الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّابِعَةُ: يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ، وَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إِلَّا مُبَيَّنَ السَّبَبِ.
وَأَمَّا كُتُبُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ فِيهَا سَبَبُ الْجَرْحِ فَفَائِدَتُهَا التَّوَقُّفُ فِيمَنْ جَرَّحُوهُ فَإِنْ بَحَثْنَا عَنْ حَالِهِ وَانْزَاحَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ، وَحَصَلَتِ الثِّقَةُ بِهِ قَبِلْنَا حَدِيثَهُ، كَجَمَاعَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ.
ــ
[تدريب الراوي]
[الرابعة هل يقبل التعديل دون ذكر السبب]
(الرَّابِعَةُ: يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ) ; لِأَنَّ أَسْبَابَهُ كَثِيرَةٌ فَيَثْقُلُ، وَيَشُقُّ ذِكْرُهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُحْوِجُ الْمُعَدِّلَ إِلَى أَنْ يَقُولَ: لَمْ يَفْعَلْ كَذَا، لَمْ يَرْتَكِبْ كَذَا، فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَيُعَدِّدُ جَمِيعَ مَا يَفْسُقُ بِفِعْلِهِ أَوْ بِتَرْكِهِ، وَذَلِكَ شَاقٌّ جِدًّا.
(وَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إِلَّا مُبَيَّنَ السَّبَبِ) ; لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَشُقُّ ذِكْرُهُ، وَلِأَنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِي أَسْبَابِ الْجَرْحِ، فَيُطْلِقُ أَحَدُهُمُ الْجَرْحَ بِنَاءً عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ جَرْحًا، وَلَيْسَ بِجَرْحٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِهِ ; لِيُنْظَرَ هَلْ هُوَ قَدْحٌ، أَوْ لَا؟
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَهَذَا ظَاهِرٌ مُقَرَّرٌ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ.
وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ كَالشَّيْخَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا.
وَلِذَلِكَ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِجَمَاعَةٍ سَبَقَ مِنْ غَيْرِهِ الْجَرْحُ لَهُمْ، كَعِكْرِمَةَ، وَعَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِسُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَجَمَاعَةٍ اشْتَهَرَ الطَّعْنُ فِيهِمْ، وَهَكَذَا فَعَلَ أَبُو دَاوُدَ، وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ، إِلَّا إِذَا فُسِّرَ سَبَبُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَفْسَرَ الْجَارِحُ، فَذَكَرَ مَا لَيْسَ بِجَرْحٍ.
وَقَدْ عَقَدَ الْخَطِيبُ لِذَلِكَ بَابًا، رَوَى فِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيِّ، قَالَ: قِيلَ لِشُعْبَةَ: لِمَ تَرَكْتَ حَدِيثَ فُلَانٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ يَرْكُضُ عَلَى بِرْذَوْنٍ فَتَرَكْتُ حَدِيثَهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
وَرُوِيَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِصَالِحٍ؟ ذَكَرُوهُ يَوْمًا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَامْتَخَطَ حَمَّادٌ.
وَرُوِيَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: قَالَ شُعْبَةُ: أَتَيْتُ مَنْزِلَ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، فَسَمِعْتُ مِنْهُ صَوْتَ الطُّنْبُورِ فَرَجَعْتُ، فَقِيلَ لَهُ: فَهَلَّا سَأَلْتَ عَنْهُ إِذْ لَا يَعْلَمُ هُوَ؟ .
وَرُوِّينَا، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: لِمَ لَمْ تَرْوِ عَنْ زَاذَانَ؟ قَالَ: كَانَ كَثِيرَ الْكَلَامِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.
قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: وَكَذَا إِذَا قَالُوا: فُلَانٌ كَذَّابٌ ; لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ ; لِأَنَّ الْكَذِبَ يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ، كَقَوْلِهِ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ.
وَلَمَّا صَحَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ هَذَا الْقَوْلَ، أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ سُؤَالًا، فَقَالَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا يَعْتَمِدُ النَّاسُ فِي جَرْحِ الرُّوَاةِ وَرَدِّ حَدِيثِهِمْ عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي صَنَّفَهَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَقَلَّمَا يَتَعَرَّضُونَ فِيهَا لِبَيَانِ السَّبَبِ، بَلْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى مُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ ضَعِيفٌ، وَفُلَانٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، أَوْ حَدِيثٌ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَاشْتِرَاطُ بَيَانِ السَّبَبِ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ ذَلِكَ وَسَدِّ بَابِ الْجَرْحِ فِي الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ.
