الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القَوْل، فَقَالَ لَهَا: قولي لإسماعيل: قد جَاءَ بعْدك شيخ كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول لَك: غير عتبَة بَيْتك فَإِنِّي لم أرْضهَا لَك. وَكَانَ إِسْمَاعِيل كلما جَاءَ يسْأَل أَهله هَل جَاءَكُم أحد بعدِي؟ فَلَمَّا رَجَعَ سَأَلَ أَهله، فَقَالَت امْرَأَته: قد جَاءَ بعْدك شيخ فنعتته لَهُ، فَقَالَ لَهَا إِسْمَاعِيل: قلت لَهُ شَيْئا. قَالَت: لَا. قَالَ: فَهَل قَالَ لَك شَيْئا. قَالَت: نعم، اقرئي عليه السلام وَقَوْلِي لَهُ: غير عتبَة بَيْتك فَإِنِّي لم أرْضهَا لَك. قَالَ إِسْمَاعِيل: أَنْت عتبَة بَيْتِي فارجعي إِلَى أهلك، فَردهَا إِسْمَاعِيل فأنكحوه امْرَأَة أُخْرَى اسْمهَا سامة بنت مهلهل، وَقيل: عَاتِكَة ثمَّ لبث إِبْرَاهِيم مَا شَاءَ الله أَن يلبث، ثمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيم فَوجدَ إِسْمَاعِيل غَائِبا وَوجد امْرَأَته الْأُخْرَى، فَوقف فَسلم فَردَّتْ عليه السلام واستنزلته وَعرضت عَلَيْهِ الطَّعَام وَالشرَاب، فَقَالَ: مَا شرابكم وطعامكم، قَالَت: اللَّحْم وَالْمَاء. فَقَالَ: هَل من حب أَو غَيره من الطَّعَام؟ قَالَت: لَا. قَالَ: بَارك الله لكم فِي اللَّحْم وَالْمَاء. قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: " لَو وجد عِنْدهَا يَوْمئِذٍ حبا لدعا لَهُم بِالْبركَةِ فِيهِ؛ فَكَانَت تكون أَرضًا ذَات زرع ". ثمَّ ولى إِبْرَاهِيم وَقَالَ: قولي لَهُ: قد جَاءَ بعْدك شيخ فَقَالَ: إِنِّي وجدت عتبَة بَيْتك صَالِحَة فأقرّها.
فصل مَا جَاءَ فِي بِنَاء إِبْرَاهِيم الْكَعْبَة
قَالَ الله تَعَالَى: " وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت " أَي: يَبْنِي الْقَوَاعِد وَهِي الأساس جمع قَاعِدَة. عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لبث إِبْرَاهِيم مَا شَاءَ الله أَن يلبث، ثمَّ جَاءَ الثَّالِثَة فَوجدَ إِسْمَاعِيل قَاعِدا تَحت الدوحة الَّتِي إِلَى نَاحيَة السّتْر يبري نبْلًا لَهُ فَسلم عَلَيْهِ وَنزل عَلَيْهِ فَقعدَ مَعَه، فَقَالَ إِبْرَاهِيم: يَا إِسْمَاعِيل إِن الله قد أَمرنِي بِأَمْر. فَقَالَ إِسْمَاعِيل: أطع رَبك فِيمَا أَمرك ويروى: أَنه
قَالَ: وتعينني. قَالَ: وأعينك فَقَالَ إِبْرَاهِيم: أَمرنِي رَبِّي أَن أبني لَهُ بَيْتا. قَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل: وَأَيْنَ هُوَ؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى أكمة مُرْتَفعَة على مَا حولهَا عَلَيْهَا رَضْرَاض من حَصْبَاء يَأْتِيهَا السَّيْل من نَوَاحِيهَا وَلَا يركبهَا، فقاما يحفران عَن الْقَوَاعِد ويقولان: رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم، رَبنَا تقبل منا إِنَّك سميع الدُّعَاء. وَيحمل لَهُ إِسْمَاعِيل الْحِجَارَة على رقبته وَيَبْنِي إِبْرَاهِيم، فَلَمَّا ارْتَفع الْبُنيان وشق على إِبْرَاهِيم تنَاوله قرب لَهُ هَذَا الْحجر يَعْنِي الْمقَام فَكَانَ يقوم عَلَيْهِ وَيَبْنِي ويحوله فِي نواحي الْبَيْت، حَتَّى انْتهى إِلَى وَجه الْبَيْت فَلذَلِك سمي مقَام إِبْرَاهِيم لقِيَامه عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عَبَّاس: أَنه لما جَاءَ إِبْرَاهِيم إِلَى إِسْمَاعِيل وَرَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فصنعا كَمَا يصنع الْوَلَد بالوالد وَالْوَالِد بِالْوَلَدِ، وبكيا حَتَّى أبكيا أَو أجابتهما الطير. وَقَالَ مُجَاهِد: أقبل إِبْرَاهِيم وَمَعَهُ السكينَة والصّرد وَالْملك من الشَّام