المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (39) * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ - تفسير العثيمين: الأحزاب

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌الآية (39) * قَالَ اللَّهُ عز وجل: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ

‌الآية (39)

* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39].

* * *

قال المُفَسِّر رحمه الله في إعرابها: [{الَّذِينَ} نَعْتٌ للذين قَبْلَه]، أي: في قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أي: في الذين يُبلِّغون.

وقوله تعالى: {يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ} ، جَمْع رِسالة، والمُراد بها المُرسَل به، فهم يُبلِّغون ما أرسَلَهم اللَّه تعالى به، والتَّبليغُ مَعناه: الإيصال، ومنه ما جاء في الحديث:"لَا بَلَاغَ لِيَ الْيَوْمَ"

(1)

.

وقوله تعالى: {وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} ؛ لأنَّ الخَشْية عِبادة، والعِبادة لا تَكون إلَّا للَّه عز وجل، هذا في الأَصْل مع أنَّ الخَشْية قد تَكون غير عِبادة، قد تَكون خَوْفًا طبيعيًّا لا يَتعَبَّد به الإنسان الخائِف، فيُفرَّق بين خَشْية الإنسان للناس، وبين خَشْية الإنسان للَّه تعالى، قال:[فلَا يَخْشَوْن مَقالة الناس فيما أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ] وكذلك في غَيْرها.

وقال رحمه الله: [{وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}؛ حافِظًا لأعمال خَلْقه ومحُاسَبَتهم] إعرابُ

(1)

أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل، رقم (3464)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، رقم (2964)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 313

{وَكَفَى بِاللَّهِ} : (كفَى) تَتَعدَّى بالباء على أنه حَرْف جَرٍّ زائِدٌ، وهو كثير، وقد تَتَعدَّى بنَفْسها إلى الفاعِل، كقول الشاعِر:

. . . . . . . . .

كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيَا

(1)

فلَمْ يَأتِ بالباء، لكِنَّ الأكثَرَ أن يَأتِيَ بها.

من فوائد الآية الكريمة:

بِناءً على إعراب المُفَسِّر رحمه الله أنَ (الَّذين) بدَلٌ من قوله تعالى: {الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} ، يَكون من فَوائِد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: الثَّناء على الرسُل السابِقين؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ} .

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الثَّناء على مَن بلَّغ شيئًا من شريعة اللَّه تعالى من غير الرُّسُل، وجهُ ذلك أنَّه إنَّما أُثنِيَ على الرُّسُل؛ لكونهم بلَّغوا الرِّسالة، ولم يَخشَوْا أحَدًا، فمَن كان مِثلَهم في ذلك فهو مَحلُّ الثَّناء.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ مِن صِفات الرُّسُل عليهم الصلاة والسلام ألَّا يَخشَوْا أحَدًا في تبليغ الرسالة، وإنما يَخشَوْن اللَّه تعالى في عدَم تَبليغه، لا يَخشَوْن الناس في تَبليغها، ويَخشَوْن اللَّه تعالى في عدَم تَبليغها.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ إبلاع الرِّسالة من خَشْية اللَّه تعالى، فإنَّه لولا خَشية اللَّه تعالى ما بلَّغوا رِسالَتَه.

(1)

البيت لسحيم مولى بني الحسحاس، انظر: الأدب المفرد للبخاري رقم (1238)، والبيان والتبيين (1/ 79)، وسر صناعة الإعراب (1/ 151).

ص: 314

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إثباتُ الرِّسالاتِ فيمَن سبَقَ لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ} ، واعلَمْ أنَّه ما مِن أُمَّة من الأُمَم إلَّا أَرسَل اللَّه تعالى إليها رَسولًا؛ لأَجْل أن تَنتَفيَ الحُجَّة عن اللَّه تعالى وتَزول المَعذِرة.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ حِفْظ اللَّه سبحانه وتعالى في غاية ما يَكون من الحِفْظ؛ لقوله تبارك وتعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} ، هذا إذا جعَلْنا (الحَسيب) بمَعنَى:(الحفيظ الكافِي)؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، أمَّا إذا جعَلْنا (الحَسيب) بمَعنَى:(المُحاسِب)، فإنَّه يُؤخَذ منها فائِدة وهي: كَمال محُاسَبة اللَّه عز وجل عِباده، وأنه لا يَفوته شيءٌ.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: إِثْبات عِلْم اللَّه تعالى؛ لقوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} ، سَواء كان (الحسيب) بمَعنَى:(المُحاسِب) أو بمَعنَى: (الحفيظ)، فإنَّه لا محُاسَبةَ إلَّا عن عِلْم، ولا حِفْظ إلَّا بعِلْم.

* * *

ص: 315