الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الرزاق بن حمادوش
ولد عبد الرزاق بن محمد بن حمادوش الجزائري في مدينة الجزائر سنة 1107 وعاش إلى أن تجاوز التسعين، حسب بعض الباحثين، ولكننا لا ندري متى توفي بالضبط، والغالب على الظن أن الوفاة قد أدركته بالمشرق بين 1197 و 1200 (1). وقد نشأ بمدينة الجزائر وتعلم بها العلوم الشائعة عندئذ، وكان من أسرة متوسطة الحال تلقب بأسرة الدباغ لأن والده وعمه، كما يظهر، كانا يشتغلان بالدباغة. وقد تجوز عبد الرزاق صغيرا من ابنة عمه حسب العائلات المحافظة، وكانت أسرته على صلة بطبقة التجار والحرفيين في مدينة الجزائر، لذلك تزوجت أخته من عائلة تشتغل بالحرارة، وتزوج هو مرة ثانية من عائلة تحترف صناعة النحاس وتلميعه، ويبدو أن والده قد توفي وهو ما يزال صغيرا لأنه لم يذكره في عقد زواجه الأول ولا الثاني بينما ذكره في عقد زواج أخته. وبعد زواجه من ابنة عمه ظل عبد الرزاق في رعاية عمه يسكن عنده، ولكن هذا الزواج مجهول القيمة بالنسبة لحياة ابن حمادوش، فهو لم يذكر أنه أنجب أطفالا من ابنة عمه كما تحدث عن أطفاله من زوجه الثانية. فهل تحدث عن ذلك في الجزء الأول المفقود من رحلته؟ وعلى كل حال فإن عبد الرزاق قد عاش حياة مليئة بالفقر والضيق ولم يستطع أن يشق طريقه إلى الثروة والجاه كما كان يفعل المتصلون بالولاة وأرباب السلطة من العلماء. وقد كان الفقر سببا في شقاء زواجه أيضا حتى هربت منه زوجه الثانية وطلبت الطلاق وفارقته أمه وأخوه. وحاول الجمع بين العلم والتجارة فلم يحالفه النجاح، لأنه، كما قال، كان لا يفارق الكتب.
تعلم ابن حمادوش عن طريق الدرس والإجازة والرحلة، ومن سوء
(1) انظر عنه كتابنا (الطبيب الرحالة)، الجزائر، 1982، ورحلة ابن حمادوش (لسان المقال)، الجزائر، 1983. كما أننا نشرنا عنه بحثا في (مجلة مجمع اللغة العربية) بدمشق، أبريل 1975، وهو منشور أيضا في كتابنا (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر)، الجزائر، 1978.
الحظ أن المصادر التي لدينا لا تتحدث عن ثقافته الأولى في الجزائر، ولكنه قد صرح فيما بعد أن كل العلوم تلقاها بالدرس إلا الكيمياء والسيمياء والموسيقى فقد أخذها بالإجازة. ومعنى ذلك أنه جلس للدرس في الجزائر وغيرها على مشائخ الوقت، أمثال المفتي محمد بن نيكرو، والقاضي مصطفى بن رمضان العنابي، والقاضي الأديب محمد بن ميمون الذي كان يسميه (شيخنا). ومن المؤكد أنه درس في المغرب على أحمد الورززي ومحمد البناني، وأحمد السرائري، وأحمد بن المبارك، وحصل منهم على إجازات سجلها في الجزء الثاني من رحلته، وتتلمذ في الطب على عبد الوهاب أدراق طبيب السلطان اسماعيل وأولاده، كما درس على الشيخ محمد زيتونة التونسي، وكان أيضا يسميه (شيخنا)، في مكان لا نعرفه، ولعله الإسكندرية أو تونس. وكان ابن حمادوش معاصرا في الجزائر لعلماء بارزين ذكرنا بعضهم، وخصوصا أحمد بن عمار وابن علي والحسين الورتلاني. فهو إذن من إنتاج القرن الثاني عشر (18 م) الذي عرفت فيه الحركة الثقافية نشاطا ملحوظا.