دَلِيلا، حَتَّى تبوءا الْبَيْت الْحَرَام، كَمَا تبوأ العنكبوت بَيْتا، وَكَانَ للسكينة رَأس كرأس الْهِرَّة وجناحان. وَفِي رِوَايَة: كَأَنَّهَا غمامة أَو ضَبَابَة فِي وَسطهَا كَهَيئَةِ الرَّأْس يتَكَلَّم، وَفِي رِوَايَة: هِيَ ريح خجوج لَهَا رَأس، وَفِي رِوَايَة: لَهَا رأسان، وَفِي رِوَايَة: لَهَا وَجه يتَكَلَّم وَهُوَ بعد ريح هفافة، وَفِي رِوَايَة: لَهَا رَأس كرأس الْإِنْسَان، وَقيل: السكينَة الرَّحْمَة. قَالَ السُّهيْلي: والسكينة من شَأْن الصَّلَاة. قَالَ صلى الله عليه وسلم: " وأتوها وَعَلَيْكُم السكينَة ". فَجعلت علما على قبلتها حِكْمَة من الله سُبْحَانَهُ. فَقَالَت السكينَة: يَا إِبْرَاهِيم ربّض على الْبَيْت، فَلذَلِك لَا يطوف بِالْبَيْتِ ملك من هَذِه
الْمُلُوك وَلَا أَعْرَابِي نافر وَلَا جَبَّار إِلَّا رَأَيْت عَلَيْهِ السكينَة. وَفِي رِوَايَة: قَالَت السكينَة ورأيتها تَتَكَلَّم يَا إِبْرَاهِيم: خُذ قدري من الأَرْض لَا يزِيد وَلَا ينقص، فَخط فَذَلِك بكة وَمَا حواليها مَكَّة. وَفِي رِوَايَة: قَالَت لَهُ: يَا إِبْرَاهِيم إِن رَبك يَأْمُرك أَن تخط قدر هَذِه السحابة، فَجعل ينظر إِلَيْهَا وَيَأْخُذ قدرهَا، فَقَالَ لَهُ رَأس السكينَة: قد فعلت. قَالَ: نعم،، فارتفعت السحابة، وَفِي رِوَايَة: أَن الغمامة لم تزل راكدة تظل إِبْرَاهِيم وتهديه مَكَان الْقَوَاعِد حَتَّى رفع الْقَوَاعِد قامة، ثمَّ انكشفت الغمامة فأبرز عَن أس " يانت " من الأَرْض فبناه إِبْرَاهِيم، وَفِي رِوَايَة: فحفر فأبرز عَن ربض أَمْثَال حلف الْإِبِل، لَا يُحَرك الصَّخْرَة إِلَّا ثَلَاثُونَ رجلا، وَفِي رِوَايَة: لما بعث الله إِبْرَاهِيم ليبني الْبَيْت، طلب الأساس الأول الَّذِي وَضعه بَنو آدم فِي مَوضِع الْخَيْمَة الَّتِي عزى الله بهَا آدم من خيام الْجنَّة، حِين وضعت لَهُ بِمَكَّة فِي مَوضِع الْبَيْت، فَلم يزل إِبْرَاهِيم يحْفر حَتَّى وصل إِلَى الْقَوَاعِد الَّتِي أسس بَنو آدم فِي زمانهم فِي مَوضِع الْخَيْمَة، فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا ظلل الله لَهُ مَكَان الْبَيْت بغمامة، وَلم تزل راكدة تظل إِبْرَاهِيم وتهديه مَكَان الْقَوَاعِد حَتَّى رفع الْقَوَاعِد قامة، ثمَّ انكشفت الغمامة، وَكَانَ إِبْرَاهِيم يَبْنِي فِي كل يَوْم سافاً، وَمَكَّة يَوْمئِذٍ شَدِيدَة الْحر، وَإِسْمَاعِيل يناوله الْحِجَارَة. قَالَ ابْن عَبَّاس: أما وَالله مَا بنياه بِقصَّة وَلَا مدر وَلَا كَانَ مَعَهُمَا من الأعوان وَالْأَمْوَال مَا يسقفانه، ولكنهما أعلماه وطافا بِهِ، وَفِي رِوَايَة: ورضماه رضماً فَوق الْقَامَة وَلم يسقفاه. والرضم: أَن ينضد الْحِجَارَة بَعْضهَا على بعض من غير ملاط، فَلَمَّا ارْتَفع الْبُنيان قرب إِسْمَاعِيل لإِبْرَاهِيم الْمقَام، فَكَانَ
إِبْرَاهِيم يُقيم عَلَيْهِ وَيَبْنِي ويحوله إِسْمَاعِيل فِي نواحي الْبَيْت. قَالَ السُّهيْلي: بناه من خَمْسَة أجبل، كَانَت الْمَلَائِكَة تَأتيه بِالْحِجَارَةِ مِنْهَا، وَهِي: طور سيناء وطور زيتا اللَّذين بِالشَّام، والجودي وَهُوَ بالجزيرة ولبنان وحراء هَكَذَا ذكر السُّهيْلي أَن لبنان بِالْحرم، وهما بِالْحرم قَالَ: وانتبه لحكمة الله كَيفَ جعل بناءهما من خَمْسَة أجبل، فشاكل ذَلِك مَعْنَاهَا إِذْ هِيَ قبْلَة للصلوات الْخمس وعمود الْإِسْلَام وَقد بني على خَمْسَة. انْتهى. وَقيل إِن قَوَاعِده من حراء. وَفِي رِوَايَة: أسس الْبَيْت من خَمْسَة، وَفِي رِوَايَة: وَكَانَ ربضه من حراء. قَالَ الْخَلِيل: والربض هَهُنَا الأساس المستدير بِالْبَيْتِ من الصخر، ويروى: أَن ذَا القرنين قدم مَكَّة وهما يبنيان، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَا: نَحن عَبْدَانِ مأموران أمرنَا بِالْبِنَاءِ. فَقَالَ: فهاتا البنية على مَا تدعيان فَقَامَتْ خَمْسَة أكبش، فَقُلْنَ: نشْهد أَن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل عَبْدَانِ مأموران بِالْبِنَاءِ. فَقَالَ: قد رضيت وسلمت وَمضى. فَلَمَّا انْتهى إِبْرَاهِيم فِي الْبناء إِلَى مَوضِع الْحجر الْأسود قَالَ إِسْمَاعِيل: اذْهَبْ فائتني بِحجر أَضَعهُ هُنَا؛ ليَكُون علما للنَّاس يبتدئون مِنْهُ الطّواف وَفِي رِوَايَة: ليقتدي النَّاس بِهِ فَذهب إِسْمَاعِيل إِلَى الْوَادي يطْلب حجرا، فَأَتَاهُ بِحجر فَلم يرضه، فَذهب فَطلب حجرا آخر، فجَاء جِبْرِيل بِالْحجرِ الْأسود وَفِي رِوَايَة: نزل بِهِ من الْجنَّة وَفِي رِوَايَة: جَاءَ بِهِ من أبي قبيس؛ لِأَنَّهُ كَانَ استودع أَبُو قبيس الرُّكْن زمَان الْغَرق على مَا قيل وَفِي رِوَايَة: لما غرقت الأَرْض استودع الله أَبَا قبيس الْحجر الْأسود، وَقَالَ: إِذا رَأَيْت خليلي يَبْنِي لي بَيْتا فأعطه إِيَّاه. فَلَمَّا ابْتغى إِبْرَاهِيم عليه السلام الْحجر الْأسود ناداه من أبي قبيس أَلا أَنا هَذَا فرقي إِلَيْهِ إِبْرَاهِيم فَأَخذه
فَوضع بالموضع الَّذِي هُوَ فِيهِ الْيَوْم وَفِي رِوَايَة: صَاح أَبُو قبيس يَا إِبْرَاهِيم يَا خَلِيل الرَّحْمَن إِن لَك عِنْدِي وَدِيعَة فَخذهَا، فَإِذا هُوَ بِحجر أَبيض من ياقوت الْجنَّة، فجَاء إِسْمَاعِيل فَوجدَ إِبْرَاهِيم قد وضع الْحجر فِي مَكَانَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَت من أَيْن لَك هَذَا الْحجر؟ قَالَ: جائني بِهِ من لم يكلني إِلَيْك وَلَا إِلَى حجرك وَفِي رِوَايَة: من عِنْد من لم يتكل على بنائي وبنائك وَفِي رِوَايَة: وضع جِبْرِيل الْحجر فِي مَكَانَهُ وَبنى عَلَيْهِ وَهُوَ حِينَئِذٍ يتلألأ تلألؤا من شدَّة بياضه، فأضاء نوره شرقاً وغرباً ويمناً وشاماً، فَكَانَ نوره يضيء إِلَى مُنْتَهى أنصاب الْحرم من كل نَاحيَة من نواحي الْحرم، وَقيل: إِنَّمَا شدَّة سوَاده؛ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ الْحَرِيق مرّة بعد مرّة فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام؛ فَأَما حريقه فِي الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُ ذهبت امْرَأَة فِي زمن قُرَيْش تجمر الْكَعْبَة، فطارت شرارة من أستاء الْكَعْبَة، فأحرقت الْكَعْبَة فَاحْتَرَقَ الرُّكْن الْأسود واسود وتوهنت الْكَعْبَة، وَكَانَ هُوَ الَّذِي هاج قُريْشًا على هدمها وبنائها. وَأما حريقه فِي الْإِسْلَام فَفِي عصر ابْن الزبير أَيَّام حاصره الْحصين بن نمير الْكِنْدِيّ، احترقت الْكَعْبَة وَاحْتَرَقَ الرُّكْن فتفلق ثَلَاث فلق حَتَّى شعبه ابْن الزبير بِالْفِضَّةِ، وَقيل: سوَاده لِمَعْنى آخر وَتقدم فِي بَاب الْفَضَائِل. وَجعل إِبْرَاهِيم طول الْبَيْت فِي السَّمَاء تِسْعَة أَذْرع، وَعرضه فِي الأَرْض اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا من الرُّكْن الْأسود إِلَى الرُّكْن الشَّامي الَّذِي هُوَ عِنْد الْحجر من وَجهه، وَجعل عرض مَا بَين الرُّكْن الشَّامي إِلَى الرُّكْن الغربي الَّذِي فِيهِ الْحجر اثْنَيْنِ وَعشْرين ذِرَاعا، وَجعل عرض ظهرهَا من الرُّكْن الغربي إِلَى الرُّكْن الْيَمَانِيّ أحدا وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا، وَجعل عرض شقها الْيَمَانِيّ من الرُّكْن الْأسود إِلَى الرُّكْن الْيَمَانِيّ عشْرين ذِرَاعا، فَلذَلِك سميت الْكَعْبَة؛ لِأَنَّهَا على خلقَة الكعب، وَكَذَلِكَ بُنيان أساس آدم عليه السلام وَجعل بَابهَا بِالْأَرْضِ غير مبوب، حَتَّى كَانَ تبع أسود الْحِمْيَرِي هُوَ الَّذِي جعل لَهَا بَابا وغلقاً فارسياً وَكَسَاهَا كسْوَة تَامَّة وَنحر عِنْدهَا. وَجعل إِبْرَاهِيم الْحجر إِلَى جنب الْبَيْت عريّاً من أَرَاك يقتحمه الْغَيْر فَكَانَ زرباً لغنم إِسْمَاعِيل عليه السلام وحفر إِبْرَاهِيم عليه السلام جبا فِي بطن الْكَعْبَة على يَمِين
