الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (34)
* قالَ اللَّه عز وجل: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34].
* * *
قوله رحمه الله: [{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} القُرآن {وَالْحِكْمَةِ} السُّنَّة](اذكُرْنَ) الأمر هنا للإرشاد، وبَيان المِنَّة والفَضْل من اللَّه سبحانه وتعالى عليهن، وقوله:{وَاذْكُرْنَ} يُحتَمَل أن يَكون المُراد به تَذكَّرن وتَدبَّرن هذا الأمرَ واعرِفْن ما فيه من فَضْل اللَّه تعالى علَيْكُن، ويُحتَمَل أن المَعنى: اذكُرْنه بتِلاوَتِه.
وقوله تعالى: {مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنّ} : {يُتْلَى} بمَعنَى: يَقرَأ، والتِّلاوة نوعان؛ تِلاوة لَفْظية وتِلاوة مَعنوية، فإذا قُلْت: تَلا كِتاب اللَّه تعالى حتى أَكمَله، فالمعنى: اللَّفْظية، وإذا قلت: سَجْدة التِّلاوة فهي التِّلاوة اللَّفْظية، أمَّا التِّلاوة المَعْنوية فهي اتِّباع القرآن، تَلاه يَتلُوه إذا اتَّبَعه، فالتِّلاوة المَعنَوية بمَعنَى: اتِّباع القُرآن في عقائِدِه، في أخلاقِه، في أعمالِه، هذه التِّلاوةُ.
وأيُّهما المَقصود الأَعظَمُ؟
المَقصود الأَعظَم: هو التِّلاوة المَعنَوية، أمَّا التِّلاوة اللَّفْظية فلا شَكَّ أنها مَقصودة، وأنَّ مَن قرَأ حَرْفًا من كِتاب اللَّه تعالى فله به عَشْر حسَنات؛ لكِنَّ المُهِمَّ التِّلاوة المَعنَوية
وقوله تعالى: {مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} : {آيَاتِ اللَّهِ} لا شَكَّ أنها القُرآن كما قال اللَّه سبحانه وتعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49].
والآياتُ هنا المُراد بها الآياتُ الشَّرْعية؛ فإنَّ آياتِ اللَّه سبحانه وتعالى تَنقَسِم إلى قِسْمين:
1 -
آيات كَوْنية، وهي ما خلَقَه اللَّه تعالى ويَخْلُقه في هذا الكَوْنِ؛ فإنَ كلَّه آياتٌ علاماتٌ على خالِقه عز وجل لما فيه من بَديع الصَّنْعة والنِّظام الحكيم البالِغ، الذي لا يَتناقَض ولا يَتنافَر؛ ولهذا قال اللَّه سبحانه وتعالى:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون: 91]، وإذَا ذهَب كلُّ إله بما خلَق، لم يَكُنِ الكون مُنتظِمًا؛ لأنَّ كل إلهٍ يَخلُق على ما يُريد، ثُمَّ لا بُدَّ من عُلوِّ أحدِهما على الآخَر، لأنهما إن تمَانَعا وعجَز كل واحِد منهما عن الآخِر، لم يَصِحَّ أن يَكونا إلهين، وإن غلَبَ أحدُهما الآخَرَ فالمَغلوب لا يَصِحُّ، وحينئذٍ تكون الدَّلالة العَقْلية على أنه لا بُدَّ من إلَهٍ واحِد فقَطْ، وهو اللَّه سبحانه وتعالى؛ المُهِمُّ: أن الآياتِ الكونيةَ كلُّ ما يَخلُق اللَّه تعالى في الكون.
