الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر حكم زِيَارَة النَّبِي وفضلها صلى الله عليه وسلم وفضلها
: إِذا انْصَرف الْحجَّاج والمعتمرون عَن مَكَّة المشرفة يسْتَحبّ لَهُم اسْتِحْبَابا مؤكداً أَن يتوجهوا إِلَى مَدِينَة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؛ للفوز بزيارته، فَإِنَّهَا من أعظم القربات وأرجى الطَّاعَات وَالْحج المتاعي، وَفِي " شرح الْمُخْتَار ": لما جرى الرَّسْم أَن الْحَاج إِذا فرغوا من مناسكهم وقفلوا عَن الْمَسْجِد الْحَرَام قصدُوا الْمَدِينَة زائرين قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم، إِذْ هِيَ من أفضل المندوبات والمستحبات، بل تقرب من دَرَجَة الْوَاجِب، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم حرض عَلَيْهَا وَبَالغ فِي النّدب إِلَيْهَا، أَحْبَبْت أَن أذكر فِيهَا فصلا أذكر فِيهِ نبذاً من الْآدَاب وَذكرهَا. وَفِي مَنَاسِك الْفَارِسِي: أَنَّهَا قريبَة إِلَى الْوَاجِب فِي حق من كَانَ لَهُ سَعَة. وَمِمَّنْ صرح باستحبابها وَكَونهَا سنة من الشَّافِعِيَّة فِي أَوَاخِر بَاب أَعمال الْحَج الْغَزالِيّ فِي " الْإِحْيَاء " وَالْبَغوِيّ فِي " التَّهْذِيب " وَالشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام فِي " مَنَاسِكه "، وَأَبُو عَمْرو بن الصّلاح وَأَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ رَحِمهم اله تَعَالَى، وَمن الْحَنَابِلَة الشَّيْخ موفق الدّين وَالْإِمَام أَبُو الْفرج الْبَغْدَادِيّ وَغَيرهم، وَأما الْمَالِكِيَّة فقد حكى القَاضِي عِيَاض مِنْهُم الْإِجْمَاع على ذَلِك، وَفِي " تَهْذِيب الطالبين " لعبد الْحق عَن الشَّيْخ ابْن عمرَان الْمَالِكِي: أَن زِيَارَة قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاجِبَة، قَالَ عبد الْحق: يَعْنِي من السّنَن الْوَاجِبَة، وَفِي كَلَام الْعَبْدي الْمَالِكِي فِي " شرح الرسَالَة ": أَن الْمَشْي إِلَى الْمَدِينَة لزيارة قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أفضل من الْكَعْبَة وَمن بَيت الْمُقَدّس. وَأكْثر عِبَارَات الْفُقَهَاء أَصْحَاب الْمذَاهب تَقْتَضِي اسْتِحْبَاب السّفر للزيارة؛ لأَنهم استحبوا للْحَاج بعد الْفَرَاغ من الْحَج الزِّيَارَة وَمن ضرورتها السّفر وَأما نفس الزِّيَارَة فالأدلة عَلَيْهَا كَثِيرَة وَمِنْهَا: قَوْله تَعَالَى: " وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لَهُم الرَّسُول ". . الْآيَة وَلَا شكّ أَنه صلى الله عليه وسلم حَيّ وَأَن أَعمال أمته معروضة عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عمر الْمَذْكُور فِي بَاب الْفَضَائِل يرفعهُ: " من زار قَبْرِي وَجَبت لَهُ شَفَاعَتِي ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن خُزَيْمَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي " الشّعب ". وَفِي لفظ: " من جَاءَنِي زَائِرًا لم تنزعه حَاجَة إِلَّا زيارتي كَانَ
حَقًا عليّ أَن أكون لَهُ شَفِيعًا يَوْم الْقِيَامَة ". كَذَا فِي الخلعيات، وَعند أبي يعلى الْموصِلِي بِلَفْظ: " من زارني بعد وفاتي عِنْد قَبْرِي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي ". وَفِي لفظ الدَّارَقُطْنِيّ: " كَانَ كمن زارني فِي حَياتِي وصحبني ". وَفِي لفظ: " من زارني محتسباً إِلَى الْمَدِينَة كَانَ فِي جواري يَوْم الْقِيَامَة ". ذكره الْبَيْهَقِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ وَغَيرهمَا. وَعَن ابْن عدي عَن ابْن عمر يرفعهُ: " من حج الْبَيْت وَلم يزرني فقد جفاني ". وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات وَهُوَ غير جيد، لِأَن ابْن عدي لما رَوَاهُ بَين سَنَده وَحكم بِأَنَّهُ جيد، وَالدَّارَقُطْنِيّ لما رَوَاهُ فِي " غَرِيب مَالك " قَالَ: تفرد بِهِ هَذَا الشَّيْخ يَعْنِي النُّعْمَان بن سبل وَهُوَ مُنكر، وَلَا يلْزم من هَذَا أَن يكون الْمَتْن مُنْكرا، وَفِي الْبَيْهَقِيّ فِي " السّنَن الْكَبِير " وَفِي الثَّانِي من فَوَائِد الْحَافِظ أبي الْفَتْح الْأَزْدِيّ عَن ابْن مَسْعُود يرفعهُ: " من حج حجَّة الْإِسْلَام وزار قَبْرِي وغزا غَزْوَة وَصلى عليّ من بَيت الْمُقَدّس لم يسْأَله الله تَعَالَى فِيمَا افْترض عَلَيْهِ ". وَفِي " الدرة الثمينة " لِابْنِ النجار عَن أنس يرفعهُ: " مَا من أحد من أمتِي لَهُ مَنْعَة لم يزرني فَلَيْسَ لَهُ عذر ". وَقد تقدم فِي بَاب الْفَضَائِل الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي فضل زِيَارَة الْقَبْر الْمُقَدّس قَوْله فِي الحَدِيث: " وَجَبت لَهُ شَفَاعَتِي " مَعْنَاهُ حققت وَثبتت ولزمت وَإنَّهُ لَا بُد مِنْهَا بوعده صلى الله عليه وسلم تفضلاً مِنْهُ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وَقَوله: " وَجَبت لَهُ " إِمَّا أَن يكون المُرَاد لَهُ بخصوصية بِمَعْنى أَن الزائرين يخصون بشفاعة لَا تحصل لغَيرهم عُمُوما وَلَا خُصُوصا، وَإِمَّا أَن يكون المُرَاد أَنهم يفردون بشفاعة مِمَّا يحصل لغَيرهم وَيكون إفرادهم بذلك تَشْرِيفًا وتنويهاً بِسَبَب الزِّيَارَة، وَإِمَّا أَن يكون المُرَاد أَنه ببركة الزِّيَارَة يجب دُخُوله فِي عُمُوم من تناله الشَّفَاعَة، وَفَائِدَة ذَلِك الْبُشْرَى بِأَنَّهُ يَمُوت مُسلما وعَلى هَذَا التَّقْدِير الثَّالِث يجب إِجْرَاء اللَّفْظ على عُمُومه؛ لأننا لَو أضمرنا فِيهِ شرطا لَو مَاتَ على الْإِسْلَام لم يكن لذكر الزِّيَارَة معنى؛
لِأَن الْإِسْلَام وَجه كَاف فِي نيل هَذِه الشَّفَاعَة وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ الْأَوَّلين يَصح هَذَا الْإِضْمَار، فَالْحَاصِل أَن أثر الزِّيَارَة إِمَّا الْوَفَاة على الْإِسْلَام مُطلقًا لكل زَائِره وَكفى بهَا نعْمَة، وَإِمَّا شَفَاعَة خَاصَّة بالزائر أخص من الشَّفَاعَة الْعَامَّة. وَقَوله: شَفَاعَتِي فِي الْإِضَافَة إِلَيْهِ تشريف لَهَا فَإِن الْمَلَائِكَة والأنبياء وَالْمُؤمنِينَ يشفعون والزائر لقبره صلى الله عليه وسلم لَهُ نِسْبَة خَاصَّة مِنْهُ يشفع فِيهِ هُوَ بِنَفسِهِ والشفاعة تعظم بِعظم الشافع فَكَمَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أفضل من غَيره كَذَلِك شَفَاعَته أفضل من شَفَاعَة غَيره. انْتهى كَلَام السُّبْكِيّ. وَمِنْهَا: أَن نَبينَا صلى الله عليه وسلم أَحْيَاهُ الله بعد مَوته حَيَاة تَامَّة واستمرت تِلْكَ الْحَيَاة إِلَى الْآن، وَهِي مستمرة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى، ويشاركه فِي ذَلِك جَمِيع الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالدَّلِيل على ذَلِك أُمُور أَحدهَا: قَوْله تَعَالَى: " وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ ". وَالشَّهَادَة حَاصِلَة لَهُ صلى الله عليه وسلم على أتم الْوُجُوه؛ لِأَنَّهُ شَهِيد الشُّهَدَاء، قَالَ الله تَعَالَى:" وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا ". وَإِن توهم أَن ذَلِك من خَصَائِص الْقَتْل، فقد حصل لَهُ ذَلِك أَيْضا من أَكلَة خَيْبَر، صرح ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَغَيرهمَا بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَاتَ شَهِيدا. ثَانِيهَا: حَدِيث أنس يرفعهُ: " الْأَنْبِيَاء أَحيَاء فِي قُبُورهم يصلونَ ". وَفِي لفظ عِنْد الْبَيْهَقِيّ: " الْأَنْبِيَاء لَا يتركون فِي قُبُورهم بعد أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَلَكنهُمْ يصلونَ بَين يَدي الله عز وجل حَتَّى ينْفخ فِي الصُّور ". ثَالِثهَا: حَدِيث أنس عِنْد مُسلم: " أتيت على مُوسَى لَيْلَة أسرِي بِي وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي قَبره ". رَابِعهَا: حَدِيث الْإِسْرَاء ورؤيته الْأَنْبِيَاء وَذكره لكل أحد أَنه على صُورَة كَذَا وبهيئة كَذَا ومستند إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور، وأمثال ذَلِك دَلَائِل قَاطِعَة على أَنهم أَحيَاء بأجسادهم. خَامِسهَا: حَدِيث أَوْس بن أَوْس " إِن الله حرم على الأَرْض أَن تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء ". وَفِيه دَلِيل وَاضح وَقد ذهب إِلَى مَا ذكرنَا دَلِيله وأوضحنا حجَّته جماعته من أهل الْعلم وصرحوا بِهِ، مِنْهُم الإِمَام الْبَيْهَقِيّ والأستاذ أَبُو
الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبُو حَاتِم بن حبَان وَأَبُو طَاهِر الْحُسَيْن بن عَليّ الأردستاني، وَصرح بِهِ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح ومحيي الدّين النَّوَوِيّ والحافظ محب الدّين الطَّبَرِيّ وَغَيرهم. وَأما حَدِيث:" لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد ". فَلَا دلَالَة فِيهِ على النَّهْي عَن الزِّيَارَة، بل هُوَ حجَّة فِي ذَلِك، وَمن جعله دَلِيلا على حُرْمَة الزِّيَارَة فقد أعظم الجرأة على الله وعَلى رَسُوله، وَفِيه برهَان قَاطع على غباوة قَائِله، وقصوره عَن ذوق صافي الْعلم، وقصوره عَن نيل دَرَجَة كَيْفيَّة الاستنباط وَالِاسْتِدْلَال، والْحَدِيث فِيهِ دَلِيل على اسْتِحْبَاب الزِّيَارَة من وَجْهَيْن؛ الأول: أَن مَوضِع قَبره الشريف أفضل بقاع الأَرْض، وَهُوَ صلى الله عليه وسلم أفضل الْخلق وَأكْرمهمْ على الله تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لم يقسم بحياة أحد غَيره، وَأخذ الْمِيثَاق من الْأَنْبِيَاء بِالْإِيمَان بِهِ وبنصره، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:" وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه. . " الْآيَة. وشرفه بفضله على سَائِر الْمُرْسلين وَكَرمه؛ بِأَن ختم بِهِ النَّبِيين وَرفع دَرَجَته فِي عليين، فَإِذا تقرر أَنه أفضل المخلوقين وَأَن تربته أفضل بقاع الأَرْض، اسْتحبَّ شدّ الرّحال إِلَيْهِ وَإِلَى تربته بطرِيق الأولى. الْوَجْه الثَّانِي: أَنه اسْتحبَّ شدّ الرّحال إِلَى مَسْجِد الْمَدِينَة، وَلَا يتَصَوَّر من الْمُؤمنِينَ المخلصين انفكاك قَصده عَنهُ صلى الله عليه وسلم، وَكَيف يتَصَوَّر أَن الْمُؤمن الْمُعظم قدر النَّبِي صلى الله عليه وسلم يدْخل مَسْجده ويشاهد حجرته ويتحقق أَنه يسمع كَلَامه ثمَّ بعد ذَلِك يَسعهُ أَن لَا يقْصد الْحُجْرَة والقبر، وَيسلم على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، هَذَا مِمَّا لَا خَفَاء فِيهِ على أحد، وَكَذَلِكَ لَو قصد زِيَارَة قَبره لم يَنْفَكّ قَصده عَن قَصده الْمَسْجِد، وَمن الدَّلِيل على الزِّيَارَة الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة الصَّحِيحَة فِي فضل زِيَارَة الإخوان فِي الله، فزيارة النَّبِي صلى الله عليه وسلم أولى وَأولى. وَمِنْهَا: أَن حرمته صلى الله عليه وسلم وَاجِبَة حَيا وَمَيتًا، وَلَا شكّ أَن الْهِجْرَة إِلَيْهِ كَانَت فِي حَيَاته من أهم الْأَشْيَاء فَكَذَا بعد مَوته. وَمِنْهَا: الْأَحَادِيث الدَّالَّة على اسْتِحْبَاب زِيَارَة الْقُبُور، وَهَذَا فِي حق الرِّجَال مجمع عَلَيْهِ، وَفِي حق النِّسَاء فِيهِ خلاف، هَذَا فِي غير قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم؛ وَأما زِيَارَة قَبره صلى الله عليه وسلم فالإجماع على استحبابها للرِّجَال وَالنِّسَاء. وَمِنْهَا: أَن الْإِجْمَاع على جَوَاز شدّ الرّحال للتِّجَارَة وَتَحْصِيل الْمصَالح الدُّنْيَوِيَّة فَهَذَا أولى؛ لِأَنَّهُ من أعظم الْمصَالح الأخروية. وَمِنْهَا: إِجْمَاع النَّاس العملي على زيارته صلى الله عليه وسلم وَشد الرّحال إِلَيْهِ بعد الْحَج، من بعد وَفَاته إِلَى زَمَاننَا هَذَا. وَمِنْهَا: الْإِجْمَاع القولي. قَالَ