ولكن ثقافة ابن حمادوش كانت تقوم أساسا على عنصرين هامين الأول الرحلة، والثاني قوة الملاحظة والتجربة. فقد بدأ الرحلة وهو صغير السن، فحج سنة 1130 بالبر عبر تونس، ولا ندري كم بقي في المشرق هذه المرة ومن لاقى من العلماء في تونس وطرابلس ومصر والحرمين، وما الإجازات والدروس التي حضرها. غير أننا نجده سنة 1145 في المغرب الأقصى حيث جاء في رحلته التي اطلعنا عليها أنه كان هناك عندئذ وأنه كتب قصيدة ليقدمها إلى السلطان عبد الله، غير أنه عدل عن ذلك لسبب غير واضح، ولعله يعود إلى خشونة الحجاب أو لضعف الشعر أو خمول الشهرة، وقد اكتفى ابن حمادوش بقوله (أغناني الله عن لقياه). ويبدو أنه كان يتردد على المغرب للتجارة والعلم. فقد وجدناه أيضا هناك سنة 1156، حين أطال فيه الإقامة، ووصف نشاطه. فقد درس على عدة مشائخ في تطوان وفاس ومكناس وأجازوه وجلس للتدريس بعض الوقت، واشترى وطالع ونسخ الكتب
الكثيرة، وعاين الثورات السياسية والعادات الاجتماعية والتطورات الاقتصادية في المغرب ووصف وكتب عن كل ذلك. وبعد أكثر من عام عاد ابن حمادوش إلى وطنه وقد اكتسب علما غزيرا ولكن تجارته كسدت وأوشك على الهلاك كما صرح بذلك، فاكتفى من الغنيمة بالإياب، وآخر تاريخ نعرفه عن تحركاته هو سنة 1161، ففيه كان في مدينة رشيد يؤلف رسالته (تعديل المزاج). والغالب على الظن أنه غادر الجزائر للحج أو نحوه في تلك السنة، ولا ندري إن كان قد عاد إلى الجزائر أو مات في المشرق (1).
ورغم أن ابن حمادوش قد تثقف ثقافة معاصريه من لغة وفقه وأدب وتصوف وتوحيد، فإنه كان بطبعه ميالا إلى الكتب العلمية، وقد روى أنه درس تأليف القلصادي في الحساب، وشرح محمد السنوسي على الحباك في الإسطرلاب، والقانون والنجاح والطلاسم لابن سينا، ومقالات أقليدس، وشرح ابن رشد على منظومة ابن سينا، وتاريخ الدول للملطي وهو في أخبار العلماء والأطباء، وكتاب السطي في ذوات الأسماء والمنفصلات. وطالع عمل عبد الرحمن الفاسي في علم البونبة. كما ولع بكتب المنطق وألف فيه. وبالإضافة إلى هذه المصادر اعتمد ابن حمادوش على التجربة والمشاهدة. فقد كان يخرج للجبال المجاورة لمدينة الجزائر لإجراء التجارب والتقاط الأعشاب والتدرب على رمي البونبة ووزنها وبارودها ومسافة انطلاقها. وعندما كان في المغرب سجل ملاحظات علمية هامة أثناء مروره من تطوان إلى فاس والعكس. فلاحظ عذوبة وملوحة الأمياه، وأنواع الأشجار والطيور
(1) وجدنا في أحد المخطوطات الفلكية، باريس رقم 2568، ورقة 75، نقلا عن ابن حمادوش جاء فيه أنه قام بتعديل الكواكب على طول الجزائر سنة 1168، وهذه هي العبارة (نقلتها - أي الكواكب - لتمام سبعة بموحدة بعد الثمانية وستين ومائة وألف، وعلى طول الجزائر، فيكون التعديل من نصف يوم الخميس بتاريخ عام ثمانية وستين ومائة وألف). ولعل هذه العبارة مأخوذة من رحلة ابن حمادوش المفقودة لأنها تشبه ما عندنا منه في الجزء الثاني من رحلته ولأنه يتحدث فيها بصيغة الماضي، أي أنه كان يكتب ذلك بعد سنة 1168.
