المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التعريف بالوحى

- ‌صور الوحى وما تحقق منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌رؤية النبى صلى الله عليه وسلم للملك

- ‌صورة مجىء ملك الوحى فى هيئة رجل

- ‌النفث فى الرّوع

- ‌كيفية إتيان الوحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌صلصلة الجرس:

- ‌ما فرض من الله تعالى ليلة المعراج

- ‌تنزلات القرآن الكريم

- ‌الحكمة من هذه التنزلات

- ‌حاجة الأمة للنزول المفرق

- ‌نقل الناس من الضلال إلى الهدى

- ‌أول ما نزل من القرآن

- ‌ترتيب الآيات القرآنية

- ‌دليل هذا الإجماع (وجمع المصحف)

- ‌ترتيب السور القرآنية

- ‌ليلة نزول القرآن الكريم

- ‌تفصيل ما تضمنته سورة العلق

- ‌سورة «القلم»

- ‌سورة «المزمل»

- ‌سورة «المدثر»

- ‌سورة «الفاتحة»

- ‌سورة «المسد»

- ‌سورة «التكوير»

- ‌سورة «الأعلى»

- ‌سورة «الليل»

- ‌سورة «الفجر»

- ‌سورة «الضحى»

- ‌سورة «الشرح»

- ‌سورة «العصر»

- ‌سورة «العاديات»

- ‌سورة «الكوثر»

- ‌سورة «التكاثر»

- ‌سورة «الماعون»

- ‌سورة «الكافرون»

- ‌سورة «الفيل»

- ‌سورة «الفلق» و «الناس»

- ‌سورة «الإخلاص»

- ‌سورة «النجم»

- ‌سورة «عبس»

- ‌سورة «القدر»

- ‌سورة «الشمس»

- ‌سورة «البروج»

- ‌سورة «التين»

- ‌سورة «قريش»

- ‌سورة «القارعة»

- ‌سورة «القيامة»

- ‌سورة «الهمزة»

- ‌سورة «المرسلات»

- ‌سورة «ق»

- ‌سورة «البلد»

- ‌سورة «الطارق»

- ‌سورة «القمر»

- ‌سورة «ص»

- ‌سورة «الأعراف»

- ‌سورة «الجن»

- ‌سورة «يس»

- ‌سورة «الفرقان»

- ‌سورة «فاطر»

- ‌سورة «مريم»

- ‌سورة «طه»

- ‌سورة «الواقعة»

- ‌سورة «الشعراء»

- ‌سورة «النمل»

الفصل: ‌النفث فى الروع

‌النفث فى الرّوع

والنفث لغة: قذف الريق القليل، وهو أقل من التفل، كما ذكر الراغب فى مفرداته، ويرى الإمام البغوى أن النفث شبيه بالنفخ، والروع: الخلد والنفس، والمعنى هنا أن ملك الوحى- وهو الروح الأمين، أو الروح القدس- يلقى المعنى من غير أن يراه، ولنتأمل معنى من هذه المعانى التى جاءت عن مثل هذا الطريق، وهذه المرتبة.

قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إن روح القدس نفث فى روعى أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا فى الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته» . وهذا حديث صحيح بشواهده، أخرجه أبو نعيم فى الحلية من حديث أبى أمامة، وفى سنده عفير بن معدان وهو ضعيف وباقى رجاله ثقات، وأورده الهيثمى فى مجمع الزوائد، ونسبه للطبرانى فى الكبير وأعله بعفير بن معدان، لكن له شاهد من حديث ابن مسعود عند الحاكم، وآخر من حديث جابر عند ابن ماجة وابن حبان والحاكم كذلك، وأبى نعيم فى الحلية، وله شاهد ثالث من حديث حذيفة عند البزار. فيصح الحديث بها «1» .

وهذا المعنى الذى ألقى فى روع النبى صلى الله عليه وسلم من المعانى العظيمة التى توجه الإنسان وترشده فى أخطر القضايا التى قد تزعجه وتقلقه، والتى تقوم الصراعات الدموية حولها نتيجة الجهل بحقيقتها. إنها قضية الرزق وطلبه، فجبريل عليه السلام يلقى فى قلب النبى صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة، فالرزق مقسم ولا بدّ أن تصل إلى كل نفس قسمتها، ولن تموت حتى توفى مالها من هذه القسمة، فأما قسمة الرزق فقد جاء ذكرها صريحا فى قول الله تعالى ردا على من زعم لنفسه جدارة التنزيل عليه- أو على عظيم آخر- على مقياس العظمة الذى تخيلوه فى المال الكثير والجاه العريض، حتى يخيل إليهم أن الإنسان لا يكون أهلا لأى مكرمة إلا على أساس حجم ما يملك من هذه، ولو كانت هذه المكرمة وحيا من الله، قال تعالى: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا

(1) زاد المعاد 1/ 79.

