الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَوَّال سنة خمس من الْهِجْرَة، يرْوى أَنهم لما وقفُوا على الخَنْدَق قَالُوا: إِن هَذِه لمكيدة مَا كَانَت الْعَرَب تكيدها، وَيُقَال: إِن سلمَان الْفَارِسِي أَشَارَ بِهِ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ الْحَافِظ محب الدّين: وَالْخَنْدَق الْيَوْم بَاقٍ وَفِيه قناة تَأتي من عين بقباء إِلَى النّخل الَّذِي بِأَسْفَل الْمَدِينَة الْمَعْرُوف بالسيح حول مَسْجِد الْفَتْح، وَقد انطم أَثَره وتهدمت حيطانه. قَالَ الشَّيْخ جمال الدّين المطري: وَأما الْيَوْم فقد عَفا أثر الخَنْدَق وَلم يبْق مِنْهُ شَيْء يعرف إِلَّا ناحيته؛ لِأَن وَادي بطحان استولى على مَوضِع الخَنْدَق فَصَارَ مسيله فِي مَوضِع الخَنْدَق. وَقَالَ عفيف الدّين الْمرْجَانِي: وَفِي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة أَرَانِي وَالِدي رحمه الله بَاقِي جِدَار مِنْهُ.
ذكر قتل بني قُرَيْظَة بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة
قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَلما انْصَرف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الخَنْدَق رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة والمسلمون وَوَضَعُوا السِّلَاح، فَأتى جِبْرِيل عليه السلام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم معتجراً بعمامة من إستبرق على بغلة عَلَيْهَا قطيفة من ديباج فَقَالَ: لقد وضعت السِّلَاح يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ: نعم. قَالَ: مَا وضعت الْمَلَائِكَة بعد السِّلَاح، وَمَا رجعت الْآن إِلَّا من طلب الْقَوْم، إِن الله يَأْمُرك بالسير إِلَى بني قُرَيْظَة فَإِنِّي عَامِد إِلَيْهِم فَمُزَلْزِل بهم. فأذّن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي النَّاس:" من كَانَ سَامِعًا مُطيعًا فَلَا يصلين الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة ". فَنزل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَحَاصَرَهُمْ خمْسا وَعشْرين لَيْلَة، وَقذف الله تَعَالَى فِي قُلُوبهم الرعب حَتَّى نزلُوا على حكم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فتواثبت الْأَوْس وَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّهُم موالينا دون الْخَزْرَج فهم لنا، فَقَالَ:" أَلا ترْضونَ يَا معشر الْأَوْس أَن نحكم فيهم رجلا مِنْكُم ". قَالُوا: بلَى، قَالَ:" فَذَلِك إِلَى سعد بن معَاذ ". وَكَانَ سعد فِي خيمته يداوي جرحه، وَكَانَ حَارِثَة بن كلدة هُوَ الَّذِي يداويه وَكَانَ طَبِيب الْعَرَب وَهُوَ مولى أبي بكرَة مسروح، فَأَتَت الْأَوْس سعد بن معَاذ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ:" احكم فِي بني قُرَيْظَة " فَقَالَ: إِنِّي أحكم فيهم أَن تقتل الرجل وتقسم الْأَمْوَال وتسبى
الذرارى. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد حكمت فيهم بِحكم الله من فَوق سَبْعَة أَرقعَة " أَي من فَوق سبع سماوات، وَكَانَ الَّذين نزلُوا على حكمه صلى الله عليه وسلم أَرْبَعمِائَة، واستنزلوا بني قُرَيْظَة من حصونهم فحبسوا بِالْمَدِينَةِ فِي دَار امْرَأَة من بني النجار، ثمَّ خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى سوق الْمَدِينَة فَخَنْدَق فِيهَا خنادق ثمَّ بعث إِلَيْهِم فجيء بهم فَضرب أَعْنَاقهم فِي تِلْكَ الْخَنَادِق، وَكَانُوا سَبْعمِائة وَفِيهِمْ حييّ بن أَخطب الَّذين حرضهم على نقض الْعَهْد، فَقتل مِنْهُم صلى الله عليه وسلم كل من أنبت، واستحيى من لم ينْبت، وَقتل مِنْهُم امْرَأَة كَانَت طرحت رحى على خَلاد بن سُوَيْد من الْحصن فَقتلته يَوْم قتال بني قُرَيْظَة فَقَتلهَا بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَأخْبر صلى الله عليه وسلم أَن لخلاد أجر شهيدين، ثمَّ قسم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمْوَالهم ونساءهم وأبناءهم على الْمُسلمين، وَأنزل الله تَعَالَى فِي بني قُرَيْظَة وَالْخَنْدَق من قَوْله تَعَالَى:" يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم " إِلَى قَوْله: " وأورثكم أَرضهم وديارهم وَأَمْوَالهمْ وأرضاً لم تطؤها " قيل: هِيَ نِسَاؤُهُم. ثمَّ انفتق على سعد بن معَاذ جرحه فَمَاتَ مِنْهُ شَهِيدا، وَذَلِكَ بعد أَن أَصَابَهُ السهْم بِشَهْر فِي شَوَّال سنة خمس، وَكَانَ رجلا طوَالًا ضخماً، وَلم تزل بقايا الْيَهُود بِالْمَدِينَةِ إِلَى خلَافَة عمر رضي الله عنه، وَرُوِيَ عَن ابْن شهَاب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لَا يجْتَمع دينان فِي جَزِيرَة الْعَرَب " قَالَ ابْن شهَاب: ففحص عَن ذَلِك عمر بن الْخطاب رضي الله عنه حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَا يجْتَمع دينان فِي جَزِيرَة الْعَرَب ". فَأجلى يهود خَيْبَر وَأجلى يهود نَجْرَان وفدك. انْتهى.