الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موعظة:
قال الإمام ابن العربي: سمعت ذا نشمند الأكبر- يعني الغزالي- يقول:
«إن الله خلق العبد حياً عالماً وبذلك كماله. وسلط عليه آفة النوم، وضرورة الحدث، ونقصان الخلقة، إذن الكمال للأول الخالق.
فما أمكن الرجل من دفع النوم، بقلة الأكل، والسهر في الطاعة فليفعل.
ومن الغبن العظيم أن يعيش الرجل ستين سنة، ينام ليلها فيذهب النصف من عمره لغواً.
وينام نحو سدس النهار راحة فيذهب له ثلثاه، ويبقى له من العمر عشرون سنة.
ومن الجهالة والسفاهة أن يتلف الرجل ثلثي عمره في لذة فانية، ولا يتلف عمره سهرة في لذة باقية، عند الغني الوفي، الذي ليس بعديم ولا ظلوم».اهـ.
سلوك:
حافظ على العبادات في أوقاتها، واقض ما فاتك.
واربط أعمالك بأوقاتها، وتدارك ما فاتك.
ووجه قصدك إلى ما ترى من آيات الله متفكراً.
ووجه قصدك في جميع أعمالك لله سامعاً مطيعاً- تكن عبداً ذاكراً شاكراً سعيداً- إن شاء الله- في الدارين.
وفقنا الله إلى ذلك والمسلمين أجمعين.
…
القرآن يصف عباد الرحمن
الصفة الأولى والثانية:
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)} [الفرقان: 63].
لما تجاهل المشركون الرحمن، واستكبروا عن السجود له، عرفهم القرآن بالرحمن: بخلقه، وتدبيره وإنعامه، كما مضى في الآيات المتقدمة.
ثم عرفهم بعباده الذين عرفوه بذلك، فآمنوا به، وخضعوا له، بما اشتملت عليه هذه الآيات من صفاتهم.
وكما كانت مخلوقات الله المذكورة سابقاً دالة عليه، ومعرفة به، بما فيها من آثار قدرته وآثار
رحمته، كذلك كان عباده المذكورون أدلة عليه، ومعرفين به، بأقوالهم، وأفعالهم، وهديهم، وسلوكهم ومظاهر آثار رحمة الله عليهم.
فذكروا بعد ذلك تلك المخلوقات، وذكرت هي قبلهم؛ لأنها كانت أدلة لهم، والدليل سابق على المستدل، سبق المستفاد منه على المستفيد.
وفي تعريف القرآن لعباد الرحمن بعد تعريفه بالرحمن، تشريف كبير لهم، وتبكيت لأولئك المتجاهلين المتكبرين.
ووجه آخر في المناسبة، وهو أنه لما ذكر التذكر والشكر في الليل والنهار في الآية المتقدمة، ذكر صفات المتذكرين الشاكرين، وما أثمره لهم تذكرهم وشكرهم، ترغيباً في التذكر والشكر. وقولهم للجاهلين سلاماً من مقتضى هونهم ورفقهم، فلذلك قرن به وعطف عليه.
{عباد} جمع عبد بمعنى المملوك الذليل الخاضع، أو جمع عابد كصاحب وصحاب، وتاجر وتجار: بمعنى المطيع والقائم بما يرضي ربه، والأول هنا أظهر.
{الرحمن} المنعم الذي تتجدد نعمه في كل آن.
{يمشون على الأرض} يتنقلون عليها.
{هونًا} هان الأمر يهون هونًا بمعنى سهل. ومنه {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أي سهل. وشيء هين على وزن فعل أي سهل، ويقال هين بالتخفيف.
ومن صفات المؤمن أنه هين لين، من الهون بمعنى السهولة في أخلاقه ومعاملته.
وفي مسند أحمد عن ابن مسعود مرفوعاً: «حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس» (1).
وهو على ما فسرنا من السهولة في أخلاقه ومعاملته، وذلك هو الذي يقربه من الناس.
وفسر الهون في الآية بالحلم، والوقار، والسكينة، والتواضع والطاعة، وكلها ترجع إلى السهولة واللين.
وفسر بعدم الفساد في الأرض، وعدم التجبر والتكبر، لأنها كلها أضداد للسهولة واللين.
{خاطبهم} كلهم {الجاهلون} السفهاء القليلو الأدب السيئو الأخلاق. والجهل ضد العلم، ويطلق بمعنى السفه والطيش؛ لأنهما عنه ينشآن.
ومنه قول الشاعر.
(1) أخرجه أحمد في المسند (1/ 4415). وأخرجه أيضاً الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع باب 45 (حديث ول 24) بلفظ: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار: على كل قريب هين سهل» .
أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا
…
فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا (1)
ومنه {الجاهلون} في الآية.
{سلاماً} السلام كالسلامة معناهما: التعري من الآفات والمكروهات.
وصلت الجملة بما قبلها بالواو، لاشتراكهما في القصد وهو التعريف بالرحمن وبعباده. وعباد مبتدأ، والذين خبر.
وأضاف العباد للرحمن تخصيصاً لهم وتفصيلاً وتقريباً، وفيه تعريض بأولئك المتجاهلين المتكبرين المبعدين.
وهوناً منصوباً على أنه مفعول مطلق، والتقدير مشياً هوناً أو على أنه حال من فاعل يمشون، أي هينين. ومجيء المصدر حالاً كثير، ولمصدريته أفراد والموصوف جمع، نظير الزيدون عدل.
و {يمشون على الأرض هونا} تركيب كنائي، أريد به معناه، ولازم معناه:
فهم يمشون هينين برفق وتثبت، لا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشراً وبطراً، هذا أصل المعنى وهو مراد.
ومراد أيضاً لازمه وهو سهولتهم وتواضعهم وعدم تكبرهم ورفقهم في الأمور وبعدهم عن الإفساد.
ومراد لازم آخر أيضاً: وهو سيرهم في الحياة وتصرفهم في جميع الأمور، ومعاملتهم للناس، فإذا كانوا أهل رفق وسهولة في مشيتهم في الأرض، فكذلك هم أهل رفق وسهولة في الأمور الأخرى مما ذكرنا؛ لأن الرفق والسهولة خلق فيهم، فكما هو في المشي هو في غيره.
وكانت الصلة بالمضارع (2) ليفيد التجدد، فإن المشي هو في الأرض ضروري للإنسان.
وكان المعطوف على الصلة بصورة الشرط (3)؛ لأن خطاب الجاهلين لهم ليس مما يكون دائماً.
وكان التعليق بلذا لأن مخاطبة الجاهلين لهم بالسوء أمر محقق.
ومتى سلم أهل العلم والدين من الجاهلين؟!!
(1) البيت من معلقة عمرو بن كلثوم، ومطلعها:
أَلَا هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِينَا
…
وَلَا تُبْقِي خُمُورَ لِأَنْدَرِينَا (شعر عمرو بن كلثوم: [ص:40].- طبعة الدار العالمية).
وقوله: «فنجهل فوق جهل الجاهلينا» معناه: فنهلكه فنعاقبه بما هو أعظم من جهله. وقال الزوزني في شرح المعلقات [ص:252].: «أي لا يسفهن أحد علينا فنسفه عليهم فوق سفههم علينا» .
(2)
في: {يمشون} .
(3)
في قوله: {وإذا خاطبهم} .