الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما شفاء سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وإتمام اللَّه تعالى هجرته بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ووقوع ما أشار به صلى الله عليه وسلم
فخرّج البخاري من حديث الجعيد، عن عائشة بنت سعد أن أباها قال:
تشكيت بمكة شكوى شديدة، فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، فقلت: يا نبي اللَّه إني أترك مالا، وإني لا أترك إلا ابنة واحدة، وأوصى بثلثي مالي، وأترك الثلث؟
قال: لا، فقلت: فأوصى بالثلث وأترك لها الثلثين؟ قال: الثلث، والثلث كثير، ثم وضع يده على جبهتي، ثم مسح وجهي وبطني، ثم قال: اللَّه اشف سعدا وأتمم له هجرته، فما زلت أجد برد يده على كبدي فيما يخيل إلى حتى الساعة.
ذكره في كتاب المرضي، وترجم عليه باب وضع اليد [ (1) ] على المريض.
وخرّجه النسائي [ (2) ] بهذا الإسناد بمعناه، قال: وصح وجهي وصدري وبطني، وقال: فما زلت أجد أحد برد يده على كبدي حتى الساعة.
وخرّجه مسلم من حديث الثقفي، عن أيوب السختياني، عن عمرو بن سعيد، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن ثلاثة من ولد سعد كلهم يحدث، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد يعوده بمكة، فبكى، فقال: ما يبكيك؟
فقال: خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اشف سعدا- ثلاث مرات، فقال: يا رسول اللَّه إن لي مالا كثيرا، وإنما ترثني أفأوصى بمالي كله؟ قال: لا، قال: فبالثلثين؟ قال: لا،
[ (1) ] باب (12) وضع اليد على المريض، حديث رقم (5659) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ](سنن النسائي) : 6/ 553، كتاب الوصايا، باب (3) الوصية بالثلث، حديث رقم (3631) ، وقد الفرد به النسائي في (المجتبى) ، ولكن حديث الباب في عشرة النساء من (الكبرى) باب ثواب النفقة التي يبتغى بها وجه اللَّه- تعالى، حديث رقم (325) .
قال فبالنصف؟ قال: لا قال: فبالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إن صدقتك من مالك صدقة، وإن نفقتك على عيالك صدقة، وإنك تدعهم يتكففون الناس وقال بيده [ (1) ] .
وخرّجه أيضا من حديث حماد بن زيد قال: حدثنا أيوب، عن عمرو بن سعيد، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن ثلاثة من ولد سعد، قالوا:
مرض سعد بمكة، فأتاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعوده، فذكره بنحو حديث الثقفي [ (2) ] .
وخرّجه من حديث عبد الأعلى، حدثنا هشام، عن محمد بن حميد بن عبد الرحمن، قال: حدثني ثلاثة من ولد سعد بن مالك كلهم يحدثنه بمثل حديث صاحبه، فقال: مرض سعد بمكة، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده بنحو حديث عمرو بن سعيد، عن الحميري [ (3) ] .
وخرّج البخاري من حديث زكريا بن عدي: حدثنا مروان، عن هاشم بن هاشم، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: مرضت عادني النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه ألا يردني على عقبي، قال: لعل اللَّه يرفعك وينفع بك ناسا، فقلت: أريد أن أوصى وإنما لي ابنة، فقلت: أوصى بالنصف؟
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 11/ 90، كتاب الوصية باب (1) الوصية بالثلث، حديث رقم (8) .
[ (2) ](المرجع السابق) : حديث رقم (9) قوله: (عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن ثلاثة من ولد سعد كلهم يحدثه، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد يعوده بمكة) في الرواية الأخرى، عن حميد، عن ثلاثة من ولد سعد قالوا مرض سعد بمكة فأتاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعوده فهذه الرواية مرسلة والأولى متصلة لأن أولاد سعد تابعيون وانما ذكر مسلم هذه الروايات المختلفة في وصله وإرساله ليبين اختلاف الرواة في ذلك قال القاضي وهذا وشبهه من العلل التي وعد مسلم في خطبة كتابه أنه يذكرها في مواضعها، فظن ظانون أنه يأتي بها مفردة، وانه توفى قبل ذكرها والصواب أنه ذكرها في تضاعيف كتابه كما أوضحناه في أول هذا الشرح، ولا بقدح هذا الخلاف في صحة هذه الرواية ولا في صحة أصل الحديث، لأن أصل الحديث ثابت من طرق من غير جهة حميد، عن أولاد سعد، وثبت وصله، عنهم في بعض الطرق التي ذكرها مسلم.