ثُمَّ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ: (وَأَمَّا كُتُبُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ فِيهَا سَبَبُ الْجَرْحِ) ، فَإِنَّا وَإِنْ لَمْ نَعْتَمِدْهَا فِي إِثْبَاتِ الْجَرْحِ وَالْحُكْمِ بِهِ (فَفَائِدَتُهَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
التَّوَقُّفُ فِيمَنْ جَرَّحُوهُ) عَنْ قَبُولِ حَدِيثِهِ، لِمَا أَوْقَعَ ذَلِكَ عِنْدَنَا مِنَ الرِّيبَةِ الْقَوِيَّةِ فِيهِمْ، (فَإِنْ بَحَثْنَا عَنْ حَالِهِ وَانْزَاحَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ، وَحَصَلَتِ الثِّقَةُ بِهِ، قَبِلْنَا حَدِيثَهُ، كَجَمَاعَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ) ، كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ.
وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: قَبُولُ الْجَرْحِ غَيْرَ مُفَسَّرٍ، وَلَا يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ إِلَّا بِذِكْرِ سَبَبِهِ ; لِأَنَّ أَسْبَابَ الْعَدَالَةِ يَكْثُرُ التَّصَنُّعُ فِيهَا، فَيَبْنِي الْمُعَدِّلُ عَلَى الظَّاهِرِ، نَقَلَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّازِيُّ فِي " الْمَحْصُولِ ".
الثَّانِي: لَا يُقْبَلَانِ إِلَّا مُفَسَّرَيْنِ، حَكَاهُ الْخَطِيبُ، وَالْأُصُولِيُّونَ ; لِأَنَّهُ كَمَا قَدْ يَجْرَحُ الْجَارِحُ بِمَا لَا يَقْدَحُ، كَذَلِكَ يُوَثِّقُ الْمُعَدِّلُ بِمَا لَا يَقْتَضِي الْعَدَالَةَ، كَمَا رَوَى يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ فِي " تَارِيخِهِ "، قَالَ: سَمِعْتُ إِنْسَانًا يَقُولُ لِأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ: عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ ضَعِيفٌ ; قَالَ: إِنَّمَا يُضَعِّفُهُ رَافِضِيٌّ مُبْغِضٌ لِآبَائِهِ، وَلَوْ رَأَيْتَ لِحْيَتَهُ، وَهَيْئَتَهُ لَعَرَفْتَ أَنَّهُ ثِقَةٌ.
فَاسْتَدَلَّ عَلَى ثِقَتِهِ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ ; لِأَنَّ حُسْنَ الْهَيْئَةِ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَدْلُ وَغَيْرُهُ.
الثَّالِثُ: لَا يَجِبُ ذِكْرُ السَّبَبِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، إِذَا كَانَ الْجَارِحُ وَالْمُعَدِّلُ عَالِمَيْنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تدريب الراوي]
بِأَسْبَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ بَصِيرًا مَرْضِيًّا فِي اعْتِقَادِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَنَقَلَهُ عَنِ الْجُمْهُورِ، وَاخْتَارَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّازِيُّ، وَالْخَطِيبُ، وَصَحَّحَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ الْعِرَاقِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ فِي " مَحَاسِنِ الِاصْطِلَاحِ ".
وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَفْصِيلًا حَسَنًا، فَإِنْ كَانَ مَنْ جُرِّحَ مُجْمَلًا، قَدْ وَثَّقَهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، لَمْ يُقْبَلِ الْجَرْحُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ إِلَّا مُفَسَّرًا ; لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ لَهُ رُتْبَةُ الثِّقَةِ، فَلَا يُزَحْزَحُ عَنْهَا إِلَّا بِأَمْرٍ جَلِيٍّ، فَإِنَّ أَئِمَّةَ هَذَا الشَّأْنِ لَا يُوَثِّقُونَ إِلَّا مَنِ اعْتَبَرُوا حَالَهُ فِي دِينِهِ، ثُمَّ فِي حَدِيثِهِ، وَتَفَقَّدُوهُ كَمَا يَنْبَغِي، وَهُمْ أَيْقَظُ النَّاسِ، فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُ أَحَدِهِمْ إِلَّا بِأَمْرٍ صَرِيحٍ، وَإِنْ خَلَا عَنِ التَّعْدِيلِ قُبِلَ الْجَرْحُ فِيهِ غَيْرَ مُفَسَّرٍ إِذَا صَدَرَ مِنْ عَارِفٍ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعَدَّلْ فَهُوَ فِي حَيِّزِ الْمَجْهُولِ، وَإِعْمَالُ قَوْلِ الْمُجَرِّحِ فِيهِ، أَوْلَى مِنْ إِهْمَالِهِ.
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ. . .