الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَرْبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، فَضرب فِيهَا تسع أَذْرع سَحا فِي الأَرْض فِي تقوير جَانبهَا، ثمَّ جَاءَ الله بالأمطار والسيول فِي سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ فَكثر مَاؤُهَا، وَكَانَ سَالم بن الْجراح قد ضرب فِيهَا فِي خلَافَة هَارُون الرشيد اذرعاً وَضرب فِيهَا فِي خلَافَة الْمهْدي، وَكَانَ عمر بن ماهان قد ضرب فِيهَا، وَكَانَ مَاؤُهَا قد قل حَتَّى كَانَ رجل يُقَال لَهُ: مُحَمَّد بن مشير من أهل الطَّائِف يعْمل فِيهَا فَقَالَ: أَنا صليت فِي قعرها. انْتهى كَلَامه. وَأما الْعُيُون الَّتِي فِي قعرها فَثَلَاث كَمَا تقدم؛ عيح حذاء الرُّكْن الْأسود، وَعين حذاء الصَّفَا وَأبي قبيس، وَعين حذاء الْمَرْوَة.
فصل: ذكر فضل زَمْزَم وخواصها
قد تقدم فِي بَاب الْفَضَائِل الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي فضائلها مِنْهَا: أَن ماءها لما شرب لَهُ كَمَا ثَبت فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَقد شربه جمَاعَة من الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ لمقاصد جليلة وحوائج جزيلة فنالوها، من ذَلِك أَن الإِمَام الشَّافِعِي رضي الله عنه شربه للْعلم فَكَانَ فِيهِ غَايَة وللرمي فَكَانَ يُصِيب الْعشْرَة من الْعشْرَة والتسعة من الْعشْرَة، وَمن ذَلِك مَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ التِّرْمِذِيّ عَن أَبِيه
قَالَ: دخلت الطّواف فِي لَيْلَة مظْلمَة فأخذني التبول فاشغلني فَجعلت اعتصر حَتَّى آذَانِي، وَخفت إِن خرجت من الْمَسْجِد أَن أَطَأ بعض تِلْكَ الأقذار وَذَلِكَ أَيَّام الْحَج، فَذكرت الحَدِيث وَهُوَ أَن لما شرب لَهُ فذخلت زَمْزَم فتضلعت مِنْهُ فَذهب عني إِلَى الصَّباح وَمن ذَلِك أَن رجلا شرب سويقاً فِيهِ إبرة وَهُوَ لَا يشْعر بهَا، فاعترضت فِي حلقه وَصَارَ لَا يقدر يطبق فَمه وَكَاد يَمُوت، فَأمره بعض النَّاس بِشرب مَاء زَمْزَم وَأَن يسْأَل الله تَعَالَى فِيهِ الشِّفَاء، فَشرب مِنْهُ شَيْئا بِجهْد وَجلسَ عِنْد اسطوانة من الْمَسْجِد الْحَرَام فغلبته عَيناهُ فَنَامَ وانتبه وَهُوَ لَا يحس من الإبرة شَيْئا وَلَيْسَ بِهِ بَأْس. هَذَا ملخص مَا ذكره الفاكهي فِي فَضَائِل مَكَّة. وَمن ذَلِك أَن أَحْمد بن عبد الله الشريفي الْفراش بِالْحرم الشريف الْمَكِّيّ شربه للشفاء من الْعَمى فشفى. وَلَا الْتِفَات إِلَى مَا ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات وَأَن حَدِيث:" مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ ". مَوْضُوع بل قد صَحَّ من طرق لما قد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْفَضَائِل، وَأما حَدِيث " الباذنجان لما أكل لَهُ ". فَهُوَ حَدِيث مَوْضُوع كَمَا ذكره ابْن قيم الجوزية. وَمن فضائله: أَنه لَا يتضلع مِنْهُ المُنَافِقُونَ. " وَأَن آيَة مَا بَيْننَا وَبينهمْ هُوَ التضلع ". وَمِنْهَا: أَن من شرب مِنْهُ حرم الله جسده على النَّار. وَمِنْهَا: أَن الله تَعَالَى يرفع الْمِيَاه العذبة قبل يَوْم الْقِيَامَة غير زَمْزَم وتغور الْمِيَاه غير زَمْزَم قَالَه الضَّحَّاك بن مُزَاحم. وَمِنْهَا: أَن النّظر إِلَيْهَا عبَادَة. وَمِنْهَا: أَنَّهَا طَعَام طعم وشفاء سقم، يُؤَيّدهُ قَضِيَّة
