الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَمرَّة يتبسم فِي وَجه الْمُسلم وَمرَّة لَا ينظر إِلَى أحد، وَأكْثر قعوده ثَانِيًا إِحْدَى رجلَيْهِ نصف تربيعة وركبته الْأُخْرَى قَائِمَة، وَمن جَانِبه الْأَيْمن مِمَّا يَلِي الرَّوْضَة شخص آخر، وَمن جَانِبه الآخر الْأَيْسَر الْبكْرِيّ شخصان آخرَانِ، قَالَ الراءي: فعدمت الْخُشُوع فِي ذَلِك الْمحل الشريف بِسَبَب رؤيتي لَهما وشغل خاطري بهما. قَالَ الْمرْجَانِي: إِشَارَة أَيْضا إِلَى إِثْبَات الْوَقار وَالْحُرْمَة المحركة لخواطر الِاعْتِبَار، سَمِعت وَالِدي رحمه الله يَقُول: صلينَا يَوْمًا الظّهْر بحرم الْمَدِينَة، وَأَقْبل طَائِر عَظِيم أَبيض طَوِيل السَّاقَيْن أَتَى من جِهَة بَاب السَّلَام، وَهُوَ يطير مَعَ جِدَار الْقبْلَة، وَقد مَلأ جناحاه مَا بَين الْحَائِط القبلي والسواري، فَلَمَّا حَاذَى الْمِحْرَاب وقف وَمَشى قَلِيلا قَلِيلا إِلَى أَن وصل إِلَى الشباك موقف الْمُسلمين على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَاسْتقْبل النَّبِي صلى الله عليه وسلم ووقف، وَجعل يضع منقاره على الأَرْض وَيَرْفَعهُ مرَارًا إِلَى أَن فرغ النَّاس من صلَاتهم، واجتمعوا عَلَيْهِ ينظرونه ثمَّ مَشى حَتَّى خرج إِلَى صحن الْمَسْجِد إِلَى نَحْو الْحِجَارَة الَّتِي يذكر أَنَّهَا حد الْمَسْجِد الْقَدِيم، ثمَّ فتح أجنحته وطار مرتفعاً فِي الجو غير مائل يَمِينا وَلَا شمالاً حَتَّى غَابَ عَن أَعيننَا.
كَيْفيَّة السَّلَام عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم حَال الزِّيَارَة وَالسَّلَام على ضجيعيه رضي الله عنهما
: ليقل بخضوع قلب وغض طرف وخفض صَوت وَسُكُون جوارح: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله، السَّلَام عَلَيْك يَا نَبِي الله، وَالسَّلَام عَلَيْك يَا خيرة الله من خلقه، السَّلَام عَلَيْك يَا حبيب الله، السَّلَام عَلَيْك يَا صفوة الله، السَّلَام عَلَيْك يَا سيد الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ، السَّلَام عَلَيْك يَا خَاتم النَّبِيين، السَّلَام عَلَيْك يَا خير الْخَلَائق أَجْمَعِينَ، السَّلَام عَلَيْك يَا قَائِد الغر المحجلين، السَّلَام عَلَيْك وعَلى أهل بَيْتك الطاهرين، السَّلَام عَلَيْك وعَلى أَزوَاجك الطاهرات أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ، السَّلَام عَلَيْك وعَلى أَصْحَابك وآلك أَجْمَعِينَ، السَّلَام عَلَيْك وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَسَائِر عباد الله الصَّالِحين، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، جَزَاك الله عَنَّا يَا رَسُول الله أفضل مَا جزى نَبيا ورسولاً عَن أمته، صلى الله عَلَيْك كلما ذكرك الذاكرون، وغفل عَن ذكرك الغافلون، وَصلى عَلَيْك فِي الْأَوَّلين والآخرين أفضل وأكمل وَأطيب مَا صلى على أحد من خلقه أَجْمَعِينَ، كَمَا استنقذنا بك من الضَّلَالَة، وبصرنا بك من العماية، وهدانا بك من الْجَهَالَة، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَنَّك عَبده وَرَسُوله وأمينه وَخيرته من خلقه، وَأشْهد يَا رَسُول الله أَنَّك بلغت الرسَالَة، وَأديت الْأَمَانَة، وَنَصَحْت الْأمة، وكشفت الْغُمَّة، وجاهدت فِي الله حق جهاده، وعبدت رَبك حَتَّى أَتَاك الْيَقِين، وَنحن وفدك يَا رَسُول الله وأضيافك، جِئْنَا إِلَى جنابك الْكَرِيم من بِلَاد شاسعة وأماكن بعيدَة، نقصد بذلك قَضَاء