القَاضِي عِيَاض: زِيَارَة قَبره صلى الله عليه وسلم سنة من الْمُسلمين مجمع عَلَيْهَا. وَأما الْآثَار فكثيرة جدا، عَن يزِيد الْمهْدي قَالَ: لما ودعت عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: إِنِّي لي إِلَيْك حَاجَة. قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَيفَ ترى حَاجَتك عِنْدِي؟ قَالَ: إِنِّي أَرَاك إِذا أتيت الْمَدِينَة سترى قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السَّلَام. وَعَن حَاتِم بن وردان قَالَ: كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يُوَجه الْبَرِيد قَاصِدا من الشَّام إِلَى الْمَدِينَة، ليقرئ عَنهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم السَّلَام. وَفِي بَاب الْحَج من فَتَاوَى الْفَقِيه أبي اللَّيْث قَالَ أَبُو الْقَاسِم: لما أردْت الْخُرُوج إِلَى مَكَّة قَالَ الْقَاسِم بن غَسَّان: إِن لي إِلَيْك حَاجَة إِذا أتيت قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السَّلَام. فَلَمَّا وضعت رجْلي فِي مَسْجِد الْمَدِينَة ذكرت لَك. قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: فِيهِ دَلِيل أَن من لم يقدر على الْخُرُوج فَأمر غَيره ليسلم عَنهُ فَإِنَّهُ ينَال فضل السَّلَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي مُسْند الدَّارمِيّ: أَنه لما كَانَ أَيَّام الْحرَّة لم يُؤذن فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا وَلم يقم وَلم يبرح سعيد بن الْمسيب فِي الْمَسْجِد، وَكَانَ لَا يعرف وَقت الصَّلَاة إِلَّا بهمهمة يسْمعهَا من قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَعَن أم الدَّرْدَاء قَالَت: لما رَحل عمر بن الْخطاب رضي الله عنه من فتح بَيت الْمُقَدّس فَصَارَ إِلَى الخابية، فَسَأَلَهُ بِلَال أَن يقره بِالشَّام فَفعل ذَلِك، فَقَالَ: وَأخي أَبُو رويحة يَعْنِي عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الْخَثْعَمِي الَّذِي آخى بيني وَبَينه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَنزل دَارنَا فِي خولان فَأقبل هُوَ وَأَخُوهُ إِلَى قوم من خولان، فَقَالَ لَهُم: إِنَّا قد أَتَيْنَاكُم خاطبين، وَقد كُنَّا كَافِرين فهدانا الله تَعَالَى، ومملوكين فأعتقنا الله تَعَالَى، وفقيرين فأغنانا الله تَعَالَى، فَإِن تزوجونا فَالْحَمْد لله تَعَالَى، وَإِن تردونا فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، فزوجوهما، ثمَّ إِن بِلَالًا رأى فِي مَنَامه النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُول: مَا هَذِه الجفوة يَا بِلَال أما آن لَك أَن تزورني. فانتبه بِلَال حَزينًا وجلاً خَائفًا، فَركب رَاحِلَته وَقصد الْمَدِينَة فَأتى قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَجعل يبكي عِنْده ويمرغ وَجهه عَلَيْهِ، فَأقبل الْحسن وَالْحُسَيْن فَجعل يضمهما ويقبلهما، فَقَالَا لَهُ: يَا بِلَال نشتهي نسْمع أذانك الَّذِي كنت تؤذن لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِد فَفعل، فعلا سطح الْمَسْجِد فَوقف موقفه الَّذِي كَانَ يقف فِيهِ، فَلَمَّا قَالَ: الله أكبر الله أكبر ارتجت الْمَدِينَة، فَلَمَّا قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله ازدادت رجتها، فَلَمَّا قَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله خرجت الْعَوَاتِق من خُدُورهنَّ، وَقَالُوا: بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمَا رُؤِيَ يَوْم أَكثر باكياً وَلَا باكية بِالْمَدِينَةِ بعد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من ذَلِك، ذكره ابْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة بِلَال. وَلَيْسَ الِاعْتِمَاد فِي الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث على رُؤْيا الْمَنَام فَقَط، بل على فعل بِلَال وَهُوَ