الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الشَّيْخُ: هُوَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا لَا يَخْلُو إِسْنَادُهُ مِنْ مَسْتُورٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ أَهْلِيَّتُهُ، وَلَيْسَ مُغَفَّلًا كَثِيرَ الْخَطَأِ، وَلَا ظَهَرَ مِنْهُ سَبَبٌ مُفَسِّقٌ، وَيَكُونُ مَتْنُ الْحَدِيثِ مَعْرُوفًا بِرِوَايَةِ مِثْلِهِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ رَاوِيهِ مَشْهُورًا بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، وَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الصَّحِيحِ لِقُصُورِهِ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، وَهُوَ مُرْتَفِعٌ عَنْ حَالِ مَنْ يُعَدُّ تَفَرُّدُهُ مُنْكَرًا.
ثُمَّ الْحَسَنُ كَالصَّحِيحِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ؛ وَلِهَذَا أَدْرَجَتْهُ طَائِفَةٌ فِي نَوْعِ الصَّحِيحِ.
ــ
[تدريب الراوي]
قَالَ الْبَدْرُ بْنُ جَمَاعَةَ: وَأَيْضًا فِيهِ دَوْرٌ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ بِصَلَاحِيَّتِهِ لِلْعَمَلِ بِهِ، وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ حَسَنًا.
قُلْتُ: لَيْسَ قَوْلُهُ: " وَيُعْمَلُ بِهِ " مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ بَلْ زَائِدٌ عَلَيْهِ؛ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ كَالصَّحِيحِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ فَصَلَهُ مِنَ الْحَدِّ، حَيْثُ قَالَ: مَا فِيهِ ضَعْفٌ قَرِيبٌ مُحْتَمَلٌ فَهُوَ الْحَدِيثُ الْحَسَنُ، وَيَصْلُحُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَالْعَمَلُ بِهِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ الْحَسَنِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ وَسَطٌ بَيْنَهُمَا، فَقَوْلُهُ: قَرِيبٌ، أَيْ قَرِيبٌ مَخْرَجُهُ إِلَى الصَّحِيحِ مُحْتَمِلٌ لِكَوْنِ رِجَالِهِ مَسْتُورِينَ.
[أقسام الحسن وحكم الاحتجاج به]
(قَالَ الشَّيْخُ) ابْنُ الصَّلَاحِ، بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْحُدُودَ الثَّلَاثَةَ وَقَوْلِهِ مَا تَقَدَّمَ: قَدْ أَمْعَنْتُ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَالْبَحْثَ جَامِعًا بَيْنَ أَطْرَافِ كَلَامِهِمْ مُلَاحِظًا مَوَاقِعَ اسْتِعْمَالِهِمْ فَتَنَقَّحَ لِي، وَاتَّضَحَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْحَسَنَ (هُوَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا لَا يَخْلُو إِسْنَادُهُ مِنْ مَسْتُورٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ أَهْلِيَّتُهُ، وَلَيْسَ مُغَفَّلًا كَثِيرَ الْخَطَأِ) فِيمَا يَرْوِيهِ، وَلَا هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ (وَلَا ظَهَرَ مِنْهُ سَبَبٌ) آخَرُ (مُفَسِّقٌ وَيَكُونُ مَتْنُ الْحَدِيثِ) مَعَ ذَلِكَ (مَعْرُوفًا بِرِوَايَةِ مِثْلِهِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ) أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى اعْتُضِدَ بِمُتَابَعَةِ مَنْ تَابَعَ رَاوِيَهُ عَلَى مِثْلِهِ، أَوْ بِمَا لَهُ مِنْ شَاهِدٍ، وَهُوَ وُرُودُ حَدِيثٍ آخَرَ نَحْوِهِ، فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَاذًّا أَوْ مُنْكَرًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
قَالَ: وَكَلَامُ التِّرْمِذِيِّ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ يَتَنَزَّلُ.
الْقِسْمُ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ رَاوِيهِ مَشْهُورًا بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَ) لَكِنْ (لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الصَّحِيحِ لِقُصُورِهِ) عَنْ رُوَاتِهِ (فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، وَهُوَ) مَعَ ذَلِكَ (مُرْتَفِعٌ عَنْ حَالِ مَنْ يُعَدُّ تَفَرُّدُهُ) أَيْ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ حَدِيثِهِ (مُنْكَرًا) .
قَالَ: وَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ هَذَا مَعَ سَلَامَةِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَاذًّا أَوْ مُنْكَرًا، سَلَامَتُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّلًا. قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْقِسْمِ يَتَنَزَّلُ كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ.
قَالَ: فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ جَامِعٌ لِمَا تَفَرَّقَ فِي كَلَامِ مَنْ بَلَغَنَا كَلَامُهُ فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَكَأَنَّ التِّرْمِذِيَّ ذَكَرَ أَحَدَ نَوْعَيِ الْحَسَنِ، وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ النَّوْعَ الْآخَرَ، مُقْتَصِرًا كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا رَأَى أَنَّهُ يُشْكِلُ، مُعْرِضًا عَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُشْكِلُ، أَوْ أَنَّهُ غَفَلَ عَنِ الْبَعْضِ وَذَهَلَ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَعَلَيْهِ مُؤَاخَذَاتٌ وَمُنَاقَشَاتٌ.
وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنَ الْقِسْمَيْنِ: الضَّعِيفُ وَالْمُنْقَطِعُ وَالْمُرْسَلُ الَّذِي فِي رِجَالِهِ مَسْتُورٌ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَعَلَى الثَّانِي الْمُرْسَلُ الَّذِي اشْتُهِرَ رَاوِيهِ بِمَا ذُكِرَ، فَإِنَّهُ كَذَلِكَ وَلَيْسَ بِحَسَنٍ فِي الِاصْطِلَاحِ.
قَالَ: وَلَوْ قِيلَ: الْحَسَنُ كُلُّ حَدِيثٍ خَالٍ عَنِ الْعِلَلِ، وَفِي سَنَدِهِ الْمُتَّصِلِ مَسْتُورٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
لَهُ بِهِ شَاهِدٌ، أَوْ مَشْهُورٌ قَاصِرٌ عَنْ دَرَجَةِ الْإِتْقَانِ، لَكَانَ أَجْمَعَ لِمَا حَدَّدُوهُ وَأَخْصَرَ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَوْ قِيلَ الْحَسَنُ مُسْنَدُ مَنْ قَرُبَ مِنْ دَرَجَةِ الثِّقَةِ، أَوْ مُرْسَلُ ثِقَةٍ، وَرُوِيَ كِلَاهُمَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَسَلِمَ مِنْ شُذُوذٍ وَعِلَّةٍ، لَكَانَ أَجْمَعَ الْحُدُودِ وَأَضْبَطَهَا وَأَبْعَدَ عَنِ التَّعْقِيدِ.
وَحَدَّ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي النُّخْبَةِ الصَّحِيحَ لِذَاتِهِ: بِمَا نَقَلَهُ عَدْلٌ تَامُّ الضَّبْطِ مُتَّصِلَ السَّنَدِ غَيْرَ مُعَلَّلٍ وَلَا شَاذٍّ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ خَفَّ الضَّبْطُ فَهُوَ الْحَسَنُ لِذَاتِهِ.
فَشَرَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّحِيحِ فِي الشُّرُوطِ إِلَّا إِتْمَامَ الضَّبْطِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَسَنَ لِغَيْرِهِ بِالِاعْتِضَادِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ الشُّمُنِّيُّ: الْحَسَنُ خَبَرٌ مُتَّصِلٌ قَلَّ ضَبْطُ رَاوِيهِ الْعَدْلِ، وَارْتَفَعَ عَنْ حَالِ مَنْ يُعَدُّ تَفَرُّدُهُ مُنْكَرًا، وَلَيْسَ بِشَاذٍّ وَلَا مُعَلَّلٍ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْحَسَنُ لَمَّا تَوَسَّطَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ عِنْدَ النَّاظِرِ، كَأَنَّ شَيْئًا يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْحَافِظِ، قَدْ تَقْصُرُ عِبَارَتُهُ عَنْهُ، كَمَا قِيلَ فِي الِاسْتِحْسَانِ، فَلِذَلِكَ صَعُبَ تَعْرِيفُهُ، وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
[تَنْبِيهٌ]
الْحَسَنُ أَيْضًا عَلَى مَرَاتِبَ، كَالصَّحِيحِ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: فَأَعْلَى مَرَاتِبِهِ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ التَّيْمِيِّ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا قِيلَ: إِنَّهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ مِنْ أَدْنَى مَرَاتِبِ الصَّحِيحِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَا اخْتُلِفَ فِي تَحْسِينِهِ وَتَضْعِيفِهِ، كَحَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَنَحْوِهِمْ.
(ثُمَّ الْحَسَنُ كَالصَّحِيحِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ؛ وَلِهَذَا أَدْرَجَتْهُ طَائِفَةٌ فِي نَوْعِ الصَّحِيحِ) كَالْحَاكِمِ وَابْنِ حِبَّانَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ، مَعَ قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ دُونَ الصَّحِيحِ الْمُبَيَّنِ أَوَّلًا، وَلَا بِدْعَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثٍ لَهُ طَرِيقَانِ لَوِ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً، كَمَا فِي الْمُرْسَلِ، إِذَا وَرَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُسْنَدٍ، أَوْ وَافَقَهُ مُرْسَلٌ آخَرُ بِشَرْطِهِ كَمَا سَيَجِيءُ، قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ.
وَقَالَ فِي الِاقْتِرَاحِ: مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْحَسَنَ يُحْتَجُّ بِهِ، فِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ ثَمَّ أَوْصَافًا يَجِبُ مَعَهَا قَبُولُ الرِّوَايَةِ إِذَا وُجِدَتْ فِي الرَّاوِي، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُسَمَّى بِالْحَسَنِ مِمَّا وُجِدَتْ فِيهِ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ الَّتِي يَجِبُ مَعَهَا الْقَبُولُ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ لَمْ يَجُزِ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَإِنْ سُمِّيَ حَسَنًا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرَدَّ هَذَا إِلَى أَمْرٍ اصْطِلَاحِيٍّ، بِأَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَهَا مَرَاتِبُ وَدَرَجَاتٌ فَأَعْلَاهَا وَأَوْسَطُهَا يُسَمَّى صَحِيحًا، وَأَدْنَاهَا يُسَمَّى حَسَنًا، وَحِينَئِذٍ رَجَعَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إِلَى الِاصْطِلَاحِ وَيَكُونُ الْكُلُّ صَحِيحًا فِي الْحَقِيقَةِ.