الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطبة افتتاح لدروس التفسير
الحمد لله الذي جمل الإنسان بالبيان، وجمل البيان بالقرآن، فالإنسان دون بيان حيوان أبكم، والبيانُ دون قرآن كلام أجذم. وذو البيان والقرآن هو الأكمل الأعظم قدراً وتقديرا، والأحسن الأقوم عملاً وتفكيراً، والأسعد الأكرم حالاً مصيراً.
أحمده، أرسل محمداً- صلى الله عليه وآله وسلم بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
وأنزل عليه القرآن تبصرة وذكرى، ومعجزة كبرى، حجة وتذكيراً.
وشرع لنا من دينه الحنيف مناهل العز والسعادة، ومهد لنا من شرعه الشريف سبل الحسنى والزيادة، رحمة منه تعالى وفضلاً كبيراً.
وأشكره، هدانا واجتبانا، فرضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً، وحبب إلينا ديننا، فوالله لو بذلت لنا الدنيا بحذافيرها في تركه ما ساوت عندنا حبة رغام (1)، توفيقاً منه تعالى ويقيناً صادقاً منا وبصراً بصيراً.
وأستغفره لما كان منا من نقص وتقصير في الوفاء بوعده الحق، وشكر فضله الكبير، إنه كان عفواً غفاراً شكوراً.
وأصلي وأسلم على سيدنا محمد أشرف خلقه وأكرم رسله، فرق بالقرآن بين الحق والباطل، وهدى به الضال وعلم به الجاهل، وجاهد به- في الله- جهاداً كبيراً.
وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، اقتفوا طريقته، وأحيوا سنته، فوقاهم الله شر ذلك اليوم، ولقاهم نضرة وسروراً، وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً.
وعلى بقية أمته، وأهل ملته، لبوا دعوته، وأمّوا غايته، ناشطاً وحصيراً (2).
صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم نلقى محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ونسعد بلقائه، ونحشر بين الأمم تحت لوائه، ونجزى بمحبته- إن شاء الله تعالى- جزاء موفوراً.
(1) الرغام (بفتح الراء): التراب. ويقال: ألقاه في الرغام: أذله وأهانه. انظر (المعجم الوسيط: [ص:358]).
(2)
الحصير: الضيق الصدر. (المعجم الوسيط: [ص:178]).
فقد عدنا- والحمد لله تعالى- إلى مجالس التذكير، من دروس التفسير (1).
نقتطف أزهارها، ونجني من ثمارها، بيسرٍ من الله تعالى وتيسير.
على عادتنا في تفسير الألفاظ بأرجح معانيها اللغوية، وحمل التراكيب على أبلغ أساليبها البيانية، وربط الآيات، بوجوه المناسبات.
معتمدين في ذلك على صحيح المنقول، وسديد المعقول، مما جلاه أئمة السلف المتقدمون، أو غاص عليه علماء الخلف المتأخرون، رحمة الله عليهم أجمعين.
وعمدتنا فيما نرجع إليه من كتب الأئمة:
1 -
تفسير "ابن جرير الطبري"(2)، الذي يمتاز بالتفاسير النقلية السلفية، وبأسلوبه الترسلي البليغ في بيان معنى الآيات القرآنية، وبترجيحاته لأولى الأقوال عنده بالصواب.
2 -
وتفسير "الكشاف"(3) الذي يمتاز بذوقه البياني في الأسلوب القرآني، وتطبيقه فنون البلاغة على آيات الكتاب، والتنظير لها بكلام العرب، واستعمالها في أفانين الكلام.
3 -
وتفسير "أبي حيان الأندلسي"(4) الذي يمتاز بتحقيقاته النحوية واللغوية، وتوجيهه للقراءات.
4 -
وتفسير "الرازي"(5) الذي يمتاز ببحوثه في العلوم الكونية، مما يتعلق بالجماد والنبات والحيوان والإنسان، وفي العلوم الكلامية، ومقالات الفرق، والمناظرة والحجاج في ذلك.
إلى غير هذا مما لا بد لنا من مراجعته من كتب التفسير والحديث والأحكام، وغيرها مما يقتضيه المقام.
…
نقول هذا؛ ليعرف الطلبة مصادر درسنا، ومآخذ ما يسمعونه منا. ونحن نعلم أننا- والله- كما قال أخو العرب:
(1) هذا درس من دروس التفسير للإمام ابن باديس اخترناه من بين دروسه التي كان يفتتحها بخطبة مرتجلة كل عام. وفيها أسلوب أدبي للإمام معتمداً على السجع.
(2)
وهو المسمى "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" وقد صدر عن دار الكتب العلمية بطبعته الأولى سنة 1992م، باثني عشر مجلداً.
(3)
وهو للزمخشري. وسيصدر هذه السنة (1995م) عن دار الكتب العلمية، إن شاء الله تعالى.
(4)
وهو تفسير "البحر المحيط". وقد صدر عن دار الكتب العلمية بطبعته الأولى سنة 1993م، بثمان مجلدات. بتحقيق الشيخين عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض والدكتور زكريا عبد المجبد النوتي والدكتور أحمد النجولي الجمل.
(5)
هو تفسير الإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي المتوفى سنة 606هـ المسمى "مفاتيح الغيب". وقد صدر هذا التفسير عن دار الكتب العلمية في طبعته الأولى سنة 1990م، في ستة عشر مجلدا.
لَعَمْرُ أَبِيكَ مَا نُسِبَ الْمُعَلَّى
…
إِلَى كَرَمٍ وَفِي الدُّنْيَا كَرِيمُ
وَلَكِنَّ الْبِلَادَ إِذَا اقْشَعَرَّتْ
…
وَصَوَّحَ نَبْتُهَا رُعِيَ الْهَشِيمُ (1)
وكما نقول في المثل:
"إِنَّمَا نُكَحِّلُ فِي مَوْضِعِ الْعَيْنَيْنِ"(2).
وإذا نظرنا إلى قصورنا، وخطورة مقام الكلام على كلام الله تعالى، أحجمنا.
وإذا رأينا إلى فضل الله، وثقتنا به، وحسن قصدنا- في خدمة كتابه- أقدمنا.
وهذا الجانب الكريم أرجح عندنا، فنحن نقدم معتمدين على الله تعالى سائلين منه تعالى لنا ولكم أن يوفقنا إلى حسن القصد، وصحة الفهم، وصواب القول، وسداد العمل.
(1) البيتان لأبي علي البصير. انظر أمالي القالي (2/ 287) وفسّر "صوح" بمعنى: يبس وتشقق.
(2)
من الأمثال الشائعة في دول المغرب العربي.