الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَحَابِيّ لَا سِيمَا فِي خلَافَة عمر رضي الله عنه، وَالصَّحَابَة متوافرون وَلَا تخفى عَنْهُم هَذِه الْقِصَّة، فسفر بِلَال فِي زمن صدر الصَّحَابَة لم يكن إِلَّا للزيارة وَالسَّلَام على النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَكَذَلِكَ إبراد عمر بن عبد الْعَزِيز الْبَرِيد من الشَّام فِي زمن صدر التَّابِعين فَلَا يقل من لَا علم لَهُ: إِن السّفر لمُجَرّد الزِّيَارَة لَيْسَ بِسنة. وَأنْشد بَعضهم: تَمام الْحَج أَن تقف المطايا
…
على ليلى وتقرئها السلاما " وَفِي الْوَاقِعَات ": الْأَحْسَن بالحاج أَن يبْدَأ بِمَكَّة فَإِذا قضى نُسكه بِمَكَّة أَتَى الْمَدِينَة، لِأَن الْحَج فرض والزيارة سنة، وَلَو كَانَ الْحَج غير حجَّة الْإِسْلَام يبْدَأ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَو بَدَأَ بِالْمَدِينَةِ فِي الْوَجْه الأول جَازَ، وَإِذا نوى زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فلينو مَعَ ذَلِك زِيَارَة مَسْجده؛ لِأَنَّهُ أحد الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة.
وَأما كَيْفيَّة زيارته صلى الله عليه وسلم وزيارة ضجيعيه رضي الله عنهما
: فَإِذا توجه إِلَى زِيَارَة قَبره الشريف صلى الله عليه وسلم أَكثر من الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم على سيدنَا مُحَمَّد البشير النذير صلى الله عليه وسلم فِي طَرِيقه، وَيَنْبَغِي أَن ينيخ بالبطحاء الَّتِي بِذِي الحليفة وَهِي المعرس وَيُصلي بهَا؛ تأسياً بسيدنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ ابْن عمر رضي الله عنهما شَدِيد الْحِرْص على ذَلِك، ويروى عَن نَافِع أَنه انْقَطع عَن ابْن عمر حَتَّى سبقه إِلَى المعرس ثمَّ جَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا حَبسك عني، فَأخْبرهُ فَقَالَ: إِنِّي ظَنَنْت أَنَّك أخذت الطَّرِيق الْأُخْرَى وَلَو فعلت لأوجعتك ضربا. وليزد فِي الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم إِذا وَقع بَصَره على معاهد الْمَدِينَة وحرمها ونخيلها وآبارها، وَكلما قرب من الْمَدِينَة وعمرانها زَاد من الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم، وَسَأَلَ الله تَعَالَى أَن يَنْفَعهُ بزيارته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ويستشعر تَعْظِيم عرصاتها ويتخيل منازلها ورحباتها فَإِنَّهَا المواطن الَّتِي عمرت بِالْوَحْي والتنزيل، وَكثر فِيهَا تردد أبي الْفتُوح جِبْرِيل وَأبي الْغَنَائِم مِيكَائِيل، واشتملت تربَتهَا على جَسَد سيد الْبشر، وانتشر عَنْهَا من دين الله تَعَالَى وَسنَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا انْتَشَر، وَقد أحسن ناظم هَذِه الأبيات راداً على من أنكر سَماع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الْمصلى عَلَيْهِ الصَّلَاة، وَهِي هَذِه الأبيات: أَلا أَيهَا الغادي إِلَى يثرب مهلا
