المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (24) * * *   * قالَ اللَّه عز وجل: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ - تفسير العثيمين: الأحزاب

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌الآية (24) * * *   * قالَ اللَّه عز وجل: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ

‌الآية (24)

* * *

* قالَ اللَّه عز وجل: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 24].

* * *

قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ} اللَّه هذه للتَّعليل، يَعنِي: أن الأمرَ وقَع كذلك على الوَفاء وعلى النَّقْض، فعلى الوَفاء من المُؤمِنين وعلى النَّقْض من المُنافِقين، وقد وقَعَ هذا؛ ليَجزِيَ اللَّهُ تعالى الصادِقين بِصِدْقهم ويُعَذِّب المُنافِقين، ولولا اختِلاف الناس في الأعمال ما اختَلَفوا في الجَزاء، ولو لم يَختَلَفوا في الجزاء ما كان لخَلْق الجنَّة والنار فائِدة؛ ولهذا قال اللَّه:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)} [هود: 118 - 119] فاللَّه عز وجل حكيم خلَقَ الجنَّة وخلَق بها سُكَّانًا، وخلَق النار وخلَق لها سُكَّانًا، وسُكَّانُ هذه وهذه لا بُدَّ أن يَكون لهم أعمال يَقومون بها حتَّى يَستَحِقُّوا أن يَكونوا من أهلها.

وقوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} الباء هنا للسَّبَبية وليست للعِوَض؛ لأن الجَزاء على الأعمال ليس من باب المُعاوَضة، ولكنه من باب قَرْن المُسبَّب بسبَبه؛ لقول النبيِّ عليه الصلاة والسلام:"لَنْ يدخلُ أَحَدٌ الجَنّةَ بِعَمَلِهِ"

(1)

،

(1)

أخرجه البخاري: كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، رقم (5673)، ومسلم: كتاب صفة القيامة، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة اللَّه تعالى، رقم (2816)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 181

فالأعمال الصالحِة أسباب، وإلَّا فلو أن اللَّه عز وجل أَراد أن يُعاوِضنا على أعمالنا مُعاوَضةً بمَعنَى المُعاوَضة لكان لو قابَلنا بنِعْمة واحِدة من نِعَمه علينا ما قابَلَت كلَّ أعمالنا، أو ما قابَلَتْها كلُّ أعمالنا، ولكن الأعمال سبَبٌ.

وقوله سبحانه وتعالى: {بِصِدْقِهِمْ} وإذا كان الجَزاء بالصِّدْق فسيَكون الجزاء على حَسب ذلك الصِّدقِ، فالذين صدَقوا ما عاهَدوا اللَّه تعالى عليه يَكون جَزاؤُهم على صِدْقهم بحَسب ما قاموا به، فإذا كانوا أَطوَعَ للَّه عز وجل وأشدَّ تَنفيذًا لأوامِره وأكثَرَ فِعْلًا لطاعته صار جَزاؤُهم أكثَرَ، والعَكْس بالعَكْس.

وقوله تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ} المُنافِق هو الذي أَظهَر الإيمان وأَبطَن الكُفْر، مَأخوذ من النافِقاء وهي نافِقاء اليَرْبوع الذي يَجعَلها في جُحْره حتى إذا أتاه أحَدٌ من بابه خرَج من هذه النافِقاءِ.

وقوله تعالى: [{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ} بأن يُميتَهم على نِفاقهم].

أَشار المُفَسِّر رحمه الله في قوله: [بأن يُميتَهم على نِفاقهم] إلى أن تَعذيب المُنَافِقين المُعلَّق بالمَشيئة هنا ليس المَعنى أنه إن شاء عذَّبَهم وإن شاء لم يُعذِّبْهم، وقد ماتوا على النِّفاق؛ لأنهم إذا ماتوا على النِّفاق فقد أَخبَرَنا اللَّه تعالى أنهم في الدَّرْك الأسفَل من النار، وليسوا تَحتَ المَشيئة ويَكون قوله سبحانه وتعالى:{إِنْ شَاءَ} بأَنْ يَبْقَوْا على نِفاقهم حتى يَموتوا فإذا بَقُوا على نِفاقهم إلى الموت عَلِمنا أن اللَّه سبحانه وتعالى قد شاء تَعذيبهم، أمَّا إن هَداهم اللَّه فإن المُنافِقين قد اهْتَدْوا؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى:{أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} بأن يُوَفِّقهم للتَّوْبة، والصواب كما تَقدَّم كثيرًا أنَّ المُنافِق تَصِحُّ تَوْبته وهي نَصٌّ في قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ

ص: 182

فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 145 - 146].

وقوله: {أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} بأن يَمُنَّ عليهم بالتَّوْبة فيَتوبوا وحينئذٍ لا يُعَذَّبون.

