الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَكْرُوهٌ جِدًّا، ذَمَّهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ قَالَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ: مَنْ عُرِفَ بِهِ صَارَ مَجْرُوحًا مَرْدُودَ الرِّوَايَةِ وَإِنْ بَيَّنَ السَّمَاعَ، وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ، فَمَا رَوَاهُ بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ السَّمَاعَ فَمُرْسَلٌ، وَمَا بَيَّنَهُ فِيهِ كَسَمِعْتُ، وَحَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا وَشِبْهِهَا فَمَقْبُولٌ مُحْتَجٌّ بِهِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ هَذَا الضَّرْبِ كَثِيرٌ، كَقَتَادَةَ، وَالسُّفْيَانَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ فِيمَنْ دَلَّسَ مَرَّةً، وَمَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَشِبْهِهِمَا، عَنِ الْمُدَلِّسِينَ بِعَنْ مَحْمُولٌ عَلَى ثُبُوتِ السَّمَاعِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَأَمَّا الثَّانِي فَكَرَاهَتُهُ أَخَفُّ، وَسَبَبُهَا تَوْعِيرُ طَرِيقِ مَعْرِفَتِهِ، وَتَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي كَرَاهَتِهِ بِحَسَبِ غَرَضِهِ، لِكَوْنِ الْمُغَيَّرِ اسْمُهُ ضَعِيفًا، أَوْ صَغِيرًا، أَوْ مُتَأَخِّرَ الْوَفَاةِ، أَوْ سَمِعَ مِنْهُ كَثِيرًا، فَامْتَنَعَ مِنْ تَكْرَارِهِ عَلَى صُورَةٍ، وَتَسَمَّحَ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ بِهَذَا.
ــ
[تدريب الراوي]
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَيَدْخُلُ أَيْضًا فِي هَذَا الْقِسْمِ التَّسْوِيَةُ، بِأَنْ يَصِفَ شَيْخَ شَيْخِهِ بِذَلِكَ.
[حكم التَّدْلِيسُ]
(أَمَّا) الْقِسْمُ (الْأَوَّلُ فَمَكْرُوهٌ جِدًّا، ذَمَّهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ) ، وَبَالَغَ شُعْبَةُ فِي ذَمِّهِ، فَقَالَ: لَأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ.
وَقَالَ: التَّدْلِيسُ أَخُو الْكَذِبِ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَهَذَا مِنْهُ إِفْرَاطٌ، مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ وَالتَّنْفِيرِ.
(ثُمَّ قَالَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ (مَنْ عُرِفَ بِهِ صَارَ مَجْرُوحًا مَرْدُودَ الرِّوَايَةِ) مُطْلَقًا، (وَإِنْ بَيَّنَ السَّمَاعَ) .
وَقَالَ جُمْهُورُ مَنْ يَقْبَلُ الْمُرْسَلَ: يَقْبَلُ مُطْلَقًا، حَكَاهُ الْخَطِيبُ.
وَنَقْلُ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى رَدِّ مَا عَنْعَنَهُ تَبَعًا لِلْبَيْهَقِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مَحْمُولٌ عَلَى اتِّفَاقِ مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
لَكِنْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ قَالُوا: يُقْبَلُ تَدْلِيسُ ابْنِ عُيَيْنَةَ ; لِأَنَّهُ إِذَا وَقَفَ أَحَالَ عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَنُظَرَائِهِمَا.
وَرَجَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ قَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ وَلَا يُدَلِّسُ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ مُتْقِنٍ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ خَبَرٌ دَلَّسَ فِيهِ إِلَّا وَقَدْ بَيَّنَ سَمَاعَهُ، عَنْ ثِقَةٍ مِثْلِ ثِقَتِهِ، ثُمَّ مَثَّلَ ذَلِكَ بِمَرَاسِيلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُرْسِلُونَ إِلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ.
وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ، وَأَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ، وَعِبَارَةُ الْبَزَّارِ: مَنْ كَانَ يُدَلِّسُ عَنِ الثِّقَاتِ كَانَ تَدْلِيسُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَقْبُولًا.
وَفِي الدَّلَائِلِ لِأَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ: مَنْ ظَهَرَ تَدْلِيسُهُ (ق 79 \ أ) عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ، لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ حَتَّى يَقُولَ: حَدَّثَنِي، أَوْ سَمِعْتُ.
فَعَلَى هَذَا هُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ مُفَصَّلٌ غَيْرُ التَّفْصِيلِ الْآتِي.
قَالَ الْمُصَنِّفُ كَابْنِ الصَّلَاحِ: وَعَزَى لِلْأَكْثَرِينَ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ مَعِينٍ وَآخَرُونَ (وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ فَمَا رَوَاهُ بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ، لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ السَّمَاعَ، فَمُرْسَلٌ) لَا يُقْبَلُ، (وَمَا بَيَّنَ فِيهِ كَسَمِعْتُ، وَحَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَشِبْهِهَا، فَمَقْبُولٌ يُحْتَجُّ بِهِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ هَذَا الضَّرْبِ كَثِيرٌ كَقَتَادَةَ وَالسُّفْيَانَيْنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَغَيْرِهِمْ) كَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ; لِأَنَّ التَّدْلِيسَ لَيْسَ كَذِبًا، وَإِنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِيهَامِ.
(وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (فِيمَنْ دَلَّسَ مَرَّةً) وَاحِدَةً.
(وَمَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَشِبْهِهِمَا) مِنَ الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ، (، عَنِ الْمُدَلِّسِينَ بِعَنْ، فَمَحْمُولٌ عَلَى ثُبُوتِ السَّمَاعِ) لَهُ (مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى) وَإِنَّمَا اخْتَارَ صَاحِبُ الصَّحِيحِ طَرِيقَ الْعَنْعَنَةِ عَلَى طَرِيقِ التَّصْرِيحِ بِالسَّمَاعِ، لِكَوْنِهَا عَلَى شَرْطِهِ دُونَ تِلْكَ.
وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ تَفْصِيلًا آخَرَ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى التَّدْلِيسِ تَغْطِيَةَ الضَّعِيفِ فَجَرْحٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَغِشٌّ وَإِلَّا فَلَا.
(وَأَمَّا) الْقِسْمُ (الثَّانِي، فَكَرَاهَتُهُ أَخَفُّ) مِنَ الْأَوَّلِ، (وَسَبَبُهَا تَوْعِيرُ طَرِيقِ مَعْرِفَتِهِ) عَلَى السَّامِعِ، كَقَوْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ أَحَدِ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، يُرِيدُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيَّ، وَفِيهِ تَضْيِيعٌ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ وَالْمَرْوِيِّ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُفْطَنُ لَهُ، فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْجَهَالَةِ.
(وَتَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي كَرَاهَتِهِ بِحَسَبِ غَرَضِهِ) ، فَإِنْ كَانَ (لِكَوْنِ الْمُغَيَّرِ اسْمُهُ ضَعِيفًا) ، فَيُدَلِّسُهُ حَتَّى لَا يُظْهِرَ رِوَايَتَهُ، عَنِ الضُّعَفَاءِ، فَهُوَ شَرُّ هَذَا الْقِسْمِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَرْحٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَجَزَمَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعُدَّةِ بِأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِ شَيْخِهِ غَيْرَ ثِقَةٍ عِنْدَ النَّاسِ، فَغَيَّرَهُ لِيُقْبَلَ خَبَرُهُ، يَجِبُ أَنْ لَا يُقْبَلَ خَبَرُهُ، (ق 79 \ ب) وَإِنْ كَانَ هُوَ يَعْتَقِدُ فِيهِ الثِّقَةَ فَقَدْ غَلِطَ فِي ذَلِكَ، لِجَوَازِ أَنْ يَعْرِفَ غَيْرُهُ مِنْ جَرْحِهِ مَا لَا يَعْرِفُهُ هُوَ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ إِنْ فَعَلَهُ لِضَعْفِهِ فَجَرْحٌ، أَوْ لِضَعْفِ نَسَبِهِ، أَوْ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ فَلَا.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ لَمْ يُبَيِّنْهُ، فَجَرْحٌ، وَإِلَّا فَلَا.
وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ إِطْلَاقَ اسْمِ التَّدْلِيسِ عَلَى هَذَا، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْمَدْخَلِ "، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَامِرٍ: كَانَ الثَّوْرِيُّ يُدَلِّسُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَلَيْسَ إِذَا دَخَلَ كُورَةً يَعْلَمُ أَنَّ أَهْلَهَا لَا يَكْتُبُونَ حَدِيثَ رَجُلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، وَإِذَا عُرِفَ الرَّجُلُ بِالِاسْمِ كَنَّاهُ، وَإِذَا عُرِفَ بِالْكُنْيَةِ سَمَّاهُ، قَالَ: هَذَا تَزْيِينٌ لَيْسَ بِتَدْلِيسٍ.
(أَوْ) لِكَوْنِهِ (صَغِيرًا) فِي السِّنِّ، (أَوْ مُتَأَخِّرَ الْوَفَاةِ) حَتَّى شَارَكَهُ فِيهِ مَنْ هُوَ دُونَهُ، فَالْأَمْرُ فِيهِ سَهْلٌ.
(أَوْ سَمِعَ مِنْهُ كَثِيرًا، فَامْتَنَعَ مِنْ تَكْرَارِهِ عَلَى صُورَةٍ) وَاحِدَةٍ، إِيهَامًا لِكَثْرَةِ الشُّيُوخِ، أَوْ تَفَنُّنًا فِي الْعِبَارَةِ، فَسَهْلٌ أَيْضًا، (وَ) قَدْ (تَسَمَّحَ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ) مِنَ الرُّوَاةِ الْمُصَنِّفِينَ (بِهَذَا) .
1 -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
تَنْبِيهٌ
مِنْ أَقْسَامِ التَّدْلِيسِ مَا هُوَ عَكْسُ هَذَا، وَهُوَ إِعْطَاءُ شَخْصٍ اسْمَ آخَرَ مَشْهُورٍ تَشْبِيهًا، ذَكَرَهُ ابْنُ السُّبْكِيِّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، قَالَ: كَقَوْلِنَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، يَعْنِي الذَّهَبِيَّ تَشْبِيهًا بِالْبَيْهَقِيِّ، حَيْثُ يَقُولُ ذَلِكَ يَعْنِي بِهِ الْحَاكِمَ.
وَكَذَا إِيهَامُ اللُّقَى وَالرِّحْلَةِ، كَحَدَّثَنَا مَنْ وَرَاءَ النَّهْرِ، يُوهِمُ أَنَّهُ جَيْحُونُ، وَيُرِيدُ نَهْرَ عِيسَى بِبَغْدَادَ، أَوِ الْجِيزَةِ بِمِصْرَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَرْحٍ قَطْعًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَارِيضِ لَا مِنَ الْكَذِبِ.
قَالَهُ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ، وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي " الِاقْتِرَاحِ ".
1 -
فَائِدَةٌ
قَالَ الْحَاكِمُ: أَهْلُ الْحِجَازِ، وَالْحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ، وَالْعَوَالِي، وَخُرَاسَانَ، وَالْجِبَالِ، وَأَصْبَهَانَ، وَبِلَادِ فَارِسَ، وَخُوزِسْتَانَ، وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ: لَا يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ دَلَّسُوا.
قَالَ: وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ تَدْلِيسًا أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَنَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ.
قَالَ: وَأَمَّا أَهْلُ بَغْدَادَ فَلَمْ يُذْكَرْ (ق 80 \ أ) ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا التَّدْلِيسُ، إِلَّا أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيَّ الْوَاسِطِيَّ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ التَّدْلِيسَ بِهَا، وَمَنْ دَلَّسَ مِنْ أَهْلِهَا إِنَّمَا تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ.