الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّادِسَةُ: مَنْ رَأَى فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ حَدِيثًا صَحِيحَ الْإِسْنَادِ فِي كِتَابٍ أَوْ جُزْءٍ لَمْ يَنُصَّ عَلَى صِحَّتِهِ حَافِظٌ مُعْتَمَدٌ. قَالَ الشَّيْخُ: لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ لِضَعْفِ أَهْلِيَّةِ أَهْلِ هَذِهِ الْأَزْمَانِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي جَوَازُهُ لِمَنْ تَمَكَّنَ وَقَوِيَتْ مَعْرِفَتُهُ.
ــ
[تدريب الراوي]
وَالضَّبْطِ لَحِقَهُمْ بَعْضُ وَهَمٍ، وَالثَّالِثَةُ: قَوْمٌ ثَبَتَ صِدْقُهُمْ وَمَعْرِفَتُهُمْ لَكِنْ جَنَحُوا إِلَى مَذَاهِبِ الْأَهْوَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا غُلَاةً وَلَا دُعَاةً.
فَهَذِهِ الطَّبَقَاتُ احْتَمَلَ أَهْلُ الْحَدِيثِ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ، وَعَلَيْهِمْ يَدُورُ نَقْلُ الْحَدِيثِ، وَالْأُولَى مِنَ الْمَرْدُودَةِ مَنْ وُسِمَ بِالْكَذِبِ وَوَضْعِ الْحَدِيثِ، وَالثَّانِيَةُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَهَمُ وَالْغَلَطُ، وَالثَّالِثَةُ قَوْمٌ غَلَوْا فِي الْبِدْعَةِ وَدَعَوْا إِلَيْهَا، فَحَرَّفُوا الرِّوَايَاتِ لِيَحْتَجُّوا بِهَا.
وَأَمَّا السَّابِعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ: فَقَوْمٌ مَجْهُولُونَ انْفَرَدُوا بِرِوَايَاتٍ، فَقَبِلَهُمْ قَوْمٌ وَرَدَّهُمْ آخَرُونَ، قَالَ الْعَلَائِيُّ: وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الَّتِي ذَكَرَهَا ظَاهِرَةٌ، لَكِنَّهَا فِي الرُّوَاةِ. انْتَهَى.
[مسألة تصحيح الأحاديث في هذه الأزمان]
(السَّادِسَةُ) مِنْ مَسَائِلِ الصَّحِيحِ (مَنْ رَأَى فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ حَدِيثًا صَحِيحَ الْإِسْنَادِ فِي كِتَابٍ أَوْ جُزْءٍ لَمْ يَنُصَّ عَلَى صِحَّتِهِ حَافِظٌ مُعْتَمَدٌ) فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ الْمَشْهُورَةِ.
(قَالَ الشَّيْخُ) ابْنُ الصَّلَاحِ (لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ لِضَعْفِ أَهْلِيَّةِ أَهْلِ هَذِهِ الْأَزْمَانِ) قَالَ: لِأَنَّهُ مَا مِنْ إِسْنَادٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا وَنَجِدُ فِي رِجَالِهِ مَنِ اعْتَمَدَ فِي رِوَايَتِهِ عَلَى مَا فِي كِتَابِهِ. عَرِيًّا عَمَّا يُشْتَرَطُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْحِفْظِ وَالضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ.
قَالَ فِي الْمَنْهَلِ الرَّوِيِّ: مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَا أَهْمَلَهُ أَئِمَّةُ الْأَعْصَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِشِدَّةِ فَحْصِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ، قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي جَوَازُهُ لِمَنْ تَمَكَّنَ وَقَوِيَتْ مَعْرِفَتُهُ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَقَدْ صَحَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَحَادِيثَ لَمْ نَجِدْ لِمَنْ تَقَدَّمَهُمْ فِيهَا تَصْحِيحًا، فَمِنَ الْمُعَاصِرِينَ لِابْنِ الصَّلَاحِ: أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْقَطَّانِ صَاحِبُ كِتَابِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ صَحَّحَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَنَعْلَاهُ فِي رِجْلَيْهِ، وَيَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، وَيَقُولُ: كَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ» ، أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ.
وَحَدِيثُ أَنَسٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فَيَضَعُونَ جَنُوبَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ، أَخْرَجَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ.
وَمِنْهُمُ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيُّ جَمَعَ كِتَابًا سَمَّاهُ " الْمُخْتَارَةَ " الْتَزَمَ فِيهِ الصِّحَّةَ، وَذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيثَ لَمْ يُسْبَقْ إِلَى تَصْحِيحِهَا، وَصَحَّحَ الْحَافِظُ زَكِيُّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيُّ حَدِيثَ بَحْرِ بْنِ نَصْرٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَيُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي غُفْرَانِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.
ثُمَّ صَحَّحَ الطَّبَقَةَ الَّتِي تَلِي هَذِهِ، فَصَحَّحَ الْحَافِظُ شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ حَدِيثَ جَابِرٍ:«مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» .
ثُمَّ صَحَّحَ طَبَقَةً بَعْدَ هَذِهِ، فَصَحَّحَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي الزِّيَادَةِ.
