الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثًّانِيَةُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اعْتِنَاؤُهُ بِضَبْطِ الْمُلْتَبِسِ مِنَ الْأَسْمَاءِ أَكْثَرَ.
وَيُسْتَحَبُّ ضَبْطُ الْمُشْكَلِ فِي نَفْسِ الْكِتَابِ وَكَتْبُهُ مَضْبُوطًا وَاضِحًا فِي الْحَاشِيَةِ قُبَالَتَهُ.
وَيُسْتَحَبُّ تَحْقِيقُ الْخَطِّ دُونَ مَشْقِهِ وَتَعْلِيقِهِ، وَيُكْرَهُ تَدْقِيقُهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ: كَضِيقِ الْوَرَقِ وَتَخْفِيفِهِ لِلْحِمْلِ فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ، وَيَنْبَغِي ضَبْطُ الْحُرُوفِ الْمُهْمَلَةِ، قِيلَ: تُجْعَلُ تَحْتَ الدَّالِ، وَالرَّاءِ، وَالسِّينِ، وَالصَّادِ وَالطَّاءِ، وَالْعَيْنِ النُّقَطُ الَّتِي فَوْقَ نَظَائِرِهَا. وَقِيلَ: فَوْقَهَا كَقُلَامَةِ الظُّفُرِ مُضْطَجِعَةً عَلَى قَفَاهَا، وَقِيلَ: تَحْتَهَا حَرْفٌ صَغِيرٌ مِثْلُهَا، وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْقَدِيَمَةِ فَوْقَهَا خَطٌّ صَغِيرٌ. وَفِي بَعْضِهَا تَحْتَهَا هَمْزَةٌ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْطَلِحَ مَعَ نَفْسِهِ بِرَمْزٍ لَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ، وَإِنْ فَعَلَ فَلْيُبَيِّنْ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَوْ آخِرِهِ مُرَادَهُ وَأَنْ يَعْتَنِيَ بِضَبْطِ مُخْتَلَفِ الرِّوَايَاتِ وَتَمْيِيزِهَا فَيَجْعَلَ كِتَابَهُ عَلَى رِوَايَةٍ. ثُمَّ مَا كَانَ فِي غَيْرِهَا مِنْ زِيَادَاتٍ أَلْحَقَهَا فِي الْحَاشِيَةِ أَوْ نَقْصٍ أَعْلَمَ عَلَيْهِ أَوْ خِلَافٍ كَتَبَهُ، مُعَيِّنًا فِي كُلِّ ذَلِكَ مَنْ رَوَاهُ بِتَمَامِ اسْمِهِ لَا رَامِزًا إِلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَوَّلَ الْكِتَابِ أَوْ آخِرَهُ، وَاكَتَفَى كَثِيرُونَ بِالتَّمْيِيزِ بِحُمْرَةٍ، فَالزِّيَادَةُ تُلْحَقُ بِحُمْرَةٍ وَالنَّقْصُ يُحَوِّقُ عَلَيْهِ بِحُمْرَةٍ مُبَيِّنًا اسْمَ صَاحِبِهَا أَوَّلَ الْكِتَابِ أَوْ آخِرَهُ.
ــ
[تدريب الراوي]
النَّقْطِ (وَالْإِعْرَابِ) أَيِ الشَّكْلِ (إِلَّا فِي الْمُلْتَبِسِ) إِذْ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِمَا فِي غَيْرِهِ.
(وَقِيلَ: يُشْكَلُ الْجَمِيعُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهُوَ الصَّوَابُ لَا سِيَّمَا لِلْمُبْتَدِي وَغَيْرِ الْمُتَبَحِّرِ فِي الْعِلْمِ ; فَإِنَّهُ لَا يُمَيِّزُ مَا يُشْكَلُ مِمَّا لَا يُشْكَلُ. وَلَا صَوَابَ وَجْهِ إِعْرَابِ الْكَلِمَةِ مِنْ خَطَئِهِ.
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَرُبَّمَا ظَنَّ أَنَّ الشَّيْءَ غَيْرُ مُشْكَلٍ لِوُضُوحِهِ. وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَحَلُّ نَظَرٍ مُحْتَاجٍ إِلَى الضَّبْطِ.
وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافٌ فِي مَسَائِلَ مُرَتَّبَةٍ عَلَى إِعْرَابِ الْحَدِيثِ. كَحَدِيثِ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» ، فَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ. بِنَاءً عَلَى رَفْعِ ذَكَاةِ أُمِّهِ، وَرَجَّحَ الْحَنَفِيَّةُ الْفَتْحَ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْ يُذَكِّي مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ.
