الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ الْمُرْسَلُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْمُحَدِّثِينَ وَالشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي طَائِفَةٍ: صَحِيحٌ، فَإِنْ صَحَّ مُخْرَجُ الْمُرْسَلِ بِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُسْنَدًا أَوْ مُرْسَلًا أَرْسَلَهُ مَنْ أَخَذَ عَنْ غَيْرِ رِجَالِ الْأَوَّلِ كَانَ صَحِيحًا، وَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ صِحَّةُ الْمُرْسَلِ وَأَنَّهُمَا صَحِيحَانِ لَوْ عَارَضَهُمَا صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقٍ رَجَّحْنَاهُمَا عَلَيْهِ إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ، هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ، أَمَّا مُرْسَلُهُ فَمَحْكُومٌ بِصِحَّتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ كَمُرْسَلِ غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يُبَيِّنَ الرِّوَايَةَ عَنْ صَحَابِيٍّ.
ــ
[تدريب الراوي]
قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ " الْمَرَاسِيلِ "، فَإِنَّهُ يَرْوِي فِيهِ مَا أُبْهِمَ فِيهِ الرَّجُلُ.
قَالَ: بَلْ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى هَذَا فِي " سُنَنِهِ "، فَجَعَلَ مَا رَوَاهُ التَّابِعِيُّ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يُسَمَّ مُرْسَلًا، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا إِنْ كَانَ يُسَمِّيهِ مُرْسَلًا، وَيَجْعَلُهُ حُجَّةً كَمَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ قَرِيبٌ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، قَالَ: إِذَا صَحَّ الْإِسْنَادُ، عَنِ الثِّقَاتِ، إِلَى رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ حُجَّةٌ كَمَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: إِذَا قَالَ رَجُلٌ مِنَ التَّابِعِينَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ، فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَفَرَّقَ الصَّيْرَفِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بَيْنَ أَنْ يَرْوِيَهُ التَّابِعِيُّ، عَنِ الصَّحَابِيِّ مُعَنْعَنًا، أَوْ مُصَرَّحًا بِالسَّمَاعِ.
قَالَ: وَهُوَ حَسَنٌ مُتَّجِهٌ، وَكَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ قَبُولَهُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. انْتَهَى.
[حكم المرسل]
(ثُمَّ الْمُرْسَلُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ) ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ (عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْمُحَدِّثِينَ وَالشَّافِعِيِّ) ، كَمَا حَكَاهُ عَنْهُمْ مُسْلِمٌ فِي صَدْرِ صَحِيحِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " التَّمْهِيدِ "، وَحَكَاهُ الْحَاكِمُ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَمَالِكٍ، (وَكَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
الْأُصُولِ) .
وَالنَّظَرُ لِلْجَهْلِ بِحَالِ الْمَحْذُوفِ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ صَحَابِيٍّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا، وَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ الْمُرْسَلُ (ق 66 \ ب) لَا يُرْوَى إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ فَالتَّوْثِيقُ مَعَ الْإِبْهَامِ غَيْرُ كَافٍ كَمَا سَيَأْتِي ; وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَجْهُولُ الْمُسَمَّى لَا يُقْبَلُ، فَالْمَجْهُولُ الْمُسَمَّى عَيْنًا وَحَالًا أَوْلَى.
(وَقَالَ مَالِكٌ) فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، (وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي طَائِفَةٍ) ، مِنْهُمْ أَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ (صَحِيحٌ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ": وَقَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَغَيْرُهُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُرْسِلُهُ مِمَّنْ لَا يَحْتَرِزُ وَيُرْسِلُ عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ، فَإِنْ كَانَ فَلَا خِلَافَ فِي رَدِّهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَحَلُّ قَبُولِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، مَا إِذَا كَانَ مُرْسِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْفَاضِلَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا، لِحَدِيثِ: ثُمَّ يَفْشُوا الْكَذِبُ صَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَجْمَعَ التَّابِعُونَ بِأَسْرِهِمْ عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُمْ إِنْكَارُهُ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ إِلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوَّلُ مَنْ رَدَّهُ، وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَوَّاهُ عَلَى الْمُسْنَدِ.