قَالَ: وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَ مَنْ بَلَغَ أَهْلِيَّةَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
مِنْهُمْ، وَكَذَا كَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ رُبَّمَا صَحَّحَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ تَصْحِيحُهُ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: قَدِ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ كُلُّ مَنِ اخْتَصَرَ كَلَامَهُ، وَكُلُّهُمْ دَفَعَ فِي صَدْرِ كَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ إِقَامَةِ دَلِيلٍ، وَلَا بَيَانِ تَعْلِيلٍ، وَمِنْهُمْ مَنِ احْتَجَّ بِمُخَالَفَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ وَمَنْ بَعْدَهُ لَهُ فِي ذَلِكَ، كَابْنِ الْقَطَّانِ وَالضِّيَاءِ الْمَقْدِسِيِّ وَالزَّكِيِّ الْمُنْذِرِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، كَابْنِ الْمَوَّاقِ وَالدِّمْيَاطِيِّ وَالْمِزِّيِّ وَنَحْوِهِمْ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ بِعَمَلِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُحْتَجُّ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ دَلِيلٍ أَوْ مُعَارَضَتِهِ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا سَلَفَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ بَنَاهُ عَلَى جَوَازِ خُلُوِّ الْعَصْرِ مِنَ الْمُجْتَهِدِ، وَهَذَا إِذَا انْضَمَّ إِلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا سَلَفَ لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ، وَعَمَلُ أَهْلِ عَصْرِهِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ انْتَهَضَ دَلِيلًا لِلرَّدِّ عَلَيْهِ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ فِي عِبَارَتِهِ مُنَاقَشَاتٍ: مِنْهَا قَوْلُهُ: فَإِنَّا لَا نَتَجَاسَرُ، ظَاهِرُهُ وَأَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْهَضْ إِلَى دَرَجَةِ التَّعَذُّرِ فَلَا يَحْسُنُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَقَدْ تَعَذَّرَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ ذَكَرَ مَعَ الضَّبْطِ الْحِفْظَ وَالْإِتْقَانَ، وَلَيْسَتْ مُتَغَايِرَةً.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ قَابَلَ بَعْدَمِ الْحِفْظِ مَعَ وُجُودِ الْكِتَابِ، فَأَفْهَمَ أَنَّهُ يَعِيبُ مَنْ حَدَّثَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
مِنْ كِتَابِهِ وَيُصَوِّبُ مَنْ حَدَّثَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ خِلَافُ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الرَّاوِي عَدْلًا لَكِنْ لَا يَحْفَظُ مَا سَمِعَهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ وَاعْتَمَدَ عَلَى مَا فِي كِتَابِهِ فَحَدَّثَ مِنْهُ فَقَدْ فَعَلَ اللَّازِمَ لَهُ، فَحَدِيثُهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ صَحِيحٌ.
قَالَ: وَفِي الْجُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ كَوْنِ الْأَسَانِيدِ مَا مِنْهَا إِلَّا وَفِيهِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الضَّبْطِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الصَّحِيحِ، إِنْ أَرَادَ أَنَّ جَمِيعَ الْإِسْنَادِ كَذَلِكَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهِ مَنْ يَكُونُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، وَقَلَّ أَنْ يَخْلُوَ إِسْنَادٌ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ بَعْضَ الْإِسْنَادِ كَذَلِكَ فَمُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَنْهَضُ دَلِيلًا عَلَى التَّعَذُّرِ، إِلَّا فِي جُزْءٍ يَنْفَرِدُ بِرِوَايَتِهِ مَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ.
أَمَّا الْكِتَابُ الْمَشْهُورُ الْغَنِيُّ بِشُهْرَتِهِ عَنِ اعْتِبَارِ الْإِسْنَادِ مِنَّا إِلَى مُصَنِّفِهِ كَالْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ، مِمَّا لَا يُحْتَاجُ فِي صِحَّةِ نِسْبَتِهَا إِلَى مُؤَلِّفِهَا إِلَى اعْتِبَارِ إِسْنَادٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ مِنْهُمْ إِذَا رَوَى حَدِيثًا، وَوُجِدَتِ الشَّرَائِطُ فِيهِ مَجْمُوعَةً، وَلَمْ يَطَّلِعِ الْمُحَدِّثُ الْمُتْقِنُ الْمُطَّلِعُ فِيهِ عَلَى عِلَّةٍ لَمْ يَمْتَنِعِ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ.
قَالَ: ثُمَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ قَبُولِ التَّصْحِيحِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَرَدِّهِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، قَدْ يَسْلَتْزِمُ رَدَّ مَا هُوَ صَحِيحٌ، وَقَبُولَ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ إِمَامٌ مُتَقَدِّمٌ اطَّلَعَ الْمُتَأَخِّرُ فِيهِ عَلَى عِلَّةٍ قَادِحَةٍ تَمْنَعُ مِنَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُتَقَدِّمُ مِمَّنْ لَا يَرَى التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ، كَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ.
