الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما ذهاب البرد عن حذيفة بن اليمان [ (1) ] بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له بذلك
فخرّج مسلم من حديث جرير عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: كنا عند حذيفة، [بن اليمان] فقال رجل: لو أدركت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت [ (2) ]، فقال له حذيفة: أنت تفعل ذلك؟ لقد رأينا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة [ (3) ] وقر، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله اللَّه معي يوم القيامة؟ فسكتنا، فلم يجبه منا أحد، ثم قال:
ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله اللَّه معي يوم القيامة؟ فسكتنا، فلم يجبه منا أحد فقال: قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم، فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم، فقال: اذهب فأتني بخبر القوم، ولا تذعرهم عليّ [ (4) ] .
[ (1) ] هو حذيفة بن اليمان، من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهو صاحب السر، واسم اليمان: حسل ويقال: حسيل- بن جابر العبسيّ اليماني، أبو عبد اللَّه، حليف الأنصار، ومن أعيان المهاجرين حدث عنه أبو وائل، وزر بن حبيش، وزيد بن وهب، وهمام بن الحارث، وخلق سواهم. له في الصحيحين اثنا عشر حديثا، وفي البخاري ثمانية، وفي مسلم سبعة عشر حديثا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أسر إلى حذيفة أسماء المنافقين، وضبط عنه الفتن الكائنة في الأمة، وقد ناشد عمر: أأنا من المنافقين؟ فقال: لا، ولا أزكي أحدا بعدك. وحذيفة هو الّذي ندبه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب ليجس له خبر العدو، وعلى يده فتح الدينور عنوة، ومناقبه تطول- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال حذيفة: كان الناس يسألون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، ولى حذيفة إمرة المدائن لعمر، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان، وتوفى بعد عثمان بأربعين ليلة، (تهذيب سير أعلام النبلاء) : 1/ 61، ترجمة رقم (181) - (الإصابة) : 2/ 44- 45، ترجمة رقم (1649)، (الاستيعاب) : 1/ 334- 335، ترجمة رقم (492) .
[ (2) ] أبليت: من البلاء الحسن وهو المبالغة في النصرة.
[ (3) ] كذا في (الأصل)، وفي (دلائل البيهقي) :«في ليلة ذات ريح شديدة» .
[ (4) ] أي لا تحركهم عليك، فإنّهم إن أخذوك كان ضررا على لأنك رسولي وصاحبي.
فلما وثبت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام، حتى أتيته فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار [ (1) ] ، فوضعت سهما في كبد قوسي، فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تذعرهم عليّ ولو رميته لأصبته، فأخبرته خبر القوم وفرغت قررت، فألبسني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائما حتى أصبحت، فقال: قم أيا نومان [ (2) ] .
[ (1) ] يصلى ظهره: يدفئه.
[ (2) ] النومان: كثير النوم، (دلائل البيهقي) : 3/ 449- 450، باب إرسال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى عسكر المشركين، وما ظهر له في ذلك من آثار النبوة بوقوفة ليلتئذ على ما أرسل على المشركين من الريح والجنود، وتصديق اللَّه- سبحانه- قول نبيه صلى الله عليه وسلم فيما وعد حذيفة من حفظ اللَّه إياه عن الأسر والبرد، باختلاف يسير في اللفظ، وأخرجه الإمام مسلم (في صحيحه) ، كتاب الجهاد والسير، باب (36) غزوة الأحزاب، حديث رقم (1788) . قوله:«كنا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت، فقال له حذيفة ما قال» : معناه أن حذيفة فهم منه أنه لو أدرك النبي صلى الله عليه وسلم لبالغ في نصرته، ولزاد على الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فأخبره. بخبره في ليلة الأحزاب، وقصد زجره عن ظنه أنه يفعل أكثر من فعل الصحابة. قوله:«وأخذتنا تاريخ شديدة وقر» ، هو بضم القاف، وهو البرد وقوله بعد هذا:«قررت» هو بضم القاف وكسر الراء، أي بردت،
قوله: «اذهب فأتني بخير القوم ولا تذعرهم علي»
هو بفتح التاء وبالذال المعجمة، معناه: لا تفزعهم على ولا تحركهم علي، وقيل: معناه لا تنفرهم، وهو قريب من المعنى الأول، والمراد: لا تحركهم عليك، فإنّهم إن أخذوك كان ذلك ضررا على لأنك رسولي وصاحبي قوله:«فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشى في حمام حتى أتيتهم» ، يعنى أنه لم يجد البرد الّذي يجد الناس، ولا من تلك الريح الشديدة ودعائه صلى الله عليه وسلم له، واستمر ذلك اللطف به ومعافاته من البرد حتى عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رجع ووصل عاد إليه البرد الّذي يجده الناس، وهذه من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم. ولفظة الحمام عربية، وهو مذكر مشتق من الحميم، وهو الماء الحار. قوله:
«فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره» ، هو بفتح الياء وإسكان الصاد، أي يدفئه، ويدنيه فيها، وهو الصلا، بفتح الصاد والقصر، والصلاء بكسرها والمد. وقوله:«كبد القوس» ، هو مقبضها،
وخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين، قال: حدثنا يوسف ابن عبد اللَّه بن أبي المختار عن بلال العبسيّ، عن حذيفة بن اليمان: أن الناس تفرقوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب، فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا، فأتاني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنا جاثم من البرد.
قال يا بن اليمان: قم فانطلق إلي عسكر الأحزاب، فانظر إلى حالهم، قلت: يا رسول اللَّه والّذي بعثك بالحق نبيا ما قمنا إليك إلا حياء منك من البرد.
قال: انطلق يا بن اليمان، فلا بأس عليك من حرّ ولا برد حتى ترجع إليّ، فانطلقت إلي عسكرهم، فوجدت أبا سفيان يوقد النار في عصبة حوله وقد تفرق الأحزاب عنه، قال: حتى إذا جلست فيهم، قال: فحس أبو سفيان أنه دخل فيهم من غيرهم، قال: ليأخذ كل رجل منكم يبد جليسه، قال: فضربت بيدي على الّذي عن يميني، فأخذت بيده [ثم ضربت يدي على الّذي عن يساري فأخذت بيده] فكنت فيهم هنية ثم قمت فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي، فأومأ بيده أن ادن، فدنوت ثم أومأ إليّ أيضا أن ادن، فدنوت حتى أسبل على من الثوب الّذي كان عليه وهو يصلي.
[ () ] وكبد كل شيء وسطه. قوله: «فألبسنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلى فيها» ، العباءة بالمد والعباية بزيادة، لغتان، مشهورتان، معروفتان، وفي الحديث: جواز الصلاة في الصوف وهو جائز بإجماع من يعتد به، وسواء الصلاة عليه وفيه، ولا كراهية في ذلك. قال العبدري من أصحابنا: وقالت الشيعة: لا تجوز الصلاة على الصوف، ولا تجوز فيه. وقال مالك: يكره كراهة تنزيه. قوله: «فلم أزل نائما حتى أصبحت
قال: قم يا نومان،
هو بفتح النون وإسكان الواو، وهو كثير النوم، وأكثر ما يستعمل في النداء كما استعمله هنا. قوله:
«أصبحت» ، أي طلع الفجر وفي هذا الحديث أنه ينبغي للإمام وأمير الجيش بعث الجواسيس والطلائع لكشف خبر العدو، واللَّه- تبارك وتعالى أعلم. (شرح النووي) .
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 3/ 450- 451، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) : 3/ 33، كتاب المغازي والسرايا، حديث رقم (4325)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
فلما فرغ من صلاته قال ابن اليمان: اقعد [ما الخبر؟]، قلت: يا رسول اللَّه، تفرق الناس عن أبي سفيان، فلم يبق إلا في عصبة يوقد النار، قد صب اللَّه عليه من البرد مثل الّذي صب علينا ولكنا نرجو من اللَّه ما لا يرجو.
وله من طريق عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبيد أبي قدامة الحنفي، عن عبد العزيز بن أخي [ (1) ] حذيفة قال: ذكر حذيفة مشاهدهم مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال جلساؤه: أما واللَّه لو كنا شهدنا ذلك، لفعلنا. فقال حذيفة: لا تمنوا ذلك، فلقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود، أبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم علي ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحد منا إصبعه.
فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ [ (2) ] ، فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له فيأذن لهم فيتسللون ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك إذ استقبلنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا حتى مر عليّ وما عليّ جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي ما يجاوز ركبتي.
قال: فأتاني وأنا جاث على ركبتي، فقال: من هذا؟ فقلت: حذيفة، فقال: حذيفة؟ فتقاصرت بالأرض، فقلت: بلى يا رسول اللَّه، كراهية أن أقوم، قال: قم، فقمت فقال: إنه كائن في القوم خبر فأتيني [ (3) ] بخبر القوم، قال وأنا من أشد الناس فزعا، وأشدهم قرا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته، قال:
فو اللَّه- ما خلق اللَّه فزعا ولا قرا في جوفي إلا خرج، وما أجد منه شيئا، فلما وليت قال: يا حذيفة لا تحدث [ (4) ] في القوم شيئا حتى تأتيني،
فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم في ضوء نار لهم توقد، وإذا رجل أدهم ضخم يقوم بيده
[ (1) ] في (الأصل) : «أبي» وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) .
[ (2) ] الأحزاب: 13.
[ (3) ] في (الأصل) : «فأت» ، وما أثبتناه من (دلائل البيهقي) .
[ (4) ] كذا في (الأصل)، وفي (دلائل البيهقي) :«لا تحدثن» .
علي النار، ويمسح خاصرته، ويقول: الرحيل الرحيل، ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك، فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش، فأضعه في كبد قوسي لأرميه، فذكرت قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تحدثن شيئا حتى تأتيني فأمسكت ورددت سهمي في كنانتي، ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون: يا آل عامر الرحيل الرحيل، لا مقام لكم، فإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا، فو اللَّه- إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضربهم بها، ثم خرجت نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتصف بي الطريق أو غير ذلك إذا أنا بنحو من عشرين فارسا معتمين، فقالوا: أخبر صاحبك أن اللَّه كفاه القوم، فرجعت إلي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل شملة يصلي، فو اللَّه ما عدا أن رجعت راجعني القر، وجعلت أقرقف [ (1) ] ، فأومأ إلي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي، فدنوت منه فأسبل عليّ شملته، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى.
فأخبرته خبر القوم، وأخبرته أني تركتهم يترحلون، فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [ (2) ] .
وخرّج هذا الحديث أبو نعيم من طرق، والمعني واحد وإن تقاربت ألفاظه.
[ (1) ] أقرقف: أرتعد من البرد.
[ (2) ] الأحزاب: 9، وتمامها: وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً.