المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الورتلاني لا يستعمل العلم المذكور (1)، فلا غرابة إذن أن - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٢

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌تنبيهات

- ‌الفصل الأولالعلوم الشرعية

- ‌حول التقليد والتجديد

- ‌ التفسير

- ‌القراءات

- ‌الحديث

- ‌ الأثبات

- ‌الإجازات

- ‌عيسى الثعالبي

- ‌أحمد البوني

- ‌ الفقه

- ‌الأثار الفقهية:

- ‌عبد العزيز الثميني:

- ‌خليفة بن حسن القماري:

- ‌النوازل والفتاوى والفرائض

- ‌الفصل الثانيعلم الكلام - التصوف - المنطق

- ‌ علم الكلام

- ‌ يحيى الشاوي

- ‌ التصوف

- ‌المناقب الصوفية:

- ‌شروح في التصوف:

- ‌المواعظ والردود:

- ‌المنطق

- ‌الفصل الثالثعلوم اللغة - النثر الفني

- ‌علوم اللغة ونحوها

- ‌البيان والمعاني (البلاغة) والعروض

- ‌فنون النثر

- ‌الشروح الأدبية:

- ‌التقاريظ والإجازات والعقود:

- ‌الرسائل:

- ‌الوصف:

- ‌الخطابة:

- ‌القصص والمقامات:

- ‌ أحمد المقري

- ‌أحمد بن عمار

- ‌الفصل الرابعالشعر

- ‌مدخل

- ‌الشعر الديني

- ‌الشعر السياسي

- ‌الشعر الاجتماعي

- ‌المجون والمزاح:

- ‌المدح والفخر:

- ‌الرثاء:

- ‌وصف المنشآت العمرانية:

- ‌الألغاز:

- ‌الشعر الذاتي

- ‌الشعر والمرأة:

- ‌الوصف:

- ‌الحنين والشكوى:

- ‌ ابن علي)

- ‌الشعر الشعبي

- ‌الفصل الخامسالتاريخ - التراجم - الرحلات

- ‌ مفهوم التاريخ

- ‌في السيرة النبوية

- ‌تواريخ عامة وتواريخ محلية

- ‌تراجم عامة

- ‌تراجم خاصة

- ‌ابن المفتي وتقييده

- ‌أبو راس الناصر

- ‌الرحلات

- ‌الورتلاني ورحلته

- ‌الفصل السادسالعلوم - الفنون

- ‌مقدمة

- ‌الحساب والفلك

- ‌الطب والجراحة والصيدلة

- ‌عبد الرزاق بن حمادوش

- ‌كتابه كشف الرموز:

- ‌كتابه تعديل المزاج:

- ‌الفنون

- ‌رأي العلماء والمتصوفة في الموسيقى:

- ‌ممارسة الموسيقى والغناء:

- ‌العمارة والخط والرسم:

- ‌المحتوى

الفصل: الورتلاني لا يستعمل العلم المذكور (1)، فلا غرابة إذن أن

الورتلاني لا يستعمل العلم المذكور (1)، فلا غرابة إذن أن يحكم شو بأن علم الكيمياء لم يعد في الجزائر سوى صناعة ماء الورد بعد أن كان محببا عند العلماء المسلمين الاوائل (2).

‌الحساب والفلك

فإذا عدنا إلى دراسة الإنتاج العلمي وجدنا منه كمية ضئيلة خلال العهد العثماني بالقياس مثلا إلى الإنتاج العلمي الذي عرفه القرن التاسع (15 م)، ولولا بعض الأعمال التي كتبها عبد الرحمن الأخضري وسحنون بن عثمان الونشريسي وابن حمادوش لخلا هذا العهد أو كاد من التأليف في العلوم الحسابية والفلكية ونحوها، ومع ذلك فإن هؤلاء كانوا يستمدون موادهم من تراث الحباك والسنوسي وابن القنفذ والقلصادي. فقد ظلت قصيدة علي بن أبي الرجال القيرواني في الفلك وشرح أحمد بن القنفذ عليها مصدرا هاما للمهتمين بهذا العلم (3). كما أن عمل الحباك (نيل المطلوب في العمل بربع الجيوب) كان يرجع إليه علماء الفلك خلال العهد المدروس (4)، ونفس الشيء يقال عن شرح محمد بن يوسف السنوسي (بغية الطلاب في علم الإسطرلاب) لأستاذه الحباك (5)، وكأن العقول في العهد العثماني قد تحجرت فلم تعد تنتج وإنما تستوحي من هذه الأعمال السابقة ما تحتاج إليه من غذاء، وبالإضافة إلى ذلك كان عمل ابن البنا في الحساب وشرح الحباك وشرح ابن القنفذ وكذلك شرح عبد الواحد الونشريسي عليه هي المادة التي يعود إليها

(1) الورتلاني (الرحلة)، 261.