حَقك علينا، وَالنَّظَر إِلَى مآثرك، والتيمن بزيارتك، والتبرك بِالسَّلَامِ عَلَيْك، والاستشفاع بك إِلَى رَبنَا عز وجل، فَإِن خطايانا قد قصمت ظُهُورنَا، وأوزارنا قد أثقلت كواهلنا، وَأَنت الشافع المشفع، وَقد قَالَ الله تَعَالَى:" وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لَهُم الرَّسُول لوجدوا الله تَوَّابًا رحِيما ". وَقد جئْنَاك يَا رَسُول الله ظالمين لأنفسنا مستغفرين لذنوبنا، فاشفع لنا إِلَى رَبنَا، واسأله أَن يميتنا على سنتك، ويحشرنا فِي زمرتك، ويسقينا بكأسك غير خزايا وَلَا ندامى، ويرزقنا مرافقتك فِي الفردوس الْأَعْلَى مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا، يَا رَسُول الله الشَّفَاعَة الشَّفَاعَة، اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد وعَلى آله مُحَمَّد، وَإنَّهُ نِهَايَة مَا يَنْبَغِي أَن يسْأَله السائلون، وخصة بالْمقَام الْمَحْمُود والوسيلة والفضيلة والدرجة الْعَالِيَة، وبغاية مَا يَنْبَغِي أَن يأمله الآملون، اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آل مُحَمَّد وأزواجه وَذريته، كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم، وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وأزواجه وَذريته، كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد، ثمَّ يتَحَوَّل إِلَى صوب يَمِينه بِقدر ذِرَاع فَيسلم على أبي بكر رضي الله عنه؛ لِأَن رَأسه بحيال منْكب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عِنْد الْأَكْثَرين، فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْك يَا خَليفَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَصفيه وثانيه فِي الْغَار أَبَا بكر الصّديق، جَزَاك الله عَن أمة مُحَمَّد خيرا، ولقاك فِي الْقِيَامَة أمنا وَبرا، ثمَّ يتَأَخَّر إِلَى صوب يَمِينه بِقدر ذِرَاع فَيسلم على عمر؛ لِأَن رَأسه عِنْد منْكب أبي بكر رضي الله عنه عِنْد الْأَكْثَرين، فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر الْفَارُوق الَّذِي أعز الله بك الْإِسْلَام، جَزَاك الله عَن الْإِسْلَام وَأمة نبيه مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم خيرا. وَمن قَالَ من الْحَنَفِيَّة: إِنَّه يسْتَقْبل الْقبْلَة عِنْد السَّلَام على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذا أَرَادَ السَّلَام على أبي بكر يتَحَوَّل عَن يسَاره مِقْدَار ذِرَاع، وَكَذَلِكَ يفعل للسلام على عمر رضي الله عنه، ثمَّ يرجع إِلَى موقفه الأول قبالة وَجه النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فيحمد الله تَعَالَى ويمجده، وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ويتوسل إِلَى الله تَعَالَى فِي حَوَائِجه، ويستشفع بِهِ إِلَى ربه سبحانه وتعالى، وَيَدْعُو لنَفسِهِ ولوالديه وَلِلْمُؤْمنِينَ وَلمن أحب بِمَا أحب، وَيخْتم دعاءه بآمين وبالصلاة على سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وَفِي " مَنَاسِك الْفَارِسِي ": إِذا فرغ من السَّلَام على عمر رضي الله عنه يرجع قدر نصف ذِرَاع فيقف بَين رَأس الصّديق وَرَأس الْفَارُوق وَيَقُول: السَّلَام عَلَيْكُمَا يَا ضجيعي