[الثانية الاعتناء بضبط الملتبس من الأسماء]
(الثَّانِيَةُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اعْتِنَاؤُهُ بِضَبْطِ الْمُلْتَبِسِ مِنَ الْأَسْمَاءِ أَكْثَرَ) ، فَإِنَّهَا لَا تُسْتَدْرَكُ بِالْمَعْنَى وَلَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا بِمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ النَّجِيرَمِيُّ: أَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِالضَّبْطِ أَسْمَاءُ النَّاسِ ; لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الْقِيَاسُ. وَلَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِدْرِيسَ قَالَ: لَمَّا حَدَّثَنِي شُعْبَةُ بِحَدِيثِ الْحَوْرَاءِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، كَتَبَ تَحْتَهُ: حُورٌ عِينٌ. لِئَلَّا أَغْلَطَ فَأَقْرَأَهُ أَبُو الْجَوْزَاءِ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ.
(وَيُسْتَحَبُّ ضَبْطُ الْمُشْكَلِ فِي نَفْسِ الْكِتَابِ وَكَتْبُهُ) أَيْضًا (مَضْبُوطًا وَاضِحًا فِي الْحَاشِيَةِ قُبَالَتَهُ) فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ، لِأَنَّ الْمَضْبُوطَ فِي نَفْسِ الْأَسْطُرِ رُبَّمَا دَاخَلَهُ نَقْطُ غَيْرِهِ وَشَكْلِهِ مِمَّا فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ ضِيقِهَا وَدِقَّةِ الْخَطِّ.
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَطِّعَ حُرُوفَ الْكَلِمَةِ الْمُشْكَلَةِ فِي الْهَامِشِ ; لِأَنَّهُ يَظْهَرُ شَكْلُ الْحَرْفِ بِكِتَابَتِهِ مُفْرَدًا فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ، كَالنُّونِ وَالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَتَبْتَ الْكَلِمَةَ كُلَّهَا.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي " الِاقْتِرَاحِ ": وَمِنْ عَادَةِ الْمُتْقِنِينَ أَنْ يُبَالِغُوا فِي إِيضَاحِ الْمُشْكَلِ فَيُفَرِّقُوا حُرُوفَ الْكَلِمَةِ فِي الْحَاشِيَةِ وَيَضْبِطُوهَا حَرْفًا حَرْفًا.
(وَيُسْتَحَبُ تَحْقِيقُ الْخَطِّ دُونَ مَشْقِهِ وَتَعْلِيقِهِ) قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: شَرُّ الْكِتَابَةِ الْمَشْقُ وَشَرُّ الْقِرَاءَةِ الْهَذْرَمَةُ، وَأُجْوَدُ الْخَطِّ أَبْيَنُهُ، انْتَهَى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَالْمَشْقُ سُرْعَةُ الْكِتَابَةِ.
(وَيُكْرَهُ تَدْقِيقُهُ) أَيِ الْخَطِّ ; لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ فِي نَظَرِهِ ضَعْفٌ، وَرُبَّمَا ضَعُفَ نَظَرُ كَاتِبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ.
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لِابْنِ عَمِّهِ حَنْبَلِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَرَآهُ يَكْتُبُ خَطًّا دَقِيقًا: لَا تَفْعَلْ أَحْوَجُ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ يَخُونُكَ.
(إِلَّا مِنْ عُذْرٍ كَضِيقِ الْوَرَقِ وَتَخْفِيفِهِ لِلْحِمْلِ فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ.
وَيَنْبَغِي ضَبْطُ الْحُرُوفِ الْمُهْمَلَةِ) أَيْضًا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يَسْتَدِلُّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْمَرْزُبَانِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَوْسٍ الْغَسَّانِيِّ قَالَ: «كَتَبْتُ بَيْنَ يَدَيْ مُعَاوِيَةَ كِتَابًا فَقَالَ لِي: يَا عُبَيْدُ أَرْقِشْ كِتَابَكَ، فَإِنِّي كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ، أَرْقِشْ كِتَابَكَ، قُلْتُ: وَمَا رَقْشُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أَعْطِ كُلَّ حَرْفٍ مَا يَنُوبُهُ مِنَ النُّقَطِ» .
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ حَرْفٍ.
ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ ضَبْطِهَا (قِيلَ: يُجْعَلُ تَحْتَ الدَّالِ وَالرَّاءِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ وَالطَّاءِ وَالْعَيْنِ النُّقَطُ الَّتِي فَوْقَ نَظَائِرِهَا) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذَا فِي نَقْطِ السِّينِ مِنْ تَحْتٍ، فَقِيلَ: كَصُورَةِ النَّقْطِ مِنْ فَوْقٍ، وَقِيلَ: لَا، بَلْ يَجْعَلُ مِنْ فَوْقٍ كَالْأَثَافِيِّ، وَمِنْ تَحْتٍ مَبْسُوطَةً صَفًّا، (وَقِيلَ) : يُجْعَلُ (فَوْقَهَا) أَيِ الْمُهْمَلَاتِ الْمَذْكُورَةِ صُورَةُ هِلَالٍ، (كَقُلَامَةِ الظُّفْرِ مُضْطَجِعَةٍ عَلَى قَفَاهَا، وَقِيلَ:) يُجْعَلُ (تَحْتَهَا حَرْفٌ صَغِيرٌ مِثْلُهَا) وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِي الْحَاءِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْأَنْدَلُسِ.
(وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ فَوْقَهَا خَطٌّ صَغِيرٌ) كَفَتْحَةٍ وَقِيلَ كَهَمْزَةٍ، (وَفِي بَعْضِهَا تَحْتَهَا هَمْزَةٌ) فَهَذِهِ خَمْسُ عَلَامَاتٍ.
فَائِدَةٌ
لَمْ يَتَعَرَّضْ أَهْلُ هَذَا الْفَنِّ لِلْكَافِ وَاللَّامِ، وَذَكَرَهُمَا أَصْحَابُ التَّصَانِيفِ فِي الْخَطِّ، فَالْكَافُ: إِذَا لَمْ تُكْتَبْ مَبْسُوطَةً تُكْتَبُ فِي بَطْنِهَا كَافٌ صَغِيرَةٌ أَوْ هَمْزَةٌ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَاللَّامُ يُكْتَبُ فِي بَطْنِهَا لَامٌ، أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ بِحُرُوفِهَا الثَّلَاثَةِ لَا صُورَةَ " ل "، وَيُوجَدُ ذَلِكَ كَثِيرًا فِي خَطِّ الْأُدَبَاءِ.
وَالْهَاءُ آخِرُ الْكَلِمَةِ يُكْتَبُ عَلَيْهَا هَاءٌ مَشْقُوقَةٌ تُمَيِّزُهَا مِنْ هَاءِ التَّأْنِيثِ الَّتِي فِي الصِّفَاتِ وَنَحْوِهَا، وَالْهَمْزَةُ الْمَكْسُورَةُ هَلْ تُكْتَبُ فَوْقَ الْأَلِفِ وَالْكَسْرَةُ أَسْفَلَهَا، أَوْ كِلَاهُمَا أَسْفَلَ؟ اصْطِلَاحَانِ لِلْكُتَّابِ، وَالثَّانِي أَوْضَحُ.
(وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْطَلِحَ مَعَ نَفْسِهِ) فِي كِتَابِهِ (بِرَمْزٍ لَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ) ، فَيُوقِعُ غَيْرَهُ فِي حَيْرَةِ فَهْمِ مُرَادِهِ (وَإِنْ فَعَلَ) ذَلِكَ (فَلْيُبَيِّنْ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَوْ آخِرِهِ مُرَادَهُ) .
وَيَنْبَغِي (أَنْ يَعْتَنِيَ بِضَبْطِ مُخْتَلِفِ الرِّوَايَاتِ وَتَمْيِيزِهَا فَيَجْعَلُ كِتَابَهُ) مَوْصُولًا (عَلَى رِوَايَةٍ) وَاحِدَةٍ (ثُمَّ مَا كَانَ فِي غَيْرِهَا مِنْ زِيَادَاتٍ أَلْحَقَهَا فِي الْحَاشِيَةِ أَوْ نَقْصٍ أَعْلَمَ عَلَيْهِ، أَوْ خِلَافٍ كَتَبَهُ مُعَيِّنًا فِي كُلِّ ذَلِكَ مَنْ رَوَاهُ بِتَمَامِ اسْمِهِ لَا رَامِزًا) لَهُ بِحَرْفٍ أَوْ بِحَرْفَيْنِ مِنِ اسْمِهِ (إِلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَوَّلَ الْكِتَابِ، أَوْ