(2)

شو، 1/ 356.

(3)

انظر نسخة الخزانة العامة - الرباط، ح 31 مجموع، وكذلك فهرس مخطوطات المكتبة الظاهرية بدمشق، علم الهيئة، 4905 مجموع.

(4)

المكتبة الملكية - الرباط، 5266، فيه ست ورقات.

(5)

المكتبة الملكية - الرباط، 6678 مجموع، ويقع الشرح في 155 ورقة.

ص: 404

طلاب الحساب وعلماؤه (1)، ولكن مهما أجاد ابن البنا وشراحه فإن جمود العقول عند هؤلاء العلماء وعدم الاستفادة من تقدم العلوم الحسابية عند الأوروبيين مثلا يعتبر ظاهرة غريبة في حد ذاته. وقد مهر في الحساب، بعد ابن البنا، علي القلصادي، ولكن آثاره في الحساب طمست، كما طمست مقدمة ابن خلدون في العلوم الاجتماعية، فلم يستفد علماء العهد العثماني من عبقرية هذا ولا نبوغ ذاك (2).

عاش علماء الفلك والحساب في العهد العثماني إذن على تراث القرن التاسع. ومن أبرز من ألف في علم الحساب والفرائض في العهد العثماني عبد الرحمن الأخضري. فقد نظم خمسمائة بيت في هذا المعنى سماها (الدرة البيضاء) وقسمها إلى ثلاثة أقسام الأول خاص بالحساب، والثاني خاص بقواعد الفرائض، والثالث خاص بالقسمة العملية للتركات، وقد وضع الأحضري نفسه شرحا على الدرة البيضاء ولكنه لم يكمله، ويبدو أنه قد شرح القسم الثاني منه على الأقل. ذلك أن المخطوطة كانت قد ضاعت منه وهو في أثناء عمله ثم عثر عليها فأكمل، كما أخبر بنفسه، شرح القسم الثاني. وقد أكمل عبد اللطيف المسبح القسنطيني هذا الشرح كما أخبرت بذلك عدة مصادر (3)، وكان عبد اللطيف المسبح من علماء الحساب والفرائض أيضا حتى اشتهر بذلك في وقته (توفي حوالي 980)، وحين طبعت (الدرة البيضاء) وشرحها في القاهرة سنة 1891 نص على أن القسم الثاني والقسم الثالث (ما عدا الفصول الثلاثة الأخيرة) قد شرحهما الأخضري بنفسه، وأن

(1) عن شرح ابن القنفذ على ابن البنا. انظر الخزانة العامة - الرباط، 939، وعن شرح الحباك على ابن البنا. انظر (البستان) 219، وعن شرح الونشريسي على ابن البنا.

انظر (سلوة الأنفاس) 2/ 147.

(2)

انظر ما كتبه أبو راس عن القلصادي في شرح (الحلل السندسية)، مخطوط باريس، 4619، وقد ترجم له أيضا أحمد المقري في (أزهار الرياض)، وطالما تناوله ابن حمادوش في التدريس والمطالعة.

(3)

انظر (منشور الهداية) لعبد الكريم الفكون، 16 - 17. أحمد توفيق المدني (محمد عثمان باشا) 77.

ص: 405

القسم الأول ليس من شرح الأخضري دون أن تشير إلى من قام بالشرح (1). والغالب على الظن أن المسبح هو الذي أكمل النقص كما أشرنا بإكمال القسم الثالث وشرح القسم الأول. وقد ظلت (الدرة البيضاء) وشرحها متداولة بين الطلاب والعلماء في المشرق والمغرب إلى عهد قريب، وهي تعتبر من أهم الأعمال التي قدمها الأخضري للعلم.

