المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صورة مجىء ملك الوحى فى هيئة رجل - تاريخ نزول القرآن

[محمد رأفت سعيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التعريف بالوحى

- ‌صور الوحى وما تحقق منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌رؤية النبى صلى الله عليه وسلم للملك

- ‌صورة مجىء ملك الوحى فى هيئة رجل

- ‌النفث فى الرّوع

- ‌كيفية إتيان الوحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌صلصلة الجرس:

- ‌ما فرض من الله تعالى ليلة المعراج

- ‌تنزلات القرآن الكريم

- ‌الحكمة من هذه التنزلات

- ‌حاجة الأمة للنزول المفرق

- ‌نقل الناس من الضلال إلى الهدى

- ‌أول ما نزل من القرآن

- ‌ترتيب الآيات القرآنية

- ‌دليل هذا الإجماع (وجمع المصحف)

- ‌ترتيب السور القرآنية

- ‌ليلة نزول القرآن الكريم

- ‌تفصيل ما تضمنته سورة العلق

- ‌سورة «القلم»

- ‌سورة «المزمل»

- ‌سورة «المدثر»

- ‌سورة «الفاتحة»

- ‌سورة «المسد»

- ‌سورة «التكوير»

- ‌سورة «الأعلى»

- ‌سورة «الليل»

- ‌سورة «الفجر»

- ‌سورة «الضحى»

- ‌سورة «الشرح»

- ‌سورة «العصر»

- ‌سورة «العاديات»

- ‌سورة «الكوثر»

- ‌سورة «التكاثر»

- ‌سورة «الماعون»

- ‌سورة «الكافرون»

- ‌سورة «الفيل»

- ‌سورة «الفلق» و «الناس»

- ‌سورة «الإخلاص»

- ‌سورة «النجم»

- ‌سورة «عبس»

- ‌سورة «القدر»

- ‌سورة «الشمس»

- ‌سورة «البروج»

- ‌سورة «التين»

- ‌سورة «قريش»

- ‌سورة «القارعة»

- ‌سورة «القيامة»

- ‌سورة «الهمزة»

- ‌سورة «المرسلات»

- ‌سورة «ق»

- ‌سورة «البلد»

- ‌سورة «الطارق»

- ‌سورة «القمر»

- ‌سورة «ص»

- ‌سورة «الأعراف»

- ‌سورة «الجن»

- ‌سورة «يس»

- ‌سورة «الفرقان»

- ‌سورة «فاطر»

- ‌سورة «مريم»

- ‌سورة «طه»

- ‌سورة «الواقعة»

- ‌سورة «الشعراء»

- ‌سورة «النمل»

الفصل: ‌صورة مجىء ملك الوحى فى هيئة رجل

‌صورة مجىء ملك الوحى فى هيئة رجل

وهى صورة أخرى من صور الوحى مع النبى صلى الله عليه وسلم، يتكلم معه الملك فى مشهد من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم. ويعنى هذا أن الجالسين يرونه، ويسمعون قوله، يتضح ذلك بتأملنا فى الحديث الذى رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل، شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد: أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» ، قال:

صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرنى عن الإيمان، قال:«أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» ، قال:

صدقت، قال: فأخبرنى عن الإحسان، قال:«أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ، قال: فأخبرنى عن الساعة، قال:«ما المسئول عنها بأعلم من السائل» ، قال: فأخبرنى عن أماراتها، قال:«أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون فى البنيان» ، قال: ثم انطلق فلبثت مليا، ثم قال لى:«يا عمر أتدري من السائل؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال:«فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» «1» .

ففي هذا الحديث الجامع الذى قال عنه القاضى عياض رحمه الله فيما حكاه النووى، فى شرحه للحديث فى صحيح مسلم:«وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة؛ من عقود الإيمان، وأعمال الجوارح، وإخلاص السرائر، والتحفظ من آفات الأعمال، حتى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه، ومتشعبة منه، قال: وعلى هذا الحديث وأقسامه الثلاثة ألّفنا كتابنا الذى سميناه ب «المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان» ؛ إذ لا يشذ شىء من الواجبات والسنن والرغائب والمحظورات والمكروهات عن أقسامه الثلاثة، والله أعلم «2» .

