الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ، وَيُسَمِّيهَا أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَرْضًا. سَوَاءٌ قَرَأْتَ أَوْ غَيْرُكَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ مِنْ كِتَابٍ أَوْ حِفْظٍ، حَفِظَ الشَّيْخُ أَمْ لَا إِذَا أَمْسَكَ أَصْلَهُ هُوَ أَوْ ثِقَةٌ، وَهِيَ رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مُسَاوَاتِهَا لِلسَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ وَرُجْحَانِهِ عَلَيْهَا وَرُجْحَانِهَا عَلَيْهِ، فَحُكِيَ الْأَوَّلُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَشْيَاخِهِ وَمُعْظَمِ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَالثَّانِي عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالثَّالِثُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرِهِمَا، وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَالْأَحْوَطُ فِي الرِّوَايَةِ بِهَا: قَرَأْتُ عَلَى فُلَانٍ أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فَأَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ عِبَارَاتُ السَّمَاعِ مُقَيَّدَةً: كَحَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَأَنْشَدَنَا فِي الشِّعْرِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَمَنَعَ إِطْلَاقَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجَوَّزَهَا طَائِفَةٌ. قِيلَ: إِنَّهُ مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى الْقَطَّانِ، وَالْبُخَارِيِّ، وَجَمَاعَاتٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَمُعْظَمِ الْحِجَازِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ فِيهَا سَمِعْتُ، وَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ حَدَّثَنَا وَأَجَازَتْ أَخْبَرَنَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ وَرُوِيَ عَنِ النَّسَائِيِّ أَيْضًا وَصَارَ هُوَ الشَّائِعَ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ.
ــ
[تدريب الراوي]
الْمُعْضَلِ) فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعَنْعَنَةِ (لَا سِيَّمَا إِنْ عُرِفَ) مِنْ حَالِهِ (أَنَّهُ لَا يَقُولُ: قَالَ إِلَّا فِيمَا سَمِعَهُ مِنْهُ) كَحَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ رَوَى كُتُبَ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ بِلَفْظِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَحَمَلَهَا النَّاسُ عَنْهُ وَاحْتَجُّوا بِهَا (وَخَصَّ الْخَطِيبُ حَمْلَهُ عَلَى السَّمَاعِ بِهِ) أَيْ مَنْ عُرِفَ مِنْهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ لَا يُعْرَفُ مِنْهُ ذَلِكَ فَلَا يَحْمِلُهُ عَلَى السَّمَاعِ (وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ) .
وَأَفْرَطَ ابْنُ مَنْدَهْ فَقَالَ: حَيْثُ قَالَ الْبُخَارِيُّ " قَالَ لَنَا " فَهُوَ إِجَازَةٌ، وَحَيْثُ قَالَ " قَالَ فُلَانٌ " فَهُوَ تَدْلِيسٌ، وَرَدَّ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلُوهُ.
[القسم الثاني الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ وتسَمى عَرْضًا]
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ (الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ وَيُسَمِّيهَا أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَرْضًا) مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْقَارِئَ يَعْرِضُ عَلَى الشَّيْخِ مَا يَقْرَؤُهُ كَمَا يُعْرَضُ الْقُرْآنُ عَلَى الْمُقْرِئِ، لَكِنْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالْعَرْضِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
عُمُومٌ وَخُصُوصٌ، لِأَنَّ الطَّالِبَ إِذَا قَرَأَ كَانَ أَعَمَّ مِنَ الْعَرْضِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَقَعُ الْعَرْضُ إِلَّا بِالْقِرَاءَةِ ; لِأَنَّ الْعَرْضَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَعْرِضُ بِهِ الطَّالِبُ أَصْلَ شَيْخِهِ مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ. فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْقِرَاءَةِ، انْتَهَى.
(سَوَاءٌ قَرَأْتَ) عَلَيْهِ بِنَفْسِكَ (أَوْ قَرَأَ غَيْرُكَ) عَلَيْهِ (وَأَنْتَ تَسْمَعُ) وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ مِنْكَ أَوْ مِنْ غَيْرِكَ (مِنْ كِتَابٍ أَوْ حِفْظٍ) وَسَوَاءٌ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ (حَفِظَ الشَّيْخُ) مَا قُرِئَ عَلَيْهِ (أَمْ لَا إِذَا أَمْسَكَ أَصْلَهُ هُوَ أَوْ ثِقَةٌ) غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَهَكَذَا إِنْ كَانَ ثِقَةً مِنَ السَّامِعِينَ يَحْفَظُ مَا قُرِئَ وَهُوَ مُسْتَمِعٌ غَيْرُ غَافِلٍ، فَذَلِكَ كَافٍ أَيْضًا.
قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ الصَّلَاحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. وَالْحُكْمُ فِيهَا مُتَّجَهٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إِمْسَاكِ الثِّقَةِ لِأَصْلِ الشَّيْخِ وَبَيْنَ حِفْظِ الثِّقَةِ لِمَا يَقْرَأُ، وَقَدْ رَأَيْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمُ اكْتَفَى بِذَلِكَ، انْتَهَى.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: يَنْبَغِي تَرْجِيحَ الْإِمْسَاكِ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا عَلَى الْحِفْظِ لِأَنَّهُ خَوَّانٌ، وَشَرَطَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْقَارِئِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَعْرِفُ وَيَفْهَمُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَشَرَطَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّيْخِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ فُرِضَ مِنَ الْقَارِئِ تَحْرِيفٌ أَوْ تَصْحِيفٌ لَرَدَّهُ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ بِهَا.
(وَهِيَ) أَيِ الرِّوَايَةُ بِالْقِرَاءَةِ بِشَرْطِهَا (رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ، بِلَا خِلَافٍ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ) إِنْ ثَبَتَ عَنْهُ، وَهُوَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، رَوَاهُ الرَّامَهُرْمُزِيُّ عَنْهُ.
وَرَوَى الْخَطِيبُ عَنْ وَكِيعٍ قَالَ: مَا أَخَذْتُ حَدِيثًا قَطُّ عَرْضًا، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَالِكًا وَالنَّاسُ يَقْرَأُونَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَامٍ الْجُمَحِيُّ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ، فَقَالَ مَالِكٌ: أَخْرِجُوهُ عَنِّي.
وَمِمَّنْ قَالَ بِصِحَّتِهَا مِنَ الصَحَابَةِ فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْمَدْخَلِ ": أَنَسٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَمِنَ التَّابِعِينَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَابْنُ هُرْمُزَ، وَعَطَاءٌ، وَنَافِعٌ، وَعُرْوَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَالْحَسَنُ، وَمَنْصُورٌ، وَأَيُّوبُ. وَمِنَ الْأَئِمَّةِ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةُ، وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَشَرِيكٌ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ فِي خَلْقٍ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَرَوَى الْخَطِيبُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَدَّعُونَ تَنَطُّعَكُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ! الْعَرْضُ مِثْلُ السَّمَاعِ.
وَاسْتَدَلَّ الْحُمَيْدِيُّ ثُمَّ الْبُخَارِيُّ عَلَى ذَلِكَ «بِحَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ: لَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: " إِنِّي سَائِلُكُ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ» . الْحَدِيثُ فِي سُؤَالِهِ عَنْ شَرَائِعِ الدِّينِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ:«آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَأَبْلَغَهُمْ فَأَجَازُوهُ» أَيْ: قَبِلُوهُ مِنْهُ وَأَسْلَمُوا.
وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْمَدْخَلِ " عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْحَدَّادُ: وَعِنْدِي خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ، فَقِيلَ لَهُ: قَالَ قِصَّةُ ضِمَامٍ، «آللَّهُ أَمْرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ» .
(وَاخْتَلَفُوا فِي مُسَاوَاتِهَا لِلسَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ) فِي الْمَرْتَبَةِ (وَرُجْحَانِهِ عَلَيْهَا وَرُجْحَانِهَا عَلَيْهِ) عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
(فَحُكِيَ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ (عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَشْيَاخِهِ) مِنْ عُلَمَاءِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
الْمَدِينَةِ (وَمُعْظَمِ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمْ) وَحَكَاهُ الرَّامَهُرْمُزِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْعَالِمِ بِمَنْزِلَةِ السَّمَاعِ مِنْهُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اقْرَأُوا عَلَيَّ فَإِنَّ قِرَاءَتَكُمْ عَلَيَّ كَقِرَاءَتِي عَلَيْكُمْ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْمَدْخَلِ "، وَحَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ، قُلْتُ: وَعِنْدِي أَنَّ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا ذَكَرُوا الْمُسَاوَاةَ فِي صِحَّةِ الْأَخْذِ بِهَا رَدًّا عَلَى مَنْ كَانَ أَنْكَرَهَا لَا فِي اتِّحَادِ الْمَرْتَبَةِ.
أَسْنَدَ الْخَطِيبُ فِي " الْكِفَايَةِ " مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا وَسُئِلَ عَنِ الْكُتُبِ الَّتِي تُعْرَضُ عَلَيْهِ، أَيَقُولُ الرَّجُلُ حَدَّثَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ الْقُرْآنُ أَلَيْسَ الرَّجُلُ يَقْرَأُ عَلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُ: أَقْرَأَنِي فُلَانٌ.
وَأَسْنَدَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَأْبَى أَشَدَّ الْإِبَاءِ عَلَى مَنْ يَقُولُ: لَا يُجْزِيهِ إِلَّا السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ، وَيَقُولُ: كَيْفَ لَا يُجْزِئُكَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ وَيُجْزِئُكَ فِي الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ أَعْظَمُ.
(وَ) حُكِيَ (الثَّانِي) وَهُوَ تَرْجِيحُ السَّمَاعِ عَلَيْهَا (عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَ) حُكِيَ (الثَّالِثُ) وَهُوَ تَرْجِيحُهَا عَلَيْهِ (عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرِهِمَا وَ) هُوَ (رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ) حَكَاهَا عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ فَارِسٍ وَالْخَطِيبُ، وَحَكَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَشُعْبَةَ، وَابْنِ لَهِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، وَالْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ، وَأَبَى الْوَلِيدِ مُوسَى بْنِ دَاوُدَ الضَّبِّيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي حَاتِمٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ عِمَارَةَ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْمَدْخَلِ " عَنْ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَالِكٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَهِشَامٌ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَبَاحِ يَقُولُونَ: قِرَاءَتُكَ عَلَى الْعَالِمِ خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَةِ الْعَالِمِ عَلَيْكَ، وَاعْتَلُّوا بِأَنَّ الشَّيْخَ لَوْ غَلِطَ لَمْ يَتَهَيَّأْ لِلطَّالِبِ الرَّدُّ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ: الْقِرَاءَةُ عَلَيَّ أَثْبَتُ مِنْ أَنْ أَتَوَلَّى الْقِرَاءَةَ أَنَا.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ التَّسْوِيَةَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إِذَا قَرَأَ الشَّيْخُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
فِي كِتَابِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْهُو، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا قَرَأَ الشَّيْخُ مِنْ حَفْظِهِ فَهُوَ أَعْلَى بِالِاتِّفَاقِ.
وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ مَحَلَّ تَرْجِيحِ السَّمَاعِ مَا إِذَا اسْتَوَى الشَّيْخُ وَالطَّالِبُ، أَوْ كَانَ الطَّالِبُ أَعْلَمَ، لِأَنَّهُ أَوْعَى لِمَا يَسْمَعُ، فَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا فَقِرَاءَتُهُ أَوْلَى، لِأَنَّهَا أَضْبَطُ لَهُ.
قَالَ: وَلِهَذَا كَانَ السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَرْفَعَ الدَّرَجَاتِ، لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْرِيرُ الشَّيْخِ وَالطَّالِبِ. وَصَرَّحَ كَثِيرُونَ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِنَفْسِهِ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنَ السَّمَاعِ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْقَارِئُ وَالْمُسْتَمِعُ سَوَاءٌ.
(وَالْأَحْوَطُ) الْأَجْوَدُ (فِي الرِّوَايَةِ بِهَا) أَنْ يَقُولَ (قَرَأْتُ عَلَى فُلَانٍ) إِنْ قَرَأَ بِنَفْسِهِ (أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فَأَقَرَّ بِهِ ثُمَّ) يَلِي ذَلِكَ (عِبَارَاتُ السَّمَاعِ مُقَيَّدَةً) بِالْقِرَاءَةِ لَا مُطْلَقَةً (كَحَدَّثَنَا) بِقِرَاءَتِي أَوْ (قِرَاءَةً عَلَيْهِ) وَأَنَا أَسْمَعُ (أَوْ أَخْبَرَنَا) بِقِرَاءَتِي أَوْ (قِرَاءَةً عَلَيْهِ) وَأَنَا أَسْمَعُ أَوْ أَنْبَأَنَا أَوْ نَبَّأَنَا أَوْ قَالَ لَنَا كَذَلِكَ (وَأَنْشَدَنَا فِي الشِّعْرِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ.