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، السَّلَام عَلَيْكُمَا يَا صَاحِبي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، السَّلَام عَلَيْكُمَا يَا وزيري رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، المعاونين لَهُ فِي الدّين والعاملين بسنته حَتَّى أتاكما الْيَقِين، فجزاكما الله خير جَزَاء، جِئْنَا يَا صَاحِبي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زائرين لنبينا وصديقنا وفاروقنا، وَنحن نتوسل بكما إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع لنا. انْتهى. وَكَذَلِكَ ذكر فِي " الِاخْتِيَار ". ثمَّ يتَقَدَّم إِلَى رَأس الْقَبْر الشريف فيقف بَين الْقَبْر والاسطوانة الَّتِي هُنَاكَ، وَيسْتَقْبل الْقبْلَة وَيجْعَل الرَّأْس الْمُقَدّس عَن يسَاره ويحمد الله تعلى ويثنى عَلَيْهِ، وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُو لنَفسِهِ وَلمن أحب بِمَا أحب. قَالَ قَاضِي الْقُضَاة عز الدّين بن جمَاعَة: وماذكره من الْعود إِلَى قبالة وَجهه الشريف وَمن التَّقَدُّم إِلَى رَأس الْقَبْر الْمُقَدّس للدُّعَاء عقب الزِّيَارَة، لم ينْقل عَن فعل الصَّحَابَة رضي الله عنهم وَالتَّابِعِينَ رحمهم الله؛ وَمن عجز عَن حفظ مَا قدمنَا ذكره عِنْد السَّلَام عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَو ضَاقَ وقته اقْتصر على بعضه، واقله السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، والمروي عَن جمَاعَة من السّلف أَلا يجاز فِي هَذَا جدا، فَعَن الإِمَام مَالك رحمه الله أَنه كَانَ يَقُول: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَعَن ابْن عمر أَنه كَانَ إِذا قدم من سفر دخل الْمَسْجِد، ثمَّ أَتَى الْقَبْر الشريف وَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله، السَّلَام عَلَيْك يَا أَبَا بكر، السَّلَام عَلَيْك يَا أبتاه ثمَّ ينْصَرف. ثمَّ إِن كَانَ أحد أوصاه بِالسَّلَامِ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلْيقل: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله من فلَان بن فلَان، أَو فلَان بن فلَان يسلم عَلَيْك يَا رَسُول الله، أَو نَحْو هَذَا من الْعبارَات. ويروى أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كَانَ يوصى بذلك وَيُرْسل الْبَرِيد من الشَّام بذلك كَمَا قدمْنَاهُ. وروى ابْن أبي فديك وَهُوَ من عُلَمَاء أهل الْمَدِينَة، وَمِمَّنْ روى عَنهُ الشَّافِعِي قَالَ: سَمِعت بعض من أدْركْت يَقُول: بلغنَا أَن من وقف عِنْد قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَتلا هَذِه الْآيَة: " إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي ". الْآيَة ثمَّ قَالَ: صلى الله عَلَيْك يَا مُحَمَّد سبعين مرّة، ناداه ملك صلى الله عَلَيْك يَا فلَان، وَلم يسْقط لَهُ حَاجَة. وَمن أحسن مَا