وكما ألف الأخضري في الحساب ألف أيضا في الفلك، ولكن يبدو أن عمله في الفلك، رغم شيوعه، لم يحرز شهرة (الدرة البيضاء). فقد وضع الأخضري نظما سماه (السراج) في علم الفلك، ولكنه لم يشرحه أو شرحه ولكن لم يتمه (انتهى منه نظما سنة 939)، فقام تلميذه عبد العزيز بن أحمد بن مسلم الفارسي بشرحه شرحا ما يزال نادر الوجود، ويبدو أن أحدا لم يطلع على هذا الشرح سوى قلة، منهم سحنون بن عثمان الراشدي الونشريسي الذي قام هو أيضا بشرح (السراج) ونقل في ذلك عن شرح عبد العزيز بن مسلم، وقد سمى شرحه (مفيد المحتاج في شرح السراج)(2)، وبدأه هكذا (وبعد، يقول العبد الذليل، المفتقر إلى مولاه الجليل، سحنون بن عثمان بن سليمان بن أحمد بن أبي بكر الميدوي (أو اليديري). لما رأيت تأليف الشيخ العالم المتقي، سيدي عبد الرحمن بن محمد الأخضري، المسمى بـ (السراج) في علم الفلك، من أنفس الكلام، وهو مفيد لمن احتاج إليه من الأنام، وكان قليلا من تكلم عليه، جعلت هذا التقييد تكميلا لفوائده، ومبينا لبعض ما أنبهم عليه من ألفاظه، وأضفت إليه زوائد من غيره، وسميته (مفيد المحتاج في شرح السراج)(3).

ولما كانت حياة سحنون بن عثمان ما تزال غامضة فإننا نود أن نقف

(1) لوسياني، الجزائر 1921، 10 - 11.

(2)

عن سحنون بن عثمان. انظر رحلة ابن حمادوش. وبروكلمان 2/ 706، 715. انظر أيضا مخطوط مكتبة طولقة بعنوان (جواهر المحتاج في شرح السراج)، وقد طبع شرح سحنون بن عثمان في القاهرة، 1314، مع متن الأخضري.

(3)

مخطوط باريس، 2568.

ص: 406

عندها قليلا بما جمعناه حولها من معلومات. فقد كان من العلماء الذين اهتموا بالفلك والرياضيات والنجوم في وقت اهتم فيه طلبة العلم بالفقه والتصوف. ولذلك أهمله المترجمون إلا النوادر، ومن الذين تحدثوا عنه ونقلوا من كتابه (السراج) محمد بن سليمان صاحب كتاب (كعبة الطائفين) الذي يسميه (شيخ شيوخنا)(1) فإذا عرفنا أن ابن سليمان كان حيا سنة 1068 أدركنا أن سحنون بن عثمان قد يكون عاش فترة في القرن الحادي عشر، والظاهر أن سحنون بن عثمان قد تثقف في مدينة الجزائر ومليانة ومجاجة التي كانت في وقته قد اكتسبت شهرة علمية بفضل زاويتها، ولعله قرأ أيضا بتلمسان والمغرب، وقد نقل الحفناوي عن الشيخ ابن دوبة (؟) أن سحنون بن عثمان مدفون في بني وعزان نواحي الونشريس وأن قبره هناك مشهور (2).

وقد أورد له ابن حمادوش، الذي اهتم مثله بعلوم الفلك والرياضيات، نظما في حل أحد الألغاز، ونقل عنه أيضا ابن سليمان كثيرا في مسائل الفلك في الجزء الثالث من كتابه، وسنعرف أن محمد بن علي الشريف الشلاطي قد نقل عنه أيضا. كما نقل عنه مؤلف (جواهر المحتاج في شرح السراج). فقال إنه ضمن كتابه شرح سحنون بن عثمان على (السراج) وأضاف إليه زوائد لغيره. وكل ما نعرفه الآن عن مؤلف (جواهر المحتاج) أنه كان حيا سنة 1189، وهناك مؤلف آخر استفاد من عمل سحنون بن عثمان في الفلك ولكن اسمه مجهول لدينا، وكل ما نعرفه الآن هو اسم كتابه الذي سماه (شرح الرضى على نهاية ما يرتضى) وهو أيضا شرح على السراج للأخضري يعود إلى منتصف القرن الحادي عشر حيث جاءت فيه عبارة (في عشرة الأربعين من القرن الحادي عشر)(3)، وهكذا

(1) ابن سليمان (كعبة الطائمين) 3/ 84، وقد نقل عنه في عدة أماكن أخرى، وضبط نسبه هكذا:(شيخ شيوخنا العالم العلم سيدي سحنون بن عثمان اليديري).