ص: 23

بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)[الزخرف] فمسألة الرزق- إذن- بيد الرزاق ذى القوة المتين وحده وقد قسمه بين خلقه فيبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وأمرنا بالسعى والحركة والعمل الجاد النافع، ليكون جلب هذه القسمة حلالا يوافق ما يرضيه سبحانه، ولن يموت الإنسان إلا وقد استوفى ما كتب الله له من رزق، وما قدر له من مأكول ومشروب وملبوس وغيره.

فإذا كان الأمر كذلك فليطمئن الإنسان إلى هذا الوعد الكريم الذى جاء فى هذه الصورة من صور الوحى، ويتقى الله ويجمل فى الطلب، أى لا يطلب هذا الرزق المقسوم إلا من طريق جميل أحله الله، ومن كسب مشروع أباحه الله، على أن الإنسان يخطئ عند ما لا يفرق بين رزق حلال يغطى حاجاته ومسئولياته وما يتزين به فى حياته، وهذا يكفيه الحلال؛ لأن حاجات الإنسان محدودة؛ فليست له أكثر من بطن للطعام والشراب، وبدنه محدود، وحاجاته إذن محدودة يغطيها ما أحل الله من رزق، ولكن ينسى الإنسان ولا يفرق بين هذا المعنى وبين جمع المال وتكثيره حتى يصير حبه للمال حبا جما يدفعه إلى طلب المزيد منه للتكاثر فقط، وعندئذ لا يبالى؛ من حلال جمعه أم من حرام. فعن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1)[التكاثر]، قال:«يقول ابن آدم مالى، وهل لك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» . أخرجه مسلم والترمذى والنسائى وأحمد «1» .

وهذا الجمع الكثير للمال وبهذه الكيفية؛ أى بغير مبالاة من حرام أم من حلال يدل على حماقة وجهل بحقائق الأمور؛ فإنه بهذا الحب يجمع الكثير ويبخل به فلا ينفق احتسابا فى وجوه البر، وقد لا ينفق على نفسه، فيصير هذا الجمع لغيره، ويصبح هم الطلب له، والانتفاع بالمال لغيره، وعليه بعد ذلك حمل السؤال عنه، ويتضح لنا هذا المعنى من السؤال النبوى الكريم الذى وجهه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه فى قوله:«أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه؟» قالوا: يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال:«اعلموا ما تقولون» ، قالوا: ما نعلم إلا ذلك يا رسول الله، قال:«ما منكم رجل إلا مال وارثه أحب إليه من ماله» ، قالوا: كيف يا رسول الله؟

قال: «إنما مال أحدكم ما قدّم، ومال وارثه ما أخّر» . حديث صحيح «2» .

فإذا أدرك الإنسان هذه الحقائق، وعرف قسمته، وأنها بيد خالقه اتقى الله واكتفى

(1) انظر: شرح السنة النبوية 14/ 258.

(2)

شرح السنة 14/ 259، 260.

ص: 24

بالطلب الحلال الطيب الجميل، وليس عليه حرج فى أن يصل بهذا الطريق الحلال إلى ما شاء الله من مال كثير، فهذه قسمته، ولكنه بهذا الطلب الجميل سيعرف الحق ويتجنب المظالم، ويعرف سبل البر وإخراج الحقوق من ماله، فيسعد ويسعد أمته، «فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب» .

ويحذر الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث الشريف من أمر نفسى خطير قد يدفع الإنسان إلى سلوك محرم فى الطلب وهو: استبطاء وصول هذا الرزق، فإنه يأتى بالحجم الذى يقدره الله، وفى الوقت الذى يشاء فيه، رحمة بخلقه، وعلما بما يصلحهم، فلا يحمل التأخير على أن يطلب الإنسان هذا الرزق بمعصيته وارتكاب مخالفة شرعية؛ فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ولا يبارك فيه إلا إذا اكتسب بطرقه المشروعة.

بهذا التوجيه الذى جاء فى هذه المرتبة من مراتب الوحى وهى النفث فى الروع تحل قضية الرزق فيقنع المرء بالحلال، ويطلب منه المزيد، ولا يتشوف إلى مال حرام، ولا يسعى إليه، ولا يحقد، ولا يحسد إخوانه على ما آتاهم الله من فضله فلكلّ قسمته، ولا يتعجل الشيء فتحمله العجلة إلى المخالفة.

ص: 25