يَقُول مَا حَكَاهُ الْعلمَاء عَن العتبى " مستحبين " قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فجَاء أَعْرَابِي فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله سَمِعت الله يَقُول: " وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لَهُم الرَّسُول لوجدوا الله تَوَّابًا رحِيما ". وَقد جئْتُك مُسْتَغْفِرًا من ذَنبي، مستشفعاً بك إِلَى رَبِّي، ثمَّ أنشأ يَقُول: يَا خير من دفنت بالقاع أعظمه
…
فطاب من طيبهن القاع والأكم نَفسِي الْفِدَاء لقبر أَنْت ساكنه
…
فِيهِ العفاف وَفِيه الْجُود وَالْكَرم ثمَّ اسْتغْفر وَانْصَرف، فغلبتني عَيْنَايَ فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام فَقَالَ: يَا عتبى الْحق بالأعرابي فبشره أَن الله قد غفر لَهُ. قَالَ بعض الْعلمَاء: يَقُول الزائر بعد السَّلَام وَالصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ إِنَّك قلت وقولك الْحق: " وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاءوك ". الْآيَة. اللَّهُمَّ إِنَّا قد سمعنَا قَوْلك وأطعنا أَمرك، وقصدنا نبيك هَذَا صلى الله عليه وسلم مستشفعين بِهِ إِلَيْك من ذنوبنا، وَمَا اثقل ظُهُورنَا من أوزارنا، تَائِبين إِلَيْك من زللنا، معترفين بخطايانا وتقسيرنا، اللَّهُمَّ فتب علينا، وشفع نبيك هَذَا فِينَا صلى الله عليه وسلم، وارفعنا بِمَنْزِلَتِهِ عنْدك وَحقه عَلَيْك، اللَّهُمَّ اغْفِر للمهاجرين وَالْأَنْصَار وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلاً للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤوف رَحِيم، وَللَّه در هَذَا الْأَعرَابِي حَيْثُ استنبط من الْآيَة الْكَرِيمَة الْمَجِيء إِلَى زيارته صلى الله عليه وسلم بعد مَوته مُسْتَغْفِرًا، فَإِن ذَلِك أظهر فِي قصد التَّعْظِيم وَصدق الْإِيمَان، واستغفار الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بعد الْمَوْت حَاصِل؛ لِأَنَّهُ الشَّفِيع الْأَكْبَر يَوْم الْقِيَامَة والوسيلة الْعُظْمَى فِي طلب الغفران وَرفع الدَّرَجَات، من بَين سَائِر ولد آدم، والمجيء إِلَيْهِ بعد مَوته تَجْدِيد لتأكيد التوسل بِهِ إِلَى الله تَعَالَى وَقت الْحَاجة، وَقد خمس هذَيْن الْبَيْتَيْنِ الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمد بن أَمِين الأقشهري رَحمَه الله تَعَالَى فَقَالَ: خير المزار لدُنْيَا ثمَّ أعظمه
…
وَخير من سرّ عرش الرب مقدمه ناديته بمقول وَهُوَ أقومه
…
يَا خير من دفنت فِي الترب أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم طُوبَى لجاركم طابت مساكنه
…
جَار بجار وجار المرتع آمنهُ قَول إِذا قلت تشفيني محاسنه
…
نَفسِي الْفِدَاء لقبر أَنْت ساكنه فِيهِ العفاف وَفِيه الْجُود وَالْكَرم
قَالَ عز الدّين بن جمَاعَة: وشتان بَين هَذَا الْأَعرَابِي وَبَين من أضلّهُ الله فَحرم السّفر إِلَى زيارته صلى الله عليه وسلم، وَهِي من أعظم القربات كَمَا قدمْنَاهُ ولبعض زوار النَّبِي صلى الله عليه وسلم: أَتَيْتُك زَائِرًا وودت أَنِّي