(2)

(تعريف الخلف) 2/ 148، ونسبه فيه هكذا: سحنون بن عثمان بن سليمان بن أحمد ابن أبي بكر المداوي.

(3)

ناسخه هو محمد بن أحمد الملقب بالمحفوظ الزواوي مسكنا المثنيشي (؟) نسبا سنة 1219، وفيه حوالي أربعين صفحة.

ص: 407

يظهر أن سحنون بن عثمان، رغم أنه مغمور عندنا اليوم، لم يكن مغمورا عند علماء وقته، بل كاد عمله في الفلك يكون مصدرا أساسيا لهم لا يشبهه إلا عودتهم إلى شرح الأخضري نفسه على السلم المرونق.

ولسحنون بن عثمان تأليف آخر سماه (سهام الربط في المخمس خالي الوسط). وقد اطلعنا منه على نسخة فإذا فيه أن بعض الإخوان طلب منه تحرير مقالة عن كيفية استعمال المخمس خالي القلب وتصحيح أوتاره فأجابهم إلى ذلك، وقسمه إلى فصول، فجعل قسما في موافقة أسماء الله إلى حاجة الإنسان ومناسبة الوقت لها، مثل طلب الرزق الذي يناسبه الرزاق، الفتاح، الغني، الكافي، الخ

وإذا كان الموضوع العطف فإن ما يناسبه هو العطوف الرؤوف، الرحيم. وإذا كان عن المطر فإن ما يناسبه هو قوله تعالى:{واستغفروا ربكم إنه كان غفارا} الآية. وإن كان طلب صحو فقوله تعالى: {يا أرض ابلعي ماءك} الآية. وتأتي الفصول بعد ذلك تباعا: في طرح ما تدخل به في الوفق، في كيفية الدخول في الطروحات، في تعمير البيت الوسط، في البخور بعد الصلاة، فإن كان للخير فالتبخر بالجاوي والعود، وإن كان للشر فبالكبريت والحنتيت والثوم، بالإضافة إلى فصل في موافقة الأعداد، وقد ضمنه أبياتا لامية في طريق الوصول إلى سر الروح بالتطهر والتزهد والعمل بالعلم وتجنب السفهاء، بالإضافة إلى تقييد عن جلب الأفلاك الآبقة بالبخور ونحوه (1).

ولكن ما كتبه سحنون بن عثمان هنا لا يخلو من خرافة وسحر رغم أنه حاول أن يصل فيه إلى نتيجة علمية. فقد ولع أشباه العلماء باستخدام الروحانيات واستعمال الحروف والأعداد حتى اختلط عندهم السحر بالعلم والشعوذة بالحقيقة، وتغلب، مع الجهل، روح الشعوذة على روح العلم. وساد ذلك الخاصة والعامة إلا ما ندر.

(1) المكتبة الوطنية - الجزائر، 1535 وفيه ست أوراق، وانتهى منه المؤلف في 14 صفر سنة 1018. ذكر بروكلمان 2/ 715 أن منه نسخة أخرى بليدن 1235.

ص: 408

ومن الذين نقلوا من (مفيد المحتاج) لسحنون بن عثمان واستفادوا منه محمد بن علي الشلاطي المعروف بابن علي الشريف في كتابه (معالم الاستبصار بتفصيل الأزمان ومنافع البوادي والأمصار)(1). وهو كتاب في الفلك والتنجيم ألفه سنة 1192 بالجزائر. وكان هدفه من تأليفه، كما قال توضيح ما لم يوضحه أحمد بن علي السوسي المعروف بأبي مقرع (2). ولذلك قال ابن علي الشريف عن كتابه (فهو، بحمد الله، كتاب جامع، وبما يحتاج إليه المبتدئ كفيل ونافع .. وينفتح (به) منغلق السوسي ويتضح ما أهمله، وبينت ما أشار إليه وذكرت ما أغفله .. ورتبته على نمط عجيب غريب. يحتوي على فوائد مهمة .. من معرفة أوقات الصلاة والأذكار، وتحديد القبلة من جميع الأقطار، والتذكر في عجائب العلويات وغرائب السفليات، ومعرفة العام العربي وشهوره .. ومدخل السنة العجمية وكبسها، بضابط قريب .. ومجاري الشمس .. وزمان الحر والقر .. وكذا سائر الدراري وترجلها في البروج والمنازل، وأشير إلى الرياح والأرواح، والبروق والرعد والزلازل).