من دخله يكون خزانَة الْبَيْت، يلقى فِيهِ مَا يهدي للكعبة، وَهُوَ الْجب الَّذِي نصب عَلَيْهِ عَمْرو بن لحي هُبل الصَّنَم الَّتِي كَانَت قُرَيْش تعبده وتستقسم عِنْده بالأزلام حِين جَاءَ بِهِ من هيت من أَرض الجزيرة. قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي التَّفْسِير فِي سُورَة الْبَقَرَة: رُوِيَ أَن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل لما فرغا من بِنَاء الْبَيْت أعطاهما الله الْخَيل جَزَاء عَن رفع قَوَاعِد الْبَيْت. وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الْخَيل وحشاً كَسَائِر الوحوش، فَلَمَّا أذن لإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل بِرَفْع الْقَوَاعِد قَالَ الله تَعَالَى: إِنِّي معطيكما كنزاً ادخرته لَكمَا، ثمَّ أوحى إِلَى إِسْمَاعِيل أَن اخْرُج إِلَى أجياد فَادع يأتك الْكَنْز، فَخرج إِلَى أجياد وَلَا يدْرِي مَا الدُّعَاء وَلَا الْكَنْز فألهمه فَلم يبْق على وَجه الأَرْض فرس بِأَرْض الْعَرَب إِلَّا أَجَابَتْهُ، فأمكنه من نَوَاصِيهَا وذللها لَهُ فاركبوها واعلفوها فَإِنَّهَا ميامين وَهِي مِيرَاث أبيكم إِسْمَاعِيل. وَسمي الْفرس فرسا؛ لِأَنَّهُ يفترس مسافات الجو افتراس الْأسد وثوباً ويقطعها بيدَيْهِ خبطاً وتناولاً، وسمى خيلاً؛ لِأَنَّهَا موسومة بالغر، وسمى عَرَبيا لِأَنَّهُ أعْطِيه إِسْمَاعِيل، وَإِسْمَاعِيل عَرَبِيّ فَصَارَت لَهُ نحلة من الله. لأرض فرس بِأَرْض الْعَرَب إِلَّا أَجَابَتْهُ، فأمكنه من نَوَاصِيهَا وذللها لَهُ فاركبوها واعلفوها فَإِنَّهَا ميامين وَهِي مِيرَاث أبيكم إِسْمَاعِيل. وَسمي الْفرس فرسا؛ لِأَنَّهُ يفترس مسافات الجو افتراس الْأسد وثوباً ويقطعها بيدَيْهِ خبطاً وتناولاً، وسمى خيلاً؛ لِأَنَّهَا موسومة بالغر، وسمى عَرَبيا لِأَنَّهُ أعْطِيه إِسْمَاعِيل، وَإِسْمَاعِيل عَرَبِيّ فَصَارَت لَهُ نحلة من الله. قَالَ الثَّعْلَبِيّ فِي العرائس: وَكَانَ إِبْرَاهِيم عبرانياً وَإِسْمَاعِيل عَرَبيا فألهم الله أَحدهمَا لِسَان صَاحبه، فَكَانَ إِبْرَاهِيم يَقُول: رب هَب لي كيناً يَعْنِي هَات حجرا فَيَقُول لَهُ إِسْمَاعِيل: هُنَاكَ فَخذه. وَقَالَ الْمرْجَانِي فِي " بهجة النُّفُوس ": وَكَانَ إِبْرَاهِيم يتَكَلَّم بالعبرانية وَكَذَلِكَ إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق، وَذَلِكَ أَن إِبْرَاهِيم لما خرج هرب من كوثى وَخرج من النَّار عبر الْفُرَات وَلسَانه سرياني فَغير لِسَانه، فَقيل: عبراني حَيْثُ عبر الْفُرَات فَبعث نمْرُود فِي أَثَره، وَقَالَ: لَا تدعوا من يتَكَلَّم بالسُّرْيَانيَّة إِلَّا ائْتُونِي بِهِ، فوجدوا إِبْرَاهِيم يتَكَلَّم بالعبرانية فَتَرَكُوهُ وَلم يعرفوه، وَكَانَ سنّ إِبْرَاهِيم عليه السلام حِين أَمر بِبِنَاء الْبَيْت مائَة سنة، وَسن إِسْمَاعِيل سِتَّة وَثَلَاثِينَ سنة، وَفِي رِوَايَة ذكرهَا الْأَزْرَقِيّ: إِن سنّ إِسْمَاعِيل يَوْمئِذٍ عشرُون سنة. وَاعْلَم أَن إِبْرَاهِيم عليه السلام أول نَبِي بعد نوح، وَأول من لبس
