الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما حديث كعب بن عجرة [ (1) ]
فقد رواه أهل الصحيح وأصحاب السنن والمسانيد من حديث عبد الرحمن ابن أبي ليلى عنه، وهو حديث لا مغمز فيه، فخرجه البخاري في كتاب الأنبياء في باب وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا من طريق عبد اللَّه بن عيسى، سمع عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدى لك هدية سمعتها من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، فاهدها لي قال: فقال: سألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول اللَّه، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإن اللَّه قد علمنا كيف نسلم قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وخرّج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من طريق شعبة عن الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج
[ (1) ] هو كعب بن عجرة الأنصاري المدني أبو محمد، وقيل أبو عبد اللَّه، وقيل: أبو إسحاق، من بنى سالم بن عوف، وقيل: من بنى سالم بن بلى حليف بنى الخزرج وقيل في نسبه غير ذلك.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب وبلال. روى عنه بنوه إسحاق والربيع ومحمد وعبد الملك، وابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس وجابر وعبد اللَّه بن معقل بن مقرن المزني وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو وائل ومحمد بن سيرين وأبو عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود وطارق بن شهاب ومحمد بن كعب القرظي وأبو ثمامة الحناط وسعيد المقبري، وقيل: بينهما رجل وإبراهيم وليس بالنخعى، وعاصم العدوي وموسى بن وردان وغيرهما.
قال الواقدي: كان استأخر إسلامه ثم أسلم وشهد المشاهد وهو الّذي نزلت فيه بالحديبية الرخصة في حلق رأس المحرم والفدية. قال خليفة: مات سنة إحدى وخمسين، وقال الواقدي وآخرون: مات سنة (52) قال بعضهم: وهو ابن خمس وقيل: سبع وسبعين سنة. (تهذيب التهذيب) : 8/ 390- 391، ترجمة رقم (790) .
[ (2) ](فتح الباري) : 6/ 503، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (10) بدون ترجمة، حديث رقم (3370)، (المرجع السابق) : 8/ 682، كتاب التفسير سورة (32) سورة الأحزاب باب (10)
_________
[ () ] إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، قال أبو العالية: صلاة اللَّه ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء، قال ابن عباس: يصلون يبركون. لنغرينك: لنسلطنك، حديث رقم (4797)، (المرجع السابق) : 11/ 183، كتاب الدعوات باب (32) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (6357) .
[ (3) ](مسلم بشرح النووي) : 4/ 367، كتاب الصلاة، باب (17) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، حديث رقم (66) . قال الإمام النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم: (قولوا اللَّهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم)
قال العلماء: معنى البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة، وقيل: هو بمعنى التطهير والتزكية، واختلف العلماء في الحكمة في قوله: اللَّهمّ صلّ على محمد كما صليت على إبراهيم، مع أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال القاضي عياض- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أظهر الأقوال أن نبينا صلى الله عليه وسلم سأل ذلك بنفسه ولأهل بيته ليتم النعمة عليهم كما أتمها على إبراهيم وعلى آله، وقيل: بل سأل ذلك لأمته، وقيل بل ليبقى ذلك له دائما إلى يوم القيامة ويجعل له به لسان صدق في الآخرين كإبراهيم صلى الله عليه وسلم. وقيل كان: ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل من إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وقيل: سأل صلاة يتخذه بها خليلا كما اتخذ إبراهيم. هذا كلام القاضي، والمختار في ذلك أحد ثلاثة أقوال:
أحدها: حكاه بعض أصحابنا عن الشافعيّ رحمه اللَّه تعالى أن معناه صل على محمد، وتم الكلام هنا، ثم استأنف وعلى آل محمد أي وصل على آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، فالمسئول له مثل إبراهيم وآله هم آل محمد صلى الله عليه وسلم لا نفسه.
القول الثاني: معناه: اجعل لمحمد وآله صلاة منك كما جعلتها لإبراهيم وآله فالمسئول المشاركة في أصل الصلاة لا قدرها.
القول الثالث: أنه على ظاهره، والمراد: اجعل لمحمد وآله صلاة بمقدار الصلاة التي لإبراهيم وآله والمسئول مقابلة الجملة، فإن المختار في الآل كما قدمناه أنهم جميع الأتباع، ويدخل في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء، ولا يدخل في آل محمد صلى الله عليه وسلم نبي، فطلب إلحاق هذه الجملة التي فيها نبي واحد بتلك الجملة التي فيها من الأنبياء. واللَّه تعالى أعلم.
_________
[ () ] قال القاضي عياض: ولم يجئ في هذه الأحاديث ذكر الرحمة على النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع في بعض الأحاديث الغريبة قال: واختلف شيوخنا في جواز الدعاء للنّبيّ صلى الله عليه وسلم بالرحمة فذهب بعضهم وهو اختيار أبي عمر بن عبد البر إلى أنه لا يقال، وأجازه غيره وهو مذهب أبي محمد ابن أبي زيد وحجة الأكثرين تعليم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه وليس فيها ذكر الرحمة والمختار أنه لا يذكر الرحمة وقوله: وبارك على محمد وعلى آل محمد، قيل: البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة وقيل الثبات على ذلك من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على الأرض، ومنه بركة الماء وقيل: التزكية والتطهير من العيوب كلها.
وقوله: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد احتج به من أجاز الصلاة على غير الأنبياء وهذا مما اختلف العلماء فيه، فقال مالك والشافعيّ رحمهما اللَّه تعالى والأكثرون: لا يصلي على غير الأنبياء استقلالا فلا يقال: اللَّهمّ صل على أبي بكر أو عمر أو علي أو غيرهم ولكن يصلي عليهم تبعا فيقال: اللَّهمّ صل على محمد وآل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته، كما جاءت به الأحاديث، وقال أحمد وجماعة: يصلي على كل واحد من المؤمنين مستقلا، واحتجوا بأحاديث الباب
وبقوله صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ صل على آل أبي أوفى،
وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلى عليهم، قالوا: وهو موافق لقول اللَّه تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ واحتج الأكثرون بأن هذا النوع مأخوذ من التوقيف واستعمال السلف ولم ينقل استعمالهم ذلك بل خصوا به الأنبياء كما خصوا اللَّه تعالى بالتقديس والتسبيح فيقال: قال اللَّه سبحانه وتعالى، وقال عز وجل، وقد جلت عظمته، وتقدست أسماؤه، وتبارك وتعالى، ونحو ذلك ولا يقال قال النبي: عز وجل وإن كان عزيزا جليلا ولا نحو ذلك. وأجابوا عن قول اللَّه عز وجل هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ومن الأحاديث بأن ما كان من اللَّه عز وجل ورسوله فهو دعاء وترحم وليس فيه معنى التعظيم والتوقير الّذي يكون من غيرهما.
وأما الصلاة على الآل والأزواج والذرية فإنما جاء على التبع لا على الاستقلال وقد بينا أنه يقال تبعا لأن التابع يحتمل فيه ما لا يحتمل استقلالا واختلف أصحابنا في الصلاة على غير الأنبياء، هل يقال هو مكروه أو هو مجرد ترك أدب؟ والصحيح المشهور أنه مكروه كراهة تنزيه، قال الشيخ أبو محمد الجويني، والسلام في معنى الصلاة فإن اللَّه تعالى قرن بينهما فلا يفرد به غائب غير الأنبياء فلا يقال أبو بكر وعمر وعلى عليهم السلام وإنما يقال ذلك خطابا للأحياء والأموات فيقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه. واللَّه تعالى أعلم.
علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول اللَّه عرّفنا كيف نسلم عليك؟ قال: قولوا:
اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
ذكره البخاري في كتاب الدعاء في باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وخرجه من طريق شعبة عن الحكم بهذا الإسناد مثله وليس في حديث مسعر: ألا أهدي لك هدية.
وخرجه أيضا عن الأعمش وعن مسعر، وعن مالك بن مغول كلهم عن الحكم بهذا الإسناد مثله غير أنه قال: وبارك على محمد ولم يقل: اللَّهمّ.
وخرجه البخاري [ (1) ] في كتاب التفسير من طريق مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قيل: يا رسول اللَّه أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة؟ فقال: قولوا: اللَّهمّ صل
…
مثل حديث شعبة سواء
وقال: على إثر هذا الحديث: وخرّج الفرياني حديث كعب بن عجرة رواه، عن سيفان الثوري عن الأعمش عن الحكم بن عيينة بنحو ما تقدم بعده وقيل لسفيان: كيف لم يقل: على إبراهيم وآل إبراهيم فقال: ألم تسمع إلى قوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [ (2) ] وفرعون معهم.
وخرجه أبو داود [ (3) ] من حديث شعبة عن الحكم بن أبي ليلى، عن كعب ابن عجرة قال: قلنا: أو قالوا: يا رسول اللَّه أمرنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك فأما السلام فقد عرفناه فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
[ (1) ](فتح الباري) : 8/ 682، كتاب التفسير [سورة الأحزاب] ، باب (10) إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، حديث رقم (4797) .
[ (2) ] غافر: 46.
[ (3) ](سنن أبي داود) : 1/ 598، كتاب الصلاة، باب (183) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، حديث رقم (976) .
وخرجه أيضا من حديث شعبة بهذا الحديث، قال: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على [آل] إبراهيم إنك حميد مجيد [ (1) ] .
ومن حديث الحسن بن محمد الزعفرانيّ قال: حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا إسماعيل بن زكريا، عن الأعمش ومسعر ومالك، عن الحكم بن عيينة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن أبي عجرة قال: لما نزلت هذه الآية إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (2) ] قلنا: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد [ (3) ] .
وقال ابن عبد البر: وقال شعبة والثوري عن الحكم عن عبد الرحمن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة؟ فقال: قل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
هذا لفظ حديث الثوري، وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند ويبين معنى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
[ (1) ] راجع التعليق السابق.
[ (2) ] الأحزاب: 56.
[ (3) ] سبق تخريجه.
فبين لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كيف الصلاة عليه وعلمهم في التحيات كيف السلام عليه [ (1) ] . وهو
قوله في التحيات: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين،
وهذا معنى
قوله في حديث مالك والسلام كما قد علمتم.
ويشهد لذلك قول عبد اللَّه بن عباس وابن عمر وابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، وهو أيضا معنى حديث كعب بن عجرة المذكور عند نزول الآية وقد قيل: إن السلام في هذه الأحاديث أريد به السلام من الصلاة، والقول الأول أكثر.
[ (1) ] قال الشافعيّ وابن راهويه: ومن قال بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فقوله:
«أمرتنا أن نصلي عليك» يدل على وجوبه، لأن أمره لازم، وطاعته واجبة، وقوله لا يجوز تركه.
قالوا: وقد أمر اللَّه تعالى بالصلاة عليه فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً فكان ذلك منصرفا إلى الصلاة، لأنه إن صرف إلى غيرها كان ندبا، وإن صرف إليها كان فرضا، إذ لا خلاف أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم غير واجبة في غير الصلاة، فدل على وجوبها في الصلاة.
واختلفوا في التشهد، هل هو واجب أم لا؟ فروى عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: من لم يتشهد فلا صلاة له. وبه قال الحسن البصري، وإليه ذهب الشافعيّ، ومذهب مالك قريب منه.
وقال الزهري وقتادة وحماد: إن ترك التشهد حتى انصرف مضت صلاته، وقال أصحاب الرأى: التشهد والصلاة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مستحب غير واجب، والقعود قدر التشهد واجب. (معالم السنن) : 1/ 598، تعليقا على الحديث رقم (976) ، باب (183) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، من كتاب الصلاة.