الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (47)
* قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 47].
* * *
قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} هذا عَطْف، ولكنه مُبَيِّن للمُبَشَّر في قوله تعالى:{وَمُبَشِّرًا} بشَرِ المُؤمِنين بأن لهم من اللَّه تعالى فَضْلًا كبيرًا، والمُؤمِنون هنا يُراد بهم المُؤمِنون والمُسلِمون جميعًا؛ لأنه تَقدَّم أن الإيمان إذا ذُكِر وحدَه شَمِل الإسلام، والإسلام إذا ذُكِر وحدَه شَمِل الإيمان، وإن ذُكِرَا جميعًا صار الإيمان في القَلْب والإسلام في الجَوارِح.
فقوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} لم يَقُلْ: بَشِّرِ المُسلِمين؛ لأن من المسلمين مَن يَكون إسلامُهُم ظاهِرًا، ويَكون الإيمانُ في قُلُوبهم إمَّا مَفقودًا وإمَّا ضَعيفًا، فالذين لَهم البِشارة المُطلَقة هُمُ المُؤمِنون الذين وقَرَ الإيمان في قُلوبهم، وصاروا يُنفِّذون مُقتَضى ذلك الإيمانِ؛ ولهذا قال اللَّه عز وجل:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 61 - 63]، فالبِشارة المُطلَقة لا يمون إلَّا للمُؤمِنين.
وقوله تعالى: {الْمُؤْمِنِينَ} كُلَّما جاءَت لَفْظة (المُؤمِنين) مُفرَدةً -كما قُلْت قبلَ قَليل- فإنها تَشْمَل المُؤمِن والمُسلِم، قال تعالى:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} فَضْلًا مَنصوبة بـ (أنَّ) فهي اسمُها مُؤخَّرًا.
والفَضْل الكَبير هو الجَنَّة، ولا شيءَ أكبَرُ من فَضْل الجنَة قال اللَّه تعالى:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185]، ولا نَعيمَ أعظَمُ من دُخول الجَنَّة بما يَكون في ضِمْنه، بل هو أعلى شيء فيه، وهو النظَر إلى وجهِ اللَّه تبارك وتعالى.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أنه يَجِب على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يُبشِّر المُؤمِنين بأن لهم من اللَّه تعالى فضلًا كبيرًا؛ تُؤخَذ من قولِهِ تعالى: {وَبَشِّرِ} ، والأَمْر للوجوب لا سيَّما على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإن الأَمْر للوجوب على كل حال؛ لأن اللَّه تعالى إذَا أَمَر رَسولَه صلى الله عليه وسلم بشَيْءٍ فإنما يَأمُره أن يَفعَله ويُبلِّغَه إلى الناس، وتَبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم الرِّسالة واجِب؛ ولهذا نَقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام يَجِب عليه أن يُبَلِّغ حتى السُّنَن، فيَجِب عليه أن يُخبِر بالسُّنَّة، وأن يَفعَلها حتى يَحصُل البَلاغ، ثُمَّ بعد ذلك تَكون مَندوبًا في حَقِّه.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: فَضيلة الإيمان، وجهُهُ أن المُتَّصِفين به هم أَهلُ البِشارة؛ لقوله تعالى:{وَبَشِّرِ} .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: ثَواب المُؤمِنين بهذا الفَضلِ الكَبير {بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: بَيانُ مِنَّة اللَّه عز وجل على المُؤمِنين وأن الفَضْل فضلهُ؛ لقوله تعالى: {بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ} يَعنِي: لا من غَيْره؛ ولهذا قُدِّم {مِنَ اللَّهِ} مع أنه مُتعَلِّق بـ {فَضْلًا كَبِيرًا} .
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن الجزاء على الإيمان أكثَرُ ممَّا عمِله العَبْد من قوله تعالى: {فَضْلًا كَبِيرًا} وقوله تعالى: {مِنَ اللَّهِ} فيُؤخَذ من الأمرين، أمَّا وَجْه أَخْذه من
الأوَّل؛ فلِقَوْله تعالى: {كَبِيرًا} ، والكبير إذا وَصَف الشيء بالكبير فهو كبيرٌ جِدًّا، وأمَّا الثاني؛ فلأنه أَضاف الفَضْل إلى اللَّه تعالى:{مِنَ اللَّهِ} ، وكما قال المَثَلُ:(العَطيَّة على قَدْر مُعطِيها)، فإذا كان هذا الفَضلُ من اللَّه تعالى فإنه سيَكون فَضْلًا لا يَخطُر على البال؛ ولهذا في الحديث الذي علَّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بَكْر رضي الله عنه أن يَدعوَ به في صلاته قال:"فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي"
(1)
، وكونها من عِند اللَّه تعالى لها مَزِيَّة.
* * *
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، رقم (834)، ومسلم: كتاب الذكر، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، رقم (2705)، من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه.