الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما شفاؤه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من رمد ببصاق الرسول صلى الله عليه وسلم ودعائه له
فخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] والنسائي من حديث يعقوب بن عبد الرحمن بن أبي حازم قال: أخبرني سهل بن سعد أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر:
[ (1) ](فتح الباري) : 7/ 605، كتاب المغازي، باب (39) غزوة خيبر، حديث رقم (4210) ،
قوله: «لأعطينّ الراية غدا أو ليأخذنّ، الراية غدا»
هو شك من الراويّ، والراية يم، عنى اللواء، وهو العلم الّذي في الحرب، يعرف به موضع صاحب الجيش، وقد يحمله أمير الجيش، وقد يدفعه لمقدم العسكر.
[ (2) ] من فضائل علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادفهما، ولكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس:«كانت راية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض» مثلة، عند الطبراني، عن بريدة، وعند ابن عدي، عن أبي هريرة وزاد «مكتوبا فيه لا إله لا اللَّه محمد رسول اللَّه» ، وهو ظاهر في التغاير، فلعل التفرقة بينهما عرفية، وقد ذكر ابن إسحاق وكذا أبو الأسود، عن عروة أن أول ما وجدت الرايات يوم خيبر، وما كانوا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية» .
قوله: (يحبه اللَّه ورسوله) زاد في حديث سهل بن سعد «ويحب اللَّه ورسوله» ، وفي رواية ابن إسحاق «ليس بفرار،» وفي حديث بريدة «لا يرجع حتى يفتح اللَّه له» .
قوله: (فنحن نرجوها) في حديث سهل «فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها» وقوله: «يدوكون» بمهملة مضمومة أي باتوا في اختلاط واختلاف، والدوكة بالكاف: الاختلاط، وعند مسلم من حديث أبي هريرة «إن عمر قال: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ» ، وفي حديث بريدة» فما منا رجل له منزلة، عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا وهو يرجوا أن يكون ذلك الرجل، حتى تطاولت أنا لها، فدعا عليا وهو يشتكي عينه فمسحها، ثم دفع إليه اللواء «ولمسلم من طريق إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: «فأرسلني إلى علي قال: فجئت به أقوده أرمد فبزق في عينه، فبرأ» قوله: (فقيل هذا علي) كذا وقع مختصرا، وبيانه في رواية إياس بن سلمة، عند مسلم،
وفي حديث سهل بن سعد الّذي بعده «فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طلب؟ قالوا: يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأتوا به»
_________
[ () ] وقد ظهر من حديث سلمة بن الأكوع انه هو الّذي أحضره، ولعل عليا حضر إليهم بخيبر ولم يقدر على مباشرة القتال لرمده، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فحضر من المكان الّذي نزل به، أو بعث إليه إلى المدينة فصادف حضوره.
قوله: (فبرأ) بفتح الراء والهمزة بوزن ضرب، ويجوز كسر الراء بوزن علم، وعند الحاكم من حديث على نفسة قال: فوضع رأسي في حجره، ثم بزق في ألية راحته، فدلك بها عيني» وعند بريدة في «الدلائل البيهقي «فما وجعها على حتى مضى لسبيله» أي مات، عند الطبراني من حديث علي:«فما رمدت ولا صدعت منذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الراية يوم خيبر» ، وله من وجه آخر «فما اشتكيتها حتى الساعة، قال: ودعا لي فقال: اللَّهمّ أذهب، عنه الحر والقر، قال فما اشتكيتهما حتى يومي هذا» .
قوله: (فأعطاه ففتح عليه) في حديث سهل «فأعطاه الراية» ، وفي حديث أبي سعيد، عند أحمد «فانطلق حتى يفتح اللَّه عليه خيبر وفدك، وجاء بعجوتهما» وقد اختلف في فتح خيبر هل كان، عنوة أو صلحا، وفي حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس التصريح بأنه كان، عنوة وبه جزم ابن عبد البر، ورد على من قال فتحت صلحا قال: وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم، وهو ضرب من الصلح لكن لم يقع ذلك إلا بحصار وقتال. انتهى.
والّذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر «: إن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر، فغلب على النخل والجأهم إلى القصر، فصالحوه على أن يجلوا منها، وله الصفراء والبيضاء والحلقة، ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يغيبوا» الحديث وفي آخره «فسبى نساءهم وذريتهم، وقسم أموالهم للنكث الّذي نكثوا، وأراد أن يجليهم فقالوا: دعنا في هذه الأرض نصلحها «الحديث أخرجه أبو دواد والبيهقي وغيرهما، وكذلك أخرجه أبو الأسود في المغازي، عن عروة، فعلى هذا كان قد وقع الصلح، ثم حدث النقض منهم فزال أثر الصلح، ثم منّ عليهم بترك القتل وإبقائهم عمالا بالأرض ليس لهم فيها ملك، ولذلك أجلاهم عمر- كما تقدم في فتح فرض الخمس احتجاج الطحاوي على أن بعضها صلحا بما أخرجه هو وأبو داود من طريق بشير بن يسار» : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم خيبر عزل نصفها لنوائبه، وقسم نصفها بين المسلمين» وهو حديث اختلف في وصله وإرساله، وهو ظاهر في أن بعضها فتح صلحا، واللَّه اعلم.
لأعطينّ هذه الراية رجلا يفتح اللَّه عليه يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلهم يرجون أن يعطاها.
فقال أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول اللَّه يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه فأتى به، فبصق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كان لم يكن به وجع فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول اللَّه أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: أنفد على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام،
[ () ] قوله:
في حديث سهل (فقال علي يا رسول اللَّه، أقاتلهم)
هو بحذف همزة الاستفهام.
قوله: (حتى يكونوا مثلنا)
أي حتى يسلموا
قوله: (فقال انفذ)
بضم الفاء بعدها معجمة.
قوله: (على رسلك)
بكسر الراء أي على هينتك.
قوله: (ثم ادعهم إلى الإسلام)
ووقع في حديث أبي هريرة، عند مسلم «فقال علي يا رسول اللَّه علام أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن إله إلا اللَّه وان محمدا عبده ورسوله» واستدل بقوله: «ادعهم»
أن الدعوة شرط في جواز القتال، والخلاف في ذلك مشهور فقيل:
يشترط مطلقا، وهو، عن مالك سواء من بلغتهم الدعوة أو لم تبلغهم، قال: إلا أن يعجلوا المسلمين، وقيل: لا مطلقا و، عن الشافعيّ مثله، وعنه لا يقاتل من لم تبلغهم حتى يدعوهم، وأما من بلغته فتجوز الإغارة عليهم بغير دعاء، وهو مقتضى الأحاديث، ويحمل ما في حديث سهل على الاستحباب بدليل أن في حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم أغار على أهل خيبر لما لم يسمع النداء، وكان ذلك أول ما طرقهم، وكانت قصة على بعد ذلك، وعن الحنفية تجوز الإغارة عليهم مطلقا وتستحب الدعوة.
قوله: (فو اللَّه لأن يهدى اللَّه بك رجلا إلخ)
يؤخذ منه تألف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله (فتح الباري) ، هي الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وأنه ليس هناك أعظم منه، وقد سبق بيان أن تشبيه أمور الآخرة بأعراض الدنيا، وإنما هو التقريب من الأفهام، وإلا فذرة من الآخرة الباقية خير من الأرض بأسرها وأمثالها معها لو تصورت، وفي هذا الحديث بيان فضيلة العلم والدعاء إلى الهدى وسن السنن الحسنة (شرح النووي) .
وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللَّه فيه، فو اللَّه لأن يهدي اللَّه بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم.
هكذا سياقة مسلم، وقال فيه البخاري: والنسائي: لأعطين هذه الراية غدا، ولم يذكر النسائي فيه قوله: فبات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها.
