الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدراسة
*
المطلب الثامن: ما شنع به على المصنف
(1)
:
من أشد ما شنعوا به عليه: -
1 -
ادعاؤه السماع من أبي الحسن الصواف -الإمام راوي سنن النسائي-، وابن دقيق العيد.
قال الحافظ ابن حجر: قال شيخنا العراقي: وسألته عن أول سماعه فقال: رحلت قبل السبعمائة إلى الشام. فقلت: هل سمعت بها شيئا؟ قال: سمعت شعرا، ثم ادعى أنه سمع من أبي الحسن الصواف، راوي النسائي، فسألته عن ذلك، فقال: سمعت عليه أربعين حديثا من النسائي، انتقاء نور الدين الهاشمي، بقراءته، ثم أخرج بعد مدة جزءا منتقى من النسائي بخطه، ليس عليه طبقة، لا بخطه، ولا بخط غيره.
فذكر أنه قرأه بنفسه سنة اثنتي عشر على ابن الصواف يعني سنة موته.
2 -
قال العراقي: وادعى أن الفخر ابن البخاري أجاز له، وصار يتتبع ما كان خرج عنه بواسطة، فيكشط الواسطة، ويكتب فوق الكشط: أنبأنا.
3 -
قال: ثم ذكر لي "مغلطاي" أنه وجد له سماعا على الشيخ تقي الدين، في جزء حديثين، فسألته عنه، فقال: من سنن الكجي. فقلت له: من كتب الطبقة؟ فقال: الشيخ تقي الدين نفسه. فسألته أن أقف عليه، فوعد، فوجدته بعد في خزانة كتبه الظاهرية، فطلبته منه، فتعلل، ثم وقفت في تركته على سنن أبي مسلم الكجي، وفيه سماعه لشيء منه، على بنت الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد.
(1)
هذا المطلب الثامن كله من إعداد الطالب: صلاح الزيات.
الدراسة
هذا ما ذكروه عنه؛ وما شنع به عليه، والذي يقال هنا -والعلم عنه الله تعالى- أن: المعاصرة حجاب، يحجب الفضائل، فربما استشنع المعاصر من معاصره شيئا لولا المعاصرة ما استنكر، ولكان محتملا.
وأنا -هنا- لا أزعم العصمة لأهل العلم، والخطأ والتجاوز وارد عليهم، كما أن الوقوع في مثل هذا الذي ذكروه عنه محتمل ممكن، ولكن أن أتجاوز احتمالات هي أقوى في نفسي، إلى الجزم بما حملوا عليه تلك الأخبار التي نقلت عن مغلطاي، دون غربلة لها ولا تمحيص؛ فهذا ما لا استجيزه.
وذلك أن الجواب عن تلك التهم -بما لا يوجب القدح في الإمام مغلطاي- ممكن، على النحو التالي:-
أما ما ذكر عنه الإمام العراقي -رحمه الله تعالى- من أنه سأله عن رحلته إلى الشام؛ فذكر أنه سمع فيها شعرا، ثم رجع وادعى أنه سمع من ابن الصواف أحاديث منتقاة من سنن النسائي: فإنه لا يبعد أن يكون مغلطاي لم يخبر أولا بكل ما سمع في رحلته تلك؛ إما لنسيان، أو لمعنى آخر، ثم رجع بعد وأخبر بما سكت عنه، وأنه سمع إضافة إلى الشعر من ابن الصواف، ولا يبعد كذلك أن يكون سمعها وتساهل في كتابتها ومقابلتها، أو أنه كتبها ثم تلف طباقه، فرجع واستجاز كتابتها من غيره ممن سمع معه.
وهذا وإن كان خلاف ما عهد عن المحدثين من التصون، وهو تساهل منعوه: ولكن التشدد في ذلك إنما كان سائغا في زمن الرواية، أما وقد كانت سنن النسائي معروفة متداولة في أيدي الناس، فإن مثل ذلك التساهل لا يضر، والمقصود هو بقاء سلسلة الإسناد فقط، كل ذلك ربما دفع مغلطاي إلى هذا الفعل.
ولو أن الإمام مغلطاي أراد التشبع بما لم يعط، وادعاء السماع ممن لم يسمع
الدراسة
منهم: فما الذي يحوجه إلى ادعاء سماع أربعين حديثا فقط من سنن النسائي؟ وقد كان يمكنه -لو كانت القضية مجرد دعوى- أن يدعي سماع السنن كلها.
وقد كان بين السنة التي رحل فيها مغلطاي إلى الشام -عام 700 هـ-، وادعى سماع سنن النسائي من ابن الصواف، بقراءة نور الدين الهاشمي، كان بين ذلك وبين سنة وفاة ابن الصواف التي ادعى فيها القراءة بنفسه عليه: اثنتا عشرة سنة، ولا مانع يمنع إمكان تكرر سماعه، (مرة بقراءة ابن الهاشمي، ومرة بقراءته هو) لا عقلا، ولا عرفا، والزمن محتمل.
وأما قضية إجازة الفخر ابن البخاري له: فيقال فيها= لا مانع من أن يكون الكتاب كان عند مغلطاي نازلا؛ ثم تهيأ له بعد أن يسمع من ابن البخاري مباشرة فبادر إليه، وهذا ممكن، وواقع ولا إشكال فيه، وإنما المعاب هو الرجوع إلى كشط الواسطة بعد ذلك.
(ومما يدل على أنه ما أراد التعمية والتزيد: أنه اكتفى بالكشط على الواسطة دون المحو لها) ومع ذلك: فهذا كله يخف الحمل فيه عليه إذا علم ما سبق، من أن المراد بالإجازة هو بقاء سلسلة الإسناد فقط، وإلا فالكتاب موجود.
وبقيت أشياء مما عابوه عليه لم يبن لي عنها جواب، والله يغفر لنا وله، والظاهر من كل ذلك أن الشيخ -رحمه الله تعالى- كان عنده نوع تجوز وتساهل وتوسع ما احتمل منه، ولكن لم يكن ذلك يصل إلى درجة الكذب والغش للطلاب، هذا ما يظن في حملة العلم، على ما في جملتهم من النقص، وما يقع منهم من التجاوز مما لا يسلم منه بشر، ولكن أمرنا بحسن الظن في المسلمين.
وأهل السنة هم أرحم الخلق بالخلق، فنقل ما نقل عنه وعن مثله من العلم، ونعتذر عما قدرنا الاعتذار عنه، ونترحم عليه فيما ظهر لنا منه من الخطأ والتقصير،