الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان يدعو إلى دين الله، ويبين هو ذلك الدين ويمثله: يدعو إلى عبادة الله وتوحيده وطاعته، ويشاهد الناس تلك العبادة والتوحيد والطاعة، فكان- صلى الله عليه وآله وسلم كله دعوة إلى الله.
فما دعا إلى نفسه؛ فقد مات ودرعه مرهونة في دَيْن.
وما دعا إلى قومه، فقد كان يقول:«لا فضل لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلاّ بتقوى الله» (1).
كان يدعو الناس كلهم، إذ هو رسول الله إلى الناس كلهم، فكتب الكتب وأرسل الرسل، فبلغت دعوته إلى الأمم وملوك الأمم.
كان يدعو الكافرين كما يدعو المؤمنين، يدعو أولئك إلى الدخول في دين الله ويدعو هؤلاء إلى القيام بدين الله، فلم ينقطع يوماً عن الإنذار والتبشير والوعظ والتذكير.
كان يدعو إلى الله على بينة وحجة يحصل بها الإدراك التام للعقل، حتى يصير الأمر المدرك واضحاً لديه كوضوح الأمر المشاهد بالبصر، فهو على بينة ويقين من كل ما يقول ويفعل، وفي كل ما يدعو من وجوه الدعوة إلى الله في حياته كلها، وفي جميع أحواله.
وكانت دعوته المبنية على الحجة والبرهان، مشتملة على الحق والبرهان، فكان يستشهد بالعقل، ويعتضد بالعلم، ويستنصر بالوجدان، ويحتج بأيام الله في الأمم الخالية، وما استفاض من أخبارها، وبقي من آثارها من أنباء الأولين، وما يمر الناس عليه {مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ} [الصافات: 136].
على كل مسلم أن يكون داعياً إلى الله:
لقد كان في بيان أن الدعوة إلى الله هي سبيل محمد- صلى الله عليه وآله وسلم ما يفيد أن على أتباعه- وهو قدوتهم ولهم فيه الأسوة الحسنة- أن تكون الدعوة إلى الله سبيلهم.
ولكن لتأكيد هذا عليهم وبيان أنه من مقتضى كونهم أتباعه وأن أتباعهم له لا يتم إلاّ به- جاء التصريح بذلك هكذا:
{أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} .
فالمسلمون أفراداً وجماعات، عليهم أن يقوموا بالدعوة إلى الله، وأن تكون دعوتهم على بينة وحجة وإيمان ويقين، وأن تكون دعوتهم وفقاً لدعوته، وتبعاً لها.
ماهية الدعوة:
1 -
فمن الدعوة إلى الله: دروس العلوم كلها، مما يفقه في دين الله، ويعرف بعظمة الله وآثار قدرته، ويدل على رحمة الله وأنواع نعمته.
(1) جزء من حديث طويل أخرجه أحمد في المسند (5/ 411) من حديث أبي نضرة عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالفقيه الذي يبين حكم الله وحكمته، دل إلى الله.
والطبيب المشرح الذي يبين دقائق العضو ومنفعته دل إلى الله.
ومثلهما كل مبين في كل علم وعمل.
2 -
ومن الدعوة إلى الله: بيان حجج الإسلام، ودفع الشبه عنه، ونشر محاسنه بين الأجانب عنه ليدخلوا فيه، وبين مزعزعي العقيدة من أبنائه ليثبتوا عليه.
3 -
ومن الدعوة إلى الله: مجالس الوعظ والتذكير، لتعريف المسلمين بدينهم، وتربيتهم في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم على ما جاء به، وتحبيبهم فيه، ببيان ما فيه من خير وسعادة لهم.
وتحذيرهم مما أدخل من محدثات عليه هي سبب كل شقاوة وشر لحقهم.
وبيان أنه ما من سبب مما تسعد به البشرية أفرادها وأممها إلاّ بيّنه لهم ودعاهم إليه، وما من سبب مما تشقى به البشرية أفرادها وأممها إلاّ بيّنه لهم ونهاهم عنه.
وبيان أنه لولا عقيدته المتأصلة فيهم، وبقاياه الباقية لديهم، ومظاهره القائمة بهم، لما بقيت لهم- وهم المجردون من كل قوة- بقية، ولتلاشت أشلاؤهم- وهم الأموات- في الأمم الحية.
4 -
ومن الدعوة إلى الله: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة بدون استثناء، وإنما يتنوع الواجب بحسب رتبة الاستطاعة: فيجب باليد، فإن لم يستطع فباللسان، فإن لم يستطع فبالقلب، وهو أضعف الإيمان (1)، وأقل الأعمال في هذا المقام.
5 -
ومن الدعوة إلى الله: ظهور المسلمين- أفراداً وجماعات- بما في دينهم من عفة وفضيلة، وإحسان ورحمة وعلم وعمل وصدق وأمانة؛ فذلك أعظم مرغب للأجانب في الإسلام، كما كان ضده أعظم منفر لهم عنه، وما انتشر الإسلام أول أمره بين الأمم، إلاّ لأن الداعين إليه كانوا يدعون بالأعمال، كما يدعون بالقول، وما زالت الأعمال عياراً على الأقوال.
6 -
ومن الدعوة إلى الله: بعث البعثات إلى الأمم غير المسلمة، ونشر الكتب بألسنتها، وبعث المرشدين إلى عواصم الأمم المسلمة لهدايتهم وتفقيههم.
وكل هذا من الدعوة إلى الله ثابتة أصوله في سنة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم وسنة السلف الصالح من بعده.
فعلى كل مسلم أن يقوم بما استطاع منه في كل وجه من وجوهه، وليعلم أن الدعوة إلى الله على بصيرة هي سبيل نبيه- صلى الله عليه وآله وسلم وسبيل إخوانه الأنبياء صلوات الله عليهم من قبله.
(1) وفيه الحديث عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان» . رواه مسلم في الإيمان حديث 78. وأبو داود في الصلاة باب 242، والملاحم باب 17. والترمذي في الفتن باب 11. وابن ماجة في الإقامة باب 155، والفتن باب 20، والنسائي في الإيمان باب 17. وأحمد في المسند (3/ 10، 20، 49، 53، 54، 62).