وبالإضافة إلى النقل عن سحنون بن عثمان وعبد العزيز بن مسلم والأخضري نقل الشلاطي أيضا عن والده، وعن محمد بن يوسف السنوسي، وابن البنا، وعلي بن محمد الدساسي صاحب (شرح اليواقيت) وعن ابن عباد

(1) نسخة منه، ولعلها الأصلية، توجد في مكتبة الكونغرس الأمريكي، وهي بدون رقم، وعندي منه نسخة بالميكروفيلم. وهو غير كامل وضمن مجموع، والذي اطلعنا منه ينتهي إلى ورقه 34، ولكن خطة المؤلف فيه تجعله كتابا ضخما لو أنه وصل إلينا كاملا، ذكره صلاح الدين المنجد في فهرس مخطوطات مكتبة الكونغرس العربية، بيروت 1969. وبعد كتابة هذا الفصل اطلعت منه أيضا على نسخة كاملة عند الأستاذ علي أمقران السحنوني تاريخ نسخها سنة 1205.

(2)

ألف أحمد بن علي (البطيوي؟) المعروف بأبي مقرع أرجوزة في التوقيت. ثم جاء محمد بن سعيد السوسي المرغيتي وشرحها عدة شروح منها (المقنع في اختصار علم أبي مقرع)، وقد توفي أبو مقرع أوائل القرن الثامن الهجري.

ص: 409

في رسالته، وأحمد الونشريسي، وعن أحمد بن بلقاسم الزواوي وغيرهم من علماء الجزائر وعلماء المشرق والمغرب الذين ألفوا أو شرحوا في علم الفلك والتنجيم. ومما نقله عن أحمد بن بلقاسم الزواوي، الذي كان حيا سنة 1105، جدول في الكبس والازدلاف لمدة القرن الثاني عشر، كما نقل عنه تصحيحه غفلة أحمد بن مزيان عن الازدلاف في السنة. ولم يقسم الشلاطي كتابه إلى فصول وإنما جعل له عناوين داخلية حسب الموضوعات التي تناولها. وقد تحدث فيه عن خطوط عرض بسكرة والقلعة وقسنطينة ومدينة الجزائر وزواوة ومليانة. وآخر حديث له فيه كان عن السماوات. ولو عثرنا على بقية كتاب (معالم الاستبصار) لوجدنا فيه فوائد جمة ليس فقط عن الموضوع الذي عالجه المؤلف ولكن ربما عن العصر وأهله أيضا. فقد شكا الشلاطي كثيرا من الظلم والجور وقلة العلم وتغير أحوال الناس. وقال إنه ألفه رغم ازدحام الناس، رجالا ونساء، على زاويته، واشتغاله بتدريس العلم للطلبة وإعطاء الأوراد والأذكار إلى المريدين (1).

وقد أسهم عدد من التلمسانيين في الفلك ونحوه كالتنجيم والحروف المتصلة بالتصوف وعلوم الغيبيات. ومن هؤلاء أحمد بن محمد بن عيسى المرصاوي المعروف بقائد الجيوش. فقد كتب حوالي سنة 960، كتابا سماه (لسان الفلك) وهو في علم حساب الحروف والطبائع والبروج وما إلى ذلك. وقد افتتحه بقوله:(الحمد لله الذي أدار الأفلاك الدائرات، وأطلع فيها النجوم الزاهرات، وبعد فقد اختلج في صدري أن أبين ما تضمنته الجداول الأربعة المتشكلة في الزيارج السبتية (2) من أوتاد البيوت وحروف العدد والمقابلة والمناظرة والوجه والحد). وقد قسمه إلى أبواب وفصول وجاء فيه بجداول كثيرة وغنية. ومن موضوعاته أيضا مصادقة الكواكب

(1) يبدو أن النسخة التي اطلعنا عليها كانت في ملك أحد علماء الجزائر الذين انتقلوا إلى الإسكندرية أمثال ابن العنابي والكبابطي، فقد وجدنا عليه تملكا ممحوا يعود إلى سنة 1205 مع ختم (المكتبة الحجازية بالإسكندرية).

