الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما ذكر وَفَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
قَالَ الله تَعَالَى: " إِنَّك لمَيت وَإِنَّهُم ميتون ". حكى أَبُو معَاذ عَن النَّحْوِيين أَن الميْت بِالتَّخْفِيفِ الَّذِي فَارقه الرّوح، وبالتشديد الَّذِي لم يكن يمت بعد وَهُوَ يَمُوت، فَأخْبرهُ تَعَالَى أَنه ميّت إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى:" كل من عَلَيْهَا فان ". ثمَّ عَن الله تَعَالَى خيّره حِين بعث إِلَيْهِ ملك الْمَوْت على أَن يقبض روحه أَو ينْصَرف، فَلم يُخَيّر قبله نَبِي وَلَا رَسُول أَلا ترى إِلَى مُوسَى عليه السلام حِين قَالَ ملك الْمَوْت: أجب رَبك، فَلَطَمَهُ ففقأ عينه، وَلَو أَتَاهُ على وَجه التَّخْيِير لما بَطش بِهِ، وَقَول ملك الْمَوْت حِين رَجَعَ: إِنَّك أرسلتني إِلَى عبد لَا يُرِيد الْمَوْت قَالَ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الثَّعْلَبِيّ: وقصة مُوسَى وَملك الْمَوْت لَا يردهَا إِلَّا كل مُبْتَدع ضال، يُؤَيّدهُ قَوْله صلى الله عليه وسلم:" إِن ملك الْمَوْت كَانَ يَأْتِي النَّاس عيَانًا حَتَّى أَتَى مُوسَى عليه السلام ليقبضه فَلَطَمَهُ ففقأ عينه، فجَاء ملك الْمَوْت بعد ذَلِك خُفْيَة ". وَكَذَلِكَ قصَّته مَعَ دَاوُد عليه السلام حِين غلقت عَلَيْهِ أبوابه فَرَأى ملك الْمَوْت عِنْده فَقَالَ لَهُ: مَا أدْخلك دَاري بِغَيْر إذني، فَقَالَ: أَنا الَّذِي أَدخل على الْمُلُوك بِغَيْر إِذن، فَقَالَ: فَأَنت ملك الْمَوْت، قَالَ: نعم، قَالَ: جِئْت دَاعيا أم ناعياً؟ قَالَ: بل ناعياً، قَالَ: فَهَلا أرْسلت إليّ قبل ذَلِك لأستعد للْمَوْت؟ قَالَ: كم أرْسلت إِلَيْك فَلم تنتبه، قَالَ: وَمن كَانَت رسلك؟ قَالَ: يَا دَاوُد أَيْن أَبوك؟ أَيْن أمك؟ أَيْن أَخُوك؟ قَالَ: مَاتُوا، قَالَ: أما علمت أَنهم رُسُلِي وَأَن النّوبَة تبلغك. قَالَ الْعلمَاء: وابتدأ برَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَجَعه يَوْم الْخَمِيس فِي لَيَال بَقينَ من صفر، وَقيل: فِي أول ربيع الأول فِي السّنة الْحَادِيَة عشر من الْهِجْرَة، وَمُدَّة مَرضه عليه الصلاة والسلام اثْنَي عشر يَوْمًا، وَقيل: أَرْبَعَة عشر، وَكَانَ مَرضه بالصداع، وَاشْتَدَّ وَجَعه صلى الله عليه وسلم فِي بَيت مَيْمُونَة فَدَعَا نِسَاءَهُ واستأذنهن فِي أَن يمرض فِي بَيت عَائِشَة رضي الله عنها فَأذن لَهُ فَخرج يمشي بَين رجلَيْنِ من أهل بَيته الْفضل بن الْعَبَّاس وَعلي رضي الله عنهما وَخرج نَهَار الْخَمِيس فصلى على أَصْحَاب أحد
واستغفر لَهُم، ثمَّ أَمر بسد الْأَبْوَاب فِي الْمَسْجِد إِلَّا بَاب أبي بكر. قَالَت عَائِشَة رضي الله عنها: اضْطجع فِي حجري فَدخل عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فِي يَده سواك أَخْضَر، قَالَت: فَنظر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي يَده نظرا عرفت أَنه يُريدهُ، قَالَت: فَقلت: يَا رَسُول الله أَتُحِبُّ أَن أُعْطِيك هَذَا السِّوَاك؟ قَالَ: نعم، قَالَت: فَأَخَذته فمضغته لَهُ حَتَّى لينته ثمَّ أَعْطيته إِيَّاه، قَالَت: فاستن بِهِ كأشد مَا رَأَيْته اسْتنَّ بسواك قطّ ثمَّ وَضعه، وَوجدت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يثقل فِي حجري فَذَهَبت أنظر فِي وَجهه فَإِذا بَصَره قد شخص، وَهُوَ يَقُول: بل الرفيق الْأَعْلَى فِي الْجنَّة، فَقلت: خيّرت فاخترت وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ. وروى ابْن أبي مليكَة قَالَ: لما كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عاصباً رَأسه إِلَى صَلَاة الصُّبْح، وَأَبُو بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَلَمَّا خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تفرج النَّاس، فَعرف أَبُو بكر أَن النَّاس لم يصنعوا ذَلِك إِلَّا لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فنكص عَن مُصَلَّاهُ، فَدفع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي ظَهره وَقَالَ: صلّ بِالنَّاسِ، وَجلسَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى جنبه فصلى قَاعِدا عَن يَمِين أبي بكر، فَلَمَّا فرغ من صلَاته أقبل على النَّاس رَافعا صَوته حَتَّى خرج صَوته من بَاب الْمَسْجِد يَقُول:" يَا أَيهَا النَّاس سعرت النَّار وَأَقْبَلت الْفِتَن كَقطع اللَّيْل المظلم، إِنِّي وَالله مَا تمسكون عَليّ بِشَيْء، إِنِّي لم أحل إِلَّا مَا أحل الْقُرْآن، وَلم أحرم إِلَّا مَا حرم الْقُرْآن ". فَلَمَّا فرغ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من كَلَامه، قَالَ لَهُ أَبُو بكر: يَا نَبِي الله أَرَاك قد أَصبَحت بِنِعْمَة الله وفضله كَمَا تحب، وَالْيَوْم يَوْم ابْنة خَارِجَة، أفآتيها؟ قَالَ: نعم، ثمَّ دخل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَخرج أَبُو بكر إِلَى أَهله بالسنح، وَخرج عَليّ رضي الله عنه من عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ الْمُسلمُونَ: يَا أَبَا الْحسن كَيفَ أصبح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أصبح بِحَمْد الله بارئاً، قَالَ: فَأخذ الْعَبَّاس بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: يَا عَليّ أَنْت وَالله عبد الْعَصَا بعد ثَلَاث، أَحْلف بِاللَّه لقد عرفت الْمَوْت فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَمَا كنت أعرفهُ فِي وُجُوه بني عبد الْمطلب، فَانْطَلق بِنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِن كَانَ هَذَا الْأَمر فِينَا عَرفْنَاهُ، وَإِن كَانَ فِي غَيرنَا أمرناه فأوصى بِنَا النَّاس، فَقَالَ: وَالله لَا أفعل، وَالله لَئِن منعناه لَا يؤتينا بعده أحد، فَتوفي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين اشْتَدَّ الضُّحَى من ذَلِك الْيَوْم. قيل: إِن الصَّلَاة الني صلاهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالس عَن يَمِين أبي بكر صَلَاة
الظّهْر قَالَه ابْن وضاح وَأَبُو عبد الله بن عتاب. وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ: " أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم قبل مَوته بِثَلَاثَة أَيَّام فَقَالَ: يَا أَحْمد إِن الله أَرْسلنِي إِلَيْك يَسْأَلك عَمَّا هُوَ أعلم بِهِ مِنْك يَقُول: كَيفَ تجدك؟ فَقَالَ: أجدني يَا جِبْرِيل مغموماً وأجدني يَا جِبْرِيل مكروباً، وَأَتَاهُ فِي الْيَوْم الثَّانِي فَأَعَادَ السُّؤَال فَثنى الْجَواب، ثمَّ قَالَ فِي الْيَوْم الثَّالِث مثل ذَلِك وَهُوَ يُجيب كَذَلِك، فَإِذا ملك الْمَوْت يسْتَأْذن فَقَالَ: يَا أَحْمد هَذَا ملك الْمَوْت يسْتَأْذن عَلَيْك وَلم يسْتَأْذن على آدَمِيّ قبلك وَلَا يسْتَأْذن على آدَمِيّ بعْدك، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ، فَدخل فَوقف بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: إِن الله أَرْسلنِي إِلَيْك وَأَمرَنِي أَن أطيعك، فَإِن أَمرتنِي أَن أَقبض نَفسك قبضتها، وَإِن أَمرتنِي أَن أتركها تركتهَا، فَقَالَ جِبْرِيل عليه السلام: يَا أَحْمد إِن الله قد اشتاق إِلَيْك، قَالَ: امْضِ لما أمرت بِهِ يَا ملك الْمَوْت، فَقَالَ جِبْرِيل عليه السلام: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله هَذَا آخر موطئي الأَرْض، إِنَّمَا كنت حَاجَتي فِي الدُّنْيَا، فَتوفي صلى الله