ذكره البخاري في غزوة خيبر، وذكره مسلم في المناقب، وذكره النسائي في فضائل على، وذكره البخاري أيضا في الجهاد في باب فضل من أسلم على يديه رجل [ (1) ] ، وذكره في المناقب [ (2) ] من حديث عبد العزيز بن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لأعطين الراية غدا رجلا يفتح اللَّه على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها.
فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول اللَّه، قال: فأرسلوا إليه، فأتى [ (3) ] به، فلما جاء بصق في عينيه، فدعا له حتى كأن لم يكن به وجع، الحديث إلى آخره مثله.
وخرّجه في كتاب الجهاد، في باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة [ (4) ] ، من حديث عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه، عن سهل بن سعد، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يفتح اللَّه على يديه، فناموا يرجون ذلك
[ (1) ] حديث رقم (3009) ، باب (143) .
[ (2) ] باب (9) مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: «أنت مني وأنا منك»
وقال عمر: «توفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو، عنه راض» ، حديث رقم (3701) .
[ (3) ] كذا في (الأصل)، وفي البخاري:
«فأتوني به» .
[ (4) ] باب (102) دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون اللَّه، وقوله- تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران: 79] ، حديث رقم (2942) .
أيهم يعطي؟ إذ كلهم يرجون أن يعطي [ (1) ]، فقال: أين علي؟، فقيل: يشتكي عينيه، فأمر فدعا به فبصق في عينيه. فبرأ مكانه حتى كأن لم يكن به شيء، فقال: نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال علي رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فو اللَّه لأن يهدي بك رجل واحد خير لك من حمر النعم.
وخرّج البخاري في الجهاد في باب ما قيل في لواء النبي [ (2) ] صلى الله عليه وسلم وفي مناقب علي، وخرّج مسلم في المناقب: كلاهما من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سلمة بن الأكوع، قال: كان علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قد تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر كان رمدا، وقال البخاري: وكان به رمد، فقال: أنا أتخلف عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فلما كان في مساء الليلة التي فتحها اللَّه في صباحها، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه اللَّه ورسوله، أو قال: يحب اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه عليه، فإذا نحن بعلي، وما نرجوه. فقالوا: هذا على فأعطاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ففتح اللَّه عليه،
لفظهما فيه متقارب.
وخرّج النسائي [ (3) ] من حديث الحسين بن واقد، عن عبد اللَّه بن بريدة، قال: سمعت أبي بريدة يقول: حاصرنا خيبر، فأخذ اللواء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولم يفتح له وأخذه من الغد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فانصرف ولم يفتح له، وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إني رافع لوائي غدا إلى رجل يحب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله، لا يرجع حتى يفتح له ربنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا فلما أصبح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الغداة، ثم قام قائما، ودعا باللواء والناس على مصافهم، فما منا إنسان له منزلة عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا هو يرجو أن يكون صاحب اللواء فدعا علي بن
[ (1) ] كذا في (الأصل)، وفي البخاري:«فغدوا وكلهم يرجو أن يعطي» .
[ (2) ] باب (121) ، حديث رقم (2975) .
[ (3) ] في كتاب الجهاد من (الكبرى) .
أبي طالب، وهو أرمد فتفل في عينيه ودفع إليه اللواء، وفتح اللَّه له، وقال: أنا فيمن تطاول لها.
وخرّجه من حديث ميمون أبي عبد اللَّه أن عبد اللَّه بن بريدة حدثه عن بريد الأسلمي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما كان حيث نزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خيبر أعطى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اللواء عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فنهض معه من نهض من الناس فلقوا أهل خيبر، فانكشف هو وأصحابه، فرجعوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لأعطين اللواء رجلا يجب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله، فلما كان من الغد تصادر أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فدعا عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو أرمد، فتفل في عينيه، ونهض معه من الناس من نهض، فلقى أهل خيبر،
فإذا مرحب يرتجز وهو يقول:
قد علمت خيبر أنى مرحب
…
شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانا وحينا أضرب
…
إذا الليوث أقبلت تلهب
وخرّج أبو نعيم من حديث محمد بن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن منذر الثوري قال: سمعت الربيع بن خيثم يقول: أتيت عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فسألته عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لأعطين الراية رجلا يحب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله لا يرجع حتى يفتح اللَّه عليه، فجعل أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتصدونه، فقال: أين على بن أبي طالب؟ فقالوا: يا رسول اللَّه إنه أرمد لا يبصر، فأخذ الراية، فدعاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتى به فتفل في عينيه فأبصر، ثم نهر له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فو الّذي نفسي بيده ما صعد آخرنا حتى فتح اللَّه على أولنا.
ومن حديث عباد بن يعقوب، والنضر بن سعد بن صهيب قالا: حدثنا عبد اللَّه بن بكير، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأدفعن الراية إلى رجل يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله، لا يرجع حتى يفتح اللَّه
عليه، فأصبح الناس طيبة وجوههم رجاء أن يدفها إليهم، فدعا عليا، وهو أرمد، فتفل في عينيه، ثم دفع الراية إليه، ففتح اللَّه عليه.
وخرّج من حديث أبي عوانة، عن أبي فليح، عن عمرو بن ميمون قال:
كنت عند ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فجاءه نفر تسعة، فقالوا:
يا ابن عباس قم معنا، فقام معهم، فما ندري ما قالوا غير أنه رجع ينفض ثوبه، ويقول: أف وأف وقعوا في رجل قال فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لأدفعن رايتي هذه إلى رجل يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه على يديه، فأرسل إلى علي وهو في الرحل يطحن، وما كان أحدهم ليطحن، فجاءوا به رمدا. فقال: يا رسول اللَّه: ما أكاد أبصر، فنفث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في عينيه وأخذ الراية بيده، فهزها ثلاثا ثم دفعها إليه، ففتح له،
فجاء بصفية بنت حيي.
ومن حديث بكير بن مسمار قال: سمعت عاصم بن سعد يقول: أن أباه سعدا، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لأعطين هذه الراية رجلا يحب اللَّه ورسوله فتطاولنا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: أين علي، فقالوا: هو أرمد، قال: فدعوناه، فبصق في عينيه، ثم أعطاه الراية، ففتح اللَّه عليه.
ومن حديث يحيى بن سلمة بن كهيل، عن مسلم الملامى، عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي وقاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية رجلا يحبه اللَّه ورسوله، ويحب اللَّه ورسوله، لا يرجع حتى يفتح عليه، فلما أصبح صلّى الفجر، ثم نظر صلى الله عليه وسلم في وجوه الناس، فرأى عليا منكسا في ناحية القوم يشتكي عينيه، فدعاه فقال: يا رسول اللَّه، إني أرمد فأخذ يفتح عينيه، ودعا له، قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فو الّذي بعثه بالحق ما اشتكيتها بعد.
وخرّج من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه، ومن حديث أبي عوانة، وأبي بكر بن أبي شيبة عن جرير، ومن حديث هشيم كلهم عن مغيرة، عن أم موسى سرية علي، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ما
رمدت، ولا صدعت، منذ تفل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في عيني حين بعثني في خيبر، قال: ورواه الحكم [ (1) ] وعيسى عن ابن أبي ليلى، عن علي.
وخرّج من حديث عباد بن يعقوب، قال: حدثنا عمر بن ثابت، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي قال: سمعت عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: كنت أرمد من دخان الحصن، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم، فتفل في عيني، فما رمدت بعده.
وخرّج من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن أبيه، عن سلمة بن الأكوع قال: بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا بكر بن أبي قحافة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- برايته إلى حصن من خيبر، فقاتل، ولم يك فتح، وقد جهد، ثم بعث عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالغد، فقاتل ولم يك فتح، وقد جهد. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله يفتح اللَّه على يديه ليس بفرار، فدعا بعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو أرمد، فتفل في عينيه، فقال: خذ هذه الراية وامض بها، حتى يفتح اللَّه عليك.