2 -
أمَّا الآياتُ الشرعية فهي ما جاءَت به الرُّسُل من الوَحي، وسُمِّيَت آياتٍ؛ لأنها علامات على مُشَرِّعها ومُنزِلها؛ لما فيها مِنِ انتِظام المَصالِح، وانتِفاء المَفاسِد؛ فإن الشَّرْعَ كُلَّه تَحصيلٌ للمَصالِح، وتقليلٌ للمَفاسِد؛ ولذلك ما من شيء يَتَضَمَّنُ مَصْلَحَة رَاجِحة أو خالِصةٍ إلَّا أمَر به الشَّرعُ، وما من شيء يَتضَمَّن مَفسَدة خالِصةً أو راجِحة إلَّا نهَى عنه الشَّرْع؛ لكن من المَصالِح ما نُدرِكه بعُقولنا،
ومن المَفاسِد ما نُدرِكه بعُقولنا، ومنه ما لا نُدرِكه، ولكنَّنا نَعلَم عِلْم التقين أنَّ مُقتَضى حِكْمة اللَّه عز وجل ومن أَسمائه الحكيم، أنه لا يُمكِن أن يَأمُر إلَّا بما فيه مَصلَحة؛ إمَّا خالِصة وإمَّا راجِحة، ولا يَنهَى إلَّا عما فيه مَفسَدة إمَّا خالِصة وإمَّا راجِحة؛ ولهذا سُمّيَتِ الكُتُب النازِلة من السَّماء آياتٍ؛ لأنها علامات على مَن شَرَّعها سبحانه وتعالى وعلى مَن أَنزَلها، قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
وهنا مَسأَلة بدَأَ الناس يَفعَلونها: يُقسِمون بآيات اللَّه تعالى، يَقول: قسَمًا بآيات اللَّه ما كان كذا وكذا. أو قسَمًا بآيات اللَّه لأَفعَلنَّ كذا وكذا. وفيه تَفصيل: إِنْ قَصَد الآياتِ الكونيةَ فهو حرامٌ؛ لأنه حلَف بغير اللَّه تعالى، حلَفَ بالمَخلوقات، وإن أَراد بالآياتِ الآياتِ الشَّرعية، فهو حلَفٌ بكلِمات اللَّه تعالى، والحلِف بكلِمات اللَّه جائِز؛ لأن كلِمات اللَّه تعالى من صِفاته، والغالِب على العامة حينما يُقسِمون هذا القسَمَ -فيما أَظُنُّ- هو الآيات الشرعية، أنهم ما يُريدون قسَمًا بآيات اللَّه تعالى، أمَّا قسَمًا بالشمس وبالقمَر وبالنُّجوم وبالليل وبالنَّهار، فلا يُقسِمون بهذا، بل (قسَمًا بآياتِ اللَّه) يَقصِدون بذلك القُرآنَ، وحينئذٍ يَكون هذا القسَمُ جائِزًا باعتِبار الدَّلالة العُرْفية على المُراد به، أمَّا لو نظَرْنا إلى لفظه فلا بُدَّ من التَّفصيل.
وعلى كل حال: الإِقْسام على المُصحَف هذا من البِدَع؛ لأنه لم يَرِد عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام والذي ورَد في تَغليظ الأَيْمان ما ذكَرَه اللَّه سبحانه وتعالى في سورة المائِدة: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [المائدة: 106]، وقوله سبحانه وتعالى:{تَحْبِسُونَهُمَا} قبلَه {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} أي: صلاة العَصْر، وفي باب الدَّعاوَى: أنَّ التَّغليظ يَكون بالزمان، ويَكون بالمَكان، ويَكون بالهَيْئة،
ويَكون بالصِّيغة.
وقوله تعالى: {وَالْحِكْمَةَ} قال المُفَسِّر رحمه الله: [هي السُّنَّة] كما قال اللَّه تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} ، وقال تعالى:{وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء: 113].
والأصل في العَطْف المُغايَرةُ، وإلَّا فلِقائِل أَنْ يَقُول: إنَّ القرآن الكريم قد تَضمَّن الحِكْمَة فيَكون تعليم القرآن تَعليم الأحكام، وتَعليم حِكَم الأَحْكام، لأنَّ مَعرِفة أحكام الشريعة أمرٌ عظيمٌ جِدًّا؛ فالإنسان إذا عرَف حِكْمة الأحكام الشرعية يَستَنير قَلْبه أكثَرَ، ويَقتَنِع بالأحكام الشرعية أكثَرَ، ويَعرِف من صِفات اللَّه سبحانه وتعالى وحِكَمه ما هو أكثَرُ ويَستَطيع أيضًا أن يُقنِع الخصْم؛ لأنَّ الخصْم لو تَقول مثَلًا: هذا حرام؛ لأنَّ القُرآن حرَّمه؛ فهو قد لا يَكون ممَّن يُؤمِن بالقُرآن أو يَطمَئِنُّ إليه، لكن إذا كان لدَيْك مَعرِفةٌ بحِكَم الشَّريعة أَمكَنَك أن تُقنِع هذا الشخصَ.
ولهذا مَعرِفة حِكْمة الشَّرْع مُهِم جِدًّا، بل إنَّ غالِب القِياس إنما جاء من مَعرِفة الحِكْمة؛ لأنَّه إلحاق فَرْع بأَصْل في حُكْمٍ لعِلَّة جامِعة، وعلى هذا فرُبَّما يَقول قائِل: إنَّ المُراد بالحِكْمة ما يُعْلَم من أسرار أحكام الشَّريعة وحِكَمِها.