وَقَالَ: مَنْ أَسْنَدَ فَقَدْ أَحَالَكَ، وَمَنْ أَرْسَلَ فَقَدْ تَكَفَّلَ لَكَ.
(فَإِنْ صَحَّ مُخْرَجُ الْمُرْسَلِ بِمَجِيئِهِ) ، أَوْ نَحْوِهِ (مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُسْنَدًا أَوْ مُرْسَلًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
أَرْسَلَهُ مَنْ أَخَذَ) الْعِلْمَ، (، عَنْ غَيْرِ رِجَالِ) الْمُرْسَلِ (الْأَوَّلِ كَانَ صَحِيحًا) هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ، مُقَيِّدًا لَهُ بِمُرْسَلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَمَنْ إِذَا سَمَّى مَنْ أَرْسَلَ عَنْهُ سَمَّى ثِقَةً، وَإِذَا شَارَكَهُ الْحُفَّاظُ الْمَأْمُونُونَ لَمْ يُخَالِفُوهُ، وَزَادَ فِي الِاعْتِضَادِ أَنْ يُوَافِقَ قَوْلَ صَحَابِيٍّ، أَوْ يُفْتِيَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِمُقْتَضَاهُ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يُقْبَلْ مُرْسَلُهُ.
فَإِنْ وُجِدَتْ قَبْلُ، (وَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ صِحَّةُ الْمُرْسَلِ) ، (وَأَنَّهُمَا) أَيِ الْمُرْسَلُ، وَمَا عَضَّدَهُ، (صَحِيحَانِ لَوْ عَارَضَهُمَا صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقٍ) وَاحِدَةٍ، (رَجَّحْنَاهُمَا عَلَيْهِ) بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ، (إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا.
1 -
فَوَائِدُ
الْأُولَى: اشْتُهِرَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ، إِلَّا مَرَاسِيلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَفِي الْإِرْشَادِ وَالْإِطْلَاقِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ (ق 67 \ أ) غَلَطٌ، بَلْ هُوَ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا يَحْتَجُّ بِمَرَاسِيلِ سَعِيدٍ إِلَّا بِهَا أَيْضًا.
قَالَ: وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَزُورًا نُحِرَتْ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ، فَقَالَ: أَعْطُونِي بِهَذِهِ الْعَنَاقِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصْلُحُ هَذَا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يُحَرِّمُونَ بَيْعَ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ.
قَالَ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ. انْتَهَى.
فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِرْسَالُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ، عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي اللُّمَعِ، وَالْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
أَحَدُهُمَا: مَعْنَاهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنَ الْمَرَاسِيلِ، قَالُوا: لِأَنَّهَا فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ مُسْنَدَةً.
وَالثَّانِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ بَلْ هِيَ كَغَيْرِهَا، قَالُوا وَإِنَّمَا رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ بِمُرْسَلِهِ، وَالتَّرْجِيحُ بِالْمُرْسَلِ جَائِزٌ، قَالَ الْخَطِيبُ: وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ فِي مَرَاسِيلِهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مُسْنَدًا بِحَالٍ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ، وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ.
قَالَ: وَزِيَادَةُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ فِي هَذَا عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ أَصَحُّ التَّابِعِينَ إِرْسَالًا فِيمَا زَعَمَ الْحُفَّاظُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَهَذَانِ إِمَامَانِ حَافِظَانِ فَقِيهَانِ شَافِعِيَّانِ مُتَضَلِّعَانِ مِنَ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَالْخِبْرَةِ التَّامَّةِ بِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَمَعَانِي كَلَامِهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ الْقَفَّالِ: مُرْسَلُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ حُجَّةٌ عِنْدَنَا، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ.
قَالَ: وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ مَنْ قَالَ (ق 67 \ ب) : إِنَّهُ حُجَّةٌ، بِقَوْلِهِ: إِرْسَالُهُ حَسَنٌ ; لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، بَلْ لِمَا انْضَمَّ إِلَيْهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَمَنْ حَضَرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلِ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ، وَهُمْ أَرْبَعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ.
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَغَيْرُهُ هَذَا الْحُكْمَ، عَنْ تَمَامِ السَّبْعَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، فَهَذَا عَاضِدٌ ثَانٍ لِلْمُرْسَلِ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي، أَنَّ الشَّافِعِيَّ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ، فَكَانَ فِي الْقَدِيمِ يَحْتَجُّ بِهَا بِانْفِرَادِهَا ; لِأَنَّهُ لَا يُرْسِلُ حَدِيثًا إِلَّا يُوجَدُ مُسْنَدًا ; وَلِأَنَّهُ لَا يَرْوِي إِلَّا مَا سَمِعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ، أَوْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، أَوْ عَضَّدَهُ قَوْلُهُمْ، أَوْ رَآهُ مُنْتَشِرًا عِنْدَ الْكَافَّةِ، أَوْ وَافَقَهُ فِعْلُ أَهْلِ الْعَصْرِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَرَاسِيلَهُ سُبِرَتْ، فَكَانَتْ مَأْخُوذَةً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُوَاصَلَةِ، وَالصِّهَارَةِ، فَصَارَ إِرْسَالُهُ كَإِسْنَادِهِ عَنْهُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ.
ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ يَصْلُحُ مِثَالًا لِأَقْسَامِ الْمُرْسَلِ الْمَقْبُولِ، فَإِنَّهُ عَضَّدَهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَأَفْتَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمُقْتَضَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ آخَرُ أَرْسَلَهُ مَنْ أَخَذَ الْعِلْمَ مِنْ غَيْرِ رِجَالِ الْأَوَّلِ، وَشَاهِدٌ آخَرُ مُسْنَدٌ، فَرَوَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْمَدْخَلِ " مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَوَجَدْتُ جَزُورًا قَدْ جُزِرَتْ، فَجُزِّئَتْ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا بِعَنَاقٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَبْتَاعَ مِنْهَا جُزْءًا، فَقَالَ لِيَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَأُخْبِرْتُ عَنْهُ خَبَرًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَهَذَا حَدِيثٌ أَرْسَلَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَرَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ رَجُلٍ (ق 68 \ أ) مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُرْسَلًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ سَعِيدٍ، فَإِنَّهُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ لَا يَعْرِفَهُ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ الْمَكِّيُّ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ.
قَالَ: وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَنَّ الْحُفَّاظَ اخْتَلَفُوا فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فِي غَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُ، فَيَكُونُ مِثَالًا لِلْفَصْلِ الْأَوَّلِ يَعْنِي مَا لَهُ شَاهِدٌ مُسْنَدٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَيَكُونُ أَيْضًا مُرْسَلًا انْضَمَّ إِلَى مُرْسَلِ سَعِيدٍ. انْتَهَى.
الثَّانِيَةُ: صَوَّرَ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ الْمُسْنَدَ الْعَاضِدَ، بِأَنْ لَا يَكُونَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
مُنْتَهِضَ الْإِسْنَادِ، لِيَكُونَ الِاحْتِجَاجُ بِالْمَجْمُوعِ، وَإِلَّا فَالِاحْتِجَاجُ حِينَئِذٍ بِالْمُسْنَدِ فَقَطْ، وَلَيْسَ بِمَخْصُوصٍ بِذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
الثَّالِثَةُ: زَادَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الِاعْتِضَادِ أَنْ يُوَافِقَهُ قِيَاسٌ أَوِ انْتِشَارٌ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، أَوْ عَمَلُ أَهْلِ الْعَصْرِ بِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ ذِكْرُ الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا دَاخِلَتَانِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: وَأَفْتَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمُقْتَضَاهُ.
الرَّابِعَةُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لَا أَقْبَلُ الْمُرْسَلَ، وَلَا فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي قَبِلَهَا الشَّافِعِيُّ حَسْمًا لِلْبَابِ، بَلْ وَلَا مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ إِذَا احْتُمِلَ سَمَاعُهُ مِنْ تَابِعِيٍّ.