قال سلمة: فخرج بها واللَّه يهرول هرولة، وأنا لخلفه متتبع أثره، حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن، فاطلع عليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب، قال: يقول اليهودي:
غلبتم [ (2) ] وما أنزل على موسى، أو كما قال، فما رجع حتى فتح اللَّه على يديه [ (3) ] .
قال أبو نعيم، ورواه عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه،
قال: فما رواه سلمة يدل على تقدم علم اليهودي من رواياتهم وكتبهم
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] كذا في (الأصل)، وفي (دلائل البيهقي) :«عليتم» .
[ (3) ](دلائل البيهقي) : 6/ 209- 2110، باب ما جاء في بعث السرايا إلى حصون خيبر وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بفتحها على يدي علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ودعائه له، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة ودلالات الصدق.
بتوجيه من وجه إليهم ويكون الفتح على يديه، ويكون فيه فضيلة شريفة لعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ورواه يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة.
وخرّج من حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب أظنه، عن أبي هريرة، ومن حديث معمر، عن عثمان الجريريّ، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب اللَّه ورسوله، ليس بفرار يفتح اللَّه خيبر على يديه، فتشرف لها المهاجرون والأنصار، فسأل، عن عليّ فقالوا: هو أرمد، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنفث في عينيه، ثم دعا له وأعطاه الراية، ففتح اللَّه على يديه.
ومن حديث مسدد قال: حدثنا أبو عوانة، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله يفتح اللَّه على يديه، فدعا عليا فنفثه، ثم قال: اذهب فقاتل حتى يفتح اللَّه عليك.
وخرّجه من طريق إسرائيل، عن عبد اللَّه بن عصمة، عن أبي سعيد الخدريّ، ومن حديث منصور بن المعتمر، عن ربعي بن خراش، عن عمران ابن حصين، ومن حديث الخليل بن مرة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد اللَّه.
ومن حديث أبي فروة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه
- وبعضهم يزيد على بعض وينقص في حديثه- فالمعنى واحد.
وقال أبو عمر محمد بن عبد الواحد المعروف بالزاهد غلام ثعلب في كتاب (اليواقيت) قال ابن الأعرابي: كانت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب وأبو طالب غائب، فوضعته فسمته أسدا يحيي اسم أبيها، فقدم أبو طالب، فسماه عليا، فكانت أم مرحب كاهنة، فقالت: يا مرحب لا تبرز في الحرب إلى رجل يكتنى ويرتجز بحيدرة، فإنه قاتلك، قال: فلما كانت ليلة خيبر قال النبي صلى الله عليه وسلم:
لأعطين الراية غدا الرجل يحبه اللَّه ورسوله، ويحب اللَّه ورسوله.
قال بعض الأنصار فما زالوا يدوكون تلك الليلة من هو فلما كان الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أين علي؟ فإذا هو عليل، قالوا: هو عليل، قال: أين علي؟
فإذا هو أرمد العين، قال: فجاء وعينه رمدة، فقال: ادن مني، فدنا منه،
فوضع رأسه في حجره، فتفل فيها صلى الله عليه وسلم ومسحها بألية يده، قال: فانفتحت عين علي فرأيتها، وكأنها جزعة من حسنها، قال: فمشى والراية معه، فسمعت صياحه بالنداء، ووجهه إلى العدو وظهره إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: يا رسول اللَّه، علام أقاتل الناس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: على أن يقولوا لا إله إلا اللَّه وأنى محمد رسول اللَّه.
قال: فجاء إلى اليهود أجمع ما كانوا فشدوا عليه شدة رجل واحد، فيثبت، ثم حملوا عليه، فثبت، فحمل عليهم فانهزموا إلى الحصون، فلما رأوا إمرة علي داروه، وكان مرحب أشجع اليهود فصاحوا: يا مرحب اليوم.
قال: فخرّج مبادرا مدلا، فلما توافقا قال مرحب: ما اسمك يا فتى؟
قال: عليّ، فاطمأن قلبه، وأقبل نحو عليّ وهو يرتجز.
