الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْن رِفَاعَة، وَرَافِع بن مَالك بن العجلان، وَقُطْبَة بن عَامر بن حَدِيدَة، وَعقبَة بن عَامر بن نابي، وَجَابِر بن عبد الله بن رِئَاب، فَلَمَّا قدمُوا الْمَدِينَة إِلَى قَومهمْ ذكرُوا لَهُم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمَا جرى لَهُم ودعوهم إِلَى الْإِسْلَام فَفَشَا فيهم حَتَّى لم يبْق دَار من دور الْإِسْلَام إِلَّا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فِيهَا ذكر، فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْمقبل وافى الْمَوْسِم مِنْهُم اثْنَا عشر رجلا فَلَقوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالْعقبَةِ وَهِي الْعقبَة الأولى فَبَايعُوهُ، فَلَمَّا انصرفوا بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَعَهم مُصعب بن عُمَيْر إِلَى الْمَدِينَة وَأمره أَن يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن، وَيُعلمهُم الْإِسْلَام ويفقههم فِي الدّين، وَكَانَ منزله على سعد بن زُرَارَة، ولقيه فِي الْمَوْسِم الآخر سَبْعُونَ رجلا من الْأَنْصَار مِنْهُم امْرَأَتَانِ فَبَايعُوهُ، وَأرْسل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَصْحَابه إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ خرج إِلَى الْغَار بعد ذَلِك ثمَّ توجه هُوَ وَأَبُو بكر رضي الله عنه إِلَى الْمَدِينَة.
ذكر هِجْرَة النَّبِي إِلَى الْمَدِينَة صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة
اعْلَم أَن هِجْرَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَة هِيَ من بعض معرفَة دَلَائِل صِفَات نعوته فِي الْكتب الإلهية، وَقد نطقت الْأَخْبَار بِأَن الْمَدِينَة دَار هِجْرَة نَبِي يخرج فِي آخر الزَّمَان. ذكر صَاحب " الدّرّ المنظم " والشهرستاني فِي كِتَابه " أَعْلَام النُّبُوَّة " فِي قصَّة يلخصها: أَن سيف بن ذِي يزن الْحِمْيَرِي لما ظفر بِالْحَبَشَةِ وَذَلِكَ بعد مولد النَّبِي صلى الله عليه وسلم قصدته وُفُود الْعَرَب بالهنية، وَخرج إِلَيْهِ وَفد قُرَيْش وَفِيهِمْ عبد الْمطلب إِلَى صنعاء وَهُوَ فِي قصره الْمَعْرُوف بغمدان، فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ وَأنْفق مَا أنْفق قَالَ سيف لعبد الْمطلب: إِنِّي وجدت فِي الْكتاب الْمكنون وَالْعلم المخزون الَّذِي اخترناه لأنفسنا دون غَيرنَا خَبرا جسيماً، وخطراً عَظِيما فِيهِ شرف الْحَيَاة وفضيلة الْوَفَاة، وَهُوَ للنَّاس عَامَّة ولرهطك كَافَّة وَلَك خَاصَّة، ثمَّ قَالَ لَهُ: إِذا ولد بتهامة غُلَام بِهِ عَلامَة كَانَت لَهُ الْإِمَامَة، وَلكم بِهِ الزعامة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَلَوْلَا أَن الْمَوْت يجتاحني قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حَتَّى أصير بِيَثْرِب دَار ملكي، فَإِنِّي أجد فِي الْكتاب النَّاطِق وَالْعلم السَّابِق أَن يثرب استحكام ملكه وَأهل نصرته وَمَوْضِع قَبره، وَلَوْلَا أَنِّي أقيه الْآفَات وَأحذر عَلَيْهِ العاهات لأوطأته الْعَرَب، وَلَكِنِّي صَارف إِلَيْك ذَلِك عَن غير يقيني بِمن مَعَك ثمَّ أَمر لكل وَاحِد من قومه بجائزة وَأَجَازَ
