الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر حُرْمَة الْمَدِينَة المشرفة
روى القَاضِي عِيَاض فِي " الشِّفَاء ": أَن مَالك بن أنس رضي الله عنه كَانَ لَا يركب فِي الْمَدِينَة دَابَّة، وَكَانَ يَقُول: أستحيي من الله أَن أَطَأ تربة فِيهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دَابَّتي. وَرُوِيَ أَنه وهب للشَّافِعِيّ رحمه الله كُرَاعًا كثيرا كَانَ عِنْده فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِي: أمسك مِنْهَا دَابَّة فَأَجَابَهُ بِمثل هَذَا الْجَواب. وَكَانَ قد أفتى مَالك رحمه الله فِيمَن قَالَ: تربة الْمَدِينَة رَدِيئَة. بِضَرْب ثَلَاثِينَ درة وَأمر بحبسه وَكَانَ لَهُ قدر، وَقَالَ: مَا أحوجه إِلَى ضرب عُنُقه تربة دفن فِيهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يزْعم أَنَّهَا غير طيبَة. وَعَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة رفع الله تَعَالَى الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام إِلَى الْبَيْت الْمُقَدّس فتمر بِقَبْر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فَتَقول: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. فَيَقُول عليه السلام: " وَعَلَيْك السَّلَام يَا كعبة الله مَا حَال أمتِي؟ فَتَقول: يَا مُحَمَّد أما من وَفد إليّ من أمتك فَأَنا الْقَائِمَة بِشَأْنِهِ، وَأما من لم يفد إليّ من أمتك فَأَنت الْقَائِم بِشَأْنِهِ ". رَوَاهُ أَبُو سعيد الْموصِلِي فِي بَاب رفع الْكَعْبَة المشرفة إِلَى الْبَيْت الْمُقَدّس. فَانْظُر لسر زِيَارَة الْبَيْت الْحَرَام للنَّبِي عليه السلام وَدخُول الْكَعْبَة المشرفة مَدِينَة خير الْأَنَام وَكفى بِهَذَا الشّرف تَعْظِيمًا. قَالَ الشَّيْخ عبد الله الْمرْجَانِي فِي " بهجة النُّفُوس والأسرار فِي تَارِيخ دَار هِجْرَة الْمُخْتَار ": لما جرى سَابق شرفها فِي الْقدَم أَخذ من تربَتهَا حِين خلق آدم فأوجد الموجد وجودهَا من بعد الْعَدَم. قَالَ أهل السّير: إِن الله تَعَالَى لما خمر طِينَة آدم عليه السلام حِين أَرَادَ خلقه أَمر جِبْرِيل أَن يَأْتِيهِ بالقبضة الْبَيْضَاء الَّتِي هِيَ قلب الأَرْض وبهاؤها ونورها؛ ليخلق مِنْهَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فهبط جِبْرِيل فِي مَلَائِكَة الفراديس المقربين وملائكة الصفح الْأَعْلَى، فَقبض قَبْضَة من مَوضِع قبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهِي يَوْمئِذٍ بَيْضَاء نقية، فعجنت بِمَاء التسنيم ورعرعت حَتَّى صَارَت كالدرة الْبَيْضَاء ثمَّ غمست فِي أَنهَار الْجنَّة كلهَا، وطيف بهَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض والبحار، فَعرفت الْمَلَائِكَة حِينَئِذٍ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وفضله قبل أَن تعرف آدم وفضله، ثمَّ عجنت بطينة آدم بعد ذَلِك، وَلَا يخلق ذَلِك الْجَسَد إِلَّا من أفضل بقاع الأَرْض. حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ. وَحكى أَبُو عبيد الجرهمي وَكَانَ كَبِير السن عَالما بأخبار الْأُمَم: أَن تبعا الْأَصْغَر وَهُوَ تبع بن حسان بن تبع سَار إِلَى يثرب فَنزل فِي سفح جبل أحد، وَذهب إِلَى الْيَهُود وَقتل مِنْهُم ثَلَاثمِائَة وَخمسين رجلا صبرا وَأَرَادَ إخرابها، فَقَامَ إِلَيْهِ حبر من الْيَهُود
فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الْملك مثلك لَا يقبل على الْغَضَب وَلَا يقبل قَول الزُّور وَأَنت لَا تَسْتَطِيع أَن تخرب هَذِه الْقرْيَة. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: لِأَنَّهَا مهَاجر نَبِي من ولد إِسْمَاعِيل يخرج من هَذِه البنية يَعْنِي الْبَيْت الْحَرَام فَكف تبع وَمضى إِلَى مَكَّة وَمَعَهُ هَذَا الْيَهُودِيّ وَرجل آخر عَالم من الْيَهُود، فكسا الْبَيْت الْحَرَام كسْوَة وَنحر عِنْده سِتَّة آلَاف جزور وَأطْعم النَّاس، وَلم يزل بعد ذَلِك يحوط الْمَدِينَة الشَّرِيفَة ويعظمها. ويروى أَن سُلَيْمَان عليه السلام لما حَملته الريخ من اصطخر على مَمَره بوادي النَّمْل سَار إِلَى الْيمن فتوغل فِي الْبَادِيَة فسلك مَدِينَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فَقَالَ سُلَيْمَان عليه السلام: هَذِه دَار هِجْرَة نَبِي فِي آخر الزَّمَان طُوبَى لمن آمن بِهِ وَاتبعهُ. فَقَالَ لَهُ قوم: كم بَيْننَا وَبَين خُرُوجه؟ قَالَ: زهاء ألف عَام. ووادي النَّمْل هُوَ وَادي السديرة بِأَرْض الطَّائِف من أَرض الْحجاز. قَالَه كَعْب. وَقيل: هُوَ بِالشَّام. وَعَن أنس رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا قدم من سفر فَنظر إِلَى جدران الْمَدِينَة أوضع رَاحِلَته، وَإِن كَانَ على دَابَّة حركها. وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: يُوشك أَن يضْرب النَّاس أكباد الْإِبِل يطْلبُونَ الْعلم فَلَا يَجدونَ أحدا أعلم من عَالم الْمَدِينَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. روى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه قَالَ: هُوَ مَالك بن أنس رضي الله عنه. وَعَن عبد الرَّزَّاق أَنه قَالَ: هُوَ الْعمريّ الزَّاهِد. قَالَ التوربشتي فِي " شرح المصابيح ": وَمَا ذكره ابْن عُيَيْنَة، وَعبد الرَّزَّاق فَهُوَ مَحْمُول مِنْهُمَا على غَلَبَة الظَّن دون الْقطع بِهِ، وَقد كَانَ مَالك رحمه الله حَقِيقا بِهَذَا الظَّن فَإِنَّهُ كَانَ إِمَام دَار الْهِجْرَة والمرجوع بهَا إِلَيْهِ فِي علم الْفتيا، وَكَذَا الْعمريّ الزَّاهِد وَهُوَ عبد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وَقد كَانَ الشَّيْخ وَحده وَكَانَ من عباد الله الصَّالِحين الْمَشَّائِينَ فِي عباده وبلاده بِالنَّصِيحَةِ، وَلَقَد بلغنَا أَنه كَانَ يخرج إِلَى الْبَادِيَة؛ ليتفقد أَحْوَال أَهلهَا شَفَقَة مِنْهُ عَلَيْهِم أَو ألحق النَّصِيحَة فيهم فيأمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر، وَكَانَ يَقُول لعلماء الْمَدِينَة: شغلكم طلب الجاه وَحب الرياسة عَن تَوْفِيَة الْعلم حَقه فِي إخْوَانكُمْ من الْمُسلمين، تركتموهم فِي الْبَوَادِي والفلوات يعمهون فِي أَوديَة الْجَهْل ومتيهة الضلال، أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ. قَالَ التوربشتي: وَلَو جَازَ لنا أَن نتجاوز الظَّن فِي مثل هَذِه الْقَضِيَّة لَكَانَ قَوْلنَا إِنَّه