عليه وسلم مُسْتَندا إِلَى ظهر عَائِشَة فِي كسَاء ملبد وَإِزَار غليظ. وَتُوفِّي صلى الله عليه وسلم عَن أثر السم؛ لقَوْله صلى الله عليه وسلم فِي وَجَعه الَّذِي مَاتَ فِيهِ: " مَا زَالَت أَكلَة خَيْبَر تعاودني، فَالْآن أَوَان قطعت أَبْهَري ". قَالَ ابْن إِسْحَاق: إِن كَانَ الْمُسلمُونَ لَيرَوْنَ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَاتَ شَهِيدا مَعَ مَا أكْرمه الله تَعَالَى بِهِ من النُّبُوَّة، وَتُوفِّي صلى الله عليه وسلم يَوْم الِاثْنَيْنِ حِين اشْتَدَّ الضُّحَى لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول، وَقيل: لليلتين خلتا مِنْهُ، وَدفن لَيْلَة الْأَرْبَعَاء، وَقيل: لَيْلَة الثُّلَاثَاء، وَقيل: وَكَانَت وَفَاته صلى الله عليه وسلم سنة تِسْعمائَة وَخمْس وَثَلَاثِينَ سنة من سنّ ذِي القرنين حَكَاهُ المَسْعُودِيّ فِي " مروج الذَّهَب "، وَقد بلغ من الْعُمر ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة، وَقيل: خمْسا وَسِتِّينَ سنة، وَقيل: سِتِّينَ سنة وَالْأول أصح، روى الثَّلَاثَة مُسلم، وَهِي صَحِيحَة، فَقَوْل من قَالَ: ثَلَاثًا وَسِتِّينَ فَهُوَ على اصله، وَمن قَالَ: سِتِّينَ فَإِنَّهُم كَانُوا فِي الزَّمَان الأول لَا يذكرُونَ الْكسر، وَمن قَالَ: خمْسا وَسِتِّينَ حسب السّنة الَّتِي ولد فِيهَا وَالَّتِي توفّي فِيهَا
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ الْحَاكِم: اخْتلفت الرِّوَايَة فِي سنّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَلم يَخْتَلِفُوا أَنه ولد فِي عَام الْفِيل، وَأَنه بعث وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة، وَأَنه أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عشرا، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي مقَامه بِمَكَّة المشرفة بعد الْبَعْث فَقيل: عشرا، وَقيل: ثَلَاثَة عشر، وَقيل: خَمْسَة عشر، وسجى صلى الله عليه وسلم بِبرد حبرَة. وَقيل: إِن الْمَلَائِكَة سجته، وَكذب بعض أَصْحَابه بِمَوْتِهِ دهشة مِنْهُم عمر بن الْخطاب، وأخرس بَعضهم فَمَا تكلم إِلَّا بعد الْغَد مِنْهُم عُثْمَان بن عَفَّان، وأقعد آخَرُونَ مِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهم. قَالَ عفيف الدّين الْمرْجَانِي: وَالْحكمَة فِي ذَلِك أَنه لما كَانَ عمر أبلغ النَّاس نظرا وَأَعْلَاهُمْ فراسة صَحِيح تخيل الْفِكر عَظِيم قياسة أدهش حَتَّى لم يتخيل موت الْمُخْتَار، وَلما كَانَ عُثْمَان حوى أثقال الفصاحة وَله فِي القَوْل على من سواهُ رجاحة أخرس بإنطاق حجب الأستار، وَلما كَانَ على سبف الله الْقَاطِع وَعَلِيهِ اسْم الْقُوَّة وَاقع اقعد عَن مد خطوَات الأقدار، وَلم يكن أثبت من الْعَبَّاس وَأبي بكر رضي الله عنهما وَبَقِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي بَيته يَوْم الِاثْنَيْنِ وَلَيْلَة الْأَرْبَعَاء، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء أقبل النَّاس على جهاز رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَمِعُوا من بَاب الْحُجْرَة حِين ذكرُوا غسله لَا تغسلوه فَإِنَّهُ طَاهِر مطهر، ثمَّ سمعُوا بعده غسلوه فَإِن ذَلِك إِبْلِيس وَأَنا الْخضر، وَقَالَ: إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة، وخلفاً من كل هَالك، ودركاً من كل فَائت، فبالله نتقوى، وإياه فَارْجِعُوا، فَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب، ثمَّ كَلمهمْ مُكَلم من نَاحيَة الْبَيْت غسلوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَعَلِيهِ ثِيَابه، وَكَانُوا قد اخْتلفُوا فِي ذَلِك فغسلوه صلى الله عليه وسلم فِي