قَالَ: وَالشَّافِعِيُّ لَا يُوجِبُ الِاحْتِجَاجَ بِهِ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ بَلْ يَسْتَحِبُّهُ، كَمَا قَالَ: أَسْتَحِبُّ قَبُولَهُ، وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ: الْحُجَّةُ تَثْبُتُ بِهِ ثُبُوتَهَا بِالْمُتَّصِلِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: فَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ عَارَضَهُ مُتَّصِلٌ قُدِّمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ حُجَّةً مُطْلَقًا ; تَعَارَضَا، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ أَسْتَحِبُّ: أَخْتَارُ، وَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
1 -
الْخَامِسَةُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ دَلِيلٌ سِوَى الْمُرْسَلِ، فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ: ثَالِثُهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ يَجِبُ الِانْكِفَافُ لِأَجْلِهِ.
السَّادِسُ: تَلَخَّصَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ عَشَرَةُ أَقْوَالٍ: حُجَّةٌ مُطْلَقًا، لَا يُحْتَجُّ بِهِ مُطْلَقًا، يُحْتَجُّ بِهِ (ق 68 \ ب) إِنْ أَرْسَلَهُ أَهْلُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ، يُحْتَجُّ بِهِ إِنْ لَمْ يُرْوَ إِلَّا عَنْ عَدْلٍ، يُحْتَجُّ بِهِ إِنْ أَرْسَلَهُ سَعِيدٌ فَقَطْ، يُحْتَجُّ بِهِ إِنِ اعْتَضَدَ، يُحْتَجُّ بِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ سِوَاهُ، هُوَ أَقْوَى مِنَ الْمُسْنَدِ، يُحْتَجُّ بِهِ نَدْبًا لَا وُجُوبًا، يُحْتَجُّ بِهِ إِنْ أَرْسَلَهُ صَحَابِيٌّ.
السَّابِعَةُ: تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ ابْنِ جَرِيرٍ: إِنَّ التَّابِعِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ، وَإِنَّ الشَّافِعِيَّ أَوَّلُ مَنْ أَبَاهُ، وَقَدْ تَنَبَّهَ الْبَيْهَقِيُّ لِذَلِكَ، فَقَالَ فِي " الْمَدْخَلِ ": بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِ الْمَرَاسِيلِ بَعْدَ تَغَيُّرِ النَّاسِ وَظُهُورِ الْكَذِبِ وَالْبِدَعِ، وَأَوْرَدَ فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: لَقَدْ أَتَى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَمَا يُسْأَلُ عَنْ إِسْنَادِ حَدِيثٍ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ سُئِلَ عَنْ إِسْنَادِ الْحَدِيثِ، فَيُنْظَرُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِهِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ تُرِكَ حَدِيثُهُ.
الثَّامِنَةُ: قَالَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ: أَكْثَرُ مَا تُرْوَى الْمَرَاسِيلُ مَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ، وَمِنْ أَهْلِ مِصْرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ، عَنْ مَكْحُولٍ.
قَالَ: وَأَصَحُّهَا كَمَا قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، مَرَاسِيلُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ وَأَدْرَكَ الْعَشَرَةَ، وَفَقِيهُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَمُفْتِيهِمْ، وَأَوَّلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يَعْتَدُّ مَالِكٌ بِإِجْمَاعِهِمْ، كَإِجْمَاعِ كَافَّةِ النَّاسِ، وَقَدْ تَأَمَّلَ الْأَئِمَّةُ الْمُتَقَدِّمُونَ مَرَاسِيلَهُ فَوَجَدُوهَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ لَمْ تُوجَدْ فِي مَرَاسِيلِ غَيْرِهِ.
قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ غَيْرِ الْمَسْمُوعِ مِنَ الْكِتَابِ، قَوْلُهُ تَعَالَى:{لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: 122]، وَمِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ: تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ، وَيُسْمَعُ مِمَّنْ يَسْمَعُ مِنْكُمْ.
