الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (63)
* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63].
* * *
قال اللَّه تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} : {يَسْأَلُكَ النَّاسُ} قال المُفَسِّر رحمه الله: [أي: أَهْل مَكَّةَ] والصوابُ: أنه أَعَمُّ.
وفي قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ} ولم يَقُل: سأَلَك. دليل على أن هذا السُّؤالَ ما زال مُستَمِرًّا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فيَسأَله الناس عن الساعة، والسُّؤال عن الساعة يُحتَمَل أن يَكون الحامِلُ عليه التَّكذيبَ بها واستِبْعادها، وهذا يُورَد من الكُفَّار، وتارة يُسأَل عنها سُؤال استِفْهام متى تَكون؟ مع الإيقان بها، وهذا قد يَرِد من المُؤمِنين، وتارةً يُسأَل عنها؛ ليُبيِّن للناس أنه لا يُمكِن العِلْم بها، كما سأل جِبريلُ عليه السلام النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال: متى الساعة؟
(1)
وهو لم يَسأَل استِبْعادًا وإنكارًا ولا استِرْشادًا: متى يَكون وَقْتها؟ ولكن إعلامًا بأن وَقْتها لا يَعلَمه إلَّا اللَّه تعالى.
ولكن قد يَقول قائِل: إن قوله تبارك وتعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ} لا يَدخُل فيه سُؤال جِبريلَ عليه السلام؛ لأن جِبريلَ عليه السلام ليس من الناس، فيُجاب عنه: بأن جِبريلَ عليه السلام حين سأَل كان على صُورة الناس.
(1)
أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام، رقم (8)، من حديثا عمر رضي الله عنه.
وقوله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} متى تَكون؟ فأَمَر اللَّه تعالى نَبيَّه أن يُجيب بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} : {قُلْ} في الجواب، وهذا تَلقينٌ من اللَّه عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بالجَواب أن يَقول هذا، وإنما لقَّنَه اللَّه عز وجل، ليَتبيَّن للناس عامَّةً أن قوله تعالى:{إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} صادِر من اللَّه تعالى، وليس من تِلْقاء نَفْسه حتى يَقتَنِع الناس بذلك ويُوقِنوا به.
وقوله تعالى: {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} هذه الجُملةُ فيها حَصْرٌ طريقُه {إِنَّمَا} ، يَعنِي: ما عِلْمها إلَّا عند اللَّه تعالى وحدَه، وهذا كَقوله تبارك وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34]، فلا أحَدَ يَعلَم متى تَقوم الساعة إلَّا اللَّه عز وجل، وكلُّ ما قيل عن وَقْت قِيامها من السابِقين واللَّاحِقين فما هو إلَّا تَخرُّص كاذِب، نَعلَم ذلك عِلْم التقين؛ لأن اللَّه تبارك وتعالى قال:{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} ، وأَعْلَمُ الرُّسل باللَّه تعالى البَشَري والمَلكي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم وجِبريلُ عليه السلام، وكِلاهما لا يَعلَم، فلمَّا سأَل جِبريلُ عليه السلام النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ"، فإذا كُنت أنت تَجهَل أيُّها السائِل فأنا مِثْلك أَجهَلُ منك.
وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} وهذا كما يَشمَل الساعة العامة التي تَقوم ويُحشَر الناس فيها من قُبورهم لرَبِّ العالمَين، يَشمَل أيضًا الساعة الخاصَّة التي هي موت كلِّ إنسان، فإن مَن مات قامَت قِيامته، وقامَت ساعته، لأنه انتَهَى من الدنيا إلى دار الجَزاء، ويَدُلُّ لذلك قوله تبارك وتعالى:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34]، فما وَجْهُ الدَّلالة من أنه لا يَدرِي أحَدٌ متى يَموت؟
الجَوابُ: وجهُ الدَّلالة أنه إذا انتَفَى عِلْمه بأيِّ أَرْض يَموت ففي أيِّ زمَن من بابِ أَوْلى، وذلك لأن الأَرْض يَتَمكَّن الإنسان أن يَذهَب إليها أو لا يَذهَب، والزمَن
ليس له فيه تَصرُّف، فإذا انتَفَى عِلْمه بما له فيه تَصرُّف، وهو الانتِقال من مَكانٍ لآخَرَ فانتِفاء عِلْمه بما لا يَتَصرَّف فيه من بابِ أَوْلى.
وقوله عز وجل: {وَمَا يُدْرِيكَ} قال المُفَسِّر: [يُعلِمكَ بها] أي: أنت لا تَعلَمها، {وَمَا يُدْرِيكَ}:(ما) يُحتَمَل أن تَكون نافِيةً يَعنِي: لا يُدرِيك عنها شيء، ويُحتَمَل أن تَكون استِفْهاميَّة يَعنِي: أيُّ شيء يُعلِمك بها حتى تُسأَل عنها، وأيًّا كان، فاللَّه تعالى يَنفِي عِلْم رَسوله صلى الله عليه وسلم بها، ويَقول له:{وَمَا يُدْرِيكَ} .
وقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} قال المُفَسِّر رحمه الله: [{لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ} تُوجَد {قَرِيبًا}]، ظاهِر صَنيع المُفَسِّر رحمه الله أو المُفسِّر أن قوله تعالى:{لَعَلَّ السَّاعَةَ} جُمْلة مُستَأنَفة لا عَلاقةَ لها بالفِعْل الذي قَبْلها، وأنها جُمْلة مُستَأْنَفة مِن اللَّه تعالى يَعنِي: لا تَدرِي عنها أنت، ولكنها قريبة.
وقوله تعالى: {لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} و {لَعَلَّ} هنا للتَّوقُّع أي: أنها مُتوقَّعة، وذهَب بعضُ المُعرِبين إلى أن قوله سبحانه وتعالى:{لَعَلَّ السَّاعَةَ} مَفعول لِقوله تعالى: {يُدْرِيكَ} مَفعول ثانٍ وثالِث، لكنه عُلِّق بـ {لَعَلَّ}؛ لأن (لعَلَّ) من المُعلِّقات يَعنِي: وما يُدريك عن تَوقُّع قُرْبها، يَعنِي: لا تَدرِي عن قُرْبها أيضًا، ومَن لم يَدْرِ عن قُرْبها لا يَدرِي عن وُقوعها من بابِ أَوْلى، و (لعَلَّ) في القرآن تَكون للتأكيد، وقد تَكون للتعليل أيضًا، مثل {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]، وما أَشبَهَها، لكن لا تَكون للرَّجاء، وبعضُهم قال: تَكون للرَّجاء باعتِبار المُخاطَب لا باعتِبار المُتكَلِّم.
وأيًّا كان، فاللَّه عز وجل نفَى أن يَكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم عالمًا بها أو بقُرْبها، وإذا انتَفَى عِلْم النبيِّ صلى الله عليه وسلم بذلك فعِلْم غيره من بابِ أَوْلى أن يَنتَفِيَ.
ثُمَّ إن السُّؤال عن الساعة ليس بذِي قيمة كبيرة، القيمة الكبيرة ما أَشار إليه
النبيُّ صلى الله عليه وسلم حيث قال حين سَأَله رجُل عن الساعة، قال:"انْظُرْ مَاذَا أَعْدَدْتَ لهَا"
(1)
هذه هي القِيمةُ، أمَّا متى تَأتي أو لا تَأتِي فليس ذا قيمة كبيرة، لكن القِيمة الحقيقية أن يَنظُر الإنسان ماذا أَعَدَّ لها.
ومِن ثَمَّ أَعقَب اللَّه تعالى هذا بقَوْله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} [الأحزاب: 64] إلخ، يَعنِي: احذَرْ أن تَقوم الساعة عليك وأنت من هؤلاء، إن اللَّه تعالى لعَن الكافِرين.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: في قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} أن الناس ما زالوا يَتَساءَلون عن الساعة.
ويَتَفرَّع من تِلكَ الفائِدة فائِدة أُخرى: وهي أن شَأْن الساعة عَظيم؛ لأنه إنما يَكثُر التَّساؤُل عن الأمور العظيمة دون الأمور التافِهة.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يَعلَم الغَيْب، ولو كان يَعلَم الغَيْب؛ لعَلِم متى تَكون الساعة.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن عِلْم الساعة عند اللَّه تعالى لا يَعلَمه أحَدٌ؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} ، وهذا حصَل.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن الساعة قريب؛ لقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} ، ويَدُلُّ لقُرْبها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان آخِرَ الأنبياء، وقد ثبَتَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(1)
أخرجه البخاري: كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رقم (3688)، ومسلم: كتاب البر والصلة، باب المرء مع من أحب، رقم (2639)، من حديث أنس رضي الله عنه.
"بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا"
(1)
، يَعنِي: أننا مُقتَرِنان، أو أنه ليس بَيْني وبين الساعة إلَّا كما بين الأُصبُع الوُسطى والسَّبَّابة في القُرْب.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن اللَّه تعالى خاطَب نبيَّه صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَمَا يُدْرِيكَ} ، وهو دَليل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام بشَرٌ كغيره من البَشَر يُخاطَب بما يُخاطَب به البَشَر، فخِطاب اللَّه تعالى نَبيَّه صلى الله عليه وسلم وقوله:{وَمَا يُدْرِيكَ} ليس كما لو خاطَبْت إنسانًا، وقلت: ما يُدْرِيكَ عن هذه الأمورِ، أو عن هذا الأمرِ. فإن ذلك يُعَدٌّ ذلك من باب التَّنقيص أو التَّنقُّص، ولكن اللَّه عز وجل يُخاطِب نَبيَّه بما هو أَهْله.
* * *
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"بعثت أنا والساعة كهاتين"، رقم (6504)، ومسلم: كتاب الفتنة وأشراط الساعة، باب قرب الساعة، رقم (2951)، من حديث أنس رضي الله عنه.