قَالَ: وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ يَدَّعِي تَعْمِيمَ الْخَلَلِ فِي جَمِيعِ الْأَسَانِيدِ الْمُتَأَخِّرَةِ، ثُمَّ يَقْبَلُ تَصْحِيحَ الْمُتَقَدِّمِ، وَذَلِكَ التَّصْحِيحُ إِنَّمَا يَتَّصِلُ لِلْمُتَأَخِّرِ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
الْخَلَلَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ مَانِعًا مِنَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِسْنَادِ، فَهُوَ مَانِعٌ مِنَ الْحُكْمِ بِقَبُولِ ذَلِكَ التَّصْحِيحِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِسْنَادِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِشُهْرَةِ الْكِتَابِ، كَمَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ كَلَامُهُ، فَكَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِسْنَادِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ رِوَايَةُ ذَلِكَ الْكِتَابِ إِلَى مُؤَلِّفِهِ، وَيَنْحَصِرُ النَّظَرُ فِي مِثْلِ أَسَانِيدِ ذَلِكَ الْمُصَنِّفِ مِنْهُ فَصَاعِدًا، لَكِنْ قَدْ يُقَوِّي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ ضَعْفُ نَظَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَقَدِّمِينَ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْحَامِلَ لِابْنِ الصَّلَاحِ عَلَى ذَلِكَ، أَنَّ الْمُسْتَدْرَكَ لِلْحَاكِمِ كِتَابٌ كَبِيرٌ جِدًّا يَصْفُو لَهُ مِنْهُ تَصْحِيحٌ كَثِيرٌ، وَهُوَ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى جَمْعِ الصَّحِيحِ غَزِيرُ الْحِفْظِ كَثِيرُ الِاطِّلَاعِ وَاسِعُ الرِّوَايَةِ، فَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يُوجَدَ حَدِيثٌ بِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ لَمْ يُخْرِجْهُ، وَهَذَا قَدْ يُقْبَلُ، لَكِنَّهُ لَا يَنْهَضُ دَلِيلًا عَلَى التَّعَذُّرِ.
قُلْتُ: وَالْأَحْوَطُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِصَحِيحِ الْإِسْنَادِ، وَلَا يُطْلَقُ التَّصْحِيحُ لِاحْتِمَالِ عِلَّةٍ لِلْحَدِيثِ خَفِيَتْ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ يُعَبِّرُ خَشْيَةً مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَحِيحٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا أَوْ وَاهِيًا، وَالْإِسْنَادُ صَحِيحٌ مُرَكَّبٌ عَلَيْهِ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ فَارِسٍ ثَنَا مَكِّيُّ بْنُ بُنْدَارٍ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْقَزْوِينِيُّ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
مَرْفُوعًا: «خَلَقَ اللَّهُ الْوَرْدَ الْأَحْمَرَ مِنْ عَرَقِ جِبْرِيلَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، وَخَلَقَ الْوَرْدَ الْأَبْيَضَ مِنْ عَرَقِي، وَخَلَقَ الْوَرْدَ الْأَصْفَرَ مِنْ عَرَقِ الْبُرَاقِ» . قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَضَعَهُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَرَكَّبَهُ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ.
1 -
[تَنْبِيهٌ]
لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ بَعْدَهُ كَابْنِ جَمَاعَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّنِ اخْتَصَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَالْعِرَاقِيُّ فِي الْأَلْفِيَّةِ وَالْبُلْقِينِيُّ، وَأَصْحَابُ النُّكَتِ إِلَّا لِلتَّصْحِيحِ فَقَطْ، وَسَكَتُوا عَنِ التَّحْسِينِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إِنَّ مَنْ جَوَّزَ التَّصْحِيحَ فَالتَّحْسِينُ أَوْلَى، وَمَنْ مَنْعَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجَوِّزَهُ، وَقَدْ حَسَّنَ الْمِزِّيُّ حَدِيثَ «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ» مَعَ تَصْرِيحِ الْحُفَّاظِ بِتَضْعِيفِهِ، وَحَسَّنَ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ أَحَادِيثَ صَرَّحَ الْحُفَّاظُ بِتَضْعِيفِهَا، ثُمَّ تَأَمَّلْتُ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ فَرَأَيْتُهُ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ حَيْثُ قَالَ: فَآلَ الْأَمْرُ إِذًا فِي مَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ إِلَى الِاعْتِمَادِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِهِمْ إِلَى آخِرِهِ.
وَقَدْ مَنَعَ فِيمَا سَيَأْتِي - وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ - أَنْ يَجْزِمَ بِتَضْعِيفِ الْحَدِيثِ اعْتِمَادًا عَلَى ضَعْفِ إِسْنَادِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ غَيْرُهُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ سَدَّ بَابَ التَّصْحِيحِ وَالتَّحْسِينِ وَالتَّضْعِيفِ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْأَزْمَانِ لِضَعْفِ أَهْلِيَّتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْوَضْعِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ قَطْعًا إِلَّا حَيْثُ لَا يَخْفَى؛ كَالْأَحَادِيثِ الطِّوَالِ الرَّكِيكَةِ الَّتِي وَضَعَهَا الْقُصَّاصُ، أَوْ مَا فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْعَقْلِ أَوِ الْإِجْمَاعِ.