(2)

نسبة إلى أبي العباس أحمد البستي المتوفى سنة 601.

ص: 410

وعداوتها، والسعود والنحوس، وكشف الضمائر والمغيبات (1).

أما عبد الله بن عزوز المراكشي التلمساني فقد عرف بالكتابات التي جمعت بين علوم التصوف وعلوم الحكمة، ومنها الطب والفلك وغيره. ومن كتبه في ذلك:

1 -

لباب الحكمة في علم الحروف ونعم الأسماء الإلهية.

2 -

الأجوبة النورانية.

3 -

أثمد البصائر في معرفة حكمة المظاهر.

4 -

ذهاب الكسوف ونفي الظلمة في علم الطب والطبائع والحكمة (2).

وقد اطلعنا على الكتاب الأخير فإذا معظمه في الطب. وقد قسمه المؤلف إلى سبعين بابا منها أبواب في الطبيعة وعناصرها، وفي العلم والحكمة، وفي علم التوليد بسبب المزاجات والأخلاط. وفي حديثه عن الطب فصل في ذكر العلاج لكل مرض، وكان آخر باب في الكتاب في صفة المعدة وأمراضها وعلاجاتها. أما بدايته فهي: (الحمد لله الذي أفاض على قلوب عباده المحبوبين فنون العلوم والمعاني الكثيفة واللطيفه، وأطلعهم

(1) اطلعنا منه على نسخة باريس رقم 2595 المنسوخة سنة 1075، وهي في 58 ورقة، ومنه نسخة في برلين رقم 4231.

(2)

بروكلمان 2/ 704، انظر أيضا (مجلة المراسل الإفريقي)، 1884، 374. ويوجد من الكتاب الثاني والثالث نسخ في المكتبة الوطنية بالجزائر رقم 927، 1519/ 20، ومن الكتاب الأخير نسخة في باريس رقم 4758 وهي التي اطلعنا عليها، وهي في 118 ورقة وبخط جيد، وهو مؤلف حوالي 1178، غير أن النسخة التي اطلعنا عليها تعود إلى سنة 1288، ونسب له محمد الأخضر (الحياة الأدبية في المغرب على عهد العلويين) 253 كتابا آخر بعنوان (كشف الرموز) في النباتات، وقال إنه مخطوط رقم د 1551، وقد توفي عبد الله بن عزوز سنة 1204، وكان شاذلي الطريقة ويدعى أيضا سيدي بللا، وقد أشرنا إلى كتابه (تنبيه التلميذ المحتاج) في التصوف.

ص: 411

على الحكم والمعاني، وأدخلهم حضرتهم القدسية). ولا شك أن هذه العبارات وأمثالها هي التي جعلت بعضهم يصنف الكتاب في علم التصوف. والواقع أن عبد الله التلمساني كان ملما بالفلسفة القديمة غاية الإلمام، ولكنه في عصر يرتبط فيه كل شيء بالتصوف كان كلامه لا يخلو من مزالق في هذا الباب. وكان في عمله عميق النظر متحررا بالنسبة إلى علماء عصره. وقد ناقش في كتابه مجموعة من القضايا التي كانت تعتبر محل جدال ونظر بين العلماء، ولا سيما في كتابه (تنبيه التلميذ) الذي حاول فيه التوفيق بين الشريعة والحقيقة والطريقة.