(1) صحيح مسلم 157 - 160.

(2)

صحيح مسلم بشرح النووى 1/ 158.

ص: 20

ففي هذا الحديث جاء جبريل فى صورة رجل يعلم الجالسين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمور دينهم، فى صورة سؤال وجواب، وهى طريقة لطيفة تيسر توصيل المفاهيم وتثبيتها، وتعين على حفظها، كما أن مجىء جبريل فى صورة رجل ليعلم الجالسين وغيرهم أدب طلب العلم فى حسن الجلوس وحسن المتابعة والإنصات، وهذه مهمة أساسية فى الإسلام فالرسول الكريم بعث معلما للعالمين، وهذا العلم الذى يعلمه هو علم النجاة، وأصحابه هم حملة هذا العلم عنه، وهم المبلغون له من بعده، ولا بدّ من حسن المنهج والسير عليه فى تلقيهم لهذا العلم وتبليغه فكانت مهمة جبريل عليه السلام فى أداء هذا الدرس العملى. والذى يحكى لنا هذا المشهد صحابى جليل من تلاميذ مجالس النبى الكريم العلمية، إنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ووصفه للمجلس كان دقيقا، ورؤيته للسائل وطريقة سؤاله كانت دقيقة، أشعرنا فيها منذ قراءتنا الأولى للحديث أن السائل ليس رجلا عاديا. فالرجل- كما جاء فى وصف عمر- طلع عليهم وهم جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعرفه من الجالسين أحد، ومعنى ذلك أنه غريب عن المكان، ويقتضى ذلك أنه قادم من سفر، ولكن المدهش أنه لا يرى عليه أثر السفر؛ لا فى ثيابه، ولا فى شعره؛ فثيابه وصفت بأنها شديدة البياض، وشدة البياض مع السفر تجعل أثر الغبار واضحا مهما كان يسيرا، فالبياض يظهره، وكذلك الشعر، شديد السواد، لا أثر لغبار الطريق عليه، وبعد وصف عمر للرجل فى ذاته، يصفه فى هيئته التعليمية؛ حيث جلس إلى النبى صلى الله عليه وسلم جلسة الأدب، فاقترب من المعلم حيث أسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، كما يضع الإنسان وهو جالس للتشهد، وأخذ يسأل، ويتابعه عمر فى أسئلته ليقدم لنا تعجبا آخر يشعرنا به أن شيئا وراء هذا الرجل، فسأل عن الإسلام، ولما أجابه النبى صلى الله عليه وسلم قال له الرجل: صدقت. وسبب التعجب أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل، وإنما هذا كلام خبير بالمسئول عنه، ولم يكن فى ذلك الوقت من يعلم هذا

غير النبى صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال عمر: فعجبنا له يسأله ويصدقه، وصدق عمر فى تعجبه وتوقعه فالرجل ليس عاديا، فإنه لما انتهى من أسئلته وانصرف وطلب النبى صلى الله عليه وسلم أن يردوه لم يجدوا أحدا، أى أنه منذ تركه للمجلس قد اختفى عنهم، فليس غريبا مسافرا، وليس بشرا منهم، بل جاء على صورة بشر ليقوم بهذه المهمة، قال الرسول لهم:«إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» .

ووصف عمر يفيد أن جبريل عليه السلام عند ما كان يأتى فى هذه الصورة البشرية ليعلم جديدا، أو ليراجع ما علم، أو غير ذلك كان مشاهدا يسمعه الجالسون ويرونه، وهذه

ص: 21

صورة من صور الوحى ومرتبة من مراتبه تم فيها بيان معنى الإسلام، ومعنى الإيمان ومعنى الإحسان، وبيان مصير الإنسان فيما يتعلق بالساعة وعلاماتها.

وإذا كان جبريل قد أتى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى صورة رجل فإنه قد يلقى ما لديه من معانى فى روع النبى صلى الله عليه وسلم بدون أن يتمثل له رجلا، وهذه صورة أخرى من صور الوحى.

ص: 22