التَّاسِعَةُ: تَكَلَّمَ الْحَاكِمُ عَلَى مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ فَقَطْ، دُونَ سَائِرِ مَنْ ذُكِرَ مَعَهُ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ: فَمَرَاسِيلُ عَطَاءٍ، (ق 69 \ أ)، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ عَطَاءٌ يَأْخُذُ عَنْ كُلِّ ضَرْبٍ، مُرْسَلَاتُ مُجَاهِدٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُرْسَلَاتِهِ بِكَثِيرٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مُرْسَلَاتُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَصَحُّ الْمُرْسَلَاتِ، وَمُرْسَلَاتُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ لَا بَأْسَ بِهَا، وَلَيْسَ فِي الْمُرْسَلَاتِ أَضْعَفُ مِنْ مُرْسَلَاتِ الْحَسَنِ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، فَإِنَّهُمَا كَانَا يَأْخُذَانِ، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ، وَمَرَاسِيلُ الْحَسَنِ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا عَنْ أَحْمَدَ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: مُرْسَلَاتُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ الثِّقَاتُ صِحَاحٌ، مَا أَقَلَّ مَا يَسْقُطُ مِنْهَا.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كُلُّ شَيْءٍ قَالَ الْحَسَنُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَدْتُ لَهُ أَصْلًا ثَابِتًا، مَا خَلَا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: مَا قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَجَدْنَا لَهُ أَصْلًا إِلَّا حَدِيثًا أَوْ حَدِيثَيْنِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا جَزَمَ بِهِ الْحَسَنُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّكَ تُحَدِّثُنَا فَتَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَوْ كُنْتَ تُسْنِدُهُ لَنَا إِلَى مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ: أَيُّهَا الرَّجُلُ مَا كَذَبْنَا وَلَا كُذِّبْنَا، وَلَقَدْ غَزَوْنَا غَزْوَةً إِلَى خُرَاسَانَ وَمَعَنَا فِيهَا ثَلَاثُمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّكَ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّكَ لَمْ تُدْرِكْهُ؟ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَلَوْلَا مَنْزِلَتُكَ مِنِّي مَا أَخْبَرْتُكَ، إِنِّي فِي زَمَانٍ كَمَا تَرَى؟ وَكَانَ فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ، كُلُّ شَيْءٍ سَمِعْتَنِي أَقُولُهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ غَيْرَ أَنِّي فِي زَمَانٍ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَذْكُرَ عَلِيًّا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ: وَكَانَ مَا أَسْنَدَ مِنْ حَدِيثِهِ أَوْ رَوَى عَمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ، فَهُوَ حَسَنٌ حُجَّةٌ، وَمَا أَرْسَلَ مِنَ الْحَدِيثِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: مَرَاسِيلُ (ق 69 \ ب) الْحَسَنِ عِنْدَهُمْ شِبْهُ الرِّيحِ.
وَأَمَّا مَرَاسِيلُ النَّخَعِيِّ، فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: مَرَاسِيلُ إِبْرَاهِيمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَرَاسِيلِ الشَّعْبِيِّ.
وَعَنْهُ أَيْضًا: أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ مُرْسَلَاتِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْقَاسِمِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهَا.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَسْنِدْ لِي، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي سَمِعْتُ، وَإِذَا قُلْتُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَهُوَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ.
1 -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
الْعَاشِرَةُ: فِي مَرَاسِيلَ أُخَرَ ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا.
مَرَاسِيلُ الزُّهْرِيِّ: قَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ: لِأَنَّا نَجِدُهُ يَرْوِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: مُرْسَلُ الزُّهْرِيِّ شَرٌّ مِنْ مُرْسَلِ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ حَافِظٌ، وَكُلَّمَا قَدَرَ أَنْ يُسَمِّيَ سَمَّى، وَإِنَّمَا يَتْرُكُ مَنْ لَا يُحِبُّ أَنْ يُسَمِّيَهُ.
وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا يَرَى إِرْسَالَ قَتَادَةَ شَيْئًا، وَيَقُولُ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الرِّيحِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مُرْسَلَاتُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُرْسَلَاتِ عَطَاءٍ، قِيلَ: فَمُرْسَلَاتُ مُجَاهِدٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ مُرْسَلَاتُ طَاوُسٍ؟ قَالَ: مَا أَقْرَبَهُمَا.
وَقَالَ أَيْضًا: مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَكُلٌّ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ أَيْضًا: سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ شِبْهُ لَا شَيْءَ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ إِسْنَادٌ صَلُحَ.
