الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَجعله الله تَعَالَى من الشعائر، وَهَذَا مَرْوِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس رضي الله عنهم. الثَّالِث: إِنَّه وقف عَلَيْهِ فَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ. قَالَ الْأَزْرَقِيّ: لما فرغ من التأذين أَمر بالْمقَام فَجعله قبْلَة، فَكَانَ يُصَلِّي إِلَيْهِ مُسْتَقْبل الْبَاب ثمَّ كَانَ إِسْمَاعِيل بعد يُصَلِّي إِلَيْهِ إِلَى بَاب الْكَعْبَة. وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْت الْمقَام فِيهِ أَصَابِعه وأخمص قَدَمَيْهِ والعقب غير أَنه أذهبه مسح النَّاس بِأَيْدِيهِم. وَعَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: " وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى ". قَالَ: إِنَّمَا أمروا أَن يصلوا عِنْده وَلم يؤمروا بمسحه، وَلَقَد تكلفت هَذِه الْأمة شَيْئا مَا تكلفته الْأُمَم قبلهَا، وَلَقَد ذكر لنا بعض من رأى أَثَره وأصابعه فَمَا زَالَت هَذِه الْأمة تمسحه حَتَّى اخلولق وانماح. وَعَن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الديلِي قَالَ: رَأَيْت الْمقَام فِي عهد عبد الْمطلب مثل المهاة، والمهاة: خرزة بَيْضَاء.
فصل: مَا جَاءَ فِي مَوضِع الْمقَام وَكَيف رده عمر إِلَى مَوْضِعه هَذَا
اخْتلفُوا هَل كَانَ فِي عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُلْصقًا بِالْبَيْتِ، أَو فِي مَوْضِعه الْآن؟ وَالصَّحِيح أَنه كَانَ فِي عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُلْصقًا بِالْبَيْتِ. روى الْأَزْرَقِيّ عَن الْمطلب بن أبي ودَاعَة السَّهْمِي قَالَ: كَانَت السُّيُول تدخل الْمَسْجِد الْحَرَام من بَاب بني شيبَة قبل أَن يردم عمر بن الْخطاب الرَّدْم الْأَعْلَى، وَكَانَ يُقَال لهَذَا الْبَاب: بَاب السَّيْل، وَكَانَت السُّيُول رُبمَا رفعت الْمقَام عَن مَوْضِعه وَإِلَى وَجه الْكَعْبَة. حَتَّى جَاءَ سيل فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب يُقَال لَهُ: سيل أم نهشل، وَسمي بذلك؛ لِأَنَّهُ ذهب بِأم نهشل ابْنة عُبَيْدَة ابْن أبي حجيجة فَمَاتَتْ فِيهِ، فَاحْتمل الْمقَام من مَوْضِعه هَذَا فَذهب بِهِ حَتَّى وجد بِأَسْفَل مَكَّة، فَأتى بِهِ فَربط فِي أَسْتَار الْكَعْبَة فِي وَجههَا، وَكتب فِي ذَلِك إِلَى عمر رضي الله عنه فَأقبل عمر فَزعًا، فَدخل بِعُمْرَة فِي شهر رَمَضَان وَقد عُفيَ مَوْضِعه وعفاه السَّيْل، فَدَعَا عمر بِالنَّاسِ فَقَالَ: أنْشد الله عبدا عِنْده علم فِي هَذَا الْمقَام أَيْن مَوْضِعه؟ فَقَالَ الْمطلب بن أبي ودَاعَة: عِنْدِي ذَلِك فقد كنت أخْشَى عَلَيْهِ
هَذَا، فَأخذت قدره فِي مَوْضِعه إِلَى الرُّكْن، وَمن مَوْضِعه إِلَى بَاب الْحجر وَمن مَوْضِعه إِلَى زَمْزَم بميقاط وَهُوَ عِنْدِي فِي الْبَيْت. فَقَالَ لَهُ عمر: فاجلس عِنْدِي وَأرْسل إِلَيْهَا. فَأتى بهَا فَمدَّهَا فَوَجَدَهَا مستوية إِلَى مَوْضِعه هَذَا، فَسَأَلَ النَّاس وشاورهم فَقَالُوا: نعم هَذَا مَوْضِعه. فَلَمَّا استثبت ذَلِك عمر وَحقّ عِنْده أَمر بِهِ فَاعْلَم بِبِنَاء ربضه تَحت الْمقَام ثمَّ حوله فَهُوَ فِي مَكَانَهُ هَذَا إِلَى الْيَوْم. وروى الْأَزْرَقِيّ أَيْضا عَن ابْن أبي مليكَة أَنه قَالَ: مَوضِع الْمقَام هُوَ الَّذِي بِهِ الْيَوْم، وَهُوَ مَوْضِعه فِي الْجَاهِلِيَّة وَفِي عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأبي بكر وَعمر رضي الله عنهما إِلَّا أَن السَّيْل ذهب بِهِ فِي خلَافَة عمر فَجعل فِي وَجه الْكَعْبَة حَتَّى قدم عمر رضي الله عنه فَرده بِمحضر من النَّاس. وَنقل الْأَزْرَقِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير أَن الْمقَام كَانَ عِنْد صقع الْبَيْت فَأَما مَوْضِعه الَّذِي هُوَ مَوْضِعه فموضعه الْآن، وَأما مَا يَقُول النَّاس: إِنَّه كَانَ هُنَالك مَوْضِعه فَلَا. انْتهى كَلَام الْأَزْرَقِيّ. وَقَالَ مَالك فِي الْمُدَوَّنَة: كَانَ الْمقَام فِي عهد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ فِي مَكَانَهُ الْيَوْم، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة ألصقوه بِالْبَيْتِ خيفة السَّيْل وَكَانَ ذَلِك فِي عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر، فَلَمَّا ولي عمر رضي الله عنه رده بعد أَن قَاس مَوْضِعه بخيوط قديمَة قيس بهَا حِين أَخْبرُوهُ. وَحكى سَنَد عَن أَشهب عَن مَالك: أَن الَّذِي حمل عمر على ذَلِك وَالله أعلم مَا كلن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يذكرهُ من كَرَاهِيَة تَغْيِير مراسيم إِبْرَاهِيم عليه السلام وَمِنْه قَوْله صلى الله عليه وسلم لعَائِشَة: " لَوْلَا حدثان قَوْمك بِكفْر لنقضت الْكَعْبَة ". فَرَأى عمر أَن ذَلِك لَيْسَ فِيهِ تَغْيِير لمَكَان مَا رَآهُ من مراسيم إِبْرَاهِيم عليه السلام انْتهى. وَفِي هَذَا مناقضة ظَاهِرَة لما ذكره الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن أبي مليكَة، وَأما مَا ذكره الْمطلب