومن نافلة القول ان هذا الشعر كان مرآة لثقافة أصحابه. بقي أن نشير إلى أن المراثي الأخرى العامة قد تناولناها في الشعر الاجتماعي وليس في الشعر الديني.

‌الشعر السياسي

لم يرتبط الشعر بالسياسة في الجزائر خلال العهد العثماني إلا في

(1) انظر عنه الفصل السادس من الجزء الأول.

(2)

عن ابن حوا انظر بودان (مجلة جغرافية وهران) 1933، 237، وقد توفي ابن حوا بأحواز مستغانم بعد سنة 1176.

(3)

ابن مريم (البستان)، 287. توفي محمد الفجيجي سنة 950.

ص: 253

مناسبات محدودة نستطيع حصرها في الجهاد ضد الأجانب، وخصوصا الإسبان، ومدح بعض الأمراء طمعا في مالهم، والموقف من الأتراك مدحا وذما. وقد عرفنا أن الأمراء لم يكونوا يتذوقون الشعر فلم يشجعوا على قوله، كما أن بقاءهم في الحكم كان مرهونا بظروف طارئة فهم لا يبقون فيه إلا فترات قصيرة تكون عادة مليئة بالصراعات وغالبا ما تنتهي نهاية دموية، والشعر السياسي يعيش عادة في ظروف هادئة يدوم فيها حكم الأمير فترة معقولة يعرف الناس خلالها أخلاقه ومواقفه ليمدحوه عليها أو يذموه. كما أن الشعر السياسي يحتاج إلى تذوق الأمراء له وتشجيعهم عليه، وهذه الظروف كانت كلها تقريبا مفقودة في الجزائر خلال العهد المدروس.

وكان عبد الكريم الفكون قد انتقد علماء وقته في تقربهم إلى الولاة وتنافسهم على رضاهم وخدمتهم، ومن الواضح أن هؤلاء العلماء كانوا يتنافسون عن طريق الدس والفتنة والوشاية وليس عن طريق الكلمة المكتوبة نثرا أو شعرا، ولو وجد هؤلاء العلماء مجالا للتنافس بالشعر لاتخذوه وسيلة للرقي والشهرة بدل المؤامرة والدس، ومن سوء الحظ أن هذه الظاهرة، ظاهرة الصراع المكتوم أو الصامت بين المثقفين، ما تزال موجودة في الجزائر، لأن العهد الفرنسي أيضا لم يفتح شهية الشعراء للتنافس بالقصيد. ونستثنى من هذا الحكم شعراء محمد بكداش باشا وشعراء الباي محمد

الكبير، الذين وجدوا في ممدوحيهم إرادة خيرة في إكرامهم والإنعام

عليهم، وقد قيل عن أحمد المقري أنه قد اتخذ شعره سلما للدنيا وأنه مدح به الأمراء والحكام، ورغم أننا لم نجد له كثيرا من هذا النوع، فإنه في الواقع لم يمدح بشعره أمراء بلاده الجهلة بلغته وإنما مدح به بعض وجهاء مصر والشام، ولعله قد مدح به أيضا بعض أمراء المغرب الأقصى، ورغم أن الشعر السياسي في أغلبه غير صادق، فقد كنا نود أن تتفتح أمام الشعراء مجالات في بلادهم حتى نتعرف من خلاله على كثير من تطوراتها

ومواقف رجالها، ذلك أن الشعر السياسي اليوم يدرس من وجهتين رئيسيتين

فنية وتاريخية.

ص: 254

ولنبدأ بشعر الجهاد. فقد شكلت ذكريات سقوط الأندلس وأثر ذلك على المسلمين هناك وتهديد الإسبان باحتلال المغرب العربي، العمود الفقري للعاطفة الدينية - السياسية التي نسميها الجهاد، ورغم أن الجهاد عموما يقصد به هنا مجابهة غير المسلمين وردهم على أعقابهم، فإنه قد انحصر تدريجيا في رد غارات الإسبان خصوصا وطردهم من الجيوب التي نزلوا بها على السواحل، ولاسيما وهران ومرساها، وإذا كان العثمانيون قد ساعدوا الأهالي في طرد الإسبان من المدن الساحلية (مدينة الجزائر، بجاية، شرشال، جيجل، عنابة، مستغانم الخ.) فإنهم قد توقفوا عن طردهم من وهران ونواحيها، لذلك ظل الوجود الإسباني هناك كأنه رمز لاستمرار الجهاد والدعوة إليه من قبل رجال الدين والشعراء، ويمكن القول بأن معظم الشعر السياسي، بما في ذلك مدح بكداش باشا والباي محمد الكبير، قد تمحور حول هذه النقطة، بل أصبح عند بعض الشعراء هو ميزان الولاء أو الثورة ضد

العثمانيين.

