الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيتان (70، 71)
* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71]
(1)
.
* * *
قوله تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} أمَر اللَّهُ تعالى بأمرَيْن؛ بتقوَى اللَّه، وأنْ يقولَ الإنسانُ قولًا سديدًا؛ أي صَوابًا. والتَّقوى: فِعلُ أوامِر اللَّهِ واجتِنابُ نَواهِيه.
أمَّا القَولُ السَّديد؛ فهُو القَول الصَّواب وهُو يَشملُ كلَّ قَول فِيه خَيرٌ، سواءٌ كان مِن ذِكْر اللَّهِ، أو مِن طَلَب العِلم، أو مِن الأَمْر بالمَعْروف والنَّهي عَنِ المُنكَر، أو مِن الكَلامِ الحسَن الذِي يَستجلِب بِه الإنسان مَودَّة النَّاس ومحبَّتهم، أو غَيْر ذَلِك، ويَجمعهُ قولُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ كَانَ يُؤمنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُل خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"
(2)
، وضِدُّ ذَلِك: القَولُ غَيرُ السَّديد؛ وهُو القولُ الذِي ليسَ بصَوابٍ، بَل خَطأٌ إمَّا فِي مَوضُوعِه وإمَّا فِي مَحَلِّه:
(1)
لم يوجد تسجيل صوتي لهاتين الآيتين، ولهذا نقل تفسيرهما من كتابَيْ فضيلة الشيخ رحمه الله: شرح رياض الصالحين، فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام.
(2)
أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، رقم (6018)، ومسلم: كتاب الايمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، رقم (47).
أمَّا فِي مَوْضُوعِه: بأنْ يَكُون كَلامًا فاحِشًا يَشتَمل علَى السَّب، والشَّتم، والغِيبة، والنَّمِيمَة، ومَا أَشْبهَ ذَلِك. أو فِي مَحَلِّه: أَي أَنْ يَكُون هَذا القَول في نَفْسه هُو خَير، لكِن كَوْنه يُقال في هَذا المَكانِ لَيْسَ بخَيْر؛ لأنَّ لِكُلِّ مَقام مقالًا، فإذا قُلتَ كلامًا هُو في نَفسِه ليسَ بشرٍّ، لكنهُ يُسبِّبُ شرًّا إذَا قُلتَهُ في هَذا المَحَلِّ فلا تَقُلْهُ؛ لأنَّ هذا ليسَ بقَولٍ سَدِيد، ففِي هَذا المَوضُوع لا يَكونُ قَولًا سَدِيدًا، بَل خطأٌ، وإنْ كانَ ليسَ حَرامًا بذَاتِه.
فمَثلًا؛ لو فُرِض أنَّ شخصًا رأَى إنسانًا على مُنكَر، ونَهاه عَن المُنكر، لكِنْ نَهاهُ في حالٍ لا يَنْبغِي أنْ يَقولَ له فِيهَا شَيئًا، أو أَغْلَظَ لَهُ فِي القَوْل، أو مَا أشبهَه، لعُدَّ هذا قولًا غيرَ سَدِيدٍ.
فإذا اتَّقى الإنسانُ ربَّه، وقالَ قولًا سَدِيدًا؛ حصَل علَى فائدَتَيْنِ:{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} فبِالتَّقوَى صلاحُ الأعمالِ ومَغفرةُ الذُّنوبِ، وبالقَولِ السَّديدِ صلاحُ الأعمالِ ومَغفرة الذُّنوب. وعُلم مِن هَذِه الآيَةِ أنَّ مَن لم يتَّقِ اللَّه ويَقُلْ قَولًا سَديدًا؛ فإنَّه حَرِيٌ بأنْ لا يُصلحَ اللَّهُ لهُ أعمالَه، ولا يَغفِر لَه ذَنبَه، ففِيه الحثُّ علَى تَقوَى اللَّهِ وبَيان فَوائدِهَا.
ثم قالَ تعالى جُملةً عامَّهً: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَاز} [الأحزاب: 71]؛ والفَوز هُو حُصول المطلُوب، والنَّجاة مِن المَرهُوب؛ ودَليلُ ذلك: قولُه تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185] فبِالزَّحْزَحة عَن النَّار يَحصل زَوال المكْروه، وبإِدخالِ الجَنَّة يَحصُل المطلُوب، فالفَوز هُو أنْ تَنجُوَ مِنَ المَرهُوب، وتَفُوز بالمَطلُوب.
قوله: {فَوْزًا عَظِيمًا} وليسَ فَوزًا دَنِيئًا أو يَسِيرًا؛ بل هُو فَوز عَظيمٌ، {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فقد خَسِر، وفي نَفْس السُّورة: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، فالإِنسان العاصِي: ضالٌّ ضَلالًا مُبينًا، والإِنسانُ المُطيع: فائزٌ فَوزًا عَظيمًا، وانظُر أيَّ الطَّريقَين تُريد؟ ! والجوابُ: الطَّاعة، التِي بِها الفَوز العَظيم في الدُّنيا وفِي الآخِرة.
* * *