…
لتحمل شوقاً مَا أُطِيق لَهُ حملا تحمل رعاك الله مني تَحِيَّة
…
وَبلغ سلامي روح من طيبَة حلا وقف عِنْد ذَاك الْقَبْر فِي الرَّوْضَة الَّتِي
…
تكون على يمنى الْمُصَلِّي إِذا صلى وقم خاضعاً فِي مهبط الْوَحْي خَاشِعًا
…
وخفض هُنَاكَ الصَّوْت واسمع لما يُتْلَى
وناد سَلام الله يَا قبر أَحْمد
…
على جَسَد لم يبل فِيك وَلنْ تبلى تراني أَرَانِي عِنْد قبرك قَائِما
…
يناديكم عبد مَاله غَيْركُمْ مولى وَتسمع عَن قرب صَلَاتي مِثْلَمَا
…
تبلغ عَن بعد صَلَاة الَّذِي صلى أناديك يَا خير الْخَلَائق وَالَّذِي
…
بِهِ ختم الله النَّبِيين والرسلا نَبِي الْهدى لولاك لم نَعْرِف الْهدى
…
ولولاك لم نَعْرِف حَرَامًا وَلَا حلا ولولاك لَا وَالله مَا كَانَ كَائِن
…
وَلم يخلق الرَّحْمَن جُزْءا وَلَا كلا وَاسْتحبَّ بعض الْعلمَاء أَن يَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا حرم رَسُولك فاجعله لي وقاية من النَّار، وأماناً من الْعَذَاب وَسُوء الْحساب، اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك، وارزقني فِي زِيَارَة رَسُولك صلى الله عليه وسلم مَا رزقته أولياءك وَأهل طَاعَتك، واغفر لي وارحمني يَا خير مسئول. وَمَا يَفْعَله بعض النَّاس من النُّزُول عَن الرَّوَاحِل عِنْد رُؤْيَتهمْ الْمَدِينَة وَالْحرم النَّبَوِيّ، ومشيهم إِمَّا قَلِيلا أَو إِلَى أَن يصلوا لَا بَأْس بِهِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لم يُنكر على وَفد عبد الْقَيْس حِين نزلُوا عَن الرَّوَاحِل لما رَأَوْهُ صلى الله عليه وسلم، وتعظيم جِهَته صلى الله عليه وسلم وَحرمه الْمُقَدّس بعد وَفَاته كَهُوَ فِي حَيَاته. وَحكى القَاضِي عِيَاض فِي " الشِّفَاء ": أَن أَبَا الْفضل الْجَوْهَرِي لما ورد الْمَدِينَة زَائِرًا وَقرب من بيوتها ترجّل وَمَشى باكياً، منشداً: وَلما رَأينَا من لم يدع لنا
…
فؤاداً لعرفان الرسوم وَلَا لبّى نزلنَا عَن الأكوار نمشي كَرَامَة
…
لمن بَان عَنهُ أَن نلمّ بِهِ ركبا وَيَنْبَغِي أَن يغْتَسل عِنْد دُخُولهَا أَو يتَوَضَّأ كَمَا ذكرنَا فِي دُخُول مَكَّة، ويلبس أنظف ثِيَابه والجديد أفضل ويتطيب، ثمَّ يدْخل الْمَدِينَة الشَّرِيفَة قَائِلا: بِسم الله رب أدخلني مدْخل صدق وأخرجني مخرج صدق وَاجعَل لي من لَدُنْك سُلْطَانا نَصِيرًا، وَليكن خاضعاً خَاشِعًا مُعظما لحرمتها، مكثراً من الصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَاصِدا الْمَسْجِد الشريف، وليحضر فِي نَفسه شرف الْبقْعَة وجلالة من شرفت بِهِ، وَأَنَّهَا دَار هجرته ومهبط وحيه وأصل الْأَحْكَام ومنبع الْإِيمَان، وَليكن ممتلئ الْقلب من هيبته صلى الله عليه وسلم كَأَنَّهُ يرَاهُ، وليمتثل فِي نَفسه إِذا مَشى مَوَاضِع الْأَقْدَام الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة فَلَعَلَّهُ فِي مَوضِع قَدَمَيْهِ العزيزتين، فَلَا يضع قدمه إِلَّا بسكينة ووقار كَمَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يمشي، وَمن الْأَدَب إِذا دَخلهَا أَن لَا يركب فِيهَا كَمَا كَانَ مَالك رحمه الله يفعل وَكَانَ يَقُول: استحيى من الله عز وجل أَن أَطَأ