[ (3) ](المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي الحديث رقم (9) بدون رقم.
قال: النصف كثير، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كبير وكثير، قال: فأوصى الناس بالثلث، فجاز ذلك لهم ذكره في باب الوصية بالثلث [ (1) ] .
[ (1) ](فتح الباري) : 5/ 464، كتاب الوصايا، باب (3) الوصية بالثلث وقال الحسن: لا يجوز للذمي وصية إلا الثلث، وقال اللَّه عز وجل: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة:
49] ، حديث رقم (2744) قوله:(باب الوصية بالثلث) أي جوازها أو مشروعيتها، وقد سبق تقرير ذلك في الباب الّذي قبله، واستقر الإجماع على منع الوصية بأزيد من الثلث، لكن اختلف فيمن كان له وارث، وسيأتي تحريره في «باب لا وصية الوارث» وفيمن لم يكن له وارث خاص فمنعه الجمهور وجوزه الحنففية وإسحاق وشريك وأحمد في رواية، وهو قول علي وابن مسعود، واحتجوا بأن الوصية مطلقة بالآية فقيدتها السنة بمن له وارث فيبقى من لا وارث له على الأطلاق، وقد تقدم في الباب الّذي قبله توجيه لهم آخر، واختلفوا أيضا هل يعتبر ثلث المال حال الوصية أو حال الموت؟ على قولين، وهما وجهان للشافعية أصحهما الثاني، فقال بالأول مالك وأكثر العراقيين وهو قول النجعى وعمر بن عبد العزيز، وقال بالثاني أبو حنيفة وأحمد والباقون وهو قول علي بن أبي طالب- رضي الله عنه وجماعة من التابعين، وتمسك الأولون بأن الوصية عقد والعقود تعتبر بأولها، وبأنه لو نذر أن يتصدق بثلث ماله، اعتبر ذلك حالة النذر اتفاقا، وأجيب بأن الوصية ليست عقدا من كل جهة، ولذلك لا تعتبر بها الفورية ولا القبول، وبالفرق بين النذر والوصية بأنها يصح الرجوع عنها والنذر يلزم بما علمه الموصي دون ما خفي غليه أو تجدد له ولم يعلم به؟ وبالأول قال الجمهور، وبالثاني قال مالك وحجة أنه لا يشترط ان يستحضر تعداد مقدار المال حالة الوصية اتفاقا، ولو كان عالما بجنسه، فلو كان العلم به شرطا لما جاز ذلك، وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حدث له مال بعد الوصية، اختلفوا أيضا: هل يحسب الثلث من جميع المال أو تنفذ (فائدة) : أول من أوصى بالثلث في الإسلام البراء بن المعرور بمهملات، أوصى به للنّبيّ صلى الله عليه وسلم وكان قد مات قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر، فقبله النبي صلى الله عليه وسلم ورده على ورثته، أخرجه الحاكم وابن المنذر من طريق يحيى بن عبد اللَّه بن أبي قتادة، عن أبيه، عن جده.
قوله: (وقال الحسن) أي البصري (لا يجوز للذمي وصية إلا بالثلث)، قال ابن بطال:
أراد البخاري بهذا الرد على من قال كالحنفية بجواز الوصية بالزيادة على الثلث لمن لا وارث له، قال: ولذلك احتج بقول اللَّه- تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ والّذي حكم به
وقد خرّج البخاري ومسلم هذا الحديث من طريق إبراهيم بن سعد، قال:
حدثنا ابن شهاب، حدثنا عامر بن سعد عن أبيه، ومن حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه، ومن حديث سفيان الثوري، عن سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن أبيه.
وخرّجه مسلم من حديث زهير: حدثنا سماك بن حرب قال: حدثني مصعب بن سعد، عن أبيه، ولم يذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بالشفاء.
