الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
المستعلى بالله أبو القاسم
أحمد بن المستنصر بالله أبي تميم معد بن الظاهر لإعزاز دين الله أبي الحسن علي ابن الحاكم بأمر الله أبي علي منصور
ولد في ثامن عشر المحرم، وقيل في العشرين من المحرم، سنة ثمان وستين وأربعمائة، وبويع له في يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة، سنة سبع وثمانين وأربعمائة، حين مات أبوه المستنصر. وذلك أن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي عندما مات المستنصر بادر إلى القصر وأجلسه ولقبه بالمستعلى، وبعث فأحضر إليه نزاراً وعبد الله وإسماعيل، أولاد المستنصر؛ فلما حضروا وشاهدوا أخاهم أحمد وكان أصغرهم، قد جلس على تخت الخلافة أنفوا من ذلك، فأمرهم الأفضل بتقبيل الأرض وقال لهم: تقدموا وقبلوا الأرض لله تعالى ولمولانا المستعلى بالله وبايعوه، فهو الذي نص عليه الإمام المستنصر، قبل وفاته، للخلافة من بعده. فامتنعوا من ذلك، وقال كل منهم إن والده وعده بالخلافة؛ وقال نزار: إن قطعت ما بايعت من هو أصغر سناً مني وخط والدي عندي بأني ولي عهده وأنا أحضره؛ وخرج مسرعاً ليحضر الخط، فمضى من حيث لا يشعر به أحد وتوجه في خفية إلى الإسكندرية. فلما أبطأ أرسل الأفضل من يستعجله بالحضور، فلم يوجد، وفتش عليه في القصر فلم يوقف له على خبر ولا عرف كيف توجه فاضطرب الأفضل لذلك وانزعج انزعاجاً شديداً.
وقوم يذكرون أن المستنصر كان قد أجلس ابنه أبا المنصور نزاراً، لأنه أكبر أولاده، وجعل إليه ولاية العهد من بعده، فلما قربت وفاته أراد أن يأخذ له البيعة على رجال الدولة،
فتقاعد له الأفضل ودافع حتى مات؛ وذلك أنه كانت بينه وبين نزار مباينة، وكان في نفس كل منهما مباينة من الآخر لأمور، منها أن نزاراً خرج ذات يوم من بعض أماكن القصر فوجد الأفضل قد دخل من أحد أبواب القصر وهو راكب، فصاح به: انزل يا أرمني يا نجس؛ فحقدها الأفضل عليه، وظهرت كراهة أحدهما الآخر. ومنها أن الأفضل كان يعارض نزاراً في أموره أيام حياة أبيه ويرد شفاعاته ويضع من قدره، ولا يرفع رأساً لأحد من غلمانه وحاشيته، بل يحتقرهم ويقصدهم بالأذى والضرر. فلما عزم المستنصر على أخذ البيعة لنزار اجتمع الأفضل بالأمراء الجيوشية وخوفهم من نزار، وحذرهم من مبايعته، وأشار عليهم بولاية أخيه أحمد فإنه صغير لا يخاف منه، ويؤمن جانبه؛ فرضوا بذلك وتقرر أمرهم عليه بأجمعهم ما خلا محمود بن مصال اللكي، من قرية يقال لها لك برقة، فإنه لم يوافق لأنه كان قد وعده نزار بأن يوليه الوزارة والتقدمة على الجيوش مكان الأفضل؛ فلما اطلع على ما قرره الأفضل من ولاية أبي القاسم أحمد مع الأمراء وأنهم قد وافقوه على ترك مبايعة نزار طالعه بجميع ذلك.
وبادر الأفضل فأجلس أبا القاسم ولقب بالمستعلى بالله. وأصبح في بكرة يوم الخميس لاثنتي عشرة بقيت من ذي الحجة فأخرجه إلى الإيوان، وأجلسه على سرير الملك، وجلس هو على دكة الوزارة؛ وحضر قاضي القضاة المؤيد بنصر الإمام علي بن نافع بن الكحال، والشهود، فأخذ البيعة على مقدمي الدولة وأمرائها ورؤسائها وجميع الأعيان؛ ثم مضى إلى عبد الله وإسماعيل ولدي المستنصر، وكانا في مسجد من مساجد القصر وقد وكل بهما الأفضل جماعةً يحفظونهما، فقال لهما: إن البيعة قد تمت لمولانا المستعلى بالله، وهو يقرئكما السلام ويقول لكما تبايعاني أم لا؟ فقالا: السمع والطاعة، إن الله اختاره علينا؛ ووقفا قائمين على أرجلهما وبايعاه؛ وكتب كتاب البيعة وأخرج، فقرأه الشريف
سناء الملك محمد بن محمد الحسيني الكاتب بديوان الإنشاء، على عادة الأمراء وجميع أهل الدولة.
وكانت الدعاة عندما بلغهم موت المستنصر اختلفوا فيمن يبايعونه من بعده، فدعا بركات، وهو أمين الدعاة، لعبد الله المستنصر ونعته بالموفق؛ فقبض الأفضل عليه وقتله هو وابن الكحال. ووصل الخبر بلحاق نزار ومعه محمود بن مصال اللكي بنصر الدولة، وأن نصر الدولة أفتكين التركي، أحد مماليك أمير الجيوش وكان على ولاية الإسكندرية، قد بايعة والقاضي ابو عبد الله محمد بن عمار واهل الاسكندرية قد بايعه، والقاضي أبو عبد الله محمد بن عمار، وأهل الإسكندرية، وأنه تلقب بالمصطفى لدين الله. فأهم الأفضل ذلك وأخذ في التأهب لمحاربتهم.
وفيها توفى أبو عبد الحسين بن سديد الدولة، ذي الكفايتين، محمد الماسكي؛ وكان ممن وزر للمستنصر في سنة أربع وخمسين، فلما صرف عن الوزارة سار إلى مدينة صور من الشام فأقام بها عدة سنين؛ ثم إنه رجع إلى مصر وخدم مشارفا بالإسكندرية بعد الوزارة، ثم صرف عن المشارقة. وكان من أماثل الكتاب وأحد الأدباء الفضلاء. ومن شعره:
توصّل إلى ردّ كيد العدوّ
…
توصّل ذي الحيلة الحازم
وصانع ببعض الذي حزته
…
تعش عيشة الآمن الغانم
ودع ما نعمت به في القدي
…
م، واعمل لذا الزمن القادم
لعلّك تسلم ممّا تخاف
…
ولست، إخالك، بالسالم
وله عدة مصنفات ورسائل.