تربة فِيهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دَابَّة. فغذا وصل بَاب الْمَسْجِد الشريف فَيدْخل من بَاب جِبْرِيل عليه السلام، وَيقدم رجله الْيُمْنَى فِي الدُّخُول واليسرى فِي الْخُرُوج وَليقل مَا قدمْنَاهُ فِي دُخُول الْمَسْجِد الْحَرَام، وليدخل بخضوع وتذلل وأدب، حامداً لله تَعَالَى شاكراً لَهُ على نعْمَته عَلَيْهِ، وَاسْتحبَّ الْعلمَاء أَن يقْصد أول دُخُوله الرَّوْضَة المقدسة وَهِي بَين الْمِنْبَر والقبر الْمُقَدّس، فَيصَلي تَحِيَّة الْمَسْجِد فِي مصلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهِي الحفرة أَو فِي غَيره من الرَّوْضَة أَو من الْمَسْجِد، فَإِذا صلى التَّحِيَّة شكر الله تَعَالَى على مَا أنعم بِهِ عَلَيْهِ، وَسَأَلَهُ إتْمَام النِّعْمَة بقبوله زيارته. قَالَ الْكرْمَانِي: وَيسْجد بعد تَحِيَّة الْمَسْجِد سَجْدَة شكرا لله تَعَالَى على وُصُوله إِلَى تِلْكَ الْبقْعَة الشَّرِيفَة وَالرَّوْضَة المنيفة. وَفِي " الِاخْتِيَار ": يسْجد شكرا لله على مَا وَقفه، فَإِن خَافَ فَوت الْمَكْتُوبَة بَدَأَ بهَا وكفته عَن تَحِيَّة الْمَسْجِد، ثمَّ ينْهض إِلَى الْقَبْر الشريف الْمُقَدّس من نَاحيَة الْقبْلَة فيقف قبالة وَجهه الشريف. قَالَ رشيد الدّين: فيستدبر الْقبْلَة وَيسْتَقْبل المسمار الْفضة الَّذِي بجدار الْقَبْر الْمُقَدّس، على نَحْو أَرْبَعَة أَذْرع من السارية الَّتِي هِيَ غربي رَأس الْقَبْر الشريف فِي زَاوِيَة جِدَاره. وَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام: يقف على نَحْو ثَلَاثَة أَذْرع من الْجِدَار وَيجْعَل الْقنْدِيل الْكَبِير على رَأسه، نَاظرا إِلَى الأَرْض غاض الطّرف فِي مقَام الهيبة والتعظيم والإجلال، فارغ الْقلب من علائق الدُّنْيَا، مستحضراً فِي نَفسه جلالة موقفه ومنزلة من هُوَ بِحَضْرَتِهِ، وَعلمه صلى الله عليه وسلم بِحُضُورِهِ وقيامه وَسَلَامه، ويمثل صورته الشَّرِيفَة فِي حَيَاته مَوْضُوعا فِي لحده. واستدبار الْقبْلَة هُوَ الْمُسْتَحبّ عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيَّة والحنابلة. وَاخْتلفت عبارَة أَصْحَابنَا فِي ذَلِك: فَفِي مَنَاسِك الْفَارِسِي والكرماني عَن أبي اللَّيْث: يقف مُسْتَقْبل الْقبْلَة مستدبر الْقَبْر الْمُقَدّس، وَيَضَع يَمِينه على شِمَاله كَمَا فِي الصَّلَاة وَهَذَا شَاذ، وَالصَّحِيح الْمُعْتَمد عَلَيْهِ أَنه يقف عِنْد الرَّأْس الْمُقَدّس بِحَيْثُ يكون على يسَاره، وَيبعد عَن الْجِدَار قدر أَرْبَعَة أَذْرع، ثمَّ يَدُور إِلَى أَن يقف قبالة الْوَجْه الْمُقَدّس مستدبر الْقبْلَة، وَيُصلي عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم ثمَّ يسلم على أبي بكر وَعلي وَعمر رضي الله عنهما. وروى الإِمَام أَبُو حنيفَة رضي الله عنه فِي مُسْنده