والحيوانات وغرائبها، كما لاحظ حركات النجوم وعالج التغلب على الحمى، ونفس الشيء فعله عندما كان في الجزائر ومصر أيضا حيث سجل في كتابه (كشف الرموز) ما شاهده من غرائب النبات هناك، كما وضع ميزانا للماء وهو في الجزائر.
ومن بين أنواع العلوم اهتم ابن حمادوش خصوصا بالطب والفلك، وألف في ذلك عدة تآليف سنذكرها، وقد كتب عن نفسه، وهو ما يزال في شبابه (سنة 1145) بأنه أصبح طبيبا وصيدليا وعشابا، وافتخر ذات مرة بأن الأعشاب التي قيدها في تأليفه كلها معروفة لديه، وكان كثير القراءة في كتب الطب القديمة، عربية وأجنبية. فقرأ ولخص ودرس تآليف ابن سينا وابن البيطار والأنطاكي. وقال عن كتاب الدول للملطي أنه (لم ير مثله في التراكيب العربية وأساليبها فيما عرب من كتب النصارى). ونقل عنه تراجم عدد من الأطباء، مسلمين وغيرهم، أمثال الرازي والفارابي، والبيروني، وابن سهل صاحب بيمارستان جند سابور، والمنجم أبي معشر البلخي، ومحمد بن جابر البتاني، ومحمد البوزجاني، وإقليدس. وقد أراد أن يؤلف كتابا كبيرا في علم الطب وفروعه فكان (الجوهر المكنون من بحر القانون)، الذي يبدو من عنوانه أنه اعتمد فيه على كتاب القانون لابن سينا.
وقد تحدث ابن حمادوش في رحلته عن هذا الكتاب فقال إنه قد رتبه على أربعة كتب. الكتاب الأول في السموم وذوات السموم والعلاج منها، والكتاب الثاني في الترياقات وما يجري مجراها
…
وبعض المعاجين التي يضطر إليها، والكتاب الثالث في الأمراض بناه على جدول حنين ابن إسحاق، أما الكتاب الرابع فقد خصصه لحل ألفاظ المفردات وتعريبها (1)، وقد قال ابن حمادوش عن كتابه (الجوهر المكنون) بأنه (كتاب جليل .. يتوشح به الأصاغر ولا تمجه الأكابر. فيه الأسباب والعلامات والعلاجات)،
(1) نرجح أن يكون الكتاب الرابع هو المنشور اليوم بعنوان (كشف الرموز) لأن هذا يبدأ بالكتاب الرابع، كما سنرى وبذلك يكون (كشف الرموز) في الواقع عبارة عن جزء صغير من (الجوهر المكنون من بحر القانون).
كما جاء في رحلته بأنه قد أتمه بعد أكثر من سنة من العمل فيه، وبالإضافة إلى هذا الكتاب ألف ابن حمادوش في الطب رسالة سماها (تعديل المزاج بسبب قوانين العلاج) والظاهر أنه ألفها عندما كان في مدينة رشيد بمصر، وهي في أمراض وعلاج الأعضاء التناسلية ونحوها (1).
كما ألف عدة رسائل وكتب في الفلك. فقد وضع تأليفا أضاف فيه ما تعلمه من كتاب عبد الرحمن الفاسي عن البونبة، وخرج بنفسه إلى ضاحية العاصمة وتعلم الرمي والمقاسات والأحجام ثم كتب ما كتب في الموضوع قائلا (فتممت ما بقي لي (من هذا العلم) .. وأخذت علم البونبة بارتفاعها وتعميرها ورميها وعجن بارودها، فأنا من علمائها). ودرس ابن حمادوش علم الطرق البحرية (وهو يسميه علم البلوط) وقال إن (يدي صحت في هذا العلم " وألف في ذلك، كما وضع خريطة توضح اتجاه الرياح ووصف طريقة استعمالها. وألف عملا آخر في صورة الأرض قال عنه (لم أسبق به). وسنذكر تآليفه في هذه العلوم وغيرها بعد قليل. لكن نلاحظ أن تآليف ابن حمادوش يغلب عليها اختصار المطولات وصغر الحجم. ومع ذلك فإنها تدل على أن اتجاه صاحبها كان اتجاها صحيحا سابقا لعصره، وأن ابن حمادوش لو وجد حكومة رشيدة ترعى العلوم والعلماء لكان له شأن آخر في وقته. ويمكن مقارنة ابن حمادوش الجزائري بقليليو الإيطالي ونيوتن الإنكليزي في الروح والتمرد على معايير العصر والإيمان بالعلم.
ولنورد هنا قائمة تآليف ابن حمادوش في العلوم فقط (2) ليقف المتتبع لحياته على أنواعها وأهميتها:
1 -
شرح على قصيدة الربع على كردفر.
(1) ذكر لي الشيخ المهدي البوعبدلي أن لديه نسخة منه، وكان ليكليرك الفرنسي قد اطلع على نسخة منه ووصفها كما سيأتي.
(2)
ذكرنا في دراستنا المطولة عنه تآليفه في التخصصات الأخرى كالأدب والمنطق والرحلة، وقد أشرنا إلى تآليفه أيضا في أبوابها من هذا الكتاب.
2 -
تأليف في الروزنامة.
3 -
تأليف في الأعشاب لم يذكر عنوانه وإنما قال عنه (فإن الأعشاب المقيدة في تأليفي كلها معروفة عندي). ولعل هذا التأليف هو بعينه الكتاب الرابع من (الجوهر المكنون) الآتي ذكره.
4 -
الجوهر المكنون من بحر القانون (في الطب). وهو التأليف الذي جعله في أربعة كتب، كما أسلفنا، أحدها (وهو الرابع) في الأعشاب.
5 -
تأليف في الفلك جمع فيه التواريخ السبعة التي تعلمها. وقال في رحلته عنه (وسميته) ولكنه ترك بياضا بعد هذه الكلمة.
6 -
تأليف في الإسطرلاب والربع المقنطر لم يذكر له عنوانا.
7 -
تأليف في القوس الذي يأخذ به الأوروبيون (النصارى) حركة الشمس، ولم يذكر له عنوانا أيضا.
8 -
تأليف في الرخامة الظلية بالحساب استخرجه من كتاب للأوروبيين، ولم يذكر له عنوانا.
9 -
تأليف في صورة الكرة الأرضية مستوحى من مطالعته لكتاب رضوان أفندي في صورة الكرة، أشار إلى أنه (ساع في إكماله) ولم يذكر له عنوانا.
10 -
تأليف في علم البلوط (أو معرفة الطرق البحرية)، لم يشر إلى عنوانه.
11 -
كارطة (أو خارطة؟) لرسم اتجاهات رياح البحر، دون ذكر عنوان لها، ولكنه رسمها بدقة.
12 -
تعليق على ألفاظ الديباجة الواردة في منظومة ابن سينا (؟) ولم يذكر لذلك عنوانا.
13 -
بغية الأديب من علم التكعيب، أتمه سنة 1143.
14 -
فتح المجيب في علم التكعيب، ألفه بعد أن اطلع على كتاب للأوروبيين في المساحة والهندسة وانتهى منه سنة 1160. ويبدو أنه تنقيح وتوسيع لكتابه (بغية الأديب).