أنا الّذي سمتني أمي مرحب
…
شاك سلاحي بطل مجرب
[إذا الليوث أقبلت نلهب
…
وأحجمت، عن صولة المغلب] [ (1) ]
قال: فقال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-:
أنا الّذي سمتني أمي حيدرة
…
كليث غابات غليظ القسورة
ويروى:
أنا الّذي سمتني أمي حيدرة
…
أضرب بالسيف رءوس الكفرة
أكيلهم بالصاع كيل السندرة
قال: فضربه على ضربه قده [ (2) ] باثنتين
قال ابن عباس: كانت لعلي ضربتان إذا تطاول قد، وإذا تقاصر قط. قال ثعلب: اختلف الناس في قوله:
السندرة، فقال ابن الأعرابي: هو مكيال كبير مثل القنقل [ (3) ]، وقال غيره:
[ (1) ] هذا البيت زيادة للسياق من (دلائل البيهقي) .
[ (2) ] القد: الشق طولا، والقط: الشق عرضا. قال تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ.
[ (3) ] السندرة: السرعة، والسندرة: الجرأة، والسندر: الجريء المتشبع، والسندرة: ضرب من الكيل غراف جراف واسع، والسندر: مكيال معروف:
وفي حديث على- عليه السلام:
أكيلكم بالسيف كيل السندرة
قال أبو العباس أحمد بن يحيى: لم تختلف الرواة أن هذه الأبيات
لعلي- عليه السلام:
السندرة امرأة كانت تبيع القمح، وكانت توفى الكيل، قال ثعلب: فعلى هذا إني أكيلكم كيلا وافيا. قال: وقال غيرهما: السندرة العجلة، فعلى هذا إني أبادركم، قبل الفرار.
وقال ابن قتيبة: ويحتمل أن يكون مكيالا اتخذ من السندرة، وهي شجرة يعمل منها النبل والقسي.
قال الأنصاري: فرأيت أم مرحب وهي تندبه وهو بين يديها، فقلت من قتل مرحبا؟ قالت: من كان يقتله إلا أحد رجلين، قلت: من الرجلين؟ قالت:
محمد أو علي، قلت: فمن قتله منهما؟ قالت: علي، قال: وأنشدني:
للَّه در أبي طالب ودر
…
رمنجبه لقد انحبى
قال: وكنت في الجيش، فو اللَّه ما استتم به آخرنا حتى فتح على أولنا بركة علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هكذا ساق غلام ثعلب.
وخرّج البيهقي من حديث يونس بن بكير بن مسلم الأزدي قال: حدثنا عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ربما أخذته الشقيقة، فيلبث اليوم، واليومين لا يخرج، ولما نزل خيبر أخذته الشقيقة [ (1) ] فلم يخرج إلى الناس، وإن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخذ راية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم نهض فقاتل قتالا شديدا، ثم رجع. فأخذها عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقاتل قتالا هو أشد من القتال الأول، ثم رجع فأخبر بذلك رسول
[ () ]
أنا الّذي سمتني أمى حيدرة
…
كليت غابات غليظ القصرة
أكيلكم بالسيف كيل السندرة
قال: واختلفوا في السندرة. فقال ابن الأعرابي وغيره: هو مكيال كبير ضخم مثل القنقل والجراف، أي أقتلكم قتلا واسعا كبيرا وذريعا، وقيل: السندرة امرأة كانت تبيع القمح وتوفى الكيل، أي أكيلكم كيلا وافيا، وقال آخر: السندرة العجلة، والنون زائدة، يقال: رجل سندرى إذا كان عجلا في أموره حادا، أي أقاتلكم بالعجلة وأبادركم قبل الفرار، ويحتمل أن يكون مكيالا اتخذت من السندرة، وهي شجرة يعمل منها النبل والقسي، ومنه قيل: سهم سندري. (لسان العرب) : 4/ 382 مختصرا.
[ (1) ] الشقيقة: صداع يعرض في مقدم الرأس.