وَمَنَعَ إِطْلَاقَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا) هُنَا عَبْدُ اللَّهِ (ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمْ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
قَالَ الْخَطِيبُ: وَهُوَ مَذْهَبُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ (وَجَوَّزَهَا طَائِفَةٌ قِيلَ إِنَّهُ مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ) ابْنِ أَنَسٍ، وَسُفْيَانَ (ابْنِ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى) بْنِ سَعِيدٍ (الْقَطَّانِ، وَالْبُخَارِيِّ، وَجَمَاعَاتٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَمُعْظَمِ الْحِجَازِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ) كَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَأَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، وَوَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، وَثَعْلَبٍ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَأَلَّفَ فِيهِ جُزْءًا، وَأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَحَكَاهُ عِيَاضٌ عَنِ الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
(وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ فِيهَا سَمِعْتُ) أَيْضًا وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالسُّفْيَانِيَّيْنِ. وَالصَّحِيحُ لَا يَجُوزُ، وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
وَيَقَعُ فِي عِبَارَةِ السَّلَفِيِّ فِي كِتَابِهِ " التَّسْمِيعُ " سَمِعْتُ بِقِرَاءَتِي، وَهُوَ إِمَّا تَسَامُحٌ فِي الْكِتَابَةِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الرِّوَايَةِ، أَوْ رَأْيٌّ يَفْصِلُ بَيْنَ التَّقْيِيدِ وَالْإِطْلَاقِ.
(وَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ) إِطْلَاقَ (حَدَّثَنَا وَأَجَازَتْ) إِطْلَاقَ (أَخْبَرَنَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَذْهَبُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ) عَزَاهُ لَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ الْجَوْهَرِيُّ فِي كِتَابِ " الْإِنْصَافِ " قَالَ: فِإِنَّ أَخْبَرَنَا عَلَمٌ يَقُومُ مَقَامَ قَائِلِهِ أَنَا قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ لَفَظَ بِهِ لِي.
(وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ) .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَقِيلَ إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الْفَرْقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ بِمِصْرَ، وَهَذَا يَدْفَعُهُ النَّقْلُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ، إِلَّا أَنْ يَعْنِيَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِمِصْرَ (وُرُوِيَ عَنِ النَّسَائِيِّ أَيْضًا) حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ الْمَذْكُورُ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: (وَصَارَ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا (هُوَ الشَّائِعَ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ) وَهُوَ اصْطِلَاحٌ مِنْهُمْ، أَرَادُوا بِهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، وَالِاحْتِجَاجُ لَهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ فِيهِ عَنَاءٌ وَتَكَلُّفٌ.
قَالَ: وَمِنْ أَحْسَنِ مَا حُكِيَ عَمَّنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ مَا حَكَاهُ الْبَرْقَانِيُّ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْهَرَوِيِّ أَحَدِ رُؤَسَاءِ الْحَدِيثِ بِخُرَاسَانَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى بَعْضِ الشُّيُوخِ عَنِ الْفِرَبْرِيِّ " صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ "، وَكَانَ يَقُولُ لَهُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ: حَدَّثَكُمُ الْفِرَبْرِيُّ، فَلَمَّا فَرَغَ الْكِتَابُ سَمِعَ الشَّيْخَ يَذْكُرُ أَنَّهُ إِنَّمَا سَمِعَ الْكِتَابَ مِنَ الْفِرَبْرِيِّ قِرَاءَةً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
عَلَيْهِ، فَأَعَادَ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ كُلِّهِ وَقَالَ فِي جَمِيعِهِ أَخْبَرَكُمُ الْفِرَبْرِيُّ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَكَأَنَّهُ كَانَ يَرَى إِعَادَةَ السَّنَدِ فِي كُلِّ حَدِيثٍ، وَهُوَ تَشْدِيدٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي.
1 -
فَائِدَةٌ:
قَوْلُ الرَّاوِي " أَخْبَرَنَا سَمَاعًا أَوْ قِرَاءَةً ": هُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ أَتَيْتُهُ سَعْيًا وَكَلَّمْتُهُ مُشَافَهَةً. وَلِلنُّحَاةِ فِيهِ مَذَاهِبُ:
أَحَدُهَا وَهُوَ رَأْيُ سِيبَوَيْهِ: أَنَّهَا مَصَادِرُ وَقَعَتْ مَوْقِعَ فَاعِلٍ حَالًا، كَمَا وَقَعَ الْمَصْدَرُ مَوْقِعَهُ نَعْتًا فِي " زَيْدٌ عَدْلٌ " وَأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهَا إِلَّا مَا سُمِعَ، وَلَا يُقَاسُ.
فَعَلَى هَذَا اسْتِعْمَالُ الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الرِّوَايَةِ مَمْنُوعٌ، لِعَدَمِ نُطْقِ الْعَرَبِ بِذَلِكَ.
الثَّانِي: وَهُوَ لِلْمُبَرِّدِ، أَنَّهَا لَيْسَتْ أَحْوَالًا بَلْ مَفْعُولَاتٍ لِفِعْلٍ مُضْمَرٍ مِنْ لَفْظِهَا