السَّرَاوِيل، وجاريته قنطوراً هِيَ أم التّرْك، اختتن بالقدوم، وَقيل: بالقدوم الْمَعْرُوف، وَقيل: مَوضِع يُقَال لَهُ: الْقدوم بالقدوم، وَكَانَ لَهُ يَوْم اختتن ثَمَانُون سنة، وَقيل: مائَة وَعِشْرُونَ، وعاش بعْدهَا ثَمَانِينَ سنة، وَقيل: مَاتَ وعمره مِائَتَا سنة، وَقيل: مائَة وَخمْس وَتسْعُونَ سنة، وَدفن عِنْد قبر سارة، واختتن إِسْمَاعِيل لثَلَاثَة عشر شهرا، وَإِسْحَاق لسبعة أَيَّام، وَكَانَ عمر إِبْرَاهِيم يَوْم ألقِي فِي النَّار سِتَّة عشر سنة، وَبَردت النَّار تِلْكَ اللَّيْلَة، وَفِي ذَلِك الصَّباح فِي سَائِر أقطار الأَرْض فَلم ينْتَفع أحد فِي الدُّنْيَا بِنَار، وَسموا تِلْكَ اللَّيْلَة نيروزاً، والنيروز بالسرياني عيد وَكَانَ استدلاله بالكواكب وَهُوَ ابْن خَمْسَة عشر شهرا، وَأنزل عَلَيْهِ عشرُون صحيفَة بالخط السرياني. وَأما نوح عليه السلام فَهُوَ أول رَسُول أرْسلهُ الله إِلَى الأَرْض حَكَاهُ ابْن عَسَاكِر، وَنزل الطوفان بعد مُضِيّ سِتّمائَة سنة من عمره، وَقيل: دَعَا قومه تِسْعمائَة سنة وَخمسين سنة، وَكَانَ لَهُ قبل دُعَائِهِ ثَلَاثمِائَة سنة، وعاش بعد الطوفان ثَلَاثمِائَة وَخمسين سنة، وَقيل: عَاشَ بعد الطوفان خَمْسمِائَة عَام، وَأرْسل الطوفان لثلاث عشرَة خلت من آب، وَركب نوح الْفلك لعشرين خلون من رَجَب، وَصَامَ نوح رَجَب فِي السَّفِينَة، وَجَرت بهم السَّفِينَة إِلَى يَوْم عَاشُورَاء حَكَاهُ
عِكْرِمَة، وَقيل: أَقَامَ على المَاء نَحْو سنة، وَقيل: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقيل: أَرْبَعِينَ سنة قَالَه وهب فِي كتاب " التيجان "، وَقيل: أمطر أَرْبَعِينَ يَوْمًا وغاض المَاء بعد مائَة وَخمسين يَوْمًا حَكَاهُ الشهرستاني، وَكَانَ يَوْم عَاشُورَاء يَوْم الْجُمُعَة وصامه نوح وَمن مَعَه من الْوَحْش، وَقيل: إِن يَوْم الْقِيَامَة يكون يَوْم عَاشُورَاء ويوافق يَوْم الْجُمُعَة، وأرست السَّفِينَة على الجودي وَهُوَ بِأَرْض الجزيرة شمالاً وَيُسمى النَّاظر، وَقيل: هُوَ جبل فردي بِقرب الْموصل، وَكَانَ خشب السَّفِينَة من جبل لبنان، وعملها نوح بِدِمَشْق وَأول مَا حمل فِيهَا النملة، وَقيل: الأوزة، وَآخر مَا حمل الحمارة، وَلم يكن فِي الأَرْض قبل الطوفان نهر وَلَا بَحر، ومياه الْبحار بَقِيَّة الطوفان، وَحمل فِي السَّفِينَة ثَمَانِيَة أنفس: نوح وَزَوجته غير الَّتِي عوقبت، وَبَنوهُ الثَّلَاث وزوجاتهم، وَقيل: كَانُوا سَبْعَة وَأسْقط امْرَأَة نوح. وَقيل: كَانُوا عشرَة، وَقيل: سبعين وَقيل: ثَمَانِينَ. وَعنهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " بَقِي من خشبها يَعْنِي السَّفِينَة شَيْء أدْركهُ أَوَائِل هَذِه الْأمة ". وَحمل نوح عليه السلام جَسَد آدم مَعَه فِي السَّفِينَة، وَكَانَ مولد نوح بعد موت آدم بثمانمائة سنة، وَلم يعقب أحد مِمَّن كَانَ مَعَه بالسفينة وَإِنَّمَا عقب أَوْلَاده، قَالَ تَعَالَى:" وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ ". وهم سَام وَحَام وَيَافث. وَبعد الطوفان بستمائة سنة وَسبعين، كَانَ تبلبل الألسن فافترقت اثْنَيْنِ وَسبعين لِسَانا: فِي ولد سَام تِسْعَة عشر، وَفِي ولد حام سَبْعَة عشر، وَفِي ولد يافث سِتَّة وَثَلَاثُونَ، وَكَانَ سَببه وُقُوع الصرح الَّذِي بناه هامان لفرعون وَكَانَ طول الصرح إِلَى السَّمَاء خَمْسَة آلَاف ذِرَاع وَقيل: فرسخين، كَانَ فِيهِ خَمْسُونَ ألف بِنَاء فتبلبلت الألسن وَمَات ألفا ألف. ومولد الْخَلِيل إِلَى تبلبل الألسن أَرْبَعمِائَة سنة وَإِحْدَى عشرَة سنة، وَمن مولده أَيْضا إِلَى مولد مُوسَى أَرْبَعمِائَة وَخمْس وَعِشْرُونَ سنة، وَمن هبوط آدم إِلَى مَجِيء الطوفان على مَا قَالَه اثْنَان وَسَبْعُونَ حبرًا من بني إِسْرَائِيل نقلوا التَّوْرَاة إِلَى اليونانية: بَينهمَا أَلفَانِ ومائتان وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ سنة، وَإِلَى وَفَاة مُوسَى ثَلَاثَة
آلَاف وَثَمَانمِائَة وَثَمَانِية وَسِتُّونَ سنة. وَقَالَ آخَرُونَ من بني إِسْرَائِيل المقيمين على العبرانية الَّتِي يتداولها جُمْهُور الْيَهُود فِي وقتنا: إِن من هبوط آدم إِلَى مَجِيء الطوفان ألف وسِتمِائَة وست وَخَمْسُونَ سنة، وَمن انْقِضَاء الطوفان إِلَى تبلبل الألسن مائَة وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ سنة، وَمن التبلبل إِلَى مولد الْخَلِيل مائَة وَإِحْدَى وَسِتُّونَ سنة، وَمن مولده عليه السلام إِلَى وَفَاة مُوسَى خَمْسمِائَة وَخمْس وَأَرْبَعُونَ سنة، وَمن وَفَاته عليه السلام إِلَى ابْتِدَاء ملك بخْتنصر تِسْعمائَة وثمان وَسَبْعُونَ سنة، وَإِلَى ملك الْإِسْكَنْدَر ألف وَأَرْبَعمِائَة وَثَلَاث عشرَة سنة، وَولد عِيسَى لسبع مائَة وتسع وَثَلَاثِينَ سنة من ملك بخْتنصر ولثلاثمائة وَأَرْبع وَسِتِّينَ سنة من ملك الْإِسْكَنْدَر، وَمن ملك بخْتنصر إِلَى ابْتِدَاء الْهِجْرَة ألف وثلاثمائة وتسع وَسِتُّونَ سنة، وَمن ملك بختنصّر إِلَى ابْتِدَاء الْهِجْرَة تِسْعمائَة وَخمْس وَسِتُّونَ سنة، فَكَانَ بَين مُوسَى وَابْتِدَاء الْهِجْرَة أَلفَانِ وثلاثمائة وَسبع وَأَرْبَعُونَ سنة، ومولد عِيسَى بعد ألف وَسَبْعمائة وَسبع عشرَة سنة من موت مُوسَى، وَقيل: سِتّمائَة وَثَلَاثِينَ سنة من ابْتِدَاء الْهِجْرَة. ويروي الْكَلْبِيّ عَن ابْن عَبَّاس: إِن النَّاس خَرجُوا من السَّفِينَة بِبَابِل، ثمَّ ضَاقَتْ بهم حَتَّى نزلُوا مَوضِع بابل اثْنَا عشر فرسخاً فِي مثلهَا، وَكَانَ سورها عِنْد النّيل وبابها يَوْمئِذٍ عِنْد بَاب وردان، فملكهم يَوْمئِذٍ نمْرُود بن كنعان بن حام، فَلَمَّا كفرُوا بلبل الله ألسنتهم على اثْنَيْنِ وَسبعين لِسَانا، وَفهم الله الْعَرَبيَّة عمليق وَغَيرهم من بني سَام، فَنزلت العماليق صنعاء ثمَّ تحولت فَنزلت بِمَكَّة، وَقيل: لما تبلبلت الألسن سلبوا اللِّسَان السرياني إِلَّا أهل الجودي، وأجرى جِبْرِيل على لِسَان كل أمة لُغَة، وأفصح عَابِر بِالْعَرَبِيَّةِ وَتكلم مَعَ عَابِر جَمِيع إخْوَته وَبَنُو عَمه مَا خلا الْفرس فَإِنَّهَا تَكَلَّمت بالعجمي، وَأول من تكلم بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ عزقيل بن ساروم بن خاموز بن قنالخ بن أرفخشذ، وَأول من جرت الفارسية على لِسَانه شاهور بن خاموز بن باقر بن سَام، وَأول من جرت الحبشية على لِسَانه سلحب بن باداد بن زباهاش بن شوعان بن كوش بن حام بن نوح، فَهَذِهِ أصُول الألسن. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَأول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ إِسْمَاعِيل عليه السلام، وَأول من كتب بِالْعَرَبِيَّةِ مرامر بن مروة من أهل الأنبار. وَقَالَ السُّهيْلي: وَعنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: " أول من كتب بِالْعَرَبِيَّةِ إِسْمَاعِيل ". قَالَ أَبُو عَمْرو: وَهَذِه الرِّوَايَة أصح من رِوَايَة من روى:
" أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ إِسْمَاعِيل ". وَالْخلاف كثير فِي أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ، وَفِي أول من أَدخل الْكتاب الْعَرَبِيّ أَرض الْحجاز فَقيل: حَرْب بن أُميَّة، وَقيل: سُفْيَان بن أُميَّة، وَقيل: عبد بن قصي تعلموه بِالْحيرَةِ، وتعلمه أهل الْحيرَة من أهل الأنبار. انْتهى. وَأول من نقش على الدَّرَاهِم بِالْعَرَبِيَّةِ عبد الْملك بن مَرْوَان. قَالَ الشّعبِيّ: وَكَلَام النَّاس يَوْم الْقِيَامَة بالسرياني، وروى الْأَصْحَاب فِي كتبهمْ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ:" الْعَرَبِيّ والفارسي لِسَانا أهل الْجنَّة ". وَأما شِيث فولد بعد مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة من عمر آدم عليه السلام، وَمَات وَله تِسْعمائَة واثنتا عشرَة سنة، فَكَانَ قِيَامه بِالْأَمر بعد آدم مِائَتَيْنِ واثنتا عشرَة سنة، واختتن فِي نبوته، وَأنزل عَلَيْهِ خَمْسُونَ صحيفَة، وَقيل: ثَلَاثُونَ، وَقيل: عشرَة، وَبنى الْكَعْبَة بالطين وَحج وولدته حَوَّاء مُفردا، وَكَانَت تَلد ذكرا وَأُنْثَى فِي كل بطن فولدته مُفردا. قَالَ الْمرْجَانِي: يَعْنِي بَدَلا من هابيل. وَأما آدم عليه السلام فيكنى أَبَا مُحَمَّد بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبا الْبشر أَيْضا، وآدَم عبراني، وَقيل: عَرَبِيّ خلقه الله من قَبْضَة قبضهَا من جَمِيع الأَرْض فجَاء بنوه على قدر الأَرْض ذَوي ألوان، يرْوى أَنه قَالَ: يَا رب لم سميتني آدم؟ قَالَ: لِأَنِّي خلقتك من أَدِيم الأَرْض، وأديم الأَرْض وَجههَا، وَخلق الله حَوَّاء من ضلعه الْأَيْسَر وَسميت حَوَّاء؛ لِأَنَّهَا خلقت من حَيّ وخلقت قبل دُخُول الْجنَّة، وَاخْتلف فِي الشَّجَرَة الَّتِي أكلهَا، فَقيل: شَجَرَة الكافور أَو الْحَيَاة أَو الكرمة أَو النَّخْلَة أَو السنبلة أَو الحلبة أَو التِّين أَو الحنظلة وَكَانَت حلوة، وأهبط على جبل لبنان أَو الجودي أَو سرنديب أَو نوى أَو اسْم، وحواء بجدة، وإبليس على سَاحل بَحر أَيْلَة بِفَتْح الْهمزَة، وَقيل: بيسان، والحية بالبربر وَقيل: بأصبهان، والطاووس بِأَرْض بابل، فأهبط آدم من بَاب التَّوْبَة، وحواء من بَاب الرَّحْمَة، وإبليس من بَاب اللَّعْنَة، والطاووس من بَاب الْغَضَب، والحية من بَاب السخط وَكَانَ وَقت الْعَصْر، وَقيل: أهبط آدم بَين الظّهْر وَالْعصر من بَاب يُقَال لَهُ: الميرم حذاء الْبَيْت الْمَعْمُور، وَقيل: من بَاب الْمِعْرَاج، وَمكث فِي الْجنَّة نصف يَوْم من أَيَّام الْآخِرَة وَذَلِكَ خَمْسمِائَة عَام، وَمكث على جبل الْهِنْد مائَة سنة يبكي وَأنْبت الله العشب من دُمُوعه مِنْهُ: الدَّار صيني والقرفة والقرنفل، وَكَانَ رَأسه يمس السَّحَاب فصلع
فتوارثه ذُريَّته، وخفضت قامته إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعا بذراعه، وَحج أَرْبَعِينَ حجَّة، وَكَانَت خطوته مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام، وَهُوَ أول من ضرب الدِّينَار وَالدِّرْهَم، وَكَانَ أَمْرَد وَإِنَّمَا نَبتَت اللحى لذريته، وأنزلت عَلَيْهِ حُرُوف المعجم فِي إِحْدَى وَعشْرين ورقة، وَنزل عَلَيْهِ عشر صَحَائِف وَجَمِيع الصُّحُف مائَة وَأَرْبَعَة: كتب على آدم عشر، وعَلى شِيث خَمْسُونَ، وعَلى إِدْرِيس ثَلَاثُونَ، وعَلى إِبْرَاهِيم عشرَة، والتوراة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْفرْقَان نزل بهَا جِبْرِيل عليه السلام، وَعنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ:" أنزلت صحف إِبْرَاهِيم أول لَيْلَة من رَمَضَان، والتوراة لستّ مضين من رَمَضَان، وَالْإِنْجِيل لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت مِنْهُ، وَالزَّبُور لثماني عشرَة لَيْلَة خلت مِنْهُ، وَالْفرْقَان لأَرْبَع وَعشْرين مِنْهُ ". وَبَين نزُول أول الْقُرْآن وَآخره عشرُون سنة. وَكَانَ آدم من المصطفين دون سَائِر الْمُرْسلين، وَلم يمت حَتَّى بلغ وَلَده وَولد وَلَده أَرْبَعِينَ ألفا، وَقيل: صلى خَلفه ألف رجل غير بني بنيه، وَورد أَن الله شفعه من ذُريَّته فِي مائَة ألف ألف وَعشرَة آلَاف ألف. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: تكلم آدم بسبعمائة ألف لُغَة أفضلهَا الْعَرَبيَّة، وَكَانَ الْقَمْح فِي زَمَنه كبيض النعام وَلم يزل إِلَى أَيَّام إِدْرِيس ثمَّ نقص مِنْهُ قَلِيل، ثمَّ نقص أَيَّام فِرْعَوْن ثمَّ نقص أَيَّام إلْيَاس فَصَارَ كبيض الدَّجَاج، ثمَّ نقص أَيَّام عِيسَى، ثمَّ نقص أَيَّام يحيى فَصَارَ فِي أَيَّام بخْتنصر كالبندق وَكَذَلِكَ كَانَ فِي أَيَّام عَزِيز فَلَمَّا قَالَت الْيَهُود: عُزَيْر ابْن الله، صَار قدر الحمص، ثمَّ صَار إِلَى مَا ترى قَالَه كَعْب الْأَحْبَار، وَمَاتَتْ حَوَّاء قبل آدم بعامين وعمرها سَبْعمِائة سنة وتسع وَعِشْرُونَ سنة، وَقيل: مَاتَت بعده بعامين، وَقيل: بست سِنِين، وَمَات آدم يَوْم الْجُمُعَة وَوَافَقَ من شهور السرياني لعشرين من نيسان، مَاتَ على الْجَبَل الَّذِي أهبط عَلَيْهِ، وَصلى عَلَيْهِ شِيث وكبّر عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ وَحمله نوح فِي السَّفِينَة، قيل: وَحمل حَوَّاء مَعَه،
وَدَفنه بِبَيْت الْمُقَدّس بعد الطوفان، وَقل: صلت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة وحفروا لَهُ بجبل أبي قبيس ثمَّ حمله نوح ثمَّ إِلَى مَكَانَهُ بِالْجَبَلِ، وَقيل: قبر آدم فِي مَشَارِق الفردوس. قَالَ الْمرْجَانِي فِي " بهجة النُّفُوس ": وَالظَّاهِر أَن قبر آدم بِالشَّام يَعْنِي دمشق لِأَنَّهَا كَانَت أرضه وَبهَا مَقْبرَة الفراديس، وَقيل: دَفَنته الْمَلَائِكَة بِمَسْجِد الْخيف حَكَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي " درياق الْقُلُوب "، وآدَم الْآن فِي سَمَاء الدُّنْيَا، وَلَا يُسمى أحد خَليفَة الله تَعَالَى بعد آدم عليه السلام وانقرض نسل آدم بالطوفان إِلَّا نسل شِيث. قَالَ الطوسي: وَبَلغنِي أَن من كتب للمطلقة آدم وحواء وضعت. انْتهى. وَالله أعلم. وَقدم علينا حاجّاً سنة عشر وَثَمَانمِائَة رجل شرِيف دلوالي وَذكر لنا أَنه رَحل بِلَاد سرنديب وَأَن أَهلهَا كفار، وَأَنه صعد جبل سرنديب وَكَانَ صُعُوده فِيهِ من طُلُوع الْفجْر وَوصل أَعْلَاهُ غرُوب الشَّمْس، قَالَ: وَفَوق جبل سرنديب جبل آخر على هَيْئَة المنارة وقدرها بل أَعلَى مِنْهَا، يصعد إِلَى أَعلَى هَذَا الْجَبَل بسلاسل من حَدِيد يضع الْإِنْسَان فِيهَا رجله وَيتَعَلَّق ثمَّ هَكَذَا إِلَى أَن يصعد إِلَى أَعْلَاهُ، وَأَنه لَا يُمكن الصعُود عَلَيْهِ إِلَّا على هَذِه الصّفة، قَالَ: وَفَوق هَذَا الْجَبَل أَيْضا جبل آخر صَغِير فِيهِ أثر قدم آدم عليه السلام غائصاً فِي الصَّخْرَة على سمت الْقبْلَة بِحَيْثُ إِن الْقَائِم عَلَيْهِ يسْتَقْبل الْقبْلَة وَله خمس أَصَابِع، وَذكر أَنه قَاس طول قدمه وَعرضه وَطول إبهامه بمنديل كَانَ مَعَه وَعلم ذَلِك عَلَامَات، فَرَأَيْت هَذَا المنديل مَعَه فقست طول قدمه من رَأس الْإِبْهَام إِلَى آخرهَا ثَلَاثَة أَذْرع وثلثي ذِرَاع وَطول الْإِبْهَام إِلَى الْمفصل شبر وَعرض الْقدَم ثَلَاثَة أشبار وَأَرْبع أَصَابِع كل ذَلِك بِذِرَاع الْحَدِيد، وَذكر أَنه لم ير إِلَّا قدماً وَاحِدًا وَأَن تَحت قدمه غديراً فِي صَخْرَة ممتلئ بهَا مَاء أحلى من الْعَسَل، وَله عينان تجريان إِحْدَاهمَا عَن يَمِين الْقدَم وَالْأُخْرَى عَن يسَاره ينصبان إِلَى أَسْفَل الْجَبَل وَإِلَى الْبَحْر، ومسيل مَاء الْعَينَيْنِ يشم