…
جعلت سَواد عَيْني أمتطيه وَمَا لي لَا أَسِير على جفوني
…
إِلَى قبر رَسُول الله فِيهِ قَالَ القَاضِي عِيَاض رحمه الله: وجدير بمواطن عمرت بِالْوَحْي والتنزيل، وَتردد بهَا جِبْرِيل وَمِيكَائِيل، وعرجت مِنْهَا الْمَلَائِكَة وَالروح، وضجت فِي عرصاتها بالتقديس وَالتَّسْبِيح، واشتملت تربَتهَا على جَسَد سيد الْبشر، وانتشر عَنْهَا من دين الله وَسنة نبيه مَا انْتَشَر، مدارس آيَات، ومساجد وصلوات، ومشاهد الْفَضَائِل والخيرات، ومعاهد الْبَرَاهِين والمعجزات، ومساكن الدّين، ومشاعر الْمُسلمين، وموقف سيد الْمُرْسلين، ومتبوأ خَاتم النَّبِيين، حَيْثُ انفجرت النُّبُوَّة وفاض عبابها، ومواطن مهبط الرسَالَة، وَأول أَرض مس جلد الْمُصْطَفى ترابها، أَن تعظم عرصاتها، وتنسم نفحاتها، وتقبّل ربوعها وجدرانها، وَأنْشد: يَا دَار خير الْمُرْسلين وَمن بِهِ
…
هدى الْأَنَام وَخص بِالْآيَاتِ عِنْدِي لِأَجلِك لوعة وصبابة
…
وَتَشَوُّقِ متوقد الجمرات وعليّ عهد إِن مَلَأت محاجري
…
من تلكم الجدرات والعرصات لأُعَفِّرَنَّ مصون شيبي بَينهَا
…
من كَثْرَة التَّقْبِيل والرشفات لَوْلَا العوادي والأعادي زرتها
…
أبدا وَلَو سحباً على الوجنات لَكِن سأهدي من حفيل تحيتي
…
لقطين تِلْكَ الدَّار والحجرات أزكى من الْمسك المفتق نفحة
…
تغشاه بالآصال والبكرات وتخصه بزواكي الصَّلَوَات
…
وتوأمي التَّسْلِيم والبركات
قَالَ مُؤَلفه: انْتهى إكماله بمعونة الله وتوفيقه على يَد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى أَحْمد أبي السرُور بن عدي بن أبي اللَّيْث بن الضياء الْحَنَفِيّ. عَامله الله بِلُطْفِهِ الْخَفي، وَمن كتب بِسَبَبِهِ، وبلغه غَايَة أربه، وَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْمُبَارك يَوْم السبت حادي عشر محرم الْحَرَام عَام أَربع وَعشْرين وَتِسْعمِائَة، وَالْحَمْد لله على التَّيْسِير والإتمام وعَلى الإفضال والإنعام، وأشكره على كل حَال، مدى الدَّهْر وَالْأَيَّام وأصلي على نَبينَا مُحَمَّد، أفضل من صلى وَحج الْبَيْت الْحَرَام وَصَامَ، الْمَبْعُوث إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود، وَالْخَاص وَالْعَام، عدد من سبح الله وقدسه من أول الدُّنْيَا إِلَى يَوْم الْقيام، وعَلى آله وَأَصْحَابه الأخيار الْأَعْلَام، جعلنَا الله فِي زمرتهم فِي دَار السَّلَام، بمنه وَكَرمه، آمين، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. تمّ الْكتاب بعون الْملك الْوَهَّاب على يَد العَبْد الْفَقِير عَلَيْهَا: عاشور بن عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد بن رَجَب بن مُحَمَّد، الْبُرُلُّسِيّ أصلا، الإدكاوي مولداً، الْحُسَيْنِي الشَّافِعِي، أصلح الله شَأْنه وصانه عَمَّا شانه، وَذَلِكَ فِي يَوْم الْأَحَد الْمُبَارك سَابِع عشر فِي رَجَب الْفَرد الْحَرَام سنة ثَلَاثَة وَمِائَة وَألف. وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وصحيه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين.