الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وخمسمائة
في رمضان ورد الخبر بأن أهل مدينة طرابلس الشام نادوا بشعار الدولة عند خروج فخر الملك أبي علي عمار بن محمد بن الحسين بن قندس بن عبد الله بن إدريس بن أبي يوسف الطائي منها وقصده بغداد لطلب النجدة لما اشتد حصار الفرنج لها، وغلا السعر بها. وكان سماء الملك حسين بن الأفضل عند ما كان بالشام في السنة التي كسر الفرنج فيها قد سام ابن عمار تسليمها إليه، فامتنع وغلق الباب في وجهه؛ وأقام سماء الملك عليها مدةً بالعساكر إلى أن نازلها الفرنج ورحلوه عنها إلى عسقلان. فلما سمع الأفضل أن أهل الثغر نادوا بشعاره سير إليهم شرف الدولة ابن أبي الطيب ومقدم الأسطول، وأمره يأخذ المراكب التي على دمياط وعسقلان وصور معه إلى الثغر المذكور نصرةً للمسلمين.
فلما وصل إليه وجد الفرنج قد ملكوا الجوسق وأمهلوا المسلمين، فأنفذ من كان بها وحمل في المراكب من أراد الخروج منهم بأهاليهم وأموالهم، وفيهم صالح بن علاق الطائر بعد هروبه من الأفضل، وحمل من دار ابن عمار ذخائره ومصاغه، وكان بقيمة كبيرة.
وحمل أخا ابن عمار المعروف بفخر الدولة وأهله إلى مصر، فأكرمهم الأفضل، واعتقل صالح بن علاق بخزانة البنود.
وفي العشرين من شوال كانت ريح سوداء من صلاة العصر إلى المغرب.
وفيها جدد حفر خليج القاهرة، فإن المراكب كانت لا تدخل فيه إلا بمشقة، وجعل حفره بأبقار البساتين التي عليه، فيحفر بأبقار كل بستان ما يحاذيه، فإذا أنتهى أمر البساتين عمل في البلاد كذلك؛ وأقيم له وال مفرد بجامكية؛ ومنع الناس أن يطرحوا فيه شيئاً.
ولما تكاثرت الأموال عند ابن أبي الليث صاحب الديوان، وحدث أن تبجح على الأفضل بخدمته، وكان سبعمائة ألف دينار، خارجاً عما أنفق في الرجال، فجعل في صناديق بمجلس الجلوس. فلما شاهد الأفضل المال قال: يا شيخ تفرحني بالمال وتريد أمير الجيوش أن يلقى بئرا معطلة أو أرضاً بائرةً أو بلداً خراباً، لأضربن رقبتك. فقال: وحق نعمتك لقد حاشا الله أيامك فيها بلد خراب أو بئر معطلة. فتوسط القائد له بخلع؛ فقال: لا والله حتى أكشف عما ذكر.
وفيها وصل بغدوين إلى صيدا ونصب عليها البرج الخشب؛ فوصل الأسطول من مصر للدفع عنهم، وقاتلوا الفرنج، فظهروا في مراكب الجنوية، فبلغهم أن عسكر دمشق خارج في نجدة صيدا، فرحل الأسطول عائداً إلى مصر.
وفي شعبان منها نزل الفرنج على طرابلس وقاتلوا أهلها من أول شعبان إلى حادي عشر ذي الحجة، ومقدمهم ريمند بن صنجيل؛ وأسندوا أبراجهم إلى السور؛ فضعفت نفوس
المسلمين لتأخر أسطول مصر عنهم، فكان قد سار من مصر إليها بالميرة والنجدة فردته الريح لأمر قدره الله. فشد الفرنج في قتالهم وهجموا من الأبراج، فملكوها بالسيف في يوم الاثنين الحادي والعشرين من ذي الحجة، ونهبوا ما فيها، وأسروا رجالها، وسبوا نساءها وأطفالها؛ فحازوا من الأمتعة والذخائر ودفاتر دار العلم وما كان في خزائن أربابها ما لا يحد عدده ولا يحصى فيذكر. وسلم الوالي لها في جماعة من جندها كانوا قد طلبوا الأمان قبل ذلك؛ وعوقب أهلها واستصفيت أموالهم واستقهرت ذخائرهم، ونزل بهم أشد العذاب. وتقرر بين الفرنج والجنويين الثلث من البلد وما نهب منه للجنويين والثلثان لريمند ابن صنجيل؛ وأفردوا للملك بغدوين ما رضى به.
ثم وصل أسطول مصر ولم يكن خرج فيما تقدم معه كثرة رحال ومراكب وعدد وغلال لحماية طرابلس فأرسى على صور في اليوم الثامن من أخذ طرابلس وقد فات الأمر فيها، فأقام مدة، وفرقت الغلة في جهاتها. وتمسك أهل صور وصيدا وبيروت به لضعفهم عن مقاومة الفرنج، فلم تمكنه الإقامة، وعاد إلى مصر.