ولكنَّ أهل العِلْم رحمهم الله من السلَف والخلَف أئِمَّة الخلَف فسَّروا الحِكْمة بأنَّها السُّنَّة.
وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} لطيفًا قال المُفَسِّر رحمه الله: [بأَوْليائه {خَبِيرًا} بجَميع خَلْقه](اللَّطيف) فسَّره أَهلُ الباطِل بأنه الذي لا يُدرَك لصِغَره -أَعوذُ باللَّه! -، فسَّروه بذلك وكذَبوا.
وفسَّره أهلُ السُّنَّة فقالوا: إن اللَّطيف جاء في كِتاب اللَّه تعالى مُعدًّى باللَّام ومُعدًّى بالباء، قال تعالى {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} [الشورى: 19]، وقال تعالى:{إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} [يوسف: 100]، فعُدِّيَ بالباء وعُدِّيَ باللَّام.
وعلى هذا فيَكون اللَّطيف له مَعنَيان:
أحدُهما: اللُّطْف للعَبْد، وهو أنَّ اللَّه عز وجل يُقدّر له مَواقِع الإحسان، بمَعنى أنه يَلطُف له فيُيَسِّر له الأمرَ، ويُسهِّله عليه.
الثاني: اللَّطيف به بالباء، وهو بمَعنى: إدراك الأمور الخفِيَّة؛ لأن اللطيف مَعناه: الذي يُدرِك ما لطُف، فمَعنى {لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} ، أي: مُدرِكٌ لما خَفِيَ من أمورهم، فيَكون بمَعنَى الخَبير، بل أدَقُّ من مَعنى الخبير؛ ولهذا جمَع اللَّه تعالى بينهما فقال:{خَبِيرًا} ، والخبير قال العُلَماء رحمهم الله: هو العالِم ببَواطِن الأمور.
يَقول ابنُ القيِّم في النونية -وهي من أحسَنِ ما نُظِمَ في التَّوْحيد وأَجمَعِه-:
وَهْوَ اللَّطِيفُ بِعَبْدِهِ وَلعَبْدِهِ
…
وَاللُّطْفُ فِي أَوْصَافِهِ نَوْعَانِ
إِدْرَاكُ أَسْرَارِ الْأُمُورِ بِحِكْمَةٍ
…
وَاللُّطْفُ عِنْدَ مَوَاقِعِ الْإِحْسَانِ
(1)
فصار اللَّطيف له مَعنَيان: اللَّطيف للعَبْد، واللَّطيف به؛ فاللَّطيف به بمَعنَى: الخَبير ببَواطِن أُموره، وما لَطُفَ من أَمْره، وله الذي يُقَدِّرُ له من أَسرار حِكْمته أو من أَسرار إِحْسانه وفَضْله ما لا يُدرِكه بعَقْله.
(1)
النونية (ص: 207).
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: تَذكير أُمَّهات المُؤمِنين بهذه النِّعمةِ العَظيمةِ، لقوله سبحانه وتعالى:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ مَن أَعطاه اللَّه تعالى عِلمًا كان طلَبُ الاستِقامة منه أَوْكدَ وأوْثقَ، فإذا آتَى اللَّهُ تعالى الإنسان عِلمًا؛ فإنه يُطلَب منه من الاستِقامة أكثَرَ ممَّا يُطلَب ممَّن لم يُؤتَ عِلْمًا، لأنه قال تعالى:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى} ، فليس عليكن نقص في العِلْم، بل إنَّ العِلْم {يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} .
مَسأَلة: رُبما يَكون عند المرأة أَشرِطة تَستَمِع إليها، فيُقال: كل امرأة يُوجَد في بيتها، أو يُتلَى في بيتها حقٌّ من كِتاب اللَّه تعالى، أو سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم أو كلام أَهْل العِلْم المَبنيِّ على الكِتاب والسُّنَّة، فعَلَيْها من الوَاجِب أكثَرَ ممَّن لم تَعرِف.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن البيت الذي يُتلَى فيه كِتاب اللَّه سبحانه وتعالى خير من البَيْت الذي لا يُتلَى فيه كِتاب اللَّه تعالى؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ} ، ولهذا قال النَّبيُّ عليه الصلاة والسلام:"لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قبورًا"
(1)
، يَعنِي: لا تَجعَلوها مثلَ القُبور لا تُصلُّون فيها، وفي الحديثِ الصحيحِ عنه:"أَفْضَلُ صَلَاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةِ"
(2)
، وكان من هَدْي الصَّحابة رضي الله عنهم أنه تُسمَع لبُيوتهم
(1)
أخرجه الإمام أحمد (2/ 367)، وأبو داود: كتاب المناسك، باب زيارة القبور، رقم (2042)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، رقم (780)، بلفظ:"لا تجعلوا بيوتكم مقابر".