[ () ] النبي صلى الله عليه وسلم من الثلث هو الحكم بما أنزل اللَّه، فمن تجاوز ما حده فقد أتى ما نهى عنه، وقال ابن المنير: لم يرد البخاري هذا، وإنما أراد الاستشهاد بالآية على أن الذمي إذا تحاكم إلينا ورثته لا ينفذ من وصيته إلا الثلث، لأنا لا نحكم فيهم إلا بحكم الإسلام لقوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ الآية، قوله:(، عن هاشم بن هاشم) أي ابن عتبة بن أبي وقاص، وقد نزل البخاري في هذا الإسناد درجتين، لأنه يروى، عن مكي بن إبراهيم، ومكي يروى، عن هاشم المذكور، وسيأتي في مناقب سعد له بهذا الإسناد حديث، عن مكي، عن هاشم، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قوله:(فقلت يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن لا يردني على عقبي) هو إشارة إلي ما تقدم من كراهية الموت بالأرض التي هاجر منها وقد تقدم توجيهه وشرحه في الباب الّذي قبله،
قوله: (لعل اللَّه يرفعك)
زاد أبو نعيم في (المستخرج) في روايته من وجه آخر، عن زكريا بن عدي «عنى يقيمك من مرضك» ،
قوله: في هذه الرواية (قلت أوصى بالنصف؟
قال: النصف كثير)
لم أر في غيرها من طرقه وصف النصف بالكثرة فكيف امتنع النصف دون الثلث؟ وجوابه أن الرواية الأخرى التي فيها جواب التي فيها جواب النصف دلت على منع النصف ولم يأت مثلها في الثلث بل اقتصر على وصفه بالكثرة، وعلل بأن إبقاء الورثة أغنياء أولى، وعلى هذا فقوله:«الثلث» خبر مبتدإ محذوف تقديره مباح، ودل قوله:«والثلث كثير» على أن الأولى أن ينقص منه، واللَّه- تعالى- أعلم، قوله:(قال وأوصى الناس بالثلث فجاز ذلك لهم) ظاهرة أنه من قول سعد بن أبي وقاص، ويحتمل أن يكون من قول من دونه واللَّه- تعالى- أعلم، وكان البخاري قصد بذلك الإشارة إلى أن النقص من الثلث في حديث ابن عباس للاستحباب لا للمنع منه، جمعا بين الحديثين، واللَّه أعلم.
ذكره البخاري في حجة الوداع، وفي كتاب الهجرة [ (1) ] ، وفي كتاب الدعاء في باب الدعاء برفع الوباء والوجع [ (2) ] ، وذكره في الفرائض في باب ميراث البنات [ (3) ] ، وذكره في كتاب الوصايا [ (4) ] ، وفي كتاب النفقات في باب فضل النفقة على الأهل [ (5) ] .
وأورده مالك (في الموطأ)[ (6) ] ، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: جاءني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعودني في عام حجة الوداع وبي وجع قد اشتد بي، فقلت: يا رسول اللَّه قد اشتد بي الوجع، ما ترى وأنا ذو مال ولا ترثني ألا كلالة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت:
فالشطر؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير وكبير، ما إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه إلا أجرت بها حتى ما تجعل في امرأتك، قال: قلت: يا رسول اللَّه أخلف بعد أصحابي؟ قال: إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا إلا ازددت به رفعة ودرجة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون، اللَّهمّ أمض لأصحابي هجرتهم، لا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة، يرثى له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إن مات بمكة.
[ (1) ](فتح الباري) : 7/ 343، كتاب (مناقب الأنصار) ، باب (49)
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهمّ أضمن لأصحابي هجرتهم» ،
ومرثيته لمن مات بمكة، حديث رقم (3936) ، والمرئية تعديد محاسن الميت، والمراد هنا التوجع له، لكونه مات في البلد الّذي هاجر منه.
[ (2) ] باب (42) الدعاء برفع الوباء والوجع، حديث رقم (6373) .
[ (3) ] باب (6) ميراث البنات، حديث رقم (6733) .
[ (4) ] باب (2) أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس، حديث رقم (2742) .
[ (5) ] باب (1) فصل النفقة على الأهل، وقول اللَّه- عز وجل: وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وقال الحسن: العفو: الفضل، حديث رقم (5354) .
[ (6) ](الموطأ) : 541، الوصية في الثلث لا يتعدى.
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: هذا حديث قد اتفق أهل العلم على صحة إسناده إلا أن في بعض ألفاظه اختلافا عند نقلته، فمن ذلك أن ابن عيينة قال فيه: عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد، عن أبيه: مرضت عام الفتح، انفرد بذلك، عن ابن شهاب، وقد روينا هذا الحديث من طريق معمر ويونس ابن يزيد، وعبد العزيزي بن أبي سلمة، ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن أبي عتيق وإبراهيم بن سعد، وكلهم قال فيه:، عن ابن شهاب عام حجة الوداع، كما قال مالك، قال يعقوب ابن شبة، سمعت علي بن المدني، وذكر الحديث فقال: وقال معمر ويونس، وذلك حجة الوداع وقال ابن عيينة عام الفتح، قال: والذين قالوا حجة الوداع أصوب.
قال أبو عمر بن عبد البر، لم أجد ذكر عام الفتح إلا في رواية ابن عيينة، لهذا الحديث، وفي حديث عمر والقاري رجل من الصحابة في هذا الحديث.
رواه عفان بن مسلم، عن وهيب بن جابر، عن عبيد اللَّه بن عثمان بن خثيم، عن عمرو بن القاري، عن أبيه، عن جده عمرو القاري، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قدم مكة عام الفتح، فخلف سعدا مريضا، حتى يخرج إلى حنين، فلما قدم من الجعرانة معتمرا، دخل عليه وهو وجع مغلوب، فقال سعد: يا رسول اللَّه إن لي مالا وإني أورث كلالة أفأوصى بمالي كله؟ أو تصدق بمالي كله؟ قال: لا،
وذكر الحديث هذا في حديث عمرو القاري أفأوصى على الثلث أيضا.
وأما حديث ابن شهاب، فلم يختلف عنه أصحابه لا ابن عيينة ولا غيره أنه قال فيه: أفأتصدق بمالي كله؟ أو بثلثي مالي؟ ولم يقل: أفأوصى.
قال أبو عمرو: وأما قول سعد أأخلف بعد أصحابي؟ فمعناه عندي:
أتخلف بمكة بعد أصحابي المهاجرين والمنصرفين معك إلى المدينة، ويحتمل أن يكون لما سمع
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه،
وتنفق فعل مستقبل أنفق أنه لا يموت من مرضه ذلك، فأستفهمه هل يبقى بعد أصحابه؟
فأجابه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بضرب من قوله: لن تنفق نفقه تبتغي بها وجه اللَّه، وهو قوله: إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا إلا ازددت به رفعة ودرجة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون،
وهذا كله ليس
بصريح، ولكنه قد قال كل ما قاله صلى الله عليه وسلم، وصدق في ذلك ظنه، وعاش سعد حتى انتفع به قوم، واستضر به آخرون.
روى أن وهبا قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشبح، قال: سألت عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأبيه عام حجة الوداع: لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون. فقال:
أمر سعد على العراق، فقتل أقواما على ردة، فأضربهم، واستتاب قوما سجعوا سجع مسيلمة، فتابوا، فانتفعوا به.
قال أبو عمر: مما يشبه قوله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لسعد هذا الكلام قوله للرجل الشعث: ما له ضرب اللَّه عنقه؟ فقال الرجل: في سبيل اللَّه؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: في سبيل اللَّه، فقتل الرجل في تلك الغزوة
ومثله
قوله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة أميركم زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد اللَّه بن رواحة.
فقال بعض أصحابه: نعى إليهم أنفسهم، فقتلوا بالاسهم في تلك الغزاة، وتلك ومثل ذلك أيضا
قصة عامر بن سنان حين ارتجز رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى خيبر، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: غفر لك ربك يا عامر؟ فقال له عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه لو أسعدتنا به؟ قال: وذلك أنه ما استغفر لإنسان قط إلا استشهد،
فاستشهد عامر يوم خيبر، وهذا كله ليس بتصريح من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في القول، ولا يبقين في المراد والمعنى، ولكنه كان يخرج كله كما ترى.
وقد خلف سعد بن أبي وقاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعد حجة الوداع نحو خمسين وأربعين سنة، وتوفى في سنة خمس وخمسين.