وقد قيل الكثير من الشعر في التحريض على الجهاد وفي التهنئة بالنصر، فمن الذين مدحوا حسن بن خير الدين باشا على فتح حصن مرسى

وهران الأعلى وهروب الإسبان إلى الجزء الأسفل منه، الشاعر

عبد الرحمن بن موسى في قصيدته التي مطلعها (1): هنيئا لك باشا الجزائر والغرب

بفتح أساس الكفر مرسى قرى الكلب وله غيرها في نفس المناسبة. وهو من أوائل الشعراء المؤيدين للعثمانيين لجهادهم ضد الأسبان، ولذلك وصفه بأنه باشا الجزائر وإقليم وهران أو الغرب، ولكن حسن باشا لم يستطع أن يطرد الإسبان نهائيا، وظل وجودهم يثير مشاعر الشعراء كلما حانت المناسبة، ولو جمعنا من الشعر ما

ذكره الجامعي وابن ميمون وابن سحنون وغيرهم في فتح وهران وطرد

(1)(البستان) لابن مريم، 131، وقد تم هذا الفتح سنة 1007، حسب ابن مريم. وهو تاريخ فيه نظر.

ص: 255

الإسبان منها لجاء ذلك في ديوان كبير (1).

وفي أوائل القرن الحادي عشر اتجهت الهمة من جديد إلى الضغط على

الإسبان وظهرت علامات الاستعداد لحربهم، وكان ذلك على عهد حسين خوجة الشريف باشا الذي تولى سنة 1117، وقد أظهر هذا الباشا استعدادا للجهاد حين أرسل الأخبية لوهران، لذلك انطلق الشعراء يستحثونه ويصفون سوء أحوال المسلمين تحت حكم الإسبان، ولا سيما النساء، استثارة للعواطف الدينية والنفسية: ومن هؤلاء الشاعر البارع محمد بن محمد بن علي المعروف بابن آقوجيل، فله في ذلك قصيدة مؤثرة (2) هنأ فيها أولا الباشا بتوليته على الجزائر ثم التفت إلى الغرض المقصود في قوله:

جهز جيوشا كالأسود وسرحن

تلك الجواري في عباب بحور

أضرم على الكفار نار الحرب لا

تقلع ولا تمهلهم بفتور

وبقربنا وهران ضرس مؤلم

سهل اقتلاع في اعتناء يسير

كم قد أذت من مسلمين وكم سبت

منهم بقهر أسيرة وأسير

وهي قصيدة طويلة ومؤثرة، بلغت نحو سبعين بيتا، وفيها أيضا نصائح للباشا ووصف لأحوال العلماء السيئة.

ولكن مدة حسين خوجة الشريف باشا لم تطل (3)، فقد عزل وتولى مكانه محمد بكداش باشا سنة 1118، وتمكن هذا من فتح وهران سنة 1119، فانطلقت ألسنة الشعراء من عقالها مدوية، ذلك أن الشعر الذي قيل

(1) انظر عن الجهاد والعلاقة السياسية بين الجزائريين والعثمانيين الفصل الثاني من الجزء الأول.

(2)

انظرها في (التحفة المرضية) لابن ميمون، 112 - 117، مخطوط باريس. كان ابن آقوجيل حيا سنة 1142، فقد وجدنا له كتابا بخطه منسوخا في تلك السنة، وقد تولى أيضا القضاء في عهد بكداش باشا.

(3)

توجد بين هذا الباشا وأحمد بن قاسم البوني أيضا مراسلة بالشعر، انظر ذلك في المكتبة الوطنية - الجزائر رقم 1847، ورقات 79 - 81. كذلك مجلة (الثقافة) عدد 51، 1979.