(2)
أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب صلاة الليل، رقم (731)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، رقم (781)، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.
من تِلاوة كِتاب اللَّه سبحانه وتعالى دويٌّ كدَوِيِّ النَّحْل
(1)
من قِراءة كِتاب اللَّه تعالى في البُيوت.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ القُرآن من آيات اللَّه سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: {مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} ، وقد سبَقَ في التَّفسير بَيان كَوْنه من آيات اللَّه سبحانه وتعالى، لما يَتَضمَّن عليه من المَصالِح، والحِكَم والأَسْرار.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنه إذا قُرِنَت الحِكْمة بالكِتاب؛ فالمُراد بها السُّنَّة؛ لأنَّ السُّنَّة أيضًا تَتَضمَّن الحِكْمَة، واللَّه سبحانه وتعالى لم يَصِفِ السُّنَّة بالحِكْمَة لأنَّ القُرآن ليس فيه حِكْمة، ولكن لمَّا كان القُرآن من عِند اللَّه تعالى، وكلامَ اللَّه تعالى، فإنَّ احتِمال أَنْ لا يَتَضَمَّنَ الحِكْمة بعيدٌ جِدًّا؛ لكن لمَّا كانت السُّنَّة من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فإنَّ كلام البَشَر قد يَرِد عليه احتِمال أن لا يَكون مُشتَمِلًا على الحِكْمَة فبيَّن اللَّه سبحانه وتعالى أن السُّنَّة حِكْمة، وإن كانت مِن كَلام الرسول عليه الصلاة والسلام أو مِن فِعْله، فإنها حِكْمة؛ لأنها مُوافِقةٌ للصواب.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: فيها رَدٌّ على مُنكِري السُّنَّة، ورَدٌّ على آخِرين يُقابِلونهم يَأخُذون بالسُّنَّة ولا يَأخُذون بالقُرآن، لأن هناك ناسًا الآنَ -مع الأسَف- يَعتَنون بالسُّنَّة اعتِناءً عَظيمًا، نَعَمْ حتى إنهم يَغوصون على أَشياءَ قد لا تَكون صحيحةً، ويَأتون بها لكن في القُرآن تُخاطِبهم في القُرآن لا يَعرِفون شيئًا في القُرآن، لا في تَفسيره ولا في إِعْرابه، ولا في شيء أبَدًا منه، بينما هُمْ في السُّنَّة يُذهِبُون ليلَهم
(1)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (ص: 32 رقم 98)، والإمام أحمد في الزهد رقم (2027)، وابن أبي شيبة في المصنف (19/ 290)، عن أبي الأحوص، انظر: مختصر قيام الليل للمقريزي (ص: 134).
ونهارَهم، وهذا خطَأ؛ لأنَّ أوَّلَ ما يَجِب أن نَتعَلَّم القُرآن، ثُم بعد ذلك السُّنَّة، لأنَّ بالقُرآن هو الأصل.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: إثبات هَذَيْن الاسمَيْن من أسماء اللَّه سبحانه وتعالى (اللَّطيف، والخَبير).
الْفَائِدَةُ الثَّامِنةُ: أنَّ اللَّه تعالى كان لَطيفًا خَبِيرًا، و (كان) هذه مَسلوبةُ الدَّلالة على الزَّمان، وإنما يُراد بها اتِّصاف المُبتَدَأ أو الاسمِ بالخَبَر فقط، بقَطْع النَّظَر عن الزَّمان، والفائِدة منها: تَحقُّق الاتِّصاف بهذا الوَصْفِ، يَعنِي: قد تَحقَّق ذلك في حَقِّه، وهو أنَّه سبحانه وتعالى لَطيفٌ خَبير.
الْفَائِدَةُ التَّاسعَةُ: ما تَضمَّنَه هذان الاسْمَان من صِفات اللَّه عز وجل، من اللُّطْفِ والخِبْرَة.
* * *