الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 94]. {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 39، 40].
5 -
ومن طبيعته الدعوة إلى الجمال والتحبيب به في جميع مظاهر الحياة، لكن في نطاق الفضيلة والعفاف، كما قال تعالى:
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]. {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [التغابن: 3]. {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50]، {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات: 6]. {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ} [يونس: 45]، {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النمل: 7]، {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7]، {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]، {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 5]، {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].
من طبيعة الملك البشري:
الملك البشري، وإن روعيت في أوضاعه هذه الأصول الأربعة، إلاّ أنه:
1 -
لا يقيم ميزان العدل بين أبناء المملكة وغيرهم: فنراه يكيل لهؤلاء بمكيال ولهؤلاء بمكيال.
ولا يرعى من العهود- في الغالب- إلاّ ما يعارض مصلحته أو تلزمه بمراعاته قوة خصمه.
2 -
كما أنه يكاد يقصر بره وإحسانه على أبناء جلدته، ومن كانوا من جنسه ولونه.
3 -
كما أنه يبني أمره على القوة المطلقة فتندفع من رغباته إلى أقصى ما يمكنها أن تصل إليه. فيكون البغي والتساقط (1)[[التسلط]] (*) والعدوان.
4 -
كما أنه تستهويه زينة الحياة الدنيا وزخارفها، فتمتد يده إليها حيثما وجدها، فتتنازعها الأيدي بالقوة والحيلة، وتذهب في أقانيها (2) الشهوات بالناس إلى النقص والرذيلة.
…
ثم إن من طبيعة الملك من حيث أنه ملك- سواء أكان بشرياً أم نبوياً- مظاهر الأبهة والجمال والقوة والفخامة؛ لما جبل عليه الخلق من اعتبار المظاهر والتأثر بها. وهذا إذا كان في الحق فهو عمود مطلوب، وإذا كان للباطل والبغي والتعظيم النفسي فمذموم متروك.
(1) كذا في الأصل المطبوع بالسين بعد التاء؛ ولعل الصواب "التقاسط" بالقاف بعد التاء، من قَسَطَ قَسْطاً وقُسوطاً: جار وعدل عن الحق. انظر (المعجم الوسيط: [ص: 734]).
(2)
أقانيها: لم أجد هذه الصيغة في كتب اللغة. ويريد: اقتنائها؛ القِنوة والقنوة والقنية والقنْيَة: الكسبة. وقنوت الشيء قُئوا وقُنوانًا وأقتنيته: كسبته. انظر لسان العرب (15/ 201 - مادة قنا).
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: لعل الصواب ما أُثبت بين معكوفات والله أعلم
ومن الأول أمر النى- صلى الله عليه وآله وسلم وعمه العباس- رضي الله عنه أن يحبس أبا سفيان عند خطم (1) الجبل، حتى تمر عليه كتائب المسلمين؛ وذلك لإدخال الرعب على قلبه بما يرى من النظام والقوة.
فحبسه العباس، فجعلت الكتائب تمر به، فيسأل العباس عن كل كتيبة، فإذا أخبره قال: ما لي ولبني فلان؟
حتى مرّ رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم في كتيبته الخضراء، وفيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلاّ الحدق (2) من الحديد؛ فقال: من هؤلاء؛ فقال العباس: هذا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم في المهاجرين والأنصار. فقال أبو سفيان: ما لأحد بهؤلاء قِبَل ولا طاقة، لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً.
قال العباس: فقلت له: إنها النبوة، فقال: فنعم إذن.
قصد أبو سفيان عظمة الملك القاهر التي كان يعرفها من الأكاسرة وأمثالهم، فنفى ذلك العباس ورده إلى النبوة، التي هي أصل تلك القوة، وذلك الملك النبوي المستند إلى الوحي الإلهي، ولم يرد نفي الملك جملة.
ومنه (3) ما كان من معاوية بالشام:
لما قدم عليه عمر وجده في أبهة من الجند والعدة، فاستنكر ذلك، وقال له: أكسروية يا معاوية؟! فاعتذر معاوية بأنهم في ثغر تجاه العدو، وأنهم في حاجة إلى مباهاة العدو بزينة الحرب والجهاد، فسكت عمر وأقره.
فذلك المظهر من مظاهر طبيعة الملك من حيث هو ملك، وإنما أنكره عمر لما خاف فيه من تعظم واستعلاء وإعجاب؛ فلما كان للحق والمصلحة أقره.
ومن أقوى الأدلة على أن تلك المظاهر إذا كانت للحق والمصلحة فهي محمودة مطلوبة، ما قصه الله علينا في هذه الآيات عن ملك سليمان نبي الله عليه الصلاة والسلام.
…
نعم في مسند أحمد أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم خير بين أن يكون نبياً ملكاً أو
(1) في اللسان (12/ 186 - مادة خطم): "الخُطْمَة: رَعْنُ الجبل". والرَّعْن: الأنف العظيم من الجبل تراه متقدماً، وقيل: الرعن أنف يتقدم الجبل. انظر اللسان (13/ 192 - مادة رعن).
(2)
الحَدَق: جمع الحَدَقَة، وهو السواد المستدير وسط العين (اللسان: 10/ 39 - مادة حدق). وقوله هنا: «لا يرى منهم إلاّ الحدق من الحديد» أي أنهم كانوا متدرعين بالحديد من أعلاهم إلى أسفلهم بحيث لا يرى منهم إلاّ سواد أحداقهم.
(3)
أي من مظاهر الأبهة والجمال والقوة والفخامة.