ص: 256

في هذا الباشا لم يقل مثله في أي حاكم في الجزائر خلال العهد العثماني، إذا حكمنا على الأقل من المصادر التي اطلعنا عليها، ويبدو أن سبب هذا السيل من الشعر فيه قد جاء نتيجة انتصاره على الإسبان وكونه على ما قيل من أصل عربي. فأما دوره في الجهاد فواضح، وأما كونه عربيا فيظهر أن ذلك كان محض ادعاء. كما أشرنا سابقا. ولعل من أسباب رضى الشعراء عنه إدراكه لنفسياتهم وقضاء حوائجهم وتقديم العلماء إليه، ويبدو أن ذلك قد جاءه من تجربته في الإدارة إذ أنه قد تولى عدة وظائف قبل توليه الباشوية، ومن بينها وظيفة خوجة (أو كاتب). ولعل من حسن حظ بكداش باشا أنه وجد ابن ميمون يدون له الشعر الذي قيل فيه وفي جهاده، إذ لولا ابن ميمون لربما ضاع هذا الشعر كما ضاع غيره، ولكان هذا الباشا مجرد اسم جامد في قائمة الولاة العثمانيين بالجزائر.

وليس من هدفنا إحصاء ما مدح به الشعراء، محمد بكداش باشا، فقد تكفل بذلك ابن ميمون في كتابه (التحفة المرضية) وحسبنا أن نحيل على هذا الكتاب، غير أننا نود أن نذكر أن الشعر الذي قيل فيه يختلف جودة ورداءة، وأن المدح قد تناول سيرته وأصله ومواقفه وجهاده وكرمه وشجاعته، وهناك من جاء ناصحا، ومن جاءه متنبئا له بفتح وهران على يده، ومن الشعراء الذين أكثروا من مدحه والتقرب منه أحمد بن قاسم البوني، بالإضافة إلى عالمين آخرين من أسرة البوني (مصطفي بن عبد الله، ومحمد بن أحمد)،

ومنهم يحيى بن أحمد بن أبي راشد، وابن علي، ومحمد بن أحمد الحلفاوي، مفتي تلمسان، الذي خص فتح وهران برجز طويل (1)، ولنذكر من شعراء بكداش أيضا عبد الرحمن الجامعي المغربي، وإبراهيم القنيلي الطرابلسي، ومما يلفت النظر في هذه المناسبة هو أولا كثرة الشعراء الذين لا نجدهم قد تجمعوا في فترة من فترات التاريخ العثماني كما تجمعوا في هذه الفترة القصيرة، وثانيا تغني الشعراء بالجزائر مدينة وقطرا، فهذا الشاعر ابن

(1) سنتناول هذا الرجز وشرحه للجامعي في فصل التاريخ من هذا الجزء.

ص: 257

أبي راشد يشير إلى الجزائر القطر بقوله وهو يتحدث عن الباشا:

تاهت به أرض الجزائر واغتدت

زهوا به عن غيرها تختال (1)

وهذا محمد المستغانمي قد نظم قصيدة في بكداش جعل عنوانها (الكوكب النائر في مدح أمير الجزائر)، وهو هنا يعني القطر أيضا (2) أما مدينة الجزائر البكداشية فقد تغنى بها الجامعي، خصوصا في قوله:

فدعني من غرناطة وربوعها

وشنيل فالحسن انتهى للجزائر

فما تفضل الحمراء بيضاء غادة

مقرطة بالبدر ذات غدائر (3)

ولم يكن الجامعي وحده في هذا الميدان، فقد أقبل الشعراء على مدينة الجرائر ووصفوها في شعرهم، ولو طال عهد بكداش لدخلت مدينة الجزائر، كعاصمة لقطر كبير، ميدان الأدب من أوسع أبوابه، ولكن أيام الباشا كانت، كأيام غيره من الحكام، محدودة، إذ لم يبق في الحكم إلا حوالي أربع سنوات (1118 - 1122).

والحادث الثالث (بعد الجهاد ومدح بكداش) الذي أطلق أقلام الشعراء هو فتح وهران الثاني على يد الباي محمد الكبير سنة 1205، فقد كان هذا الباي متنورا إلى حد كبير فجمع حوله نخبة من الأدباء والكتاب ينسخون له الكتب ويسجلون أحداثه اليومية ويدرسون وينوهون بأعماله، وقد أغدق عليهم المال والرعاية فنشطت الحركة الأدبية على عهده، ولا سيما الشعر، وجاءه الشعراء من البليدة والجزائر والمغرب يستمنحونه العطايا، وخلافا لعهد بكداش باشا فإن عهد الباي قد طال، وقد سجل لنا أحمد بن سحنون في (الثغر الجماني) نماذج من الشعر الذي قيل في هذا الباي ولعله قد سجل أيضا بعض ذلك في (عقود المحاسن) الذي لم نطلع عليه.

(1)(التحفة المرضية)، مخطوط باريس، 57 - 59.

(2)

نفس المصدر، 89 - 92.

(3)

نفس المصدر، 93 - 108، وعن القنيلي انظر (شرح الجامعي) على الحلفاوية، مخطوط باريس، 5113.

ص: 258

وأول شعرائه هو أحمد بن سحنون نفسه الذي كان أحد كتابه، فقد قال فيه وفي ولده عثمان أكثر من قصيدة، وابن سحنون من الشعراء البارزين في عهده، رغم صغر سنه عندئذ، وقد عرفنا رأيه في الشعر الفصيح والملحون وفي حركة الشعر عموما في الحزائر في بداية هذا الفصل، وكان الباي قد حظي بقصائد ابن سحنون حتى قبل فتح وهران، فله فيه قصيدة عندما تولى

الحكم وأخرى في جهاده وسيرته قبل الفتح، ومدحه حين أكرم ضيفه يزيد بن

سلطان المغرب آنئذ، في قصيدة طويلة جيدة النسج والموضوع، بدأها بالغزل على العادة:

حنانيك ماذا الصد ماذا التجانب

وقلبي من شوقي لوجهك ذائب

وفيها يقول:

وإن كان ذنبي في هواك محبتي

فما أنا من ذنبي مدى الدهر تائب

ثم تخلص من الغزل إلى مدح الباي بما يناسب المقام، ويجعله في مقدمة الملوك الكرام. وابن سحنون مولع بالغزل في مطالع قصائده، فقد مدح عثمان بن محمد الكبير (وكان صديقا له) بقصيدة أيضا بدأها بهذا الطالع: ألم المحبة للحشاشة موجع

والصبر للصب المروع مرجع

لولا التصبر والتبصر في الهوى

لرأيت سلوى في الأسى يتروع

وكان ابن سحنون يتتبع آثار الباي ويمدحها بقصائده الجميلة. فقد مدح

دار سكنى الباي ووصفها كما سنرى، ووصف الجامع الكبير الذي بناه في معسكر والمدرسة التابعة له، بل إنه مدح ومازح أصهار الباي ورثى قضاته، وبعبارة أخرى كان ابن سحنون هو متنبي الباي محمد الكبير ، وإذا درس شعره وقورنت آثاره الأدبية الأحرى كـ (الأزهار الشقيقة) و (عقود المحاسن) ظهر ابن سحنون في طليعة أدباء عصره وأكثرهم تمكنا في القصيدة التقليدية بعد ابن علي وابن الشاهد، ولسوء الحظ أن حياته وآثاره ما تزال مجهولة (1).

(1) سجل ابن سحنون في (الأزهار الشقيقة) وفي (الثغر الجماني) عددا من قصائده في =

ص: 259

ومن شعراء الباي المذكور أيضا أبو راس وأحمد القرومي ومحمد بن الطيب المازري وغيرهم، وإذا نحن قسنا بحجم القصائد فإن أبا راس يأتي عقب ابن سحنون، ولكن شعر أبي راس كان شعرا تاريخيا وفقهيا. ذلك أن غلبة علوم الفقه والتاريخ عليه جعلت شاعريته تستسلم أمام تحدي الحفظ والذاكرة، بالإضافة إلى أن شعر أبي راس في أغلبه مكسور ومختل، وقد قال في فتح وهران على يد الباي المذكور قصيدة سينية طويلة شرحها فيما بعد بطلب من الباي فأصبحت هي والشرح جزءا من تاريخ الحادثة (1)، على أن أبا راس قال إنه اختار لقصيدته قافية السين لأنها محبوبة لدى الأدباء والأمراء، وقد كان الباي هو ولي نعمة أبي راس، ولذلك مدحه في عدة مناسبات وهنأه بالنصر.

فنم هنيئا وبك النصر مقترن

بقصر وهران دار لك محلالا

وفي إحدى قصائده فيه حاول أبو راس، رغم ركاكة القصيدة، أن يربط بين فتح وهران وضياع الأندلس، وذكر أن هذا الفتح قد اهتزت له أراضي الإسلام من مصر إلى الحجاز والشام، وأبو راس يعتبر هذه القصيدة مع ذلك، (من بديع ما قلته في فتح وهران) (2) ومطلعها:

خليلي قد طاب الشراب المورد

لما أن صار الأمير في الثغر يقصد

وهو يقصد بالثغر مرسى وهران، وأن الباي لم يعد يقصده الناس في معسكر، التي كانت العاصمة قبل الفتح، ولكنه أصبح مقصد الناس في وهران بعد تحريرها من الإسبان. وله في مدح هذا الباي أكثر من عشر قصائد أخرى، وكلها في نفس المستوى (3)، ومن ذلك قصيدة له في غزوة الباي

= الباي وفي غيره من الأغراض (أهمها الغزل، الوصف، الدين، السياسة، الطاعون، الشكوى)، وقد ذكرنا في فصل النثر تقريظ بعض أدباء الجزائر له على كتابه الأول.

(1)

من هذه القصيدة وشرحها خرج كتاب أبي رأس (عجائب الأسفار ولطائف الأخبار) الذي سنتحدث عنه في فصل التاريخ من هذا الجزء.

(2)

أبو رأس (عجانب الأسفار) مخطوط الجزائر، 15.

(3)

كلها مثبتة في نفس المصدر.

ص: 260

للأغواط، وهي الغزوة التي انتهت بمد نفوذه على جانب كبير من الصحراء الغربية، بما في ذلك مدينة عين ماضي (1)، كما أن أبا راس وصف بعض آثار الباي العمرانية وسجل إعجابه بها ورفعه بسببها إلى مصاف الملوك.

وقد وفد على الباي أحمد بن محمد بن علال القرومي (2) في مدينة معسكر، وسجل رحلته في قصيدة حسنة تدل على أن الشعر لو وجد مناخا طيبا لنما وازدهر:

لما التقيت بوافد الحسن البهي

يزجى المطايا مغربا في عسكر خاطبته أين المسير فإنني

أبصرت ما أدهى وأدهش منظري وقد خاطب بهذه القصيدة الباي ومدحه على أعماله، ثم تخلص إلى وصف الجامع الذي شيده في معسكر: وترى المدرس قد علا كرسيه

يلقى على العلماء حب الجوهر

تحويه مدرسة غدت آثارها

تحييه بالعلم الشريف الأشعري

تمحى رسوم الجهل من ألواحه

تحمي شمائله من الزور السرى

وإثر غزوة الأغواط مدح القرومي الباي أيضا وهنأه بالنصر بقصيدة تبدأ

هكذا:

لقد أنجز الآمال وعدا من النصر

كما أبرز الإقبال ما كان في الصدر

وأهدت وفود الفتح عذراء بلدة

مثقلة الأرداف في الحلل الخضر (3)

أما محمد بن الطيب المازري البليدي فقد قدم في مدح الباي قصيدة تدل على ضعف صاحبها في الشعر وكان رائده، على ما يظهر، نيل عطايا الباي الذي كان كريما معه، ومطلع هذه القصيدة:

(1) عن هذه الغزوة انظر (رحلة الباي محمد الكبير) لأحمد بن هطال، وهو أيضا أحد كتاب الباي، تحقيق محمد بن عبد الكريم، القاهرة. 1969.

(2)

قرومة، قرب مدينة الأخضرية، والجدير بالذكر أن أحد أفراد عائلة القرومي كان قد مدح أيضا محمد بكداش من قبل، انظر عنه (التحفة المرضية) لابن ميمون.

(3)

انظر ذلك في (الثغر الجماني) مخطوط باريس، 11 - 12 - 15.

ص: 261

أهل هلال العز في طالع السعد

تكامل بدرا في سما الفضل والمجد (1) وقبل أن ننتقل إلى الشعر السياسي المضاد للترك نود أن نشير إلى

قصيدة محمد بن ميمون في الحاج محمد خوجة، وهو ابن عبدي باشا، سنة

1141.

ففي هذا التاريخ عاد الحاج محمد خوجة من حملة له ضد ثورة وقعت بالغرب الجزائري، فهنأه ابن ميمون بقصيدة قوية في بابها ووصف الاحتفالات التي أقيمت في العاصمة عند مقدم ممدوحه، ومطلعها:

بشرى، كما انبلج الصباح البادي

بقدوم مولانا ضحى الميلاد

في ساعة بركاتها فاضت على

كل الورى من حاضر أو بادي (2)

وبالإضافة إلى مدح الأفراد من العثمانيين في الجزائر، هناك من الشعراء من مدح (الأتراك) عموما ونوهوا بفصلهم على الإسلام وجهادهم في سبيله، كما مدحوا الوجود العثماني في الجزائر وتوحيد البلاد في عهدهم والقضاء على الفتن الداخلية، ونحو ذلك. حقا إن هذا النوع من المدح قليل نسبيا، ولكنه يدل على أن بعض الشعراء الجزائريين كانوا يتعاطفون مع الوجود العثماني وينظرون إليه نظرة إيجابية.

وكان الشاعر ابن محلى من الذين هزتهم الغيرة على بنات المسلمين وهن في يد اليهود بوهران حين رخص النصارى لهم في حكمها، كما يقول أبو راس، فوجه الشاعر خطابه إلى بني عامر الذين كان بعضهم يتعاملون مع الاسبان يستثير نخوتهم وكرامتهم:

فمن مبلغ عني قبائل عامر

ولا سيما من قد ثوى تحت كافر

أيا معشر الإسلام أين فحولكم؟

أما ابصروا في السبت عبد الحرائر

وتحت اليهودي غادة عربية

يعالجها الخنزير فوق المزابر (3)

(1)(الثغر الجماني) مخطوط باريس.

(2)

انظر دراستي عن هذه القصيدة في كتابي (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر).

(3)

أبو رأس (عجائب الأسفار) مخطوط الجزائر، ورقة 11 - 12، وفي أصل الأبيات

فساد في النسخ.

ص: 262

ويشبه هذا الشعر تحتذير محمد بن سليمان عربان وهران من التعامل مع الكفار هناك، سواء كانوا من الإسبان أو اليهود، وانذارهم بأنهم إن فعلوا ذلك سيصبحون (رعية) لهم، ودعوتهم لليقظة ومخافة الله في ذلك:

فكيف يا قبائل العربان

عافاكم الله من الشيطان

اتخدموا هارون في وهران

يهوديا ملعونا في القرآن

مع ديك كافر نصراني

يعبد، يا ويلاه، عودا فإني

تبايعونهم على الأثمان

نسيتم الله لدى الإحسان

تيقظوا، فكيف يا برية

توافقوا تعطونهم رمية!؟ (1)

ومن الشعر السياسي - الديني قصيدة الشاعر محمد بن آقوجيل في أنواع الشهداء، وهذه القصيدة تبلغ عشرين بيتا عدد فيها نماذج الشهداء، فكانوا حسب رأيه، عشرين نوعا.

إن ترد حصر عداد الشهدا

فعلى العشرين فاقوا عددا

فقتيل كان في معركة

ضاق طعم الموت من أيدي العدا

وهي قصيدة على العموم جيدة (2).

وهناك من الشعراء من مدح أمراء المسلمين في غير الجزائر توددا أو طمعا، وقد عرفنا أن أحمد المقري كان يمدح الوجهاء ولكننا لم نعرف أنه مدح أيضا الأمراء. أما الذي سجل على نفسه أنه مدح الأمراء فهو عبد الرزاق بن حمادوش، فقد قال في رحلته إنه مدح سلطان المغرب عبد الله مرتين الأولى سنة 1145 والثانية سنة 1156، وكان ابن حمادوش قد نظم القصيدتين وأراد الدخول على السلطان بهما ولكن الحجاب منعوه أو كانوا غلاظا معه فأمسك بالقصيدتين عنده، فقال عن المرة الأولى (أغناني الله عن

(1)(كعبة الطائفين) 1/ 305، نسخة باريس.

(2)

كناش رقم 529 المكتبة الوطنية - توس. كان ابن آقوجيل حيا سنة 1142. يوجد خطه على نسخة من (المنح البادية). دار الكتب المصرية، مصطلح الحديث، رقم 463.