وَقَالَ: مُرْسَلَاتُ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، وَالْأَعْمَشِ، وَالتَّيْمِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ شِبْهُ لَا شَيْءَ، وَمُرْسَلَاتُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمُرْسَلَاتُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَمُرْسَلَاتُ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُرْسَلَاتِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَمُرْسَلَاتُ ابْنِ عُيَيْنَةَ شِبْهُ الرِّيحِ، وَسُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمُرْسَلَاتُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَحَبُّ إِلَيَّ، (ق 70 \ أ) ، وَلَيْسَ فِي الْقَوْمِ أَصَحُّ حَدِيثًا مِنْهُ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: وَقَعَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " أَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ، فَانْتُقِدَتْ عَلَيْهِ، وَفِيهَا مَا وَقَعَ الْإِرْسَالُ فِي بَعْضِهِ، فَأَمَّا هَذَا النَّوْعُ فَعُذْرُهُ فِيهِ أَنَّهُ يُورِدُهُ مُحْتَجًّا بِالْمُسْنَدِ مِنْهُ لَا بِالْمُرْسَلِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ لِلْخِلَافِ فِي تَقْطِيعِ الْحَدِيثِ، عَلَى أَنَّ الْمُرْسَلَ مِنْهُ قَدْ تَبَيَّنَ اتِّصَالُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، كَقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، ثَنَا حُجَيْنٌ ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنِ الْمُزَابَنَةِ. الْحَدِيثَ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَبْتَاعُوا التَّمْرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَلَا تَبْتَاعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ» ، وَقَالَ سَالِمٌ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ. الْحَدِيثَ.
وَحَدِيثُ سَعِيدٍ وَصَلَهُ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ مِينَا، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ.
وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ.
وَحَدِيثُ سَالِمٍ وَصَلَهُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَخْرَجَ فِي الْأَضَاحِي حَدِيثَ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي وَاقِدٍ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ فَقَالَتْ: صَدَقَ، سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ الْحَدِيثَ.
فَالْأَوَّلُ مُرْسَلٌ وَالْآخَرُ مُسْنَدٌ، وَبِهِ احْتُجَّ.
وَقَدْ وَصَلَ الْأَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
وَفِيهِ مِنْ هَذَا النَّمَطِ نَحْوُ عَشَرَةِ أَحَادِيثَ، وَالْحِكْمَةُ فِي إِيرَادِ مَا أَوْرَدَهُ مُرْسَلًا بَعْدَ إِيرَادِهِ مُتَّصِلًا إِفَادَةُ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِيهِ.
وَمِمَّا أَوْرَدَهُ مُرْسَلًا، وَلَمْ يَصِلْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ حَدِيثُ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ: كَانَ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْسَخُ بَعْضُهُ بَعْضًا، الْحَدِيثُ لَمْ يُرْوَ مَوْصُولًا (ق 70 \ ب) عَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: صَنَّفَ فِي الْمَرَاسِيلِ أَبُو دَاوُدَ، ثُمَّ أَبُو حَاتِمٍ، ثُمَّ الْحَافِظُ أَبُو سَعِيدٍ الْعَلَائِيُّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ.
(هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ، أَمَّا مُرْسَلُهُ) ، كَإِخْبَارِهِ، عَنْ شَيْءٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ لِصِغَرِ سِنِّهِ أَوْ تَأَخُّرِ إِسْلَامِهِ، (فَمَحْكُومٌ بِصِحَّتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْمُحَدِّثُونَ الْمُشْتَرِطُونَ لِلصَّحِيحِ الْقَائِلُونَ بِضَعْفِ الْمُرْسَلِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُحْصَى ; لِأَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَاتِهِمْ، عَنِ الصَّحَابَةِ، وَكُلُّهُمْ عُدُولٌ، وَرِوَايَاتُهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ نَادِرَةٌ، وَإِذَا رَوَوْهَا بَيَّنُوهَا، بَلْ أَكْثَرُ مَا رَوَاهُ الصَّحَابَةُ، عَنِ التَّابِعِينَ