الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجتهادهم. كما أن هذا الموقف قد لا ينسجم مع سلاطة اللسان التي ظهر بها الشاوي في ميادين أخرى. ومهما كان الأمر فإنه قد أجاب على هذه الأسئلة الصعبة في ظرف يومين فقط، وجمع المادة الضرورية (من دواوين عدة، في أقرب مدة) فجاءت في حوالي خمسين صفحة.
وهذه الترجمة القصيرة لحياة الشاوي لا تكشف عن جميع جوانب نشاطه العلمي. فقد رأيناه واسع العلم، كثير الترحال، متعدد الاختصاص، مجانبا لعلوم أهل الباطن، حتى اتهمه خصومه بمعاداة أهل
التصوف
، متبعا طريق أهل السنة، حافظا ومدافعا عن علوم الظاهر في وقت ساد فيه روح التصوف جميع مظاهر الحياة الإسلامية في بلاده وفي المشرق. وقد ساهم هو في إنارة الطريق كزميله وأستاذه الفكون. وإذا كان الفكون قد تراجع في آخر عمره وتصوف، فإن الشاوي قد ظل فيما يبدو على مذهبه الأول. لذلك كان له خصوم وأنصار. وإذا كنا نأسف له على شيء هنا فهو أنه قضى عمره في شرح الشروح وتحشية الحواشي، ولم يعمد إلى طرق أبواب جديدة، كما فعل أحمد المقري. فقد بلغت (حاشية المرادي) حوالي سبعمائة صفحة، وبلغ (توكيد العقد) أكثر من ثلاثمائة صفحة، ولو أنه استعمل علمه الغزير ونقده اللاذع في التأليف في الفلسفة والمنطق ونقد العصر وأهله لكان عمله أجدى للأجيال اللاحقة. ولكن الشاوي، مهما قيل عنه، سيبقى من أبرز علماء عصره لا في الجزائر فحسب ولكن في العالم الإسلامي كله.
التصوف:
بقدر ما سيطرت روح التصوف على الحياة العلمية والاجتماعية في الجزائر خلال العهد العثماني، بقدر ما كثر إنتاج العلماء في هذا الميدان. فنحن نجد الكثير من الكتب والرسائل والتقاييد والمنظومات التي تتناول التصوف من قريب أو من بعيد كالأذكار والأوراد، والردود، والمناقب، والمواعظ، والحكم، والشروح الخاصة بقصائد صوفية، والمداح النبوية
التي تنظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته نظرة صوفية روحانية. ومن الطبيعي أننا لن نقدر على تنأول كل ذلك هنا، إما لأن الإنتاج ليس كله في متناولنا، وإما لأن حجم الكتاب لا يسع الجميع.
ورغم تقادم الزمن فقد ظلت أعمال ابن صعد (النجم الثاقب) على الخصوص، وأعمال محمد بن يوسف السنوسي، وتأليف أحمد النقاوسي (الأنوار المنبلجة) على قصيدة ابن النحوي، وأعمال الحوضي والجزائري (أحمد بن عبد الله)، وعبد الرحمن الثعالبي ومرائي الفراوسني والمازوني (صلحاء الشلف)، وغيرهم مصدرا هاما للتأليف في علم التصوف وفروعه، فسنرى أن ابن مريم والفكون والورتلاني والبطيوي ومحمد بن سليمان والصباغ القلعي وأضرابهم كانوا يعيشون في الغالب على تراث المذكورين. وقد أصبحت عبارة (الصلحاء) وأصحاب الولاية تتكرر في أعمال المتأخرين وأصبح المؤلفون لا يؤلفون إلا وفي أذهانهم أهل التصوف سواء كانوا معاصرين لهم أو متقدمين عنهم. وكان معظم المؤلفين يقرون الحركات الصوفية والتعمق فيها ولا يتناولون أصحابها بالنقد أو يتهمونهم بخرق قوانين علم التصوف كما شرعه أربابه الأولون، ولا نكاد نجد الاستثناء في هذا الحكم إلا عند الأخضري والفكون في كتابه (منشور الهداية) وبعض الإشارات عند ابن العنابي وابن عمار. فكان صوت الفكون في القرن الحادي عشر شبيها بصوت أبي الحسن الصغير السوسى الذي أمر السنوسي في رسالته (نصرة الفقير) بحرق كتبه، متهما له باتباع علوم أهل الظاهر فقط، بل حكم السنوسي بحرمة النظر في تأليفه (1). وكانت حملة الفكون على (فقراء) عصره وابن العنابي على (دراويش) عصره تشبه حملة أبي الحسن على المتصوفة أيضا. وكان الفكون قد جند بعض طلابه وأنصاره ضدهم أيضا فكتب عبد الرحمن البهلولي شعرا في نقد البدع، وانتشرت الدعوة بين بعض
(1) زاوية طولقة، ضمن مجموع غير مرقم، مخطوط منسوخ سنة 1245 بخط جميل، يقع في اثني عشرة ورقة وكلمة (الفقير) هنا تعني المتصوف، وقد عاش أبو الحسن الصغير بالمغرب في القرن التاسع. انظر أيضا الفصل الأول من الجزء الأول.