الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} . فإن قريب المقتول قد نصره الله إذ جعل له حق الاقتصاص، فإذا لم يستوف له في الدنيا استوفى له في الأخرى.
والمؤمن بيقينه لا يرى يوم القيامة إلاّ قريباً. وكفى بالله حسيباً.
حفظ الأموال باحترام الملكية
مال الشخص: هو ما كان ملكاً له:
(واليتيم): هو من عدم أباه، من اليتم بمعنى الانفراد، ومنه الدرة اليتيمة. ومن عدم أباه فقد عدم ناصره. فإذا بلغ النكاح فقد بلغ القوة، فاستغنى عن الناصر، فلا يقال فيه يتيم في اللغة.
واعتبر الشرع الشريف وجود قوة العقل فمنع استغلاله، ودفع ماله إليه بعد البلوغ حتى يؤنسَ منه الرشد.
(والتي هي أحسن): الفعلة والخصلة التي هي أنفع.
والبلوغ إلى الشيء: الوصول والانتهاء إليه.
(والأشد): جمع شدة كأنعم جمع نعمة، فالأشد هو القوى. وبلوغ الأشد هو بلوغ القوى، والوصول إلى الحالة التي تحصل فيها القوى للإنسان، القوى البدنية، والقوى العقلية. ولا يقال في الشخص قد بلغ أشده إلاّ إذا حصل على قواه من الجهتين. فأما القوى البدنية فعلامة حصولها هو البلوغ. وأما القوى العقلية فعلامة حصولها هو الرشد الذي يظهر في حسن التصرف.
وقد جمع العلامتين قوله تعالى:
فابتداء الأشد من البلوغ إذا كان معه رشد، ولا يزال يتدرج حتى يستكمل في الأربعين، كما قال تعالى:{حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف:15]. فالأربعون هي سن الاستكمال، والاستواء، والتمام في القوى، وهي السن التي بعث الله فيها النبي- صلى الله عليه وآله وسلم للعالمين بشيرا ونذيرا.
ولا يزال الإنسان في قوته- ما لم تعرض الطوارىء- إلى الخمسين، ثم يأخذ في التراجع.
…
مال المرء كقطعة من بدنه، ويدافع عنه كما يدافع عن نفسه، وبه دوام أعماله في حياته. فالأموال مقرونة بالنفوس في الاعتبار؛ فقرنت في النظم آية حفظ الأموال بآيات حفظ النفوس، كما قرن بينهما النبي- صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:
«فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام» (1).
…
نهى تعالى عن قربان مال اليتيم إلاّ بالوجه الذي هو أنفع، فلا بد لكافل اليتيم من النظر والتحري عند التصرف في ماله: حتى يعرف ما هو ضار وما هو نافع، وما هو لا ضار ولا نافع، وما هو أنفع؛ فلا يتصرف إلاّ بما هو نافع. فإذا تعارض وجهان نافعان تحرى أنفعهما لليتيم. وفي هذا النهي- بطريق الأحرى- تحريم أخذ مال اليتيم بالباطل، والتعدي عليه ظلماً.
ومثل اليتيم في وجهي النهي المتقدمين غيره؛ فكل ذي ولاية أو أمانة على مال غيره يجب عليه أن يتحرى التحري المذكور.
كما يحرم على كل أحد أن يتعدى على مال غيره.
وإنما خص اليتيم بالذكر، لأنه ضعيف لا ناصر له، والنفوس أشد طمعاً في مال الضعيف؛ فالعناية به أوكد، والعقوبة عليه أشد.
ومن تأدب بأدب الآية في مال الضعيف كاليتيم، كان حقيقاً أن يتأدب بأدبها في مال غيره.
ومن بليغ إيجاز القرآن في بيانه أنه يذكر الشيء ليدل به على تأثيره، أو الذي هو أحرى بالحكم منه، أو لكون امتثال الحكم الشرعي فيه داعيا إلى امتثاله في غيره بالمساواة، أو الأحروية.
وأجاز تعالى لولي اليتيم أن يتصرف في ماله بالاستثناء في قوله: {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} . فيجوز له تنميته لليتيم بوجوه التجارة.
(1) جزء من حديث حجة الوداع، رُوي عن عدد من الصحابة منهم جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وأبي بكرة وعمرو بن الأحوص وحذيم بن عمرو والسعدي، كما ذكر الترمذي في صحيحه (في الحديث رقم 2159). والحديث رواه البخاري في العلم باب9و37، والفتن باب8، والتوحيد باب24، والأضاحي باب5، والمغازي باب77، والحج باب132. ومسلم في القسامة حديث29و30. والترمذي في الفتن باب2، وتفسير سورة9 باب2. وابن ماجة قي المناسك باب76. والدارمي في المناسك باب72. وأحمد في المسند (1/ 230، 4/ 337، 5/ 37، 39، 40، 72).