قَمِيصه، وَكَانُوا لَا يرَوْنَ أَن يقلبوا مِنْهُ عضوا إِلَّا انْقَلب بِنَفسِهِ، وَإِن مَعَهم لحفيفاً كَالرِّيحِ يصوت بهم ارفقوا برَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّكُم ستكفونه، وَتَوَلَّى غسله عليّ وَالْعَبَّاس وَالْفضل وَقثم بن الْعَبَّاس يقلبونه مَعَهم، وَأُسَامَة بن زيد وشقران موليا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يصبَّانِ المَاء، وَأَوْس ابْن خولي الْأنْصَارِيّ مِمَّن حضر غسله صلى الله عليه وسلم، يرْوى عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ: أَوْصَانِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يغسلهُ غَيْرِي " فَإِنَّهُ لَا يرى أحد عورتي إِلَّا طمست عَيناهُ ". وسطعت مِنْهُ صلى الله عليه وسلم ريح لم يَجدوا مثلهَا قطّ. وكفن صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة من كُرْسُف لَيْسَ فِيهَا
قَمِيص وَلَا عِمَامَة، وَكَانَ فِي حنوطه صلى الله عليه وسلم الْمسك، ثمَّ وضع على سَرِيره فِي بَيته وَدخل النَّاس يصلونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا أفذاذاً الرِّجَال ثمَّ النِّسَاء ثمَّ الصّبيان، وَلم يؤمهم أحد بِوَصِيَّة مِنْهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِيهَا:" أول من يُصَلِّي عليّ خليلي وحبيبي جِبْرِيل ثمَّ مِيكَائِيل ثمَّ إسْرَافيل ثمَّ ملك الْمَوْت مَعَ مَلَائِكَة كَثِيرَة ". قيل: فعل ذَلِك صلى الله عليه وسلم ليَكُون كل مِنْهُم فِي صَلَاة، وَقيل: ليطول وَقت الصَّلَاة فَيلْحق من يَأْتِي من حول الْمَدِينَة، وَاخْتلفُوا فِي مَكَان دَفنه فَقَائِل يَقُول: بِالبَقِيعِ، وَقَالَ قَائِل: عِنْد منبره، وَقَالَ قَائِل: فِي مُصَلَّاهُ، فجَاء أَبُو بكر رضي الله عنه فَقَالَ: إِن عِنْدِي من هَذَا خَبرا وعلماً سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول: " مَا قبض نَبِي إِلَّا دفن حَيْثُ توفّي ". فحول فرَاشه وحفر لَهُ مَوْضِعه، وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَة بن الْجراح يضرح كحفر أهل مَكَّة، وَكَانَ أَبُو طَلْحَة يلْحد لأهل الْمَدِينَة فَبعث الْعَبَّاس خلفهمَا رجلَيْنِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ خر لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فجَاء أَبُو طَلْحَة فلحد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَدفن صلى الله عليه وسلم من وسط اللَّيْل لَيْلَة الْأَرْبَعَاء، وَنزل قَبره صلى الله عليه وسلم عليّ وَالْعَبَّاس وَقثم وَالْفضل ابْنا الْعَبَّاس وشقران مولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَوْس بن خولى، وَبسط شقران تَحْتَهُ فِي الْقَبْر قطيفة حَمْرَاء كَانَ يفرشها صلى الله عليه وسلم، وَقيل: كَانَ يتغطى بهَا، وَقيل: إِن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود نزل مَعَهم، وَكَذَلِكَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وأطبق أُسَامَة على قَبره صلى الله عليه وسلم سبع لبنات نصبن نصبا وَلما دفن صلى الله عليه وسلم جَاءَت فَاطِمَة رضي الله عنها فوقفت على قَبره وَأخذت قَبْضَة من تُرَاب الْقَبْر فَوَضَعته على عينهَا وبكت وأنشأت تَقول: مَاذَا على من شم تربة أَحْمد
…
أَن لَا يشم مدى الزَّمَان غواليا صبَّتْ عليّ مصائب لَو أَنَّهَا
…
صبَّتْ على الْأَيَّام عدن لياليا وَتوفيت بعده صلى الله عليه وسلم بِسِتَّة أشهر، وَقيل: ثَمَانِيَة أشهر، وَقيل: ثَلَاثَة اشهر، وَقيل: سَبْعُونَ يَوْمًا، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم أخْبرهَا أَنَّهَا أول أَهله لُحُوقا بِهِ فَكَانَت كَذَلِك، وَقبض صلى الله عليه وسلم عَن