الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا يقطع لأحد بأنه من أهل النار لجهل العاقبة سواء كان من أهل الكفر، أو كان من أهل الفسق، أو كان من أهل الابتداع.
كما لا يقطع لأحد بالجنة كذلك، إلاّ من جاء النص بهم.
فلا يقال للكافر عند دعوته أو مجادلته: إنك من أهل النار، ولكن تذكر الأدلة على بطلان الكفر، وسوء عاقبته.
ولا يقال للمبتدع: يا ضال، وإنما تبين البدعة وقبحها.
ولا يقال لمرتكب الكبيرة: يا فاسق، ولكن يبين قبح تلك الكبيرة وضررها وعظم إثمها.
فتقبح القبائح والرذائل في نفسها، وتجتنب أشخاص مرتكبها.
إذ رب شخص هو اليوم من أهل الكفر والضلال تكون عاقبته إلى الخير والكمال. ورب شخص هو اليوم من أهل الإيمان ينقلب- والعياذ بالله تعالى- على عقبه في هاوية الوبال. وخاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: أنه لم يرسله وكيلاً على الخلق، حفيظاً عليهم، كفيلاً بأعمالهم (1).
فما عليه إلاّ تبليغ الدعوة، ونصرة الحق بالحق، والهداية والدلالة إلى دين الله وصراطه المستقيم.
خاطبه بهذا ليؤكد لخلقه ما أمرهم به، من قول التي هي أحسن للموافق والمخالف.
فلا يحملنّهم بغض الكفر والمعصية على السوء في القول لأهلها، فإنما عليهم تبليغ الحق كما بلغه نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم.
ولن يكون أحد أحرص منه على تبليغه؛ فحسبهم أن يكونوا على سنته وهديه.
أحيانا الله عليهما، وأماتنا عليهما، وحشرنا في زمرة أهلهما. آمين.
…
دعاء غير الله
من دعا غير الله، فقد عبد ما دعاه وهو في عبادته من الخاسرين
{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ
(1) قال تعالى في الآية 54 من سورة الإسراء: {إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} وقال: {وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} الآية 80 من سورة النساء. وقال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} الآية 107 من سورة الأنعام. وقال: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} . الآية 48 من سورة الشورى.
عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)} [الإسراء: 56 و57].
(الدعاء): هو النداء لطلب شيء من المدعو، ولذلك لا يدعو إلاّ العاقل، أو ما نزل منزلته مجازاً من الجمادات، أو ما كان له فهم لبعض الأصوات من العجماوات (1).
وإذا كان لشيء معظم، ليطلب منه ما هو وراء الأسباب العادية، وفوق الطاقة البشرية، فهو عبادة، ولا يكون إلاّ من المخلوق لخالقه، واذا لم يكن كذلك فهو عادة، وهو دعاء المخلوقين بعضهم بعضاً لغرض من الأغراض.
و (الزعم) القول بغير دليل.
(ومن دونه) أي غيره. (والملك) الاستيلاء على الشيء، والتمكن من التصرف فيه.
(وكشف الضر): إزالته.
{ولا تحويلاً} : نقلاً له إلى شخص آخر.
أمروا بالدعاء لتوقيفهم على خيبتهم فيه بظهور عجز من يدعون. وحذف مفعولا زعم، والتقدير: زعمتموهم آلهة؛ للعلم بهما؛ لأنهم ما دعوهم إلاّ لكونهم آلهة في زعمهم.
و {لا يملكون} وقع بعد الفاء ولم يجزم في جواب الأمر؛ لأنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره:
فهم لا يملكون، وهذا لأن الفاء قصد بها العطف، ولم يقصد بها السببية (2) - ولا يصح أن تقصد بها السببية- لأن ذلك يقتضي أن يكون عدم ملكهم متسبباً عن الدعاء، مثلها في قول الشاعر:
رَبِّ وَفِّقْنِي فَلَا أَعْدِلَ عَنْ
…
سَنَنِ السَّاعِينَ فِي خَيْرِ سَنَنْ (3)
فإن عدم العدول متسبب عن التوفيق.
وليس كذلك الأمر في هذه الآية؛ فإن عدم ملكهم متحقق، سواء دعوا أم لم يدعوا.
فلذلك امتنع النصب ووجب الرفع على التقدير المتقدم (4).
(1) العجماوات: جمع عجماء، وهي البهيمة. انظر (المعجم الوسيط:[ص:586]).
(2)
قال العيني في المقاصد النحوية (4/ 388) بعد أن أورد البيت التالي "رب وفقني .. إلخ " حيث نصب الفعل "أعدل" بفاء السببية بعد فعل الدعاء الأصيل؛ قال: «واحترز بالفعل من أن يكون الدعاء بالإسم، نحو: سقياً لك ورعيًا، وبقولنا: أصيل، من الدعاء المدلول عليه بلفظ الخبر، نحو: رحم الله زيداً فيدخله الجنة» . وانظر الحاشية التالية.
(3)
البيت بلا نسبة في الدرر اللوامع على همع الهوامع شرح جمع الجوامع في العلوم العربية للشنقيطي (4/ 80) وشرح الأشموني على ألفية ابن مالك (563/ 3) وشرح شذور الذهب لابن هشام (ص 396) وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (ص 571) وشرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام [ص:72] والمقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية للعيني (4/ 388) وهمع الهوامع شرح جمع الجوامع في علم العربية للسيوطي (11/ 2).
(4)
راجع الحاشية (2).