إِسْلَام أبي ذَر الثَّابِتَة فِي الصَّحِيح وَأَنه أَقَامَ شهرا بِمَكَّة لَا قوت لَهُ إِلَّا مَاء زَمْزَم فسمن حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَن بَطْنه، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَغْدُونَ بعيالهم فيشربون مِنْهَا فَيكون صَبُوحًا لَهُم وَكَانُوا يعدونها عوناً على الْعِيَال وَكَانَت تسمى شباعة. وَعَن عِكْرِمَة بن خَالِد قَالَ: بَيْنَمَا أَنا ذَات لَيْلَة فِي جَوف اللَّيْل عِنْد زَمْزَم إِذا بِنَفر يطوفون عَلَيْهِم ثِيَاب بيض لم أر بَيَاض ثِيَابهمْ لشَيْء قطّ، فَلَمَّا فرغوا صلوا قَرِيبا مني فَالْتَفت بَعضهم فَقَالَ لأَصْحَابه: اذْهَبُوا بِنَا نشرب من شرب الْأَبْرَار. قَالَ: فَقَامُوا فَدَخَلُوا زَمْزَم فَقلت: وَالله لَو دخلت على الْقَوْم فسألتهم، فَقُمْت فَدخلت فَإِذا لَيْسَ فِيهَا أحد من الْبشر. وَعَن رَبَاح مولى لآل الْأَخْنَس أَنه قَالَ: أعتقني أَهلِي فَدخلت من الْبَادِيَة إِلَى مَكَّة فَأَصَابَنِي فِيهَا جوع شَدِيد حَتَّى كنت أكوم الْحَصْبَاء ثمَّ أَضَع كَبِدِي عَلَيْهِ قَالَ: فَقُمْت ذَات لَيْلَة إِلَى زَمْزَم فنزعت فَشَرِبت لَبَنًا كَأَنَّهُ لبن غنم مستوحمة أنفاساً وَفِي رِوَايَة: مكثت ثَلَاثَة أَيَّام لَا أجد شَيْئا آكله فَأتيت زَمْزَم فبركت على ركبتي مَخَافَة أَن أسْقى وَأَنا قَائِم فيرفعني الدَّلْو من الْجهد فَجعلت أنزع قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى أخرجت الدَّلْو فَشَرِبت، فَإِذا أَنا بصريف اللَّبن بَين ثناياي، فَقلت: لعَلي ناعس فَضربت بِالْمَاءِ على وَجْهي وَانْطَلَقت وَأَنا أجد قُوَّة اللَّبن وشبعه. والصريف: اللَّبن سَاعَة يصرف عَن الضَّرع. وَعَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد أَن رَاعيا كَانَ يرْعَى وَكَانَ من الْعباد فَكَانَ إِذا ظمئ وجد فِيهَا لَبَنًا وَإِذا أَرَادَ أَن يتَوَضَّأ وجد فِيهَا مَاء. وَمِنْهَا: " أَن الِاطِّلَاع فِيهَا يحط الأوزار والخطايا ". رَوَاهُ الفاكهي عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُرْسلا من رِوَايَة مَكْحُول وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: الطّهُور مِنْهَا يحبط الْخَطَايَا. وَمِنْهَا: أَنه خير مَاء على وَجه الأَرْض كَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم فِي الْفَضَائِل، كَيفَ
وَقد اخْتصَّ بِأَن غسل مِنْهُ بطن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على مَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيث الْمِعْرَاج بعد الْبعْثَة، وَفِي ذَلِك دَلِيل على فَضِيلَة مَاء زَمْزَم على غَيره من الْمِيَاه إِذْ غسل مِنْهُ هَذَا الْمحل الْجَلِيل فِي هَذَا الموطن الرفيع. قَالَ ابْن أبي جَمْرَة لقَائِل أَن يَقُول: لم لم يغسل بِمَاء الْجنَّة الَّذِي هُوَ أطيب وأبرك؟ وَالْجَوَاب: أَنه لَو غسل بِمَاء الْجنَّة دون استقراره بِالْأَرْضِ لم يبْق لأمته أثر بركته، فَلَمَّا غسل بِمَاء زَمْزَم وَهُوَ مِمَّا اسْتَقر من مَاء السَّمَاء بِالْأَرْضِ على مَا قَالَه ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى:" وأنزلنا من السَّمَاء مَاء بِقدر فأسكناه فِي الأَرْض وَإِنَّا على ذهَاب بِهِ لقادرون ". فَقَالَ: كل مَا فِي الأَرْض إِنَّمَا هُوَ مِمَّا ينزل من السَّمَاء. وَقد جَاءَ فِي الْأَثر: أَن مَا من مطر ينزل إِلَّا وَفِيه مزاج من الْجنَّة أَو بعضه مَعَ زَوَائِد. فَوَائِد جمة؛ مِنْهَا: مَا ذَكرْنَاهُ من إبْقَاء الْبركَة للْأمة. وَمِنْهَا: أَنه خص مقره بِهَذِهِ الأَرْض الْمُبَارَكَة. وَمِنْهَا: أَنه خص بِهِ الأَصْل الْمُبَارك وَهُوَ إِسْمَاعِيل عليه السلام وَمِنْهَا: أَنه خص بِمَا لم يخص بِهِ غَيره من الْمِيَاه بِأَن جعل فِيهِ لهاجر أم إِسْمَاعِيل عليه الصلاة والسلام غذَاء، فَكَانَ يغنيها عَن الطَّعَام وَالشرَاب. وَمِنْهَا: أَن ظُهُوره كَانَ بِوَاسِطَة الْأمين جِبْرِيل عليه السلام فَكَانَ أصلا مُبَارَكًا فِي مقرّ مبارك بِوَاسِطَة فعل أَمِين مبارك، فاختص بِهِ هَذَا السَّيِّد الْمُبَارك فَكَانَ ذَلِك زِيَادَة لَهُ فِي التشريف والتعظيم، وَالله تَعَالَى يفضل من يَشَاء من مخلوقاته حَيَوَانا كَانَ أَو جماداً، فجَاء بالحكمة العجيبة فِي الْملَّة الجليلة مِلَّة إِبْرَاهِيم بالمقال، وَفِي المَاء ملك إِسْمَاعِيل بِلِسَان الْحَال. انْتهى كَلَامه. وَهل المُرَاد بالبطن الَّذِي غسل بزمزم الْبَطن نَفسه أَو مَا فِي الْبَطن وَهُوَ الْقلب؟ قَالَ ابْن أبي حَمْزَة: الظَّاهِر أَن المُرَاد الْقلب؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى ذكر الْقلب وَلم يذكر الْبَطن. وَقَالَ: وَيُمكن الْجمع بَينهمَا بِأَن يُقَال: أخبر صلى الله عليه وسلم مرّة بِغسْل الْبَطن وَلم يتَعَرَّض لذكر الْقلب، وَأخْبر مرّة بِغسْل الْقلب وَلم يتَعَرَّض لذكر الْبَطن، فَيكون الْغسْل قد حصل فيهمَا جَمِيعًا مَعًا مُبَالغَة فِي تنظيف الْمحل. انْتهى. وَكَانَ الشَّيْخ سراج الدّين البُلْقِينِيّ فِيمَا يحْكى عَنهُ يُفْتِي بِأَن مَاء زَمْزَم أفضل من مَاء الْكَوْثَر. وَيذكر أَن السُّلْطَان صَلَاح الدّين أَبَا المظفر يُوسُف بن أَيُّوب كَانَ إِذا عَاد من
الْغَزْو نفض ثِيَابه من غُبَار الْغَزْو على نطع وَأمر من يجمعه، وَأَن ذَلِك الْغُبَار عجن بِمَاء زَمْزَم وَجعل لبنة لَطِيفَة وَجعلت تَحت رَأسه فِي قَبره. وَمن خَواص مَاء زَمْزَم أَنَّهَا لم تنزف من ذَلِك الْوَقْت إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَلم يذم. وَمِنْهَا: أَنه يبرد الْحمى كَمَا روينَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي بَاب الْفَضَائِل وَمِنْهَا: أَنه يذهب بالصداع كَمَا ذكره الضَّحَّاك بن مُزَاحم. وَمِنْهَا: أَنه يفضل مياه الأَرْض كلهَا طِبًّا وَشرعا كَمَا ذكره بدر الدّين الصاحب الْمصْرِيّ فِي تأليفه " نقل الْكِرَام وهديه دَار السَّلَام "، وَأنْشد لنَفسِهِ أبياتاً حَسَنَة فِي مدح مَاء زَمْزَم. وَمِنْهَا: أَن الِاطِّلَاع فِيهَا يجلو الْبَصَر كَمَا ذكره الطَّحَاوِيّ. وَمِنْهَا: أَن ماءها يحلو لَيْلَة النّصْف من شعْبَان ويطيب على مَا ذكره ابْن الْحَاج الْمَالِكِي فِي منسكه. قَالَ الضَّحَّاك بن مُزَاحم: بَلغنِي أَنه سَيَأْتِي عَلَيْهَا زمَان تكون أعذب من النّيل والفرات. قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْخُزَاعِيّ وَقد رَأينَا ذَلِك فِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنه أصَاب مَكَّة أمطار كَثِيرَة فَسَالَ واديها بأسيال عِظَام فِي سنة تسع وَسبعين، وَسنة ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ فَكثر مَاء زَمْزَم وارتفع حَتَّى قَارب رَأسهَا، فَلم يكن بَينه وَبَين شفتها الْعليا إِلَّا سبع أَذْرع أَو نَحْوهَا، وَمَا رَأَيْتهَا قطّ كَذَلِك وَلَا سَمِعت من يذكر أَنه رَآهَا كَذَلِك، وعذبت جدا حَتَّى كَانَ مَاؤُهَا أعذب من مياه مَكَّة الَّتِي يشْربهَا أَهلهَا، وَكنت أَنا وَكثير من أهل مَكَّة نَخْتَار الشّرْب مِنْهَا لعزوبته وَإِنَّا رَأينَا أعزب من مياه الْعُيُون. وَمِنْهَا: أَنه يكثر فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فِي كل سنة بِحَيْثُ إِن الْبِئْر يغص بِالْمَاءِ على مَا قيل، لَكِن لَا يُشَاهد هَذَا إِلَّا الْأَوْلِيَاء، وَمِمَّنْ شَاهد ذَلِك الشَّيْخ الصَّالح أَبُو الْحسن على الْمَعْرُوف بكرباج على مَا نَقله بَعضهم عَن الشَّيْخ فَخر الدّين النوري عَنهُ. وَمِنْهَا: أَن من حثى على رَأسه ثَلَاث حثيات مِنْهَا لم تصبه ذلة أبدا على مَا وجد فِي كتاب