الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذِرَاع القماش، وَالْمقَام الْيَوْم فِي صندوق من حَدِيد حوله شباك من حَدِيد، عرض الشباك عَن يَمِين الْمُصَلِّي ويساره خَمْسَة أَذْرع وَثمن ذِرَاع، وَطوله إِلَى جِهَة الْكَعْبَة خَمْسَة أَذْرع إِلَّا قيراطين، وَخلف الشباك الْمُصَلِّي وَهُوَ محوز بعمودين من حِجَارَة وحجرين من جَانِبي الْمُصَلِّي، وَطول الْمُصَلِّي خَمْسَة اذرع وَسدس ذِرَاع، وَمن صدر الشباك الَّذِي دَاخله الْمقَام إِلَى شاذروان الْكَعْبَة عشرُون ذِرَاعا وَثلثا ذِرَاع وَثمن ذِرَاع، كل ذَلِك بالذراع الْمُتَقَدّم ذكره. انْتهى كَلَام ابْن جمَاعَة.
فصل: مَا جَاءَ فِي إِخْرَاج جِبْرِيل زَمْزَم لأم إِسْمَاعِيل " ويروى لَهَا
"
لما كَانَ بَين هَاجر أم إِسْمَاعِيل وَبَين سارة امْرَأَة إِبْرَاهِيم مَا كَانَ أقبل إِبْرَاهِيم عليه السلام بهاجر وَابْنهَا إِسْمَاعِيل وَهُوَ صَغِير يرضعها حَتَّى قدم بهما مَكَّة، وَمَعَ أم إِسْمَاعِيل شنة فِيهَا مَاء تشرب مِنْهُ وتدر على ابْنهَا وَلَيْسَ مَعهَا زَاد وَفِي رِوَايَة: وَمَعَهَا جراب فِيهِ تمر وسقاء فِيهِ مَاء وَلَيْسَ بِمَكَّة أحد وَلَيْسَ لَهَا مَاء فَعمد بهما إِبْرَاهِيم إِلَى دوحة فَوق زَمْزَم فوضعهما عِنْدهَا، ثمَّ توجه إِبْرَاهِيم خَارِجا على دَابَّته فتبعته أم إِسْمَاعِيل حَتَّى وافى إِبْرَاهِيم بكدا، فَقَالَت لَهُ أم إِسْمَاعِيل: إِلَى من تتركها وَوَلدهَا؟ قَالَ: إِلَى الله عز وجل قَالَت: رضيت بِاللَّه وَفِي رِوَايَة: قَالَت لَهُ: أَيْن تذْهب وتتركنا بِهَذَا الْوَادي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أنيس وَلَا شَيْء؟ فَقَالَت لَهُ ذَلِك مرَارًا وَجعل لَا يلْتَفت إِلَيْهَا فَقَالَت: آللَّهُ أَمرك بِهَذَا؟ قَالَ: نعم. قَالَت: إِذن لَا يضيعنا ثمَّ رجعت تحمل ابْنهَا فَانْطَلق إِبْرَاهِيم حَتَّى إِذا كَانَ عِنْد الثَّنية حِين لَا يرونه اسْتقْبل بِوَجْهِهِ الْبَيْت ثمَّ دَعَا بهؤلاء الدَّعْوَات وَرفع يَدَيْهِ وَقَالَ: " رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي ذرع حَتَّى بلغ يشكرون ". وَجعلت أم إِسْمَاعِيل ترْضع إِسْمَاعِيل حَتَّى فنى مَاء شنها فَانْقَطع درها، فجاع ابْنهَا فَاشْتَدَّ جوعه حَتَّى نظرت إِلَيْهِ أمه يَتَشَحَّط فَخَشِيت أم إِسْمَاعِيل أَن يَمُوت، فَقَالَت: لَو تغيبت عَنهُ حَتَّى يَمُوت وَلَا أَدْرِي بِمَوْتِهِ. فَوجدت الصَّفَا أقرب جبل فِي الأَرْض يَليهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ، فاستقبلت الْوَادي تنظر هَل ترى أحدا فَلم تَرَ أحدا، فَهَبَطت
من الصَّفَا وَقَالَت: لَو مشيت بَين هذَيْن الجبلين تعللت حَتَّى يَمُوت الصَّبِي وَلَا أرَاهُ. فمشت بَينهمَا أم إِسْمَاعِيل حَتَّى إِذا بلغت الْوَادي رفعت طرف درعها، ثمَّ سعت سعي الْإِنْسَان المجهود حَتَّى جَاوَزت الْوَادي، ثمَّ أَتَت الْمَرْوَة فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنظرت فَلم تَرَ أحدا فَفعلت ذَلِك سبع مَرَّات، فَلذَلِك شرع السَّعْي بَينهمَا سبعا، فَلَمَّا أشرقت على الْمَرْوَة سَمِعت صَوتا فَقَالَت: صه تُرِيدُ نَفسهَا ثمَّ تسمعت فَسمِعت أَيْضا فَقَالَت: قد أسمعت إِن كَانَ عنْدك غواث، فَخرج لَهَا جِبْرِيل فاتبعته حَتَّى وصل عِنْد زَمْزَم فبحث بعقبه أَو بجناحه حَتَّى ظهر المَاء، وَتقول بِيَدِهَا هَكَذَا وتغرف من المَاء فِي سقائها وَهُوَ يفور بعد مَا تغرف فَشَرِبت وأرضعت وَلَدهَا، وَقَالَ لَهَا جِبْرِيل عليه السلام: لَا تخافي الضَّيْعَة فَإِن هَا هُنَا بَيت الله عز وجل يبنيه هَذَا الْغُلَام وَأَبوهُ، وَإِن الله تَعَالَى لَا يضيع أَهله. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:" يرحم الله أم إِسْمَاعِيل لَو تركت زَمْزَم أَو قَالَ: لَو لم تغرف من المَاء لكَانَتْ عينا معينا ". قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره: لَا يجوز لأحد أَن يتَعَلَّق بِهَذَا فِي طرح وَلَده وَعِيَاله بِأَرْض مضيعة، اتكالاً على الْعَزِيز الرَّحِيم، واقتداء بِفعل إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، كَمَا فعله غلاة الصُّوفِيَّة فِي حَقِيقَة التَّوَكُّل، قَالَ: إِبْرَاهِيم فعل ذَلِك بِأَمْر الله تَعَالَى؛ لقَوْله فِي الحَدِيث: آللَّهُ أَمرك بِهَذَا؟ قَالَ: نعم. وَقد رُوِيَ أَن سارة لما غارت من هَاجر بعد أَن ولدت إِسْمَاعِيل خرج بهَا إِبْرَاهِيم عليه السلام إِلَى مَكَّة فَروِيَ أَنه ركب الْبراق هُوَ وَهَاجَر والطفل فجَاء فِي يَوْم وَاحِد من الشَّام إِلَى مَكَّة، وَأنزل ابْنه وَأمه هُنَاكَ وَركب منصرفاً من يَوْمه، وَكَانَ ذَلِك كُله بِوَحْي من الله عز وجل فَلَمَّا ولّى دَعَا. انْتهى كَلَامه. فَبَيْنَمَا هَاجر وَابْنهَا كَذَلِك إِذْ مر ركب من جرهم قافلين من الشَّام فِي الطَّرِيق السفلي، فَرَأى الركب الطير على المَاء فَقَالَ بَعضهم: مَا كَانَ بِهَذَا الْوَادي من مَاء وَلَا أنيس فأرسلوا جريين لَهُم حَتَّى أَتَيَا أم إِسْمَاعِيل فكلماها، ثمَّ رجعا إِلَى ركبهما فأخبراهم بمكانها، فَرجع الركب كلهم حَتَّى حيوها فَردَّتْ عَلَيْهِم، وَقَالُوا: لمن هَذَا لماء؟ قَالَت أم إِسْمَاعِيل: هُوَ لي. قَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لنا أَن نسكن مَعَك؟ قَالَت: نعم. قَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ألفى ذَلِك أم إِسْمَاعِيل، وَقد أحبت الْأنس " فنزلوا وبعثوا إِلَى أَهْليهمْ، فقدموا وَسَكنُوا تَحت الدوح واعترشوا عَلَيْهَا الْعَرْش، فَكَانَت مَعَهم هِيَ وَابْنهَا. قَالَ بعض أهل الْعلم: كَانَت جرهم تشرب من مَاء زَمْزَم فَمَكثت بذلك مَا شَاءَ الله أَن تمكث، فَلَمَّا استخفت جرهم بِالْحرم وتهاونت بِحرْمَة الْبَيْت، وأكلوا مَال الْكَعْبَة الَّذِي يهدى لَهَا سرا وَعَلَانِيَة وارتكبوا مَعَ ذَلِك أموراً عظاماً، نضب مَاء زَمْزَم وَانْقطع فَلم يزل مَوْضِعه يدرس ويتقادم وتمر عَلَيْهِ السُّيُول عصراً بعد عصر حَتَّى عفى مَكَانَهُ، وسلط الله خُزَاعَة على جرهم فأخرجتهم من الْحرم وَوليت عَلَيْهِم الْكَعْبَة وَالْحكم بِمَكَّة، وَمَوْضِع زَمْزَم فِي ذَلِك داثر لَا يعرف؛ لتقادم الزَّمَان حَتَّى بوأه الله لعبد الْمطلب بن هَاشم لما أَرَادَ الله تَعَالَى من ذَلِك فخصه بِهِ من بَين قُرَيْش. وَقيل: إِن جرهماً دفنت زَمْزَم حِين ظعنوا من مَكَّة وَاسْتولى عَلَيْهَا غَيرهم. قَالَ السُّهيْلي: وَلما أحدثت جرهم فِي الْحرم واستخفوا بالمناسك وَالْحرم، وبغى بَعضهم على بعض واجترم، تغوّر مَاء زَمْزَم واكتتم، فَلَمَّا أخرج الله جرهم من مَكَّة بالأسباب الَّتِي ذَكرنَاهَا، عمد الْحَارِث بن مضاض الْأَصْغَر إِلَى مَا كَانَ عِنْده من مَال الْكَعْبَة وَفِيه غزالان من ذهب وأسياف قلعية كَانَ أهداها ساسان ملك الْفرس، وَقيل: سَابُور، وَذكروا أَن الْأَوَائِل من مُلُوك الْفرس كَانَت تحج الْكَعْبَة إِلَى عهد ساسان أَو سَابُور، فَلَمَّا علم ابْن مضاض أَنه مخرج مِنْهَا جَاءَ فِي اللَّيْل حَتَّى دفن ذَلِك فِي زَمْزَم وغطى عَلَيْهَا، وَلم تزل دارسة عافياً اثرها حَتَّى آن مولد الْمُبَارك الَّذِي كَانَ يستسقى بِوَجْهِهِ غيث السَّمَاء، وتتفجر من بنانه ينابيع المَاء صَاحب الْكَوْثَر والحوض الرّواء، فَلَمَّا آن ظُهُوره أذن الله لسقيا أَبِيه أَن تظهر وَلما اندفن من مَائِهَا أَن يجْهر، فَكَانَ صلى الله عليه وسلم قد سقت النَّاس بركته قبل أَن يُولد وَسقوا بدعوته وَهُوَ طِفْل حِين أجدب بهم الْبَلَد، وَذَلِكَ حِين خرج بِهِ جده مستسقياً لقريش، وسقيت الخليقة غيوث السَّمَاء فِي حَيَاته الفينة بعد الفينة والمرة بعد الْمرة، تَارَة بدعائه وَتارَة ببنانه وَتارَة بإلقاء سَهْمه، ثمَّ بعد مَوته صلى الله عليه وسلم استشفع عمر بِعَمِّهِ إِلَى الله تَعَالَى إِلَى عَام الرَّمَادَة وَأقسم عَلَيْهِ بِهِ وبنبيه، فَلم يبرح حَتَّى قلصوا