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} : {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا} غَفور: هذه اسمُ فاعِل على صيغة المُبالَغة، يَعنِي: كثير المَغفِرة، ويَجوز أن تَكون صِفةً مُشبَّهة، أي: ذو مَغفِرة، والصِّفة المُشبَّهة أبلَغُ من اسمِ الفاعِل؛ لأن اسمَ الفاعِل يَدُلُّ على الفِعْل، والصِّفة المُشبَّهة تَدُلُّ على الوَصْف، أي: على اتِّصاف مَن هي وَصْفه بها دائِمًا.

وقوله رحمه الله: [{غَفُورًا} لمَن تاب] فيه شَيء من النَّظَر؛ لأن اللَّه تعالى يَغفِر حتى لمَن لَمْ يَتُب ممَّن هو تحت المَشيئة، كفاعِل المَعاصي، ولو أن المُفَسِّر رحمه الله أَبقاها على إطلاقها لكان أَسلَمَ له، فقوله تعالى:{غَفُورًا} أي: كثير المَغفِرة أو ذو مَغفِرة مُتَّصِفٌ بها دائِما، وهذا أَقرَبُ كما قُلْت؛ لأنه يَدُلُّ على الوَصْف الدائِم، ويَدُلُّ عليه قوله تعالى:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6].

وقوله رحمه الله: [{رَحِيمًا} به] يَقول: [به] أي: بمَن تاب، والصوابُ: أنه رحيم بمَن تاب وبغَيْره، وأن رحمةَ اللَّه عز وجل بالمَعنى العامِّ تَشْمَل المُؤمِن والكافِر، والبَرَّ والفاجِرَ، وكلَّ أحَد، كلُّ أحَدٍ، فإنه داخِل في رحمة اللَّه تعالى هذا بالمَعنَى العامِّ، أمَّا بالمَعنَى الخاصِّ فإن الرحمة تَختَصُّ بالمُؤمِنين.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: بيانُ حِكْمة اللَّه عز وجل في المُجازاة عن العمَل، كقَوْله تعالى:{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ} .

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الجزاء من جِنْس العمَل؛ لقوله سبحانه وتعالى: {بِصِدْقِهِمْ} ،

ص: 183

فإن الباء للسَّببية والمُسبَّب مَرْبوط بالسَّبَب يَقوَى بقُوَّته ويَضعُف بضَعْفه، ويَزداد بزِيادته ويَنقُص بنُقْصانه.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: الثَّناء على الصادِقين وأنهم أهلٌ للجَزاء الحسَن؛ لقوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} الصادِقين في العَقيدة وفي القول وفي الفِعْل وفي العمَل.

وقد أَمَر اللَّه تعالى بالصِّدْق، فقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] وقال النبيُّ عليه الصلاة والسلام حاثًّا على الصِّدق: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا"

(1)

.

والصِّدْق كما أنه مَحَلُّ ثَناء من اللَّه عز وجل ومَحَلُّ ثواب جَزيل، فإنه مَحَلُّ ثَناءٍ من الخَلْق، ولهذا تَجِد الصادِقين تُنشَر آثارهم، وتُؤثَر أقوالهم، ويُثنَى عليهم في المَجالِس حتى بعد مَوْتهم، بخِلاف أهل الكَذِب -والعِياذ باللَّهِ- والنِّفاق، فإنهم على العكس من ذلك، فعليك بالصِّدْق! ولا تَظُنَّ أن الصادِق يَخيب أبَدًا، كما يصوِّر الشيطان أحيانًا للإنسان: أنه لو صدَق لكان في ذلك ضرَرٌ عليه، فلْيَكُن كاذِبًا أو فلْيَكذِب، فإن هذا من وَسْواس الشيطان، والصِّدق مَنجاة؛ ولهذا قال أحَدُهم: رأيتُ في

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب قول اللَّه تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، رقم (6094)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله، رقم (2607)، من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه.

ص: 184

الكذِب نَجاةً. فقال الثاني له: الصِّدْق أَنجَى. وصدَقَ.

واعلَمْ أن الصادِق وإن كان الأمر مُرًّا عليه في أوَّل أَمْره لكنه تَكون العاقِبة له في النهاية، وإذا أَرَدت مثَلًا على ذلك فانظُرْ إلى حال الثلاثة الذين خُلّفوا في غزوة تَبوكَ

(1)

كيف كان أوَّل أمْرهم؟ كانوا في تِلك المرارةِ العَظيمةِ حتى ضاقت عليهمُ الأرض بما رحُبَت، وضاقت عليهم أنفُسُهم، وتَنكَّرتِ الأرض لهم، حتى إن كعبَ بنَ مالِك رضي الله عنه يَقول: حتى كأَنَّ الناس الذين على الأرض كأنهم ليسوا همُ الناس الذين أَعرِف؛ قال تعالى: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ} [التوبة: 118]، والنَّتيجة أنه نزَلت فيهم آياتٌ تُتلى إلى يوم القِيامة، لولا هذا الصِّدْقِ ما بقِيَت هذه الآياتُ، حتى قِيل للناس:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة: 119]، فعِندما ذُكِرَت قِصَّتهم فهذا نهاية عظيمة جِدًّا للصادِقين، فأنت اصدُقْ وإن حصَل عليك ضرَر في أوَّل أَمْركَ، لكن العاقبة لكَ، ولا تُعوِّد نَفْسك الكذِب.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: ذَمُّ النِّفاق وأنه سبَب للعَذاب؛ لقوله تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ} .

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن المُنافِق له تَوْبة في قوله سبحانه وتعالى: {إِنْ شَاءَ} ، فإنه يَشاء أن يُعذِّبهم إذا ماتوا على النِّفاق، أمَّا إذا تابوا فقد شاء ألَّا يُعذِّبهم، ولكن -كما تَقدَّم في تفسير هذه الآيةِ- تَوْبة المُنافِق ذُكِر فيها شُروط لا بُدَّ من مُراعاتها، قال تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} [النساء: 146]،

(1)

أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك، رقم (4418)، مسلم: كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم (2769)، من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.

ص: 185

لا بُدَّ أن تَظْهَر هذه الأُمورُ على المُنافِق وإلَّا فإن تَوْبته لا تُقبَل في الدنيا، أمَّا في الآخِرة فأَمْره إلى اللَّه تعالى، لكن في الدُّنيا لا نَقبَلها إلَّا إذا ظهَرت عليه هذه الأَوْصافُ التي اشتَرَط اللَّه عز وجل.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: ترغيب المُنافِقين في التَّوْبة؛ لقوله تعالى: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} فهو مُنافِقٌ خادِعٌ خادِرٌ ماكِرٌ، ومع ذلك يُقال له:{أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} ، وهذا دَليل على أن رحمة اللَّه تعالى سبَقَت غضَبُه؛ ولهذا أُولئك الذين يُعذِّبون أَوْلياءَه ويُحرِقونهم بالنار يَقول اللَّه عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10] وكذلك الذين قالوا: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73] عرَضَ اللَّه تعالى عليهم التَّوْبة! وكلُّ هذا دليل على أن اللَّه سبحانه وتعالى يُحبُّ العَفْو أكثَرَ من العِقاب.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: إثبات اسمَيْن من أسماء اللَّه وهما: الغَفور والرَّحيم وما تَضمَّناه أيضًا من الصِّفتَيْن وهما المَغفِرة والرحمة، وما يَتعلَّق بهما من حُكْم وأَثَر، وهو أنه يَغفِر وَيَرحَم.

وأَسماء اللَّه تعالى نَوْعان: مُتعَدٍّ ولازِم؛ فالمُتعدِّي لا يَتِمُّ إيمانك به إلَّا بأُمورٍ ثلاثة:

أ - أن تُؤمِن به اسمًا للَّه تعالى.

ب - أن تُؤمِن بما تَضمَّنه من صِفة.

ج - أن تُؤمِن بما تَضمَّنه من الحُكْم والأثَر.

فالاسمان الكَريمان الغَفور الرَّحيم من الأسماء المُتعدِّية التي لا يَتِمُّ الإيمان بها

ص: 186

إلَّا بأُمور ثلاثة؛ ففي (الغَفور) تُؤمِن بأن الغَفور من أسماء اللَّه تعالى وأنه تعالى ذو مَغفِرة، والثالِث وأنه يَغفِر، ومثله الرَّحيم.

وإذا كان غير النَّوْع الثاني: إذا كان غير مُتعَدٍّ فلا يَتِمُّ الإيمان به إلَّا بأمرين:

أ - الإيمان به اسمًا من أسماءِ اللَّه تعالى.

ب - الإيمان بما تَضمَّنه من الصِّفة.

مِثل: العِلي العَظيم الكَريم وما أَشبَهها، وربما نَقول: إن الكريم من النوع الأَوَّل.

وفي الآية إشكال وهو قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} ، كان اللَّه يَعنِي: والآنَ؟

فنَقول: إنَّ (كانَ) يُراد بها اتّصاف اسمِها بخبَرها بقَطْع النظَر عن الزمَن، وهو ما يُعرَف بـ (مَسلوبة الزمَن)، يَعنِي: لا يُراد بها الزمَن إطلاقًا، بل يُراد بها تَحقُّق هذا الوصفِ، فـ (كان) يَعنِي: ثبَت، وقوله سبحانه وتعالى:{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} يَعنِي: أنه عز وجل لم يَزَل ولا يَزال كذلك غَفورًا رحيمًا.

* * *

ص: 187