عبد الْمطلب بأضعافها، ثمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِخَبَرِهِ وَمَا يكون من أمره على رَأس الْحول، فَمَاتَ سيف قبل أَن يحول عَلَيْهِ الْحول. وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث: أخبرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن صفته فِي التَّوْرَاة: " عَبدِي أَحْمد الْمُخْتَار، مولده بِمَكَّة، وَمُهَاجره بِالْمَدِينَةِ. أَو قَالَ: طيبَة، أمته الْحَمَّادُونَ لله على كل حَال ". وَقيل: معنى قَوْله تَعَالَى: " ووجدك ضَالًّا فهدى ". أَي ضَالًّا عَن الْهِجْرَة فهداك إِلَيْهَا. وَقيل: وَجدك ضَالًّا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة فهداك إِلَى الْمَدِينَة. وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: " التائبون العابدون الحامدون السائحون ". إِن السائحين الْمُهَاجِرين. وَقيل: لم يُهَاجر صلى الله عليه وسلم حَتَّى طلب الْهِجْرَة؛ لقَوْله تَعَالَى: " رَبنَا أخرجنَا من هَذِه الْقرْيَة الظَّالِم أَهلهَا وَاجعَل لنا من لَدُنْك وليا وَاجعَل لنا من لَدُنْك نَصِيرًا ". فالداعي مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم والرقة مَكَّة، وَالْوَلِيّ والنصير الْأَنْصَار. وَعَن عَليّ رضي الله عنه عَنهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيل عليه السلام فَقلت لَهُ: " يَا جِبْرِيل من يُهَاجر معي؟ " قَالَ: أَبُو بكر وَهُوَ يَلِي أمتك من بعْدك وَهُوَ أفضل أمتك ". وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث الْهِجْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ للْمُسلمين: " إِنِّي رَأَيْت دَار هجرتكم ذَات نخل بَين لابتين وهما الحرتان ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: " رَأَيْت فِي الْمَنَام أَنِّي أُهَاجِر من مَكَّة إِلَى أَرض بهَا نخل فَذهب وهلى إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَة أَو هجر، فَإِذا هِيَ الْمَدِينَة يثرب ". فَلَمَّا ذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم هَذَا الْمَنَام لأَصْحَابه هَاجر من هَاجر مِنْهُم قبل الْمَدِينَة، وَرجع عَامَّة من كَانَ هَاجر بِأَرْض الْحَبَشَة إِلَى الْمَدِينَة، وَكَانَ أول من هَاجر إِلَى الْحَبَشَة حَاطِب بن عَمْرو، وَقيل: عبد الله بن عبد الْأسد بن هِلَال. وَأول مَوْلُود ولد فِي الْإِسْلَام بِأَرْض الْحَبَشَة
عبد الله بن جَعْفَر بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه. وتجهز أَبُو بكر رضي الله عنه قبل الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم " على رسلك فَإِنِّي أَرْجُو أَن يُؤذن لي " فَقَالَ أَبُو بكر: وَهل ترجو ذَلِك بِأبي أَنْت وَأمي؟ قَالَ: نعم. فحبس أَبُو بكر نَفسه على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كَانَتَا عِنْده الْخبط أَرْبَعَة أشهر ". قَالَت عَائِشَة رضي الله عنها: بَيْنَمَا نَحن يَوْمًا جُلُوس فِي بَيت أبي بكر فِي نَحْو الظهيرة قَالَ قَائِل لأبي بكر: هَذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم متقنعاً فِي سَاعَة لم يكن يأتينا فِيهَا قَالَ أَبُو بكر: فدَاء لَهُ أبي وَأمي، وَالله مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِه السَّاعَة إِلَّا أَمر قَالَ: فجَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذن فَأذن لَهُ، فَدخل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لبي بكر: " اخْرُج من عنْدك " فَقَالَ أَبُو بكر: إِنَّمَا هم أهلك بِأبي أَنْت. قَالَ: " فَإِنِّي قد أذن لي فِي الْخُرُوج ". فَقَالَ أَبُو بكر: الصُّحْبَة يَا رَسُول الله؟ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم ". قَالَ أَبُو بكر: فَخذ بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله إِحْدَى رَاحِلَتي هَاتين. قَالَ رَسُول الله: " بِالثّمن ". قَالَت عَائِشَة رضي الله عنها فجهزناهما أحث الجهاز، ووضعنا لَهما سفرة فِي جراب والسفرة طَعَام يَتَّخِذهُ الْمُسَافِر وَكَانَ أَكثر مَا يحمل فِي جلد مستدير فَنقل اسْم الطَّعَام إِلَى الْجلد، كالراوية اسْم للبعير ونقلت إِلَى المزادة قَالَه الْخَلِيل قَالَت عَائِشَة: فَقطعت أَسمَاء بنت أبي بكر قِطْعَة من نطاقها فَربطت بِهِ على فَم الجراب، فبذلك سميت ذَات النطاقين. والنطاق: أَن تَأْخُذ الْمَرْأَة الثَّوْب فتشتمل بِهِ ثمَّ تشد وَسطهَا بخيط ثمَّ ترسل الْأَعْلَى على الْأَسْفَل قَالَت: ثمَّ لحق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بكر بِغَار جبل ثَوْر فمكثا فِيهِ ثَلَاثًا، يبيت عِنْدهمَا عبد الله بن أبي بكر، وَهُوَ غُلَام شَاب لقن، فيدلج من عِنْدهمَا بِسحر فَيُصْبِح مَعَ قُرَيْش بِمَكَّة كبائت، فَلَا يسمع أمرا بِهِ يكادان إِلَّا وعاه حَتَّى يأتيهما بخر ذَلِك حِين يخْتَلط
الظلام، ويرعى عَلَيْهِمَا عَامر بن فهَيْرَة مولى أبي بكر منحة من لبن فيريحها عَلَيْهِمَا حَتَّى تذْهب سَاعَة من الْعشَاء، فيبيتان فِي رسل حَتَّى ينعق بهما عَامر بِغَلَس فَفعل ذَلِك فِي كل لَيْلَة من تِلْكَ اللَّيَالِي، واستأجر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بكر رجلا من بني الديل هادياً ماهراً بالهداية وَهُوَ على دين كفار قُرَيْش فأمناه فدفعا إِلَيْهِ راحلتيهما، وواعده غَار ثَوْر بعد ثَلَاث براحلتيهما، وَانْطَلق مَعَهُمَا عَامر بن فهَيْرَة وَالدَّلِيل فَأخذ بهم طَرِيق السواحل، وَكَانَ اسْم دليلهم عبد الله بن أريقط اللَّيْثِيّ، وَلم يعرف لَهُ إِسْلَام بعد ذَلِك، وَكَانَت هجرته صلى الله عليه وسلم يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان خلون من شهر ربيع الأول. وَقيل: كَانَت آخر لَيْلَة من صفر، وعمره إِذْ ذَاك ثَلَاث وَخَمْسُونَ سنة وَتِسْعَة أشهر بعد الْمِعْرَاج بِسنة وشهرين وَيَوْم وَاحِد، فَكَانَ بَين الْبَعْث وَالْهجْرَة اثْنَا عشر سنة وَتِسْعَة أشهر وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَقيل: كَانَت إِقَامَته بِمَكَّة بعد النُّبُوَّة ثَلَاث عشرَة سنة. ومروا على خَيْمَتي أم معبد الْخُزَاعِيَّة فِي قديد، وَكَانَت امْرَأَة بَرزَة جلدَة تَحْتَبِيَ وتجلس بِفنَاء الْخَيْمَة أَو الْقبَّة ثمَّ تَسْقِي وَتطعم، فَسَأَلُوهَا تَمرا وَلَحْمًا لِيَشْتَرُوهُ فَلم يُصِيبُوا عِنْدهَا شَيْئا من ذَلِك وَإِذا الْقَوْم مرملون مسنتون فَقَالَت: لَو كَانَ عندنَا شَيْء مَا أعوزكم الْقرى. فَنظر النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى شَاة فِي كرّ خيمتها فَقَالَ: " مَا هَذِه الشَّاة يَا أم معبد؟ " فَقَالَت: شَاة خلفهَا الْجهد عَن الْغنم فَقَالَ: " هَل بهَا من لبن؟ " فَقَالَت: هِيَ أجهد من ذَلِك. قَالَ صلى الله عليه وسلم: " أفتأذنين لي أَن أَحْلَبَهَا؟ " قَالَت: نعم بِأبي أَنْت وَأمي إِن رَأَيْت بهَا حَلبًا فاحلبها. فَدَعَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالشَّاة فَمسح ضرْعهَا، وَذكر اسْم الله
تَعَالَى، وَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارك لَهَا فِي شَاتِهَا " فتفاجت وَدرت واجترت، فَدَعَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِإِنَاء يربض الرَّهْط فَحلبَ فِيهَا ثَجًّا، حَتَّى علاهُ الْبَهَاء. ويروي الثمال، فَسَقَاهَا فَشَرِبت حَتَّى رويت، وَسَقَى أَصْحَابه حَتَّى رووا وَشرب آخِرهم وَقَالَ: " ساقي الْقَوْم آخِرهم شرباً ". فَشَرِبُوا جَمِيعًا عللاً بعد نهل حَتَّى أراضوا، ثمَّ حلب فِيهِ ثَانِيًا عوداً على بَدْء ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدهَا ثمَّ ارتحلوا عَنْهَا بعد أَن بَايَعَهَا، فقلما لَبِثت أَن جَاءَ زَوجهَا أَبُو معبد أَكْثَم بن أبي الجون يَسُوق أغنماً عِجَافًا تشاركن هزلي ويروي عَازِب جبال وَلَا حَلُوب فِي الْبَيْت، قَالَت: لَا وَالله إِلَّا أَنه مر بِنَا رجل مبارك كَانَ من حَدِيثه كَيْت وَكَيْت. قَالَ: صَفيه لي يَا أم معبد. قَالَت: رَأَيْت رجلا ظَاهر الْوَضَاءَة، أَبْلَج الْوَجْه أَو مبتلج الْوَجْه، لم تَعبه ثجلة، وَلم تزر لَهُ صقلة أَو صعلة، ويروى لم تَعبه نحلة، وسيماً قسيماً، فِي عَيْنَيْهِ دعجٌ، وَفِي أَشْفَاره وَطف أَو عطف أَو غطف، وَفِي صورته صَحِلَ، وَفِي عُنُقه سَطَعَ، وَفِي لحيته كَثَافَة، أَزجّ،
أقرن، إِذا صمت فَعَلَيهِ الْوَقار، وَإِن تكلم سما وعلاه الْبَهَاء، أجمل النَّاس وابهاه من بعيد، وَأحسنه وأجمله من قريب، حُلْو الْمنطق أَو المنظر، فصل، لَا نزر وَلَا هذر، كَأَن مَنْطِقه خَرَزَات نظم يتحدرن، ربعَة، لَا يبأس من طول، وَلَا تَقْتَحِمُهُ عين من قصر، غُصْن بَين غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَة منْظرًا، وَأَحْسَنهمْ قدرا، لَهُ رُفَقَاء يحفونَ بِهِ، إِن قَالَ أَنْصتُوا لقَوْله، وَإِن أَمر تبَادرُوا إِلَى أمره، مَحْفُودٌ محشود، لَا عَابس، وَلَا مُفند. قَالَ أَبُو معبد: هَذَا وَالله صَاحب قُرَيْش الَّذِي ذكر لنا من أمره مَا ذكر بِمَكَّة، لقد هَمَمْت أَن أَصْحَبهُ وَلَأَفْعَلَن إِن وجدت إِلَى ذَلِك سَبِيلا. وَأصْبح صَوت بِمَكَّة عَالِيا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض يسمعونه وَلَا يرَوْنَ قَائِله: جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ
…
رَفِيقَيْنِ حلاّ خَيْمَتي أم معبد. . الأبيات قَالَ: فَأصْبح النَّاس قد فقدوا نَبِيّهم صلى الله عليه وسلم فَأخذُوا على خَيْمَتي أم معبد حَتَّى لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ ابْن إِسْحَاق: بَلغنِي أَنه لما خرج قَالَ أهل السّير: وَلَقي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الزبير فِي ركب من الْمُسلمين، كَانُوا تجارًا قافلين من الشَّام، فكسا الزبير رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَبا بكر ثِيَاب بَيَاض، وَسمع الْمُسلمُونَ بِالْمَدِينَةِ بمخرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مَكَّة فَكَانُوا يَغْدُونَ كل غَدَاة إِلَى ثنية الْوَدَاع ينتظرون قدوم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فحين قدم قَالَ قَائِلهمْ: طلع الْبَدْر علينا
…
من ثنيات الْوَدَاع وَجب الشُّكْر علينا
…
مَا دَعَا لله دَاع أَنْت مُرْسل حَقًا
…
جِئْت من أَمر مُطَاع جئتنا تمشي رويدا
…
نحونا يَا خير دَاع
وأضيفت الثَّنية إِلَى الْوَدَاع؛ لِأَنَّهَا مَوضِع التوديع، وَهُوَ اسْم قديم جاهلي، وَهَذِه الثَّنية خَارج الْمَدِينَة وَأَقْبل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ مردفاً لأبي بكر وَأَبُو بكر شيخ يعرف وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم شَاب لَا يعرف، فَيلقى الرجل أَبَا بكر فَيَقُول: يَا أَبَا بكر من هَذَا الرجل الَّذِي بَين يَديك؟ فَيَقُول: هَذَا الرجل الَّذِي يهديني السَّبِيل. فيحسب الحاسب أَنه يَعْنِي الطَّرِيق وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيل الْخَيْر، وَقدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة حِين اشْتَدَّ الضُّحَى من يَوْم الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول وَهُوَ الْأَصَح، وتلقى الْمُسلمُونَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِظهْر الْحرَّة، فَعدل بهم ذَات الْيَمين حَتَّى نزل بهم فِي بني عمر بن عَوْف، فَقَامَ أَبُو بكر للنَّاس وَجلسَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صامتاً، وطفق من جَاءَ من الْأَنْصَار مِمَّن لم ير رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يحيي أَبَا بكر حَتَّى أَصَابَت الشَّمْس رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأقبل أَبُو بكر حَتَّى ظلل عَلَيْهِ بردائه، فَعرف النَّاس رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عِنْد ذَلِك، وَنزل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على كُلْثُوم بن الْهدم، وَفِي هَذِه الْحرَّة قِطْعَة تسمى أَحْجَار الزَّيْت سميت بِهِ لسواد أحجارها؛ كَأَنَّهَا طليت بالزيت، وَهُوَ مَوضِع كَانَ يسْتَقرّ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَبَعْضهمْ يَقُول: أَحْجَار الْبَيْت وَذَلِكَ خطأ. قَالَ الْبَراء بن عَازِب: أول من قدم علينا الْمَدِينَة مُصعب بن عُمَيْر وَابْن أم مَكْتُوم وَكَانَا يقرئان النَّاس، ثمَّ قدم عمار بن يَاسر وبلال ثمَّ عمر بن الْخطاب فِي عشْرين من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْت أهل الْمَدِينَة فرحوا بِشَيْء فَرَحهمْ برَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى جعل الْإِمَاء يقلن: قدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَت عَائِشَة: لما قدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة وعك أَبُو بكر وبلال قَالَت: فَدخلت عَلَيْهِمَا فَقلت: يَا ابت كَيفَ تجدك؟ وَيَا بِلَال كَيفَ تجدك؟ قَالَت: فَكَانَ أَبُو بكر إِذا أَخَذته الْحمى يَقُول:
كل امْرِئ مصبح فِي أَهله
…
وَالْمَوْت أدنى من شِرَاك نَعله وَذكر أَبُو عبد الله المرزباني: أَن هَذَا الْبَيْت لحكيم بن الْحَارِث بن نهيك النَّهْشَلِي وَكَانَ جاهلياً، قيل: يَوْم الوقيظ وَهُوَ يَوْم كَانَ لبني قيس بن ثَعْلَبَة على بني تَمِيم وَكَانَ حَكِيم ينشده فِي ذَلِك الْيَوْم وَهُوَ يُقَاتل وَكَانَ بِلَال إِذا أقلع عَنهُ الْحمى يرفع عقيرته فَيَقُول: أَلا لَيْت شعري هَل أبيتن لَيْلَة
…
بواد وحولي إذخر وجليل وَهل أردن يَوْمًا مياه مجنة
…
وَهل يبدون لي شامة وطفيل قَالَت عَائِشَة: فَجئْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ: " اللَّهُمَّ حبب إِلَيْنَا الْمَدِينَة كحبنا مَكَّة أَو أَشد، وصححها، وَبَارك لنا فِي صاعها ومدها، وانقل حماها وَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ ". قَالَ أهل السّير: وَأقَام عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه بِمَكَّة ثَلَاث لَيَال وأيامها حَتَّى أدّى عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الودائع الَّتِي كَانَت عِنْده للنَّاس حَتَّى إِذا فرغ مِنْهَا لحق برَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَنزل مَعَه على كُلْثُوم بن الْهدم، وَلم يبْق بِمَكَّة إِلَّا من حَبسه أَهله أَو فتنوه. وَعَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه فِي قَوْله عز وجل:" وَقل رب أدخلني مدْخل صدق وأخرجني مخرج صدق وَاجعَل لي من لَدُنْك سُلْطَانا نَصِيرًا ". قَالَ: جعل الله مدْخل صدق الْمَدِينَة، ومخرج صدق مَكَّة، وسلطاناً نَصِيرًا الْأَنْصَار. وَقيل: أدخلني يَعْنِي غَار ثَوْر مدْخل صدق، وأخرجني يَعْنِي مِنْهُ إِلَى الْمَدِينَة مخرج صدق وَقيل: غير ذَلِك. وَالله أعلم.
صفحة فارغة