ص: 263

لقياه) وعن الثانية (لما رأيت غلظ حجابه مسكتها عندي) ومطلع الأولى: قطعت بحارا موهلات ودونها قفار لا تأويها الوحوش مع الطير ويبدو من طالعها أنه أراد أن يبرر للسلطان المشاق التي تعرض لها أثناء السفر من الجزائر إلى المغرب لعله يظفر منه بعطية. أما مطلع الثانية، التي قالها في تهنئة السلطان بالقضاء على ثورة أحمد الريفي ضده فهو: أمولاي عبد الله بشرك الهنا

بكل الذي تبغي من الفتح والنصر وقد أثبت القصيدتين في الرحلة قائلا إن الأدب هو الذي حمله على قولهما وأنه لم يقل غيرهما فيه ولا في غيره،. (فخلدتهما في ديوان الأدب). وقال بهذه المناسبة أنه لم يجعل علمه وسيلة للدنيا، ولكننا نعرف أنه مدح طبيب السلطان عبد الوهاب أدراق (1) الذي كان من الوجهاء. وشعر ابن حمادوش، كما لاحظنا، ضعيف النسج مختل العروض مقصوص الخيال.

وإذا كان ابن حمادوش يمدح سلاطين المغرب في أيام عز العثمانيين في الجزائر (دون أن نجد له مدحا في أحد ولاة الجزائر فإن محمد بن مالك الجزائري قد مدح أحمد، باي تونس بعد أن احتل الفرنسيون الجزائر. فقد

كان ابن مالك من قضاة الجزائر في العهد العثماني، وكان يشتغل بالسياسة والأدب والدين، ويبدو أنه هاجر إلى تونس وتقدم إلى الباي هناك يستمنحه الصلات، وقد بدأ قصيدته فيه بالغزل والخمر على العادة ثم تخلص إلى مدح

الباي ومدح تونس في عهده، مستعملا الجناس مع المذاهب الثلاثة (المالكي

والشافعى والحنفي).

يا مالكي كن شافعي

لدي أمير حنفي يبسط قبض اليد في

صلاته لمعتفي دم أحمد الناس لنا

وجد بوصل واعطف تونس بالأنس به

تهش للمسعطف

(1) انظر مقالتي (أشعار ومقامات ابن حمادوش الجزائري) في مجلة (الثقافة) 49، 1979،

وابن حمادوش (الرحلة).

ص: 264

لا زلت يا شمس العلا

تحل برج الشرف (1)

وقد سبق ابن مالك إلى تونس أحمد بن عمار كما عرفنا، وأشرنا إلى أن ابن عمار قد مدح الباي عندئذ، بالنثر وجعل فيه كتابا، ولكننا لا ندري إن كان ابن عمار قد مدح هذا الباي أيضا بالشعر، والغالب أنه ضمن نثره بعضم الشعر على عادته.

ومن أبرز الشعراء الذين وقفوا موقفا مضاد للترك في الجزائر وهجوهم هجاء مرا الشاعر سعيد المنداسي وهو من شعراء القرن الحادي عشر، الذي ثارت فيه تلمسان عدة مرات على قوادها الأتراك، كما عرفنا، وكان المنداسي يعيش في تلمسان لكننا لا نعرف نوع حياته، فقد كان من شعراء المدائح النبوية وكان متمكنا في اللغة والأدب، وكان أيضا على صلة بعلماء المغرب ورجال دولته، ولا شك أن أديبا كالمنداسي لا تناسبه الجزائر في العهد العثماني كل ما فيها بعض العلماء المتنافسين والمتصوفة الدراويش، ولا شيء بعد ذلك يخصب مواهب الشعراء ويبعث الحياة في نفوسهم، وقد كان المغرب مقصد العلماء الجزائريين للدراسة، كما كان ملجأ للهاربين من ظلم وتعسف العثمانيين، ولا ندري ما الذي حمل المنداسي مباشرة على هجاء الأتراك جملة وتفصيلا:

فما دب فوق الأرض كالترك مجرم

ولا ولدت حواء كالترك إنسانا فقد وصفهم بأبشع الأوصاف وأقذعها، واتهمهم بالفحش والشره في حب المال، وارتكاب الجرائم، كما أنه تحدث عما عانت تلمسان منهم، وعرض بالمفتي التلمساني في عهده، أحمد بن زاغو، الذي انقاد في نظر المنداسي، إلى الترك واتهمه بالضلال في الدين وأنه قد هدم دار العلم، وأنه كان يسكر، ولا غرابة بعد ذلك أن يموت المنداسي في سجلماسة هاربا من الأتراك، بسبب قصيدته التي تعتبر من أقذع ما قيل فيهم (2).

(1)(كناش) رقم 9240 المكتبة الوطنية - تونس، والقصيدة في أربعين بيتا.

(2)

الخزانة العامة بالرباط، رقم 1656 د. وهي في 27 بيتا، وقد نسب فايسات الفرنسي =

ص: 265