وفي هذا الباب أيضا نجد أحد التلمسانيين يقوم بشرح رجز أبي مقرع في الفلك. ونحن وإن كنا لا ندري الآن اسم هذا المؤلف فإنه يغلب على الظن أنه من أهل القرن العاشر أو الحادي عشر. واسم هذا الكتاب أو الشرح الكبير هو (التاج المرصع في شرح رجز أبي مقرع). ورغم أن هذا الكتاب مبتور الأول قليلا فإنه من الواضح أنه يبدأ بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ضمنه المؤلف جداول كثيرة، وجاء بالخصوص بجدول لعرض مدينة تلمسان التي كان شديد الارتباط بها، حتى أنه كلما ذكرها في الكتاب قال:(أبقاها الله دار إيمان). ومن الذين نقل عنهم في ذلك محمد بن يوسف السنوسي وابن أبي حجلة (وكلاهما من علماء تلمسان) والجادري ونحوهم (1). وينسب إلى أحمد المقري أيضا عمل في علوم الجفر والزيارجة بعنوان (النمط الأكمل في ذكر المستقبل)(2). ولكننا عرفنا أن ميدان المقري هو الأدب والتاريخ والحديث وليس علوم الغيبيات وأسرار الحروف والكواكب. ولعل هذا التأليف منسوب إليه خطأ.

(1) ولكونه مبتور الأول لم نستطع أن نتعرف على اسم المؤلف، وهو ضخم الحجم وغير مرقم، والنسخة التي اطلعنا عليها تعود إلى سنة 1191، وناسخها هو السيد علي بن عمرو نصر. مخطوط باريس رقم 2568.

(2)

منه نسخة في مكتبة جامعة برنستون (قسم يهودا) رقم 4621 مجموع، وقد صورناه من هناك، وفيه فصلان، وهو في 11 ورقة.

ص: 412

وفي هذا الصدد نظم أحد الجزائريين أرجوزة سماها (تعديل الكواكب لعرض بلد الجزائر)(1) وهي في علم الفلك كما يظهر من العنوان، ومذيلة بجداول فلكية. ونحن وإن كنا لا ندري من هو صاحب الأرجوزة الذي تشير إليه المصادر فقط باسم (الجزائري)، إلا أننا لا نستبعد أن يكون صاحبها هو محمد بن أحمد الصخري الآتي ذكره.

ومن علماء مدينة الجزائر الذين أسهموا أيضا في علم الفلك والميقات محمد بن أحمد الصخري الأندلسي الأصل الجزائري المولد كما يقول عن نفسه. وكان الشيخ الصخري من علماء المالكية القائمين بتوقيت الجامع الكبير بالعاصمة. وقد أرخ تأليف كتابه بحساب الجمل وهو (بلوغ أمل)(1043؟). أما عنوانه فهو (القلادة الجوهرية في العمل بالصفيحة العجمية). ويبدو أن الشيخ الصخري كان ولوعا، بحسب المهنة، بالأشكال الهندسية ودوران الكواكب ومعرفة الظل ونحو ذلك من الربط بين التغيرات الطبيعية وحاجات الإنسان. فقد بدأ كتابه، بعد الديباجة على النحو التالي:(أنه لما اتفق لي في سنة (بلوغ أمل) أن منحت بصفيحة بديعة عجيبة من آلات الوقت الشعاعية، لها أسلوب (؟) غريب، ورقم عجيب، اسمها مكتوم، وطلعها مختوم .. ونادى لسان الوصل الحال أهلا ومرحبا .. فلبيت مجيبا للدعاء، لتحققي أن ذلك من أهم الأشياء .. وأوردتها مجموعة في مقدمة وخمسة عشر بابا وخاتمة .. وسميتها بالقلادة الجوهرية في العمل بالصفيحة العجمية) (2).

وفي المقدمة عرف الشيخ الصخري بالصفيحة الشعاعية وبأعمالها وأجزائها وأشكالها. أما الأبواب فهي على النحو التالي:

(1) الخزانة العامة، الرباط، رقم 2245 د مجموع.

(2)

اطلعنا على نسخة باريس رقم 2568، وفي آخره تاريخ يغلب على الظن أنه تاريخ التأليف وهو 1043. أما تاريخ نسخ النسخة التي اطلعنا عليها فهو سنة 1222. انظر أيضا بروكلمان 2/ 1022، وقد ذكر المؤلف هكذا: محمد بن أحمد الدخري الجزائري، ولم يذكر عنوان كتابه.

ص: 413

1) في معرفة تعديل الشمس وميلها وموضع القمر وما فيه من النور ومطرح شعاعه.

2) في معرفة وضع الشمس ونظيرها على مداري جزء كل منهما في خط الطول ومعرفة المطالع الاستوائية لكل منهما.

3) في معرفة أخذ الارتفاع، أي ارتفاع الشمس.

4) في معرفة استخراج العرض.

5) في معرفة غاية ارتفاع الشمس في دائرة نصف نهار مفروض.

6) في معرفة ما في كل واحد من النهار والليل من ساعة مستوية وكم كل واحد منهما، الخ.

7) في معرفة فضل الدوائر والماضي من النهار، الخ.

8) في معرفة سمت القبلة.

9) في معرفة استخراج الجهات الأربع ونصب القبلة.

15) في معرفة ارتفاع الشمس لوقت الظهر، الخ.

11) في الدائر وفضله.

12) في المطالع.

13) في مطالع الكواكب الاستوائية في الفلك المستقيم وأبعادها.

14) في العمل بالكواكب التي لها طلوع وغروب.

15) في الماضي والباقي من الليل.

أما الخاتمة فقد جعلها في التفنن بهذه الصفيحة وذلك باستخراج المجهول بها من المعلوم، ونحو ذلك.

والظاهر أن عمل الشيخ الصخري أكثر علمية من بعض الأعمال التي عرضت لنا حتى الآن. فهو غير مختلط بالأفكار الصوفية والغيبيات واستخدام الروحانيات. وإذا ثبت أن تاريخ تأليفه يعود إلى سنة 1043 فإن ما كتبه أيضا عبد الرزاق بن حمادوش، الذي جاء بعده بحوالي قرن، عن العمل بالصفيحة الشعاعية يعتبر مكملا له. فقد ألف ابن حمادوش، كما سنرى في ترجمته، أعما لا في الأسطرلاب، والروزنامة، والتواريخ، والرخامة الظلية، وصورة

ص: 414

الكرة الأرضية، وعلم الملاحة البحرية، والقوس الذي ترصد به الشمس، وغيرها. وكان ولوعا أيضا برسم الجداول ووضع الأشكال الهندسية واستخراج النتائج العلمية منها. وهو بالإضافة إلى ذلك كان مغرما بعلم الطب والصيدلة.

وشبيه بعمل محمد الصخري في الفلك ما ألفه علي بن محمد بن علي البجائي، وهو (تبصرة المبتدئي وتذكرة المنتهى) الذي قال عنه إنه في معرفة الأوقات بالحساب من غير آلة ولا كتابة. وإذا كان محمد الصخري من الموقتين بالمهنة فإن الشيخ علي البجائي كان من المقرئين ومؤدبي الصبيان في مدينة بجاية. غير أن معلوماتنا عن علي البجائي ما تزال قليلة. فنحن لا نعرف عن تأليفه إلا هذا القدر الذي جاء عرضا في أحد المؤلفات الأخرى (1). وقد ذكرنا من قبل أن أحمد بن بلقاسم الزواوي قد وضع عدة جداول، منها جدول في الكبس والازدلاف وآخر في مدخل السنة العجمية، كما صحح خطأ الشيخ أحمد بن مزيان في الازدلاف (2). وهناك عمل ينسب إلى عبد القادر الراشدي القسنطيني بعنوان (متسعات الميدان في إثبات وجه الوزن وآلات الميزان). وهو العمل الذي ذكره له بروكلمان في باب الطب والعلوم الطبيعية، ولكنه أخطأ حين جعل الراشدي من أهل القرن الحادي عشر الهجري (3)(17 م).

(1) عثرنا على هذه المعلومات في مجموع مخطوطة (معالم الاستبصار) تأليف ابن علي الشريف الشلاطي، وقد أشرنا إلى هذا الكتاب، كما ذكره سحنون بن عثمان في كتابه (مفيد المحتاج) المطبوع، 11، وقد سماه فيه أبا الحسن علي بن مجمد بن علي المغربي.

(2)

أشير إلى هذا الكتاب ضمن المجموع السابق. بمكتبة الكونغرس الأمريكي، وما زلنا غير متأكدين من ذلك.

(3)

بروكلمان 2/ 713. انظر أيضا (تعريف الخلف) 2/ 219، ولم يذكر الحفناوي عنوان كتاب الراشدي واكتفي بقوله وله تأليف في وزن الأعمال. وهو، حسب الظاهر، في المكاييل وليس في المقاييس الفلكية، ولعل الراشدي قصد بعمله الموازين الطبية والشرعية. غير أن هذا ما يزال غير واضح لأننا لم نطلع على التأليف.

ص: 415