عَن نَافِع عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ: من السّنة أَن تَأتي قبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قبل الْقبْلَة، وَتجْعَل ظهرك إِلَى الْقبْلَة وتستقبل الْقَبْر بِوَجْهِك ثمَّ تَقول: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَلَيْسَ من السّنة أَن يمس الْجِدَار أَو يقبله بل الْوُقُوف من الْبعد أقرب إِلَى الْإِحْرَام، وَمن الْآدَاب أَن
لَا يرفع صَوته بِالتَّسْلِيمِ وَلَا يمس الْقَبْر بِيَدِهِ وَلَا يقف عِنْد الْقَبْر طَويلا، ويرون أَن أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور نَاظر مَالك بن أنس فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ مَالك: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا ترفع صَوْتك فِي هَذَا الْمَسْجِد، فَإِن الله عز وجل أدب قوما فَقَالَ:" لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي " الْآيَة. ومدح قوما فَقَالَ: " إِن الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتهم عِنْد رَسُول الله ". الْآيَة. وذم أقوما فَقَالَ: " إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات " الْآيَة. وَإِن لِحُرْمَتِهِ مَيتا كحرمته حَيا. فاستكان لَهَا أَبُو جَعْفَر وَقَالَ: يَا أَبَا عبد الله أستقبل الْقبْلَة وأدعو، أم أستقبل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: وَلم تصرف وَجهك عَنهُ، وَهُوَ وسيلتك ووسيلة أَبِيك آدم عليه السلام إِلَى الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة، بل استقبله واستشفع بِهِ فيشفعه الله فِيك. رَوَاهُ الْحَافِظ ابْن بشكوال، ثمَّ القَاضِي عِيَاض رحمه الله فِي " الشِّفَاء ". قَالَ ابْن جمَاعَة: وَلَا يلْتَفت إِلَى قَول من زعم أَنه مَوْضُوع، لهواه الَّذِي أَرَادَهُ. قَالَ الْحَافِظ محب الدّين: وعلامة الْوُقُوف تجاه الْوَجْه الْكَرِيم مِسْمَار فضَّة مَضْرُوبَة فِي رخامة حَمْرَاء. قَالَ الْمرْجَانِي فِي " بهجة النُّفُوس ": وَجَمِيع التواريخ الْمُتَقَدّمَة يذكرُونَ الْعَلامَة بالمسمار ويصفونه بِأَنَّهُ صفر وَلَعَلَّه غيّر، وَالَّذِي هُوَ مَوْجُود الْآن عيَانًا ومشاهدة أَنه من فضَّة. وَالله أعلم. وَأما الدّلَالَة بالقنديل فَقَالَ الشَّيْخ جمال الدّين: الْآن هُنَالك عدَّة قناديل جددت بعد احتراق الْمَسْجِد، ثمَّ قَالَ: وموقف النَّاس الْيَوْم للسلام على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَرصَة بَيت أم الْمُؤمنِينَ حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَالَ الْمرْجَانِي: وَذكر لي بعض المتبصرين أَنه أَتَى للسلام على النَّبِي صلى الله عليه وسلم يرى فِي الْحجر الْأسود الَّذِي تَحت الرخامة الْحَمْرَاء الَّذِي فِيهَا المسمار الْفضة، صُورَة شخص لَهُ شعر طَوِيل، مرّة يعرفهُ وَمرَّة يتْركهُ، وَهُوَ ينظر إِلَى من يَأْتِي للسلام على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم