الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما استجابة اللَّه دعاءه صلى الله عليه وسلم للمرأة التي كانت تنكشف إذا صرعت
فخرّج البخاري من حديث مسدد قال: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عمران أبو كر قال: حدثني عطاء ابن أبي رباح، قال: قال لي ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت:
بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع اللَّه لي، قال: إن شئت صبرت، ولك الجنة، وإن شئت دعوت اللَّه أن يعافيك، قالت: أصبر، فقالت: أنى أتكشف فادع اللَّه لي ألا أتكشف، فدعا لها [ (1) ] .
[ (1) ](فتح الباري) : 10/ 141، كتاب المرضي، باب (6) فضل من يصرع من الريح، حديث رقم (5652) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
قوله: «باب فضل من يصرع من الريح» ، انحباس الريح قد يكون سببا للصراع، وهي علة تمنع الأعضاء الرئيسية، عن انفعالها منعا غير تام، وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الرماغ، أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء، وقد يتبعه تشنج في الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصبا بل يسقط ويقذف بالزبد لغلظ الرطوبة، وقد يكون الصراع من الجن، ولا يقع إلا من النفوس الخبيثة منهم، إما لاستحسان بعض الصور الإنسية، وإما لإيقاع الأذية به، والأول هو الّذي يثبته جميع الأطباء ويذكرون علاجه، والثاني يجحده كثير منهم، وبعضهم يثبته ولا يعرف له علاجا إلا بمقاومة الأرواح الخيرة العلوية لتندفع آثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطل أفعالها، وممن نص على ذلك أبقراط، فقال لما ذكر علاج المصروع: هذا إنما ينفع في الّذي سببه أخلاط، وأما الّذي يكون من الأرواح فلا، قوله:
(وأني أتكشف)
بمثناة وتشديد المعجمة من التكشف، وبالنون الساكنة مخففا من الانكشاف، والمراد أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر، وذكر ابن سعد وعبد الغنى في «المبهمات» من طريق الزبير أن هذه المرأة هي ماشطة خديجة التي كانت تتعاهد النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة كما سيأتي ذكرها في كتاب الأدب إن شاء اللَّه تعالى، وقد يؤخذ من الطرق التي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط،
وقد أخرجه
وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث عبيد اللَّه القواريري، عن يحيى بن سعيد وبشر ابن المفضل قالا: حدثنا عمران أبو الفضل، فذكره وخرّجه النسائي أيضا، وقد أورد البخاري في كتاب المرضي، في باب من صرع من الريح،
وقال بعده:
[ () ] البزار وابن حبان من حديث أبي هريرة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- شبيها بقصتها ولفظه «جاءت امرأة بها لمم إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع اللَّه. فقال: إن شئت دعوت اللَّه فشفاك، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك. قالت: بل أصبر ولا حساب على»
وفي الحديث فضل من يصرع، وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف، عن التزام الشدة، وفيه من العلاج بالعقاقير، وان تأثير ذلك وانفعال البدن، عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجع بأمرين:
أحدهما العليل وهو صدق القصد، والآخر من جهة المداوى وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل، واللَّه- تعالى- أعلم.
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 16/ 367، كتاب البر والصلة والآداب، باب (14) ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة بشاكها، حديث رقم (2576) . وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) : 6/ 156- 157، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي كانت تصرع وتتكشف بالعافية إن لم تصبر أو بأن لا تنكشف إن صبرت ولها الجنة، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة، وقال: أخره: لفظ حديث مسدد رواه البخاري في الصحيح، عن مسدد، ورواه مسلم، عن عبيد اللَّه القواريري، عن يحيى، بسنده إلى قال: أخبرني عطاء: أنه رأى أم زمر تلك المرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 1/ 571، حديث رقم (3230) من مسند عبد اللَّه بن عباس، ولفظه: «قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه السوداء أنت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني أصرع وأتكشف- فادع اللَّه لك أن يعافيك؟ قالت: لا، بل أصبر فادع اللَّه أن لا أتكشف- أو لا ينكشف، عنى- قال: فدعا لها
وفيه دليل على جواز ترك التداوي، وفيه أن علاج الأمراض كلها والالتجاء إلى اللَّه- تبارك وتعالى أنجح وأنفع من العلاج بالعقاقير، وأن تأثير ذلك انفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجح بأمرين أحدهما من جهة العليل، وهو صدق